من سيد درويش الى منير وشيرين عبد الوهاب
الأغنية الوطنية في مائة عام
يرصدها: طاهر البهي
لم أندهش من هذه الانتعاشة التى لاحظها الجميع على مستوى الغناء الوطنى، فى أثناء وفى أعقاب الثورة المصرية الشابة، وهي الحالة التى شارك فيها من نجوم الغناء الكبار: محمد منير، محمد الحلو، على الحجار، نادية مصطفى.. وشيرين عبد الوهاب، كما شارك في الحالة بعض نجوم الجيل الجديد.. جيل الثورة الفتية.
ولكن من اللافت أن معظم الأغانى التى بثها التليفزيون، تمت كتابتها وتلحينها قبل الثورة، ومنها الأنشودة الجميلة لعمنا سيد حجاب وعلى الحجار " هنا القاهرة "، التى طالما استمعت اليها ملقاة او مغناة من اصحابها منذ نهايات الثمانينيات فى جلسات كانت تجمعنا فى أحد مقاهى المثقفين بوسط القاهرة، وكان معلوما لدينا أن معالى الرقيب كان يرفض اجازتها !!!!! كان صوت على الحجار فى هذه الأغنية التى كانت تكسر ظلام وسكون الليل، دائما ما يبكينا.
فهذا هو دور الأغنية المصرية الوطنية، التى لا يتذكرها القائمون على أمر التليفزيون فى بلدى، إلا أثناء المحن والشدائد.. رغم أن " حب الوطن فرض علينا"!
..وإذا كان الشعر هو ديوان العرب،فأن الأغنية هي ديوان الوطن نفسه ..
ففي أكتوبر من عام1973 المجيد.. انتعشت الأغنية الوطنية من جديد،وذاقت طعم الفرحة وإيقاع النصر،وصيحة العزة،بعد أن عاشت فترة زمنية ليست قصيرة منتعشة أيضاً،ولكن تحت راية مُنكّسة عقب نكسة1967،وعلى نغمات ناي حزين أخضر واكب العدوان الثلاثي على مصر عام1956.
غنى لمصروالعروبةفريدالأطرش،الرحبانية،فيروز،وديع الصافي،نجاح سلام،فايزه أحمد،ليلي مراد،...،...
أسماء كبيرة ومهمة في تاريخ الغناء العربي،ولكن الغريب أنه برحيل هؤلاء أو ابتعادهم عن الساحة،لم يظهر في الأفق حماساً واضحاً لدى جيل آخر ليغني لنصرة العرب،ولأمجاد العرب..ومع الانفتاح تقوقعنا وظهر أمر لافت هو ما عرف بأغانى انتصارات الكورة !
بل إحتاج الأمر إلي عقدين من الزمان عندما جاء الشاعر الوطني الرقيق مدحت العدل،وجمع حشداً من نجوم الصف الأول في معظم البلدان العربية،وقدم معهم وبهم أوبريت"الحلم العربي"ثم"القدس ها ترجع لنا"ولذلك كان استقبال الشعوب العربية لهذين العملين عظيماً وبحجم الإخلاص الذي لمسناه جميعاً في هذين العملين..
واجتمع العرب مرة أخري لأول مرة منذ سنوات بعيدة يغنون حلماً واحداً،وينشدون أملاً موحداً.
فيما عدا ذلك كانت المحاولات فردية،والجهود مشتتة،فكان كل مبدع عربي يحاول جاهداً أن يصفق بيد واحدة..
وبالطبع كان ذلك مستحيلاً..
أو على الأقل..قل..هزيلاً!
وقد يقول قائل إن سيد درويش..ذلك الملحن والمطرب العبقري،العظيم،قد بدأ التجربة..تجربة الغناء للوطن..وحيداً،ورغم ذلك استطاع أن يصنع أمجاداً،وأن يفتح آفاقا واسعة، للغناء الوطني، وأن يكون رائداً في هذا الاتجاه..
تلك حقيقة..ولكنها نصف الحقيقة..فليست اليد الواحدة قابلة للتصفيق منفردة فى كل الحالات..
أما النصف الآخر من الحقيقة الذي لم يقال، هو أن سيد درويش كان"مؤثراً" بحجم موهبته، و(قائداً)بحجم ريادته، و(مسموعاً)بحجم انتشاره..ولذلك لا أظن أن مطرباً آخر،مؤهلاً لأن يجمع كل الطوائف حوله كما فعل الشيخ سيد درويش في بدايات القرن العشرين.
الأن تقاسم المطربون الساحة،كما تقاسموا الاُذُن العربية،وأصبح المطربون تماماً كمشايخ الطرق الصوفية،لكل منهم مريدوه، وأتباعه، وناصروه، فتفرقت أصواتهم بين القبائل!
يتبع
طاهر البهي
ساحة النقاش