38 عاماً والسؤال قائم:
لماذا لم ينتج فيلم مصرى يليق بحرب أكتوبر؟!
بقلم: طاهر البهي
في بلدي .. كثير من الأمور المحيّرة، التي يقف أمامها أي كاتب أو محلل، أو حتي «متأمل» أو مجتهد .. يقف حائراً، تتعلق بحلقه التساؤلات، غير مصدق أن ماحدث لايزال يحدث!، ومنها هذه الحالة غير المبررة ولا المفهومة، فطوال (38) عاماً بالتمام والكمال - أي ما يقارب الأربعة عقود وهي سنوات طويلة نسبياً - ورغم النداء والصراخ بأن تكون لدينا أفلاماً مصرية بحجم الحدث الجلل، بحجم الانتصار، بحجم دماء الشهداء التي سالت علي ضفاف القناة.. بحجم الأرض والعرض اللذين استعدناهم بعد 6 سنوات من الاغتصاب.. ثم اختصرنا الحلم في بئر عميق من التثاؤب والإهمال.
.. وأرجوكم .. لا يقولن لى أحدكم أن لدينا أفلاماً مثل: «الرصاصة لاتزال فى جيبى» و«بدور» و«العمر لحظة».... و.... و لعل أحدثهم كان «حائط البطولات» لمخرجنا المتميّز محمد راضى (الذى شرفت بمتابعة كواليسه والكتابة عنه فى حواء فى العام 1995) والذى احتشد له مجموعة ضخمة من النجوم (عن قصة إبراهيم رشاد) وكان بمثابة الزغرودة السينمائية التى جاءت متأخرة، ولكن الفيلم كان قاصراً على إبراز بطولة أحد أفرع المعركة، ومع شديد احترامى لكل المبدعين الذين ساهموا فى هذه الأفلام وغيرها من شموع السينما المصرية، إلا أن «أكتوبر» فى هذه الأعمال جاء مجرد صدفة فى طريق أبطاله، فلم يخصص أحد فيلماً عن المعركة ذاتها، أو عن القصص الإنسانية المؤثرة التى لايزال كثير من أبطالها - متعهم الله بالصحة والعافية وطول العمر - أحياء يرزقون، وبحسب معلوماتى المتواضعة، فإن مشروعاً لدى إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة الباسلة لتوثيق ذكريات القادة والجنود.. وتلك هى الملحمة الحقيقية التى تُبنى عليها مشروعات سينمائية.
لماذا؟
السؤال الأول الذى يدور فى الأذهان هو: لماذا .. لماذا لم يتم تقديم هذا الفيلم حتى الآن، ورغم مرور مايقارب الأربعة عقود؟
من خلال تحقيق متواصل، كانت الإجابة تأتينا دائماً: الإمكانيات! ولكن هذا مردود عليه، بأننا أصبحنا فى زمن التكتلات الكبرى بين شركات إنتاج عملاقة، حتى أصبحنا نرى منتجين يحتشدون لإنتاج مسلسلات تتكلف عشرات الملايين، ونجوم يدفع لها أرقاماً فلكية، لا أتصوّر أنهم يمانعون فى التنازل عن أجورهم، أو حتى أجزاء منها، من أجل أن يدخلوا التاريخ، ويسكنون قلوب المصريين.
ثانية المشكلات التى يثيرها صنّاع السينما هى «القصة»!! ولا أظن أن الساعات التى سبقت ساعة الصفر، وأعنى بها ساعات المخاض.. فليبحثوا فى عقل جنودنا عن قصة، وفى صدر كل ضابط عن ذكرى، وفى داخل كل بيت عن «عبرة» وبعدها لا نظن أن مصر قد نضبت من المواهب، فلدينا من كتّاب السيناريو من نفخر بهم، ونثق فى عمق موهبتهم، وإخلاصهم ووطنيتهم.
هل فات الوقت؟
فى تقديرنا أنه لم يفت الوقت رغم مرور السنوات الطوال، ورغم أنه بنظرة إلى ما فعله غيرنا، وإذا نظرنا إلى الحرب العالمية الثانية، بدأ فوراً الإنتاج الدعائى والتسجيلى من قبل إحدى الدول المشاركة فى الحرب، وهى الولايات المتحدة الأمريكية على قصص البطولات فى تلك الحرب، بل امتدت أيضاً إلى تسجيل وتوثيق المعارك الكبرى فى أفلام روائية بثت الروح فى هذه المعارك مجدداً وكانت المفاجأة التى تسد نوافذ«الححج» على المنتجين أن هذه الأفلام تدفقت معها ملايين الدولارات من العروض التجارية والتسويق الخارجى.
فماذا ينتظرمنتجونا ونجومنا؟
هل لازلتم تبحثون عن قصة، وهو ما يتردد فى كل حواراتكم الصحفية؟
فهل قصة أسر اللواء (190) الإسرائيلى ليست بالعمل الدرامى البطولى المشوق؟
أليست قصة «عبدالعاطى» صائد الدبابات تصلح للسينما؟
أليست قصة الجندى المصرى «محمد أفندى» وأول علم رفرف فى شموخ على الأرض المصرية بعد تحقيق العبور العظيم.. أليست قصة سينمائية؟
نقول هذا، دون أن ننتقص من قدر أفلاماً مصرية عظيمة، تصدت بجهود أفراد وغزلت أفلاماً لاتنسى.. فلا ننسى «حتى آخر العمر»، لمخرجنا الرائع أشرف فهمى (1975) عن قصة أعدها الأديب والسياسى يوسف السباعى، وهو عن قصة ضابط طيار أصيب فى عمليات حربية فى أكتوبر، مما كان له أثره على علاقته بزوجته، وتقف الزوجة إلى جواره فى محنته، فيتجدد أمله فى الشفاء».
وفى فيلم «العمر لحظة» للمخرج الكبير محمد راضى، يتضح جانباً مشرقاً للمرأة المصرية أثناء معارك أكتوبر 1973 (عن نص مسرحى ليوسف السباعى)، فنجد أن بطلة الفيلم صحفية تشارك فى الحرب بالذهاب الى الجبهة أثناء حرب الاستنزاف، ويحدث أن تتعرف على أحد الضباط الأبطال ويحدث إعجاب متبادل بعد أن جمع بينهما الإحساس الوطنى الجارف، وتبدأ الصحفية فى التعرف على قصص الجنود .. حتى تندلع حرب أكتوبر المجيدة، ولذلك فمشاهد الحرب قليلة فى هذا الفيلم، ويذكر أن الوحيد الذى صور مشاهد حية من حرب أكتوبر هو مخرجنا الكبير يوسف شاهين وكل ما استطاع تصويره هو (6) دقائق لاغير.
أبناء الصمت
ومن الأفلام المهمة للغاية فى التعرض لحرب أكتوبر، هو فيلم «أبناء الصمت» لمحمد راضى أيضاً (1974) عن قصة الأديب الكبير «مجيد طوبيا» ومصدر التميّز فى الفيلم هو تناوله لتفاصيل حياة عدد من الجنود فى موقع عسكرى واحد قبيل حرب أكتوبر، ورغم أن الفيلم كان معداً للتصوير قبيل حرب أكتوبر، إلا أن معوقات انتاجية حالت دون تصويره حينئذ، وبعد النصر تمت إضافة عدد من المشاهد لتواكب وتوثق للانتصار.
وفى النهاية أتصوّر أن عشر علامات استفهام جديدة أضيفت إلى العلامة الأولى، والسؤال الأول: لماذا؟!
ساحة النقاش