شيريهان

نجمة الاستعراض وسيدة الأحزان

 

ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب وفي يدها جمرة من نار

 

طاهر البهي

عاشت الفنانة الاستعراضية شيريهان عمرها كله مشتتة بين الشهرة والاحزان، فهي دلوعة والدتها التي ظلت تناديها باسم التدليل «شرشورة» لآخر يوم في حياتها.

كانت شريهان في صغرها تعشق كل ما هو غال وثمين، خاصة من الملابس. بدأت مسيرتها الفنية بعد أن منحها شقيقها الراحل عازف الجيتار الشهير عمر خورشيد مفتاح الشهرة وعشق الفن، ثم تركها فجأة ورحل فظلت تبكيه حتى حين تداعب اوتار جيتاره الذي تحتفظ به او حين تشاهد تسجيلا تلفزيونيا لإحدى حفلاته مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.

بداية الرحلة

بدأت شيريهان رحلة الاحزان بعد وفاة والدتها، وساءت حالتها في اعقاب مصرع شقيقها في حادث سيارة مروع على طريق الاهرامات جنوب القاهرة. عندها اصيبت بالبكم والخرس من جراء الصدمة. ويومها شخص الأطباء حالتها بأنها «شلل مؤقت» من فرط صدمتها.

الأم البديلة

شيريهان تعشق الأسرة ولذلك لم تطق ان تفقد كلمة ماما عندما فقدت والدتها فاتفقت مع الفنانة الراحلة سناء جميل ان تناديها بـ«ماما».

المغامرة والعناد سمتان اساسيتان في طقوسها الحياتية، كانت دائما تقول في تصريحاتها بأنها ليست مصابة بداء حب التملك، الا انها تعشق امتلاك كل جديد، وكل غريب في عالم الملابس والاكسسوارات النسائية، غير ان الحزن الاكبر في حياتها حدث بعد اصابتها بمرض خطير، وجاءت رغبتها في الانعزال عن كل شيء الا عن طفلتها الجميلة «لولوة» والتى انجبت لها شقيقة لتحقق حلما كان مستحيلا، التي تقول شريهان انها تشعر دائما بالرغبة في ضمها بذراعيها للأبد. هذه هي شريهان التي قالت لي ذات يوم في لقاء صحافي سابق إنها لم تستمتع بشهرتها ولا بنجوميتها، فقد كان الالم اكبر من حجم النجاح، وكانت الجروح اعمق من مساحة الشهرة. بكت حينها وسط ذهولي من نجمة كانت وما زالت تتمتع بأكبر قدر من التميز والتألق والشهرة والنجاح الادبي والجماهيري، يومها أطلعتني «شيري»، وهذا هو اسم الدلع الذي يناديها به اصدقاؤها، على احدى المجلات الشهيرة وطالبتني بقراءة حوار نسبته الصحيفة لها وكان به الكثير مما يسيء اليها، فسألتها من اين اتى الصحافي بالحوار؟ عندها اخرجت شيري جهاز تسجيل صغير جدا لم يكن منتشرا في هذا الوقت بعد ولم يفتها ان تعلق ضاحكة، رغم الألم، انها مجنونة تكنولوجيا ووضعت سماعة دقيقة على اذني وأسمعتني نص الحوار الذي دار بينها وبين زميلي الصحافي، وبالفعل كان ما قالته شريهان للزميل يختلف كليا في معناه وفي مضمونه عما نشر.

تشويه

وعلقت شريهان على هذه الحادثة بأنها واحدة من الاشياء التي تؤلمها عندما ترى انه يتم تشويه صورتها وتحريف آرائها امام قارئ ليس بامكانه ان يصل الى الحقيقة.

الملاية اللف

الشيء الثاني الذي كشفته شريهان وكان ذلك للمرة الاولى والأخيرة في حواراتها الصحافية والذي تسبب لها بآلام نفسية مرعبة هو تعرضها لتهديدات من جانب اعداء الفن حتى انها كانت تضطر للخروج من منزلها متنكرة في ملابس بنات البلد الشعبية ـ الملاية اللف ـ اثناء تصويرها للفوازير في احد الاعوام.

 

هذه هي شريهان احمد عبد الفتاح الشلقاني التي جاهدت لاثبات صحة نسبها والمولودة في شهر ديسمبر في حي الزمالك العريق، احد اهم الاحياء الراقية في القاهرة. درست الحقوق ووجدت اعتراضات عنيفة للحيولة بينها وبين افتتاح مكتب المحاماة.

ضد التيار

كانت شيري تعشق لعبة التنس وتجيد السباحة في نادي الجزيرة الذي يحتكره ابناء الطبقة الارستقراطية وتركب الخيل في صحراء الهرم ثم تعود لتبكي في المساء ولا تعرف لماذا.

تملك ثروة كبيرة يحسدها عليها الناس ثم تجبر على انفاقها على الاطباء والجراحين والمستشفيات وزحام الممرضات الذي يشبه زحام الحياة نفسها.

الشهرة

شريهان نجمة الاستعراض الاولى تحب الشهرة كمعظم الناس ولكنها لا تدمنها، فهي مستعدة ان تضحي بشهرتها في سبيل نزهة بسيطة على شاطئ النيل تنزل بعدها الى مركب صغير في النهر مرتدية الجينز والـ«تي شيرت» الأبيض البسيط وهي تدرك انها لا تستطيع ان تفعل ذلك وهي مشهورة.

الضريبة

الآن لم تعد الشهرة وحدها هي التي تحول بينها وبين النزول الى الشارع بعد ان اصبحت مقعدة ومريضة تتحرك في مربع مساحته سنتميرات على «كرسي متحرك» تدفعها الخادمات، وترفض مشاهدة التلفاز حتى لا يصدمها فيلم سينمائي قامت ببطولته تجري فيه في الهواء الطلق تدفعها الريح والمرح والتفاؤل، وتداعب النسمات خصلة شعرها وضفيرة سوداء ترقص مع قفزها في الهواء. لا تريد ان تتذكر عجزها ولا ترى متعة في ان تعيش شيئا من هذا، ولا ترى متعة في ان تعيش حياتها من خلال مجموعة كادرات على شريط فيلم سينمائي. ولا تريد أحدا ان يذكرها بالفوازير التي كانت تعتبر ملكتها والتي قامت بجميع استعراضاتها المبهرة. اليوم هي ام لولوة فقط تصلي وتقرأ القرآن، تداعب جيتار عمر خورشيد، وتحتضن لولوة بقوة الى ان يأتي احد من افراد العائلة ليأخذها منها بالقوة ايضا خوفا منهم ان تشعر الطفلة بألم(!) كانت تعشق السفر وترى فيه 70 فائدة وليس 7 فوائد فقط، وكانت تحب التعرف على اناس جدد وبلاد جديدة وكانت تعشق السفر الى باريس ولندن الاقرب الى قلبها. بينما اليوم تفزعها كلمة سفر لأنها تذكرها بالمستشفيات وفحوصات وتخدير وعمليات جراحية.

القاهرة

شريهان أجبرت أطباءها في آخر فحوصات طبية لها في العاصمة الفرنسية على أن يسمحوا لها بالسفر الى القاهرة في اجازة من المرض لمدة أسبوعين، وحصلت بالفعل على إجازة من المستشفى ولكنها لم تنجح في ان تحصل على إجازة من المرض.

كانت تقول للصحافيين قبل مرضها إنها لا تقرأ كثيرا، فكانت تكتفي بهواياتها الأخرى: التمثيل، السباحة، التنس، والتسوق. أما الآن فهي تواظب على القراءة يوميا في فترة الصباح وتقرأ الصحف.

الحقيقة

شيريهان تعلم تماما ان اسرتها لا تبوح لها بحقيقة مرضها، لذلك تبحث عن أي كلمة منشورة في الصحف، واشد ما يزعجها وعائلتها وخاصة شقيقها وزوجة شقيقها الذين يبقون معها في جميع الاوقات، بالإضافة إلى زوجها رجل الأعمال علاء الخواجة، هو المبالغة التي تنشرها الصحافة أحيانا عن مرضها أو اختلاق الأكاذيب مثل الخبر الذي نشرته إحدى الصحف والذي يدعي ظهور شقيق مجهول لها يطالب بنصيبه من الميراث.

 

وعلى الرغم من الازعاج الذي يسببه لها هذا النوع من الاكاذيب، إلا أن محاميها الخاص د.سمير صبري يخبرها بها فى حين ترفض هى اتخاذ اجراءات قانونية ضد كاتب الخبر وناشره.

الثروة

وتتمثل ثروة شريهان في قصر بالمنصورية وطابق كامل في عمارة ليبيون الشهيرة بحي الزمالك الراقي وعزبة في طريق القاهرة - الإسماعيلية (شمال القاهرة) مساحتها 40 فدانا فضلا عن مجموعة نادرة من المجوهرات، ويتردد ان شريهان خصصت 60% من ممتلكاتها لابنتها و40% للجمعيات الخيرية، وهذه الوصية لم يتدخل المرض في تحديدها، بل إنها أوصت بذلك قبل أن يتمكن المرض منها فمن يأخذ ثروتها ويمنحها لحظات من السعادة؟

الفراشة الملونة

وإذا كانت هناك كلمة أخيرة تعبر عن حياة هذه الفراشة الملونة الحزينة فهي أنها ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب وفي يدها جمرة من نار.

فالملعقة الذهبية التي وضعت في يديها تمثلت في ترعرعها وسط عائلة فنية اختصرت لها الطريق وعرفتها بالوسط الذي جاء إليها قبل ان تسعى هي اليه ومستوى المعيشة المرتفع الذي لم يجبرها على القبول بالأدوار التافهة. أما جمرة النار التي أجبرت على أن تمسكها بيدها والتي صاحبها بساط من الشوك فرش تحت قدميها حتى أدماها بدلا من ان تبتسم لعدسات المصورين، فتمثلت في ان المال في يديها ولم تعرف كيف تستمتع به، ولم تمنحها الشهرة ولا الأضواء أي إحساس بالأمان.

المصدر: طاهر البهى
taheralbahey

طاهر البهي الموقع الرسمي

  • Currently 65/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 952 مشاهدة

ساحة النقاش

طاهر البهى

taheralbahey
الكاتب الصحفى مقالات وتحقيقات واخبار وصور حصرية انفرادات في الفن والادب وشئون المرأة تحقيقات اجتماعية مصورة حوارات حصرية تحميل كتب الكاتب طاهر البهي pdf مجانا »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

252,919