8 ساعات فى مرجيحة !
بينى وبين السفر عشق خاص ..و" عند " أشد إخلاصا و" ملاوعة " تصل الى حد الهجر أحيانا ( ! )، العشق بدأ مبكرا جدا، حينما كنت أطلق ذراعي للريح من نافذة قطار الشرق العتيق المخيف، كانت مقدمته " الجرار " تشبه الى حد كبير مقدمة الطائرة الأييرباص ـ أتوبيس الهواء لمن لا يعرف الانجليزية مثلى ! ـ كانت العظيمة أمى تفضل اصطحابى باعتبارى الأكثر هدوءا بين أشقائى، كانت دائمة التحذير لى من أن " يأكل " القطار ذراعى، فتأصل الخوف بداخلى.. ده اقتراحى يعنى!ّ وطفت بمصر بكافة أركانها خلال فترة انتمائى الى فرق الجوالة بجامعة عين شمس، وتعرفت على طبائع أهلها الذين أعشقهم عشقى لأهلى، وأؤمن بأن مصر لديها كل المقومات لتحافظ على مكانها ومكانتها بين الأمم .. هكذا خلقها الله ينبوعا للمواهب..ولم تبهرنى عواصم اوروبية وعربية زرتها قدر انبهارى بدلتا وصعيد مصر وبدوها.
ولأن العاصمة الإماراتية " دبى " أصبحت مقصد العشاق، أقصد عشاق السفر والتسوق والتجوال، أحببت كثيرا أن أتعرف على مذاقها وسر صعودها ـ مرة أخرى أعترف باننى مولع بمحاولات فك شفرة قصص الصعود والنجاح، فعلت هذا كثيرا وأرجو ألا تتخلى عنى متعة ونعمة ولهفة الإندهاش ـ وعلى الرغم من سابقة الاعتذار، إلا أن الدعوة الكريمة من مؤسسة العويس الثقافية، وهى مؤسسة غير ربحية أقامها الشاعر الإماراتى سلطان العويس حبا فى الثقافة وفى وطنه العربى .
وكان من حسن حظى أن ذهبت مع فرقة رضا العريقة، التى أعرف تاريخها وقدرها، ووصولا الى نجومها، الأصيل الدافئ المتدفق محمد رؤوف والموهوب حتى النخاع مديرها ايهاب حسن، والراحل الموهوب عمر فتحى، ومن روادها محمود وعلى وفريدة؛ فجميعهم أصدقاء حميمين، ولمست عن قرب أن مصر تنافس بالمواهب، وبطبيعة أبنائها المبدعين .... ما علينا ... نعود الى قصة السفر، ففى هذه الرحلة رزقنى الله بشخص زاملنى من مطار القاهرة ـ مجرد راكب لا أعرفه ـ بدأ بالسلام، ورددت بأحسن منه، ثم دخل فى الموضوع مباشرة: انت بتخاف من السفر؟ قلت بفتور ومن غير اهتمام: يعنى ! ـ أنصحك اذا قابلت مثل هذا الشخص ألا تتردد فى أن تقول له: انت مال... ك ! قال: مافيش حاجة تخوف ..لأن لو الطيارة وقعت ولادك هايصرفوا تعويض كويس .. واحنا بنشقى ليه .. وعلشان ايه؟ واستمر الزمل بدون سابق معرفة فى إطلاق أسئلته " المطمئنة ": انت نمت كويس؟ وأجاب على نفسه: ماهو طبيعى قلة النوم، لأن الفكر بيودى ويجيب، ما هو انت ـ حتى مافيش حضرتك ـ انت متشعلق فى الهوا ولو المحرك وقف هايعمل ايه الطيار الغلبان.. ماهو شوف ـ هو يقول ـ الطيارة دى عاملة زى المرجيحة لو لفت ترميك فى البحر !!
وهنا دعوت الله أن يصرف عنى هذا الرجل، ولكن ارادته سبحانه شاءت أن يقترب منى، أثناء شرح المضيفات لأدوات النجاة، فيما فرحت أنا جدا بوجود صحيفة روزاليوسف التى أشعر بالإنتماء والامتنان لها، فانهمكت فى التهام عناوين الصفحة الأولى الى أن نقلع على خير، وفيما يدعونا المضيف الأنيق فى شركتنا الوطنية الى اعتدال المقعد والتخلى عن الوسائد والبطاطين الخفيفة، أشار لى زميلى الغتت الذى لاأعرفه، ان هذه الاحتياطات سببها ان الطائرة لو ولعت مافيش حاجة " تشنكلك " وانت بتهرب ( ! ) وما أن زادت الطائرة من سرعتها على الأرض تمهيدا للانطلاق، حتى وجدت الرجل المتشائم يتصبب عرقا !
وانطلقت " المرجيحة " بسلام الله .. فصاح الرجل: هييييييييييييييييييه
وسبحان الذى سخر لنا هذا.
ساحة النقاش