في مجتمعاتنا توجد العديد من المشكلات والصعاب التي يجب أن نفكر جميعاً في سبل حلها وتجاوزها... لكن المشكلة الحقيقية التي أدت إلى توالد مشكلات ومصاعب أخرى هي واحدة وعلينا الوصول الى تحديدها ومن ثم إيجاد الحل المناسب لها.
إن أهم ما يجب أن نفكر فيه هو تطوير مجتمعاتنا وإخراجها من خلف الأسوار التي بُنيت حول عقول أفرادها على مدى قرون خلت دون السماح لأي فرد بالخروج منها حتى وإن حاول.
العادات والأفكار ومصادر المعرفة؛ يجب أن نعمل على إزالة البائد والضار منها واستبداله بما يتماشى مع ما وصل إليه الجنس البشري بعد آلاف السنین من الحضارة والعلم والمعرفة والتطور.
من هذا المنطق علينا أن نحدد بدقة النقاط التي يجب أن نعمل عليها لتحسينها أو لتطويرها أو لإزالتها – إذا اقتضت الحاجة
-... علينا بداية أن نحدد أن ما يميز مجتمعاً عن آخر هو مستواه العلمي والحضاري والفكري... وليس كما يعتقد البعض بأن الميزة هي المصادر الطبيعية والمستوى الإقتصادي؛ مع عدم إغفال حقيقة أن هذين العاملين سيكونان من العوامل المساعدة ليس أكثر.
أعتقد أن هذه البداية في الحديث ضرورية بل فائقة الأهمية من أجل تحديد مسار هذا البحث والوصول الى النتائج المتوخاة.
عند الحديث عن مصادر المعرفة علينا أن نفرق بين ما هو علمي ومنطقي وبین ما هو متوارث لم يتم وضعه قيد الدراسة والنقاش
... يجب ألا تكون هناك أمورٌ فوق مستوى البحث والدراسة... لا توجد مناطق محظورة أو خطوط حمراء... وإذا كانت بالفعل موجودة بحكم واقع مجتمع معين، فعلينا أن نحدد بشكل واضح مصدر هذا الحظر؛ من أين جاء؟ من وضعه؟ وهل يستحق المصدر أو الشخص الذي وضعه هذه السلطة على فكر وحياة أفراد المجتمع و... لماذا؟
إن أخطر ما يمكن أن يصيب أفراد أي مجتمع هو قبولهم لأفكار وآراء وحقائق دون دراسة أو تفكير أو تدقيق بمحتوىالفكرة أو الرأي أو الحقيقة
(أو ما يقدّم على أنه حقيقة).
ما الذي يؤدي إلى تكوين مجتمعات سلبية الفكر؟ السبب هو غياب فكر المعرفة... فكر المعرفة هو الأساس الذي يؤدي إلى خلق مجتمعات قادرة على التحليل و الدراسة والإبداع دون جمود.
لكن ما هو فكر المعرفة؟
المقصود بفكر المعرفة هو وجود الرغبة في زيادة علوم الانسان وتوسيع مداركه في حقول مختلفة دون تقييد هذه
العلوم والمعارف بآراء مسبقة تمنعه من الخوض في أمورٍ بعينها دون سبب أو أسبابٍ منطقية.
فكر المعرفة، عند توافره لدى أفراد أي مجتمع، سيكون الأداة التي ستمكنهم من التطور وهو الذي سيجعلهم قادرين على دراسة ظروفهم وبيئاتهم وتحليل الحقائق المحيطة بهم والوصول إلى إبداعات جديدة على شكل حلول عملية ومدارسفكرية ثقافية مبدعة ومنتجة فيما فيه خير الجميع...
الإبداع العقلي والثقافي يجب ألا يكون محدوداً بالجماليات اللغوية والأشعار والروايات وغيرها من أشكال الفن غير المنتج بالمعنى المادي، الإبداع الذي يثري المجتمعات هو الإبداع العلمي المادي أو، بكلماتٍ أخرى، هو الناتج الذي يمكن لبقية أفراد المجتمع أن يحسوه ويشعروا بالفرق الإيجابي المباشر على حياتهم اليومية عند تحقيقه
... وهذا الإبداع يمكن الوصول إليه بتنمية المعارف العلمية والعملية في مجتمعاتنا...
ساحة النقاش