كل عام ومصر بخير بمسلميها وأقباطها 

طاهر البهى 

أنا واحد من أبناء الشعب المصري العريق،  عشت طوال عمري متنقلاً  بين أحياء مصر الشعبية وأخري يقال عليها راقية،  وأفخر بأنني صادقت كل الطبقات في بلدي من بسطائها إلي مثقفيها وأثريائها،  وأشهد بأنني لم أجد أعراضاً  للتفكير الطائفي لدي أي منهم،  أكثر من هذا  وهو ما أكرره كثيراً .. أنني أقطن بجوار إحدي الكنائس الكبري في القاهرة،  ومن شرفتي أطل علي الكنيسة ومرتاديها،  ولم تكن لي ملاحظة ولو ليوم واحد،  أن هناك اختلافاً  بين مسلم ومسيحي لا في الملابس،  ولا في الملامح،  ولا في الثقافة،  ولا في الانتماء  ،  أحمد بجوار جون ومصطفي  مع مايكل ومحمد مع مرقص،  الحوارات مشتركة وممتدة بين الجميع حتي ساعة متأخرة من الليل،  وكثيرا ماعدت متأخرا في الليل إلي منزلي،  لأجد شبابا قبطياً  مصريا يساعدني في العثور علي مكان للانتظار،  وأحيانا يتطوع أحدهم بأن يضحي بمكانه،  ليترك لي مكاناً  لتبيت فيه سيارتي .. هذا الشباب في الأغلب الأعم لم يسأل عن ديانتي،  ولا عن انتماءاتي السياسية والفكرية،  ولكنه تصرف بثقافته المصرية المحبة للآخرين،  إنهم شباب مصريون يحترمون الآخر،  ويساعدون من يحتاج إلي مساعدة،  بصرف النظر عن كونه حتي مواطن مصري أم زائر ضيف . 

في يوم الجمعة من كل أسبوع كنت أراقب حارس العقار وهو يصطحب ابن جارنا القبطي إلي الكنيسة،  ثم يذهب إلي المسجد المجاور لأداء صلاة الجمعة،  وهو مشهد يلخص حالة التلاحم التام بين أفراد الوطن،  وان كنت أرفض وصف  " عنصري الأمة " ،  باعتبار أن الأمة موحدة بالفعل علي وطن واحد وهم واحد . 

وفي تقديري أن الميديا في بلدي ـ خاصة المرئية منها ـ لا تجيد إبراز ما يستحق التأكيد عليه،  ولا تعرف أسلوب مخاطبة المواطن،  بل هي تردد في ملل لغة عفي عليها الزمان،  فتنتظر  - لا قدر الله  - حدوث مشكلة وتبدأ في تعبئة البرامج بأحد الشيوخ الأفاضل بعمته الحمراء،  وأحد القساوسة المحترمين بعمته السوداء،  وهات يا أسئلة مكررة تفتقد الذكاء،  وتنتهي الحلقات،  ولم نخرج منها بشيء،  في حين أننا لو علمنا صغارنا أن يقول لبعضنا البعض :" كل سنة وأنت طيب  " لكان ذلك يكفي وزيادة !. 

وبمناسبة كل سنة وأنت طيب هناك حكاية تجربة طريفة تستطيع أن تجربها بنفسك تعبر عن مدي طيبة هذا الشعب وحبه للآخر .

جرب أن تقول كل سنة وأنت طيب لجارك ولزميلك في العمل طوال العام . 

ما المناسبة ؟ سوف تجد في كل يوم مناسبة لتهنئ جارك وزميلك في العمل،  وحتي يقولها الموظف لرئيسه،  وعامل النظافة علي كوبري أكتوبر لقائدي السيارات والبواب لشاغلي الشقق السكنية والمحلات التجارية . 

ولم أجد شعباً  مجاملاً  الي هذا الحد،  منا نحن أبناء الشعب المصري،  وقد جربت أن تكون عبارة  " كل سنة وأنت طيب " لازمة عند تحيتي لبعض الناس،  فلم يندهشوا، ولم أندهش من ردهم الحماسي  : يعودها علينا وعليك الأيام بخير .. أما ماهي ؟ فلست أعلم ولا أظن أنهم يعلمون !

وتعال نطبقها بحسبة بسيطة : يناير  .. بداية عام جديد،  وديسمبر من قبله نهاية عام مضي .. أما فبراير ففيه إجازة نصف العام الدراسي،أن نهنئ أنفسنا به،  بعد ماراثون قاس من الدروس الخصوصية،  والاحتشاد لمواجهة الأوبئة،  ومارس هو شهر عيد الأم والأسرة،  أبريل : شم النسيم وأعياد الربيع،  مايو  : شهر الامتحانات المدرسية والجامعية وعيد العمال وبدء الكلام عن العلاوات الاجتماعية،  يونيو : شهر الانتهاء من الامتحانات وبدء الاجازات وبالتالي فهو يستحق  - جدا  - أن نهنئ بعضنا البعض،  ويوليو هو شهر الثورة المصرية وقبض العلاوة للموظفين الغلابة،  وأغسطس هو شهر المصايف والاستجمام وارتياد الملاهي والمولات وهو أيضاً  سبب كاف للتهنئة،  أما سبتمبر فهو شهر العودة للدراسة،  وأكتوبر شهر احتفالاتنا الوطنية بانتصارات أكتوبر المجيد  ،  فهو أيضاً  مناسبة للتهنئة،  ونوفمبر هو موسم أعياد الطفولة . 

إضافة إلي المناسبات الدينية التي تحتل الصدارة في إرسال واستقبال رسائل التهاني .. لا تتردد وافعل مثلي،  وقل  " كل سنة وأنت طيب " في أي وقت وفي كل وقت !

[email protected]

المصدر: مقالات طاهر البهى
taheralbahey

طاهر البهي الموقع الرسمي

ساحة النقاش

طاهر البهى

taheralbahey
الكاتب الصحفى مقالات وتحقيقات واخبار وصور حصرية انفرادات في الفن والادب وشئون المرأة تحقيقات اجتماعية مصورة حوارات حصرية تحميل كتب الكاتب طاهر البهي pdf مجانا »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

253,245