التربية الإسلامية هى التى تعنى بإعداد الإنسان إعدادا يتناول كل جانب من جوانب حياته الروحيه والعقلية والجسدية ، وحياته الدنيا وما فيها من علاقات ومصالح تربطه بغيره ، وحياته الخرى وما قدم لها فى حياته الدنيا من عمل يجزى عليه فينال رضى ربه أو غضبه ن وذلك هو الشمول والتكامل الذى يميز افنسان منهجاً ونظاما على سائر النظم و المناهج ، فهو يتناول كل جانب من تلك الجوانب تناولا مفصلا دقيقا .
إن التربية الإسلامية وهى تعد الإنسان الصالح ، تعنى فيه بأن يكون متوازنا فى طاقاته و اهدافه ووسائله واقواله واعماله كتوازنا فى كل شئ .
وتوازن الطاقات ، يعنى : ألا تطغى طاقة من طاقاته على اخواتها ، أو تتجاهل طاقة لتظهر اخرى . وتلك من أبرز ميزات الإسلام فى منهجه ونظامه .
توازن بين طاقة الروح وطاقة العقل وطاقة البدن ، توازن بين معنويات الإنسان ومادياته ، بين ضروريات الإنسان وكمالياته ، توازن بين واقعه وما ينشده من كمال ، توازن بين نزعاته الفرديه ونزعاته الجماعية ، توازن بين إيمانه بعالم الغيب وعالم الشهادة ، توازن فى طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه ومنكحه ، لا إسراف ولا تقطير وإنما هو توازن يؤدى إلى التوسط وافعتدال . ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) وسطا فى كل شئ .
بل غن التوازن نظام فرضه الله على كافة مخلوقاته ، من إنسان وحيوان ونبات وجماد وكواكب وافلاك ، كل يسير حسي منهج فطرى وضعه خالق الكون للكون .
وتلك ميزة ثانية فى المنهج الإسلامى .
ومما يمز التربية الإسلامية ، أنها تدفع بالفرد إلى أن يكون دائما ذا حركة وفعالية فى حياته كلها ، مع نفسه ومع من يعايشهم ، بل مع الكون نفسه ومكوناته ، يعمر الأرض ويفيد من البحر والجو ، والحيوان و النبات ، والجماد ؛ من منطلق أن هذا كله قد سخره الله له ، فلا يستطيع ان يكون سلبيا متواكلا مع نفسه ، أو مع المجتمع الذى يعيش فيه ، أو الكون الذى سخره الله له ، بل هى الإيجابية والتفاعل ، فى ظل هذا الدين العظيم وهذه الأخلاقيات الرفيعة القدر .
ولقد تميزت التربية الإسلامية بخاصية مسايرة الفطرة البشرية فى واقعها البشرى الأرضى المادى ، كما تساير قدرة هذا الإنسان على أن يكون مثاليا ، يحقق لنفسه ولدينه ولمجتمعه ما يعود عليه بالنفع والخير ، كل ذلك داخل فى إطار ما أحل الله وما شرع ، فيعترف الإسلام للإنسان بتلك الفطرة التى خلقها الله ، وفيها ضعف للإنسان غزاء التكاليف والواجبات ، كما فيها ضعف غزاء الشهوات والمغريات، ولكى يواجه الإسلام الضعف البشرى إزاء التكاليف جاء قوله تعالى : ( هو اجتباكم وما جعل عليكم فى الدين من حرج ) ولمواجهته الضعف إزاء المغريات جاء قوله سبحانه ( زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة و الأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) .
وبعد ن فتلك نقاط بارزة فى خصائص التربية الإسلامية ، تميزها عن كل تربية سواها ، وتئطد لدى المنصفين من الناس انها التربية الوحيدة القادرة على إعداد الناس إعدادا يحقق لهم صالح المعاش والمعاد .
وغذا كانت تلك هى الخصائص ، فلابد لنا من حديث عن هذه التربية الإسلامية ، لننطلق من بعد ذلك إلى حديثنا عن اهداف التربية عندهم .
[تحرير] أهداف التربية الإسلامية :
الهدف والغاية بمعنى واحد فى مجال حديثنا هذا ، وإذا فإن أهداف التربية الإسلامية ، او غاياتها التى تحاول أن تصل إليها هى على وجه الإجمال : كل ما يمكن الإنسان من حياة دنيوية راشدة صالحة ، وحياة اخروية ترضى الله سبحانه وتؤدى إلى ثوابه ورضوانه .
وهذه الأهداف أو الغايات للتربية الإسلامية هى التى نشير إلى خطوطها العريضة فى هذه النقاط :
أولا : عبادة الله وحده وفق ما شرع :
فلقد قال سبحانه : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )
فعبادة الله سبحانه وفق ما شرع على لسلن نبيه صلى الله عليه وسلم أول أهداف التربية الإسلامية وأهمها .
هذه العبادة تتطلب تحقيق عناصر كثيرة فى المسلم منها : عنصر الإيمان ، وعنصر الإسلام ، وعنصر الإحسان ، وعنصر العدل ، وعنصر الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وعنصر الجهاد فى سبيل الله لتكون كامة الله هى العليا ، كما تتطلب ما تستوجبه هذه العناصر من اقوال وأعمال وأخلاق وآداب .
ثانياً : خلافة الله فى الأرض :
فقد قال سبحانه : ( إنى جاعل فى الأرض خليفة ) وما ترتب على هذا الإستخلاف من ضرورة استعمار الأرض والاستفادة مما أودع الله فيها للإنسات ، من خيرات ، قال سبحانه : ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها )
بمعنى مكن الإنسان ـــ أى إنسان ـــ من العيش على الإرض وأعطاه القدرة على عمارتها ، واستثمار ما فيها ، والإنتفاع به لمعاشه ومعاده.
فالتعامل مع الإرض والكون كله ، بإستخدام وسائل العلم ومستحدثات الكشف المشروعة ، للاستفادة من هذا الكون ، واجب شرعى وهدف رئيسى من أهداف تربية الإسلام للناس ، الأخذ بأسباب العلم والتبحر فيه وتسخيره لصالح المعاش والمعاد ، كل ذلك مما فرض الله على الإنسان ، ومما أوجب الإسلام على المسلمين ، بحيث لايجوز لهم أن يتاخروا فى هذا المجال ويتقدم سواهم .
ثالثاً : التعارف بين الناس :
فقد قال سبحانه : ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ..) فالله سبحانه وتعالى خلق الناس لامختلفين أجناسا وألوانا وألسنة ، المتفرقين شعوبا وقبائل وعمائر وبطونا وأفخادا وفصائل وعشائر ، خلقهم جميعا من اصل واحد هو ذكر وأنثى آدم وحواء ، فما يليق بهم افختلاف والتفرق والتخاصم والتعادى ، وإنما اللا ئق بهم هو التعارف والتواد والتراحم والتعاطف والتعاون والتناصر فى ظل التآخى ؛ أليسوا ابناء رجل واحد وامراة واحدة ؟!
إن اللائق بالبشر بعد أن يؤمنوا بالله ويدخلوا فى دين الله أفواجا أن يتحابوا ، ويتعاونوا ويتواصوا بالحق ويتواصوا بالصبر ثم تتعمق بينهم هذه الصلات فيتكافلوا .
وهذا هدف كبير من اهداف التربية فى الإسلام ، ان يعد الإنسان ليعيش فى تعارف ووئام مع أخيه الإنسان بعد أن تجمع بينهم عقيدة الحق ، ومنهج الله ونظامه .
رابعاً : سيادة الإرض والتمكن فيها :
قال تعالى : ( وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا ... )
فهذا وعد من الله للذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ـــ والإيمان بشروطه وفروعه والعمل الصالح نتيجة للإيمان الصحيح ـــ وعد الله هؤلاء وعدا اكيدا بثلاثة امور :
أ ـ الاستخلاف فى الأرض ، وأن يجعل لهم ولاية عليها ، وقدرة على الإستفادة منها لمعاشهم ومعادهم .
ب ـ التمكين لهم فى الأرض بإسلامهم ومنهجهم ، فتكون لهم المهابة والسلطان ، وأن يكون لدينهم الهيمنة والظهور على الدين كله .
جـ ـ وأن يبدل حالهم من خوف إلى أمن .
ومعنى ذلك أن المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، هم اهل السيادة على الأرض
، ودينهم هو دين الظهور والهيمنة ، ولابد من الوصول إلى هذا فى ظل التربية الإسلامية للناس .
وطالما بقى المسلمون بعيدين من التمكن فى الأرض فهم بعيدون عن حقيقة الإيمان وعن العمل الصالح ، وبالتالى فهم فى حرج من امر دينهم وعلى غثم معصية ، والتربية الإسلامية تحاول بكل ما وسعت أن تخرج الناس من الحرج والإثم والمعصية .
خامساً : الحكم بالشريعة :
قال تعالى ( ثم جعلناكم على شريعة من الأمر فاتبعها .. )
وقال : ( أن احكم بينهم بما انزل الله ولاتتبع اهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )
وهذا هدف ضخم من اهداف التربية الإسلامية ، بل هو هدف الهداف الأربعة السابقة ، من عبادة لله واستخلاف فى الأرض وتعارف وتناصر وتمكن من الأرض ، غذ كل ذلك إنما يؤدى إلى أن يسود شرع الله عباد الله ، دون مساومة أو تجزئ أو ترقيع لهذا المنهج ، فضلا عن قبول مناهج أخرى ليست من صنع الله .
وبعد : فهذه اهداف التربية الإسلامية فى صورة مجملة ، وهى أهداف الإسلام عقيدة وشريعة ودعوة وحركة ونظاما ومنهجا وسلوكا وعملا وجهادا ؛ لتكون كلمة الله هى العليا ، وإنما يكون ذلك بتربية الروح والجسم والعقل والخلق والسلوك .
وقبل الإنتهاء من الأهداف لابد أن نشير إلى أن للتربية الإسلامية مجالات عديدة نذكر منها :
1 ـ الفرد وكل ما يتصل ببناء الشخصية .
2 ـ البيت المسلم وكل ما يجب ان يسوده من قيم واخلاق .
3 ـ المجتمع المسلم وكل ما يحيط به من علاقات .
4 ـ الأمة المسلمة وكل مايتصل بهامن غعداد وعمل .
5 ـ الدولة المسلمة وما يجب ان تكون عليه من منهج ونظام .
ساحة النقاش