الآثار النفسية للتفكك والاضطراب النفسي الأسري على الصحة النفسية للطفل
مقدمة :
تعتبر مرحلة الطفولة من أهم المراحل في حياة الفرد فالاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره ، فالطفل هو الثروة الحقيقية وأمل الغد.
وأنه لمن دواعي الافتخار أن ننظم بجماهيريتنا هذه الندوة حول حقوق الطفل ورعايته في ظل الاهتمام الذي توليه الجماهيرية بالطفل وان رئاستها للجنة الدولية لحقوق الإنسان يزيدها شرفاً ودعماً لهذا الاهتمام.
وفي الوقت الذي نرى فيه من حولنا المشاكل التي يتعرض لها الطفل في العالم من نبد وقهر واضطهاد واستغلال وما يترتب على هذه المشاكل من اضطرابات نفسية وانحراف وجريمة وإدمان ، وما نرى أيضاً من حالات العنف والعدوان في المدارس وحالات اختطاف وانحرافات سلوكية وخاصة في العالم الغربي .
وما نشاهده أيضاً من تعرض الطفل العربي إلى القهر والعدوان وخاصة في دول الحرب وبعض الظواهر الأخرى مثل ظاهرة أطفال الشوارع، والمتسولين، والأحداث.
يؤكد علماء النفس دائما على إن أسباب الاضطرابات النفسية لدى الأطفال، هو خلل في المعاملة مع الطفل وأن الأطفال الذين تساء معاملتهم، هم دائما ضحايا للاضطراب النفسي والانحراف.
أن الأسرة تعتبر بمثابة النواة الأولى والقالب الاجتماعي الأول التي تنمي شخصية الطفل الراشد في المجتمع وتساعده على تشكيل شخصيته بصفة عامة.
نفهم من هذا أن للأسرة دوراً هاماً وفعالاً في بناء شخصية الطفل، فإذا ما اضطربت وتفككت الأسرة كان لهذا الاضطراب والتفكك الأثر السلبي على شخصية الطفل.
وهذا ما سوف نركز عليه في هذه الورقة وفي نقاط محددة تتناول هذا الموضوع من منظور الصحة النفسية وعلم النفس المرضي والعيادي.
في هذه الورقة رأينا أن نسلط الضوء أولاً على الأسرة وعلاقتها بالصحة النفسية للطفل، وهذا يقودنا بعد ذلك للتحدث باختصار عن الاضطرابات النفسية الناجمة عن التفكك والاضطراب الأسري. وهذا يجعلنا نختم هذه الورقة بجملة من النقاط التي تتعلق بالوقاية وعلاج التفكك والاضطراب الأسري وآثاره على الصحة النفسية للطفل. تحت عنوان من أجل أسرة متوافقة نفسياً :
1. الأسرة والصحة النفسية للطفل
لقد ثبت لدى الباحثين تأثير السنوات الأولى من العمر في باقي حياة الإنسان وقد وجد أنه إذا ما لبيت حاجات ورغبات الطفل في الأشهر الأولى إلى الطعام والراحة والمحبة وغير ذلك أن يكون حظه في حياة مستقبلية سعيدة .
وإن الأنماط السلوكية الأسرية تحدد ما سوف يفعله الوليد البشري في مقتبل حياته أو ما يستطيع أن يفعله لكي يحصل على الإشباع والرضا على ذلك في الأسرة التي تكوّن وتنمي شخصيته.
ومن القواعد المتفق عليها الآن أن أول أساس لصحة النفس إنما يستمد من العلاقة الحارة الوثيقة الدائمة التي تربط الطفل بأمه أو من يقوم مقامها بصفة دائمة وان أي حالة تحرم الطفل من حنان الأم تظهر أثاره في تعطيل النمو الجسمي والذهني ، والاجتماعي وفي اضطراب النمو النفسي([1]).
إن الحب الذي يمنحهُ الأبوين لطفلهما يعتبر في حياة الطفل غذاءً ضرورياً في نموه النفسي ، هذا الغذاء لا يقل أهمية عن غذائه الجسدي.
يؤكد التحليل النفسي التأثير المباشر للعوامل البيئية وخاصة تأثير الآباء في التعايش هذا يمكن أن نسميه الوراثة السيكولوجية. أن الأعراض المرضية في الأطفال له رد فعل طبيعي لسلوك الآباء والمربين، انه لا يوجد في حقيقة الأمر أطفال مشكلون وأنما يوجد آباء مشكلون([2]). أن الجو الأسرى والاتجاهات الوالديه، والعلاقات بين الأخوة لها أثرها على التكوين النفسي للطفل.
وعندما تفشل الأسرة في توفير المناخ الذي يساعد على تعليم أفرادها كيف يحققون التوازن بين الحاجات الإتصالية بالآخرين والحاجات الاستقلالية عنهم فإن الباب يكون مفتوحاً لمختلف صور الاتصال الخاطئ، والذي ينتهي باضطراب جو الأسرة وتحويلها لبؤرة مولّدة للاضطراب، بل وإصابة بعض أفرادها بالاضطراب الواضح الصريح ([3]) .
من خلال ما تقدم نلاحظ الأهمية البالغة للأسرة وتأثيرها على نشأة الطفل، وما يترتب عليه من اضطرابات نفسية.
2. الاضطرابات النفسية الناجمة عن التفكك والاضطراب الأسري:
قبل التحدث عن الاضطرابات الناجمة عن التفكك و الاضطراب الأسري نرى ضرورة التحدث عن أسباب التفكك الأسري وهي كالتالي:
إن أسباب التفكك الأسري ترجع إلى عوامل كثيرة منها:
· صراع الأدوار بين الزوجين وعدم التوفيق فيما بينهما.
· الاضطرابات الشخصية التي يعاني منها أحد الزوجين أو كلاهما .
· الخلافات والمشاحنات وسوء التوافق الزوجي.
· المشكلات الاقتصادية التي تنشأ نتيجة عدم كفاية موارد الأسرة للوفاء بالتزاماتها .
· وفاة أحد الوالدين أو غيابه المتصل أو الموقت.
يؤدي الاضطراب والتفكك الأسري إلى عواقب وخيمة على نمو الطفل وصحته النفسية؛ فالتفكك الأسري وتصدع العلاقات بين الوالدين ومشكلاتهم النفسية وما يصاحب ذلك كله من عدم احترام وتحقير كل طرف منهما للآخر، واللا مبالاة والعداوة وما يترتب عليهما من مشاعر تعاسة وألم وقلق يعوق النمو الانفعالي والاجتماعي لدى الطفل، ويضعف من ثقته بأسرته ووالديه ، كما يجعله أنانياً عاجزاً عن تبادل مشاعر الحب مع الآخرين ويفقده الانتماء ، وربما دفعه إلى أشكال مختلفة من الانحراف والسلوك العدواني والمرض النفسي([4]).
وقد كشفت الدراسات العربية والأجنبية الآثار السلبية لاضطراب البيئات الأسرية والتصدع الأسري على سلوك الأطفال، إذ تبين أن الأطفال الذين ينشؤون داخل الجو الأسري غير المستقر يعانون من مشكلات انفعالية وسلوكية واجتماعية.
إن التفكك الأسري يلعب دوراً جوهرياً وحاسماً في ظهور الاضطرابات النفسية لدى الأطفال فالشد والتوتر وضغوط الحياة اليومية التي يعاني منها الآباء والأمهات تنعكس على الأطفال ، وقد تبين إن الأطفال الذين يعانون من ارتفاع الاكتئاب غالباً ما يعلنون عن رغبتهم في الانتحار وبدراسة الأوضاع الأسرية تبين أن هذه الأسر تعاني من الاضطرابات الأسرية مثل الانفصال الأسري والعدوان سواءً اللفظي أو الجسدي([5]).
كما كشفت بعض الدراسات عن وجود علاقة موجبة بين التوتر في العلاقات الوالدية وكلاً من القلق، والإكتتاب، ومشكلات الأطفال، وبين نقصان الترابط الأسري وكل من المشكلات السلوكية لدى الأطفال كالعدوان ، واضطرابات الكلام، والخجل والقلق والتأخر في النمو.
كما يرى عبدالمطلب القريطي أن أهم الآثار السلبية للطلاق على النمو النفسي للطفل تكوين مفهوم الذات السلبي ، ومفهوم الوالدين السيئ ، مما يؤدي إلى اختلاف نمو الشخصية ، وضعف الثقة في النفس وفي الناس ، وإلى سيطرة مشاعر القلق والتوجس وعدم الكفاءة ، وانخفاض مستوى الطموح، وقلة الرغبة في العمل والإنجاز ، وضعف التحصيل الدراسي([6]).
وقد وجد الباحثون في الانحرافات والأمراض النفسية أن نقص العلاقات الأولية المبكرة مسؤول عن كثير من الشخصيات السكوباتية .
إن كل الإنفصالات الرديكالية تفرض الحزن والاكتئاب عندما يكون الطفل ضحية الآباء الذين تساءُ معاملتهم، الطفل ينسى الانفصال وينغلق على نفسه في الاكتئاب، ويصبح منحرف وعدواني، وإن الأطفالَ الذين تساء معاملتهم يصبحون في مستقبل حياتهم آباءً سيّء المعاملة ([7]).
لا ننسى أيضا المعاناة والآلام النفسية التي يعانيها أطفال المدمنين وما يترتب عليها من خوف ،وقلق ،واكتئاب، وتأخر دراسي ،وهروب من المدرسة، والتبول اللاإرادي ، وتدل الدراسات أن نسبة التصدع في أسر المدمنين يزيد سبعة أضعاف في الأسر الأخرى([8]).
ومن واقع خبرتنا العيادية اليومية وتعاملنا مع الأطفال المضطربينَ نفسياً نلاحظ دائما ارتباط التفكك والاضطراب الأسري بالاضطرابات النفسية والسلوكية لدى هؤلاء الأطفال وخاصة أطفال المطلقين، وهذه الاضطرابات تتمثل في السلوك العدواني والنشاط الزائد والقلق والاكتئاب والانحراف والإدمان كما نرى أن التفكك والاضطراب الأسري له دور كبير في أحداث بعض الظواهر السلبية في المجتمع مثل الإدمان والجريمة والانحراف وما ينتج عنها من أمراض وبائية أخرى مثل مرض الإيدز .
ونستنتج مما تقدم أن التفكك والاضطراب الأسري ، له الأثر الكبير في الاضطرابات النفسية ، لدى الطفل وما يحدث له من اضطراب في السلوك العام في مرحلة الطفولة وما بعدها، سواء على شكل اضطرابات نفسية ، تتمثل في القلق ، والاكتئاب، والخوف، أو على شكل اضطرابات سلوكية تتمثل في مص الإصبع ، والتبول اللاإرادي والنشاط الزائد والسلوك العدواني، أو على شكل اضطرابات معرفية من تأخر دراسي ، والهروب من المدرسة أو على شكل انحرافات سلوكية.
بعد معرفة الاضطرابات النفسية الناتجة عن التفكك والاضطراب الأسري ، نتطرق إلى الوقاية وعلاج الاضطرابات النفسية الناتجة عن هذا التفكك ، وذلك من أجل بناء أسرة متوافقة نفسياً .
3. من أجل أسرة متوافقة نفسياً :
أن الأسرة تلعب دوراً فعالاً في النمو السوي لشخصية الطفل ، وأن النمو النفسي لأي شخص ينتج عن منظومة الأسرة التي ينتمي إليها ، فالأسرة هي المصدر الأساسي للصحة والمرض.
"ليس هناك خلاف على أن الأسرة هي أكثر العوامل أهميته في تحديد الشخصية. ذلك أن تكويننا الوراثي، ومظهرنا، وأفكارنا، ومشاعرنا، وتصرفاتنا كلها تتأثر بالأسرة التي ولدنا فيها"([9]) .
إذاً الأسرة هي المنبع الأساسي الأول الذي يرتشف منها الطفل رحيق الاستقامة أو الاعوجاج ، فمن هذا المنطلق نؤكد على الاهتمام بالصحة النفسية للأسرة ،لكي نستطيع أن نبني جيلاً معافاًً من أجل أسرة متوافقة نفسياً. نلخص برامج الوقاية وعلاج التفكك والاضطراب الأسري في النقاط التالية:-
1. للوقاية من التفكك والاضطراب نؤكد على إقامة البرامج التثقيفية وخاصة الإرشاد الزواجي، قبل الزواج، وبداية الاختيار. حيث يكون الشاب والفتاة على دراية ونضج انفعالي يتناسب مع تحمل المسئولية في تكوين أسرة سعيدة.
والعمل على إقامة مكاتب للإرشاد النفسي ومكاتب الخدمة الاجتماعية لما لها من أهمية كبيرة في تثقيف، وتوجيه، وإرشاد الشباب، وتغيير المفاهيم الخاطئة بخصوص الزواج، مثل:- الزواج غير الناضج، والعلاقات العاطفية، وكذلك علاج الاضطرابات الأسرية.
2. احترام الوالدين وحبهم لطفلهم يساعده على أن يكون أمناً وبعيداً عن التهديد والوعيد .
3. تقديم الدفء والتقبل للطفل ، فإذا تقبل الوالدان الأطفال، فعندها سوف يشعر الأطفال السعادة، والنجاح، وعدم الفشل. إذ أن ذلك التقبل: سوف يجعلهم يشعرون بأن لهم قيمة ، وعلى الأباءَ دعم الطفل عاطفياً بدلاً من أن يرفضوه.
4. التربية الأسرية حيث يجب العمل من خلال برامج التربية الأسرية وغيرها من المؤسسات التربوية مثل: دور المساجد ،ووسائل الأعلام، على فهم الحياة الأسرية والترغيب في أقامتها. والقيام بالواجب نحوها .
5. العمل على تحقيق التفاهم الأفضل بين كل أعضاء الأسرة، والتخلص من التوتر الإنفعالي الذي يسود الأسرة، وحل الصراعات داخلها .
6. توجيه الخدمات النفسية نحو حل المشكلات، وخاصة مشكلات بين أفراد الأسرة، ويجب العمل على تحسين المناخ الأسري وتدعيم العلاقات الأسرية.