من الجلابية الى الحجاب..
لا تصدقوا عمرو دياب !
شهادة يكتبها: طاهر البهى
عندما دعانى الصديق حمدى رزق رئيس التحرير الى المشاركة فى هذا الملف الذى أتوقع له صدى كبير لدى جمهور عمرو دياب، وبين أنصاره وخصومه، منعنى الخجل أن أقول لحمدى رزق:
عمرو دياب تااااانى يا عم حمدى !
فقد شاء القدر أن تكون أول مساهماتى معه مع توليه مسئولية الشقيقة " المصور "، فى شكل مقال فى عجالة عن صديقى الذى يسألنى عنه بلدياتى كثيرا، ولا يصدقوا أننى لاأعرف أسرار " الهضبة " التى تنشرها الصحف على اختلاف ألوانها وأطيافها مابين صفراء وبيضاء وزرقاء..بحسب توضيبها !
ولم يكن هذا هو السبب الوحيد فى اطلاق صرختى المكتومة: تااااانى...بل اننى صرت حامل لقب كاتب الشئون " الديابية " نسبة الى عائلة " دياب " التى أعرفها كاملة، ولعلى الصحفى الوحيد الذى التقى والد ووالدة وشقيق وابنة خالة عمرو دياب..كما كنت الصحفى الذى زار مسقط رأسه فى المدينة الباسلة بورسعيد ـ وهى بلد السيدة العظيمة التربوية بحق والدته ـ فى بورسعيد، ورأيت بلد والده والذى عاش فيه عمرو لفترة من الزمن، بالقرب من المسجد الذى كان يؤذن فيه الوالد وخاصة فى صلاة الفجر قبيل انطلاقه الى عمله..سنهوت منيا القمح شرقية بلدياتى.
وكان لى حظ نشر قصة صعوده فى مجلة الكواكب فى فترة ازدهارها على مدى ثلاث عشرة أسابيع متتالية وبدعوة من امام المتواضعين الكاتب العملاق رجاء النقاش، وعندما التقته الصديقة منى فوزى رئيس قسم الغناء فى مجلة صباح الخير فى حوار سألته: لماذا تنشر قصة حياتك ( بالغت هى وقالت مذكرات..فى حين انها كانت أوراق من مشوار الحياة استكملت بعضها من مصادر مقربة للغاية )، قال لها عمرو، ان حياتى مغرية للغاية وهى ليست مشوار حياة " مغنى " بقدر ماهى جزء من تاريخ وطن..فيه احداث مهمة للغاية من حروب وتهجير وانفتاح،..وتذكرو جيدا هذا الرد الذكى من جانب عمرو فلنا معه عودة.
ثم أتاحت لى الظروف فرصة اصدار " قصة صعود عمرو دياب " فى كتاب حمل اسم " المغنى " ـ بضم الميم ـ وهو لقب يفضله عمرو كثيراعلى " المطرب" كما قال لى فيما بعد.
هل خرجت عن الموضوع؟
أبدا..وأقوللك ليه.. فنحن بصدد الحديث عن " ظاهرة " اسمها عمرو دياب، وانا احاول ان أقنعك من دون ذاتية بأننى اقتربت، وتشبعت، وادعى انى استوعبت بعض جوانب الظاهرة.
لا تصدقوه!
آخر ما اكتشفته من قوله السابق العابر مع منى فوزى، أن عمرو يصور لك ـ آسف بل يلخص ويكثف و يختزل ـ كل نجاح فى حياته أنه من صنع القدر ـ والقدر عنده مرادفه الصدفة والحظ ـ، قال لى عمرو ذات أمسية وكنت فى بيته، ومع كوبين من الشاى صنعتهما السيدة زوجته السابقة الفنانة شيرين رضا التى احترمها واحترم صداقتى بوالدها فنان مصر الكبير محمود رضا.. قال لى عمرو : انت عارف.. انا كل مابعمل حاجة غلط تطلع صح !
وقد صدقته كثيرا فى هذا القول، وبنيت عليه أحكام ونتائج فى كتابى عنه، والآن عندى الشجاعة لأن أقول أننى كنت مخطئا؛ فالصحيح أن وراء عمرو ( ذكاء )..هو موهوب بالذكاء أكثر من موهبته فى الغناء !
عمرو ( مؤسسة ) هو ( كل ) شركاءها !
لدرجة أنى كنت أضحك كثيرا عندما يكتب زملاء عن مستشارى عمرو دياب، وكان لى حظ الزج باسمى بينهم !
الشئ الآخر الذى لم أصدقه فيه، يوم أقسم لى وأنا أسأله عن ثروته والشائعات التى تقدرها بعشرات الملايين من الدولارات، قال لى قل لهم أن عمرو يمتلك " زليار " دولار، ثم أطلق قسمه، أنه فى حال وصول رصيده الى مليون واحد من الدولارات فسوف يعتزل الغناء.. الآن هو يحصل على هذا الرقم عدة مرات فى العام..ولم يعتزل.. ولن يعتزل .. والسر فى ذلك بسيط.. فعمرو ـ المؤسسة ـ لا يمكن أن يعلن عن افلاسه الفنى، وفى تقديرى أنه سوف يستمر.. وسوف يجد ما يقدمه .. أما الفلوس فقد أصبح لا يخوض فى سيرتها..وقد أصبحت بالنسبة له مجرد " أرقام " صماء، لا تبهجه قدر اعجابه بكلمة تشجيع من صحف لا تفعلها..أو وردة من بنت حلوة من جمهوره !
صدفة
مثلا عندما تحدث عمرو لى عن ان الصدفة هى التى جعلته رائد من رواد الفيديو كليب فى مصر، ولكنه اغفل انه عندما التقى بالمخرج الاردنى " مشهور " وهذا هو اسمه، وصنع له اول كليب فى حياته الفنية، كان عمرو هو من تدخل فى الفكرة التى بهرت الشباب المصرى، وكانت بمثابة فتح جديد للتليفزيون سار على دربه الكثيرين فيما بعد، وعندما غنى اغنية النقلة الثانية والأهم فى حياته، وهى أغنية الدورة الافريقية " افريقيا " كان هو صاحب فكرة ترجمتها بالغناء، وقامت شيرين رضا بجزء من مهمة الترجمة، وغنى عمرو بالانجلزية و الفرنسية الى جانب العربية:
بالحب اتجمعنا.. والدنيا هاتسمعنا/ والليلة أسعد أيامنا/ آدى طريق أمجادنا/ وآدى السمر ولادنا/ وادى القاهرة وادى بلدنا..النص العربى كلمات الشاعر الموهوب مجدى النجار، الذى يشكل مع الشاعر الفذ دكتور مدحت العدل حجر الزاوية فى مشوار عمرو الغنائى دون اغفال قيمة بقية الشعراء الموهوبين الذين تعاون معهم،هذا على مستوى الانتاج الفنى.
وبالمناسبة لا أحد ينكر على مستوى المناخ العام الذى يحيط به ـ بمن فينا عمرو نفسه ـ أن شيرين، ومن بعدها السيدة زينة عاشور زوجته ـ تحمتلا عبئا كبيرا فى توفير الجو ـ أتموسفير ـ اللازم للابداع بما فيها أناقته وهى أمر مهم جدا لعمرو فى تأثيره على جمهوره.
مذكرات لا أغنيات !
ولسبب أو لآخر يبعد عمرو نفسه عن اسباب نجاحه، وارجوك لا تصدقه، وأبسط الأشياء ـ وهو ما أغضب منى العديد من الشعراء الاصدقاء ـ ان عمرو يقف خلف فكرة ـ على الاقل الفكرة ومستهل اللحن ـ كل أغانيه، وتستطيع ان تتعرف على مشوار حياته الخاصة بالرجوع إلى أغانيه بالترتيب الزمنى لصدورها !
بدءا من " شوقنا أكتر شوقنا "، وميال..ميال..من كام سنة وانا ميال..ميال، وحبيبى يا مالك قلبى بالهوى..خدنى معاك خدنى ( مما يوحى ان الحبيب من خارج القطر !) وحتى قمرين دول والله عينيك التى غناها لابناءه عبد الله وكنزى، ومن قبلهم " متخافيش.. أنا مش ناسيك..ماتخافيش لو مين ندانى/ مش هاعيش من غير عينيك/ مش هاعيش مع حب تانى( مجدى النجار)، ومع نفس المعنى تقريبا: ما بلاش نتكلم فى الماضى/ الماضى كان كله جراح/ ومادمت ف حبك انا راضى/ حاندور ليه على شئ راح!
لوك
واليك دليل آخر على أن عمرو ( المؤسسة ) هو من يدير نفسه، وهو على مستوى المظهر، فقد كان يقص له شعره حلاق لبنانى ( اسمه آلان )، وكان يتباهى بشطارته وابداعه، فى حين كنا نعلم أن عمرو يصمم قصة الشعر لنفسه وينفذها له المصفف اللبنانى، الى أن أقنعه أحد أصدقائه بالذهاب الى مصفف شعر الرؤساء والمشاهير بمن فيهم مثله الأعلى العندليب حليم، واستجاب عمرو، وذهب الى صالون محمود لبيب، ولكنه اكتشف ان محمود ينفذ ما يراه هو، لا ما يريده الزبون مهما كانت شهرته، فتمرد عمرو..لأنه مؤسسة والمؤسسات الكبرى تدير نفسها.
الصحافة
أما إدارة حياته الإعلامية، فهى مسألة فيها صرامة شديدة، ونظام دقيق، لا يسمح فيها بتدخل حتى من أقرب المقربين،وعمرو يأخذ من الصحافة ما يريدها هو، لا مايريده الصحفى ولا الصحيفة.
فالعام مقسم عنده الى ثلاثة أقسام، قسم يركز فيه فيما يسمى " التور " أى الجولة الغنائية فى أمريكا وسويسرا واحيانا كندا واستراليا، وحفل فى كل من لبنان ومارينا ( مصر ) وهذه يكتفى فيها عمرو بالتغطية الصحفية فقط ( ولا يسمح بتصويرها تليفزيونيا ) كما يمنع معاونيه اجراء المقابلات، القسم الثانى: الاسترخاء وقراءة افكار الأغانى الجديدة وتخيل الالحان، مع تخصيص وقت أطول لأبناءه يشاهد فيها قنوات الأفلام الأجنبية، ومسرحيات الأبيض والأسود، ومن الممكن اجراء حوار أو اثنين اذا لم يكن الألبوم الجديد قد نزل الأسواق، والقسم الثالث من العام مخصص للتسجيل، ومن عادته تسجيل عدد كبير يفوق العدد المطلوب للألبوم لاتاحة فرصة اكبر فى الأختيار، و عادة ما يصطحب الاسطوانات التى تم تسجيلها " ماستر " معه.
حديث الجلابية!
وعمرو دياب لايتجمل ـ فقط ـ حينما يقول ان الحظ هو كلمة السر فى حياته، ولكنه يتجمل بالنزول الى مرتبة أدنى من وضعه الحقيقى ـ وهى المرة الأولى التى أرصدها فى حديث فنان عن نفسه ـ فعمرو تحدث لفترة
أنه كان يرتدى " الجلابية " فى العيد، وهو الذى لم يرتديها فى حياته، كما تحدث عن معاناة لم يعشها ( مصادرى سوف تدهش عمرو)..والحقيقة أن عمرو عاش حياة المرفهين، فقد نشأ ليجد نفسه فى رعاية مربية يونانية، ووالدته تمتلك بيانو ثمنه الآن لا يقل عن مائة وستين ألف جنيه، كما أن والده ترك له سيارته الخاصة ماركة ألفا روميل ( هل كتبت الاسم صح؟)، وساهم عمرو من مصروفه فى تأسيس فرقة الديفلز ـ الشياطين ـ وعلى الهامش فان ناشر كتاب عمرو وهو صديق، رأى أن يكون عنوان الكتاب " الشيطان "، ولكنى وجدت ان العنوان ينطوى على قسوة !
إذا فعمرو لم يعرف المعاناة المادية..وقد يكون محظوظا فى هذا الجانب، ولذلك لا تصدقوه ان تكلم عن فقر مصطنع ليقترب أكثر من الناس !
انه ذكاء عمرو دياب الذى أبقاه على القمة لمدة ربع قرن، وكان من الممكن أن أحصل على رهان كبير، من شخص من الوسط تراهنت معه فى أوائل التسعينيات أن عمرو لديه قوة الاستمرار طويلا، وكان هو يراهن على فقدان عمرو لتأثيره على الشباب مع بلوغه الأربعين من عمره.. ولم أحصل عل الرهان لأن صديقى توفاه الله.
ولا أنكر أن توفيقا الهيا يلازمه، مما جعلنى أتأمل صبى خليجى لا يتعدى الثانية عشر من عمره فى متجر كاسيت، يقول للبائع: اعطينى كل ـ بكسر الكاف ـ عمرو دياب.. يعنى كل اسطوانات عمرو !
أما اذا أردت ( مفتاح ) التوفيق، ففتش فى علاقة عمرو بوالديه وشقيقه الوحيد عماد دياب.
شئون منزلية
عندما تدخل الى منزل عمرو دياب، قد يلفت نظرك الطراز الكلاسيكى الأرستقراطى الذى يسيطر على المكان..وقد تخطف بصرك ألوان المفروشات والستائر، والصورة الضخمة المرسومة لعمرو بالخطوط البارزة على مقطع زجاجى ضخم يصاحبك وانت فى طريقك الى غرفه الخاصة، وسوف يبهرك النظافة والنظام اللذان يسيطران على أروقة المكان، وقد يلفت انتباهك أدب الخادمتين الأثيوبيتين، ولكن أكثر ما يلفت نظرك وسوف تحترمه كثيرا..شئ يصعب اكتشافه من الزيارة الأولى..هو ذلك الاحساس بأنك متآلف مع المكان.. أعصابك أهدأ..يملؤك احساس بالمرح والتفاؤل..
أين السر؟
السر أن السيدة زينة عاشور زوجة عمرو دياب، تعبق المكان برائحة خاصة..لها مفعول السحر..معطر من نوع خاص تنثره فى أرجاء قاعات الاستقبال، قبل دخولك الى حجرة عمرو.. وكأنه تمهيد دخول الى دنيا عمرو دياب المعطرة..
هل ما سبق جزء من ملاح صورة عمرو دياب الذى شغل الشباب لربع قرن أو يزيد؟
مؤكد؟
هل هو جزء من مؤسسة عمرو دياب؟
نعم.. ولكنه الجزء المتمرد من " المؤسسة " أو ان شئت، هو مؤسسة زوجته التى لا يمكن لعمرو أن يتدخل فيها بأفكاره، وان كان يستفيد منها فى ابداعه !
ذلك أن المناخ الذى يحيط بالنجم هو أحد أهم مقومات مؤسسته .
حجاب عمرو !
عندما شاهدت البوستر الأفيش لأحدث ألبومات عمرو، ضحكت وبصوت عالى كمان !
فقد تصورت لسان حال عمرو، وهو يستعيد نكتة جحا المصرى الشهير، عندما ذهب الى السوق ممتطيا حماره هو وابنه، وفى الطريق قابله أحد السخفاء وابدى امتعاضه: مش حرام عليك يا جحا تركب انت وابنك على ظهر الحمار المسكين، فنزل جحا وترك ابنه، فقابله ثانى السخفاء الذى قال: اخص الولد راكب الحمار وسايب ابوه، فركب جحا وانزل الأبن، ليقول الثالث شوف الراجل اللى ماعندهوش رحمة !
فما كان من جحا الا أن " شال " الحمار على كتفه !
أما عمرو دياب فقد نزل فى أحد الأعوام ببوستر وهو " مطول شعره "، فهاجت الدنيا، كيف أن عمرو وهو قدوة للشباب يعلم العيال تتطول شعرها زى البنات، وفى العام الثانى نزل ألبوم عمرو وهو حالق ع الزيرو، فقال أولاد بلدى الطيبون : هو عايز العيال تحلق كده وتمشى زى الصلع؟!
فما كان من عمرو إلا أن " غطى " شعره.. يعنى تقريبا اتحجب !
والخوف كل الخوف أن يكون غطاء رأس عمرو..هو دعاية مبكرة لافتتاحه متجرا لأزياء المحجبات !
ساحة النقاش