نبذة عن فن كتابة القصة القصيرة
تعريف القصة القصيرة:
لعلنا لا نجاوز الحقيقة عندما نزعم أن عدم وجود تعريف محدد لمصطلح "القصة القصيرة"
هو أهم الأسباب التي أوجدت الاختلاط بين القصة القصيرة وغيرها من الأنماط الأدبية
مما يدفعنا إلى ضرورة تحديد مفهومها، أو تعريفها تعريفا محددا يجعلها فنّا أدبيا
خاصا متميزا عن غيره من فنون الأدب وبرغم ما يلقانا من تعريفات النقاد والدارسين
للقصة القصيرة فـإننا نود أن نختار منها ما يذهب الو أن القصة القصيرة المحكمة هي
سلسلة مـن المشاهد الموصوفة تنشأ خلالها حالة مسبّبة تتطلّب شخصية حاسمة ذات صفة
مسيطرة تحاول أن تحلّ نوعا من المشكلة من خلال بعض الأحداث التي تتعرض لبعض العوائق
والتصعيدات/ العقدة، حتى تصل إلى نتيجة قرار تلك الشخصية النهائي فيما يعرف بلحظة
التنوير أو الحل في أسلوب يمتاز بالتركيز والتكثيف الدلالي دون أن يكون للبعد
الكمّي فيها كبير شأن.
وواضح أن هذا التعريف يحدد الحدث الجزئي الذي تقوم عليه القصة القصيرة وما يتصل به
من تطور وتنام تقوم به الشخصية الحاسمة وربما الوحيدْ فيها عبر إطار محدد من الزمان
والمكان؛ وكلما كانت هذه العناصر محددة وضيقة كانت أدنى إلى حقيقة القصة القصيرة
ومفهومها الفني/ تقنياتها..وهكذا تتولد القصة القصيرة من رحم الحدث كما يتولد
الحلم، ويتنامى كما تتنامى الشرنقة أو اللؤلؤة في قلب المحارة..
بيد أن النقاد ومبدعي هذا الفن لم يحرصوا على الالتزام بتلك الخصائص الفنية مما
جعلها تختلف اختلافا واسعا بغيرها من الأنواع الأدبية فضاعت معالمها وفقدت خصائصها
الفنية وأصيبت بدرجة كبيرة واسعة من التميّع والانصهار..فقد اختلطت القصة القصيرة
بكثير من الأنماط الأدبية سواء منها ما يرتبط بها ببعض الوشائج المتمثلة في خصائصها
الأسلوبية وعناصرها الفنية، وما لا يرتبط بشئ من ذلك ألبتّة؛ فقد خلط بعض النقاد
بين القصة القصيرة وبين الرواية القصيرة عندما نظروا إليها من زاوية الطول والحجم
بعيدا عن التقنيات الفنية والخصائص المميزة متناسين أو ناسين أن قضية الطول والحجم
في القصة القصيرة ينبغي أن ينظر إليها إلاّ من خلال ما تقتضيه الأحداث والحبكة
والشخصيات دون تحديد كمّي كما ذهب إليه كثير من النقاد.
وقد بلغ ذلك الخلط حدّا جعل بعض النقاد لا يولي قضية الحبكة في القصة القصيرة أي
اهتمام، حتى أنه لا يشترطها فيها. ومثل هذا الأمر يفضي إلـى تميع هذا الفن وعدم
تحديد ضوابطه وقواعده وأصوله للفنية، كما يفضي بالتالي إلى إهماله وعدم العناية به،
أو على الأقل التخلص من مصطلحه الفني. ولعلنا لا نعدو الحقيقة إذا زعمنا أن انحطاط
مستوى هذا الفن الممتع يرجع إلى عدم تحديد أبعاد مصطلحه الفني تحديدا ينفي عنه
التعدد والتنوع والتميع، ولو اتخذت القصة القصيرة لها مصطلح ذا منهج محدد من حيث
الشكل والبناء والحدث والشخصية وتطورها وأبعادها والحبكة والسرد والـحوار لحظيت
باهتمام أكبر وتقدير أعظم، ولحققت من الإبداع والمكانة ما تصبو إليه. ومن هنا ينبغي
أن يحكم على القصة القصيرة وينظر إليها من هذه الزاوية، وبمقدار توافر هذه التقنيات
الفنية بحيث ينفي عنها كل ما يخالفها من ألوان الإبداع الأدبي.
كذلك الاعتماد على تعريف "أرسطو" للقصة واشتراطه أن يكون لها بداية ووسط ونهاية دون
تحديد للحدث والشخصية والزمان والمكان أدى إلى اختلاطها بالرواية القصيرة والرواية
الطويلة وغيرهما من فنون القصّ أو الحكى.
وقد وفق د/ أحمد يوسف عندما وصّف القصة القصيرة بأنها أقرب الفنون إلى الشعر
لاعتمادها على تصوير لمحة دالّة في الزمان والمكان، ومن شأن هذا التصوير التركيز في
البناء والتكثيف في الدلالة، وهما سمتان جوهريتان في العمل الشعري؛ ومن هنا لا
ننتظر من كاتب القصة القصيرة أن يقدم الشخصية بأبعادها المعروفة في الفن الدرامي،
بل ننتظر منه دائما أن يقدمها متفاعلة مع زمانها ومكانها، صانعة حدثاً يحمل طابع
الدلالة الشعرية، وهو طابع قابل لتعدد المستويات، ومن ثم التأويلات، وبالطبع لا
تجسّد ذلك كله إلاّ من خلال لغة تعتمد الصورة وسلتها الأولى والأخيرة".
ومن هنا فكثيرا ما يغفل متعاطو فن القصة القصيرة عن أبرز مواصفاتها أو شروطها
الفنية فيما يتعلق بالحدث والشخصية والحبكة والزمان والمكان، وهي أهم العناصر
الرئيسة المكونة لفن القصّ عموماً ويخيل للـكثيرين منهم أن شرط القصة القصيرة/
الأقصوصة - الرئيس هو محدودية الحجم أو الطول محدودية الكلمات أو الأوراق مهما
تعددت الأحداث وتنوعت الشخوص وتبدلت الأزمنة والأمكنة..
وبعبارة أخرى يمكن في نظر هؤلاء أن تكون القصة القصيرة تلخيصاً موجزاً لأحداث رواية
طويلة أو حتى مسلسلة بالغة الطول مما تطلع به علينا أجهزة البث الفضائي في هذه
الأيام، ما دامت تسكب في بضع أوراق وتصاغ من بضعة مئات من الكلمات، مما يدفعنا دفعا
إلى أن ننبّه مرة أخرى إلى أن أبرز مـقومات القصة القصيرة الفنية أنها تتناول حدثاً
محدوداً جداً، أو لمحة خاطفة ذات دلاله فكرية أو نفسية وقعت في إطار محدود كذلك من
الزمان والمكان يرصدها القاصّ رصدا تتطور فيه الأبعاد وتتمحور في داخل الشخصية
الحاسمة لتبلغ ما يعرف بالعقدة، ثم تأتي لحظة التنوير أو الحل لإشكالية الصراع أو
تطور الحدث فيها. ومن هنا كان فن القصة القصيرة في نظرنا من أشقّ الفنون الأدبية
وأصعبها لما تتطلبه من مهارة واقتدار وسيطرة عـلى كافة الخيوط التي تشكلها. وقد لا
يشركها في هذه الصعوبة بشكل متميز غير القصيدة الشعرية.
ومن كل هذا بان من الضروري في بحث القصة القصيرة/ الأقصوصة وتقنياتها الفنية
وجمالياتها تحديد مفهومات الأنماط الأدبية الإبداعية المرتبطة بواشجة قويه بفن
القصة القصيرة في محاولة جادة لتضييق شقة الخلاف وتقريب وجهات النظر المتباينة
فيها