«الكروشيه».. دعوة إلى تحرير الخيوط لتعزف لحنا من الألوان الناعمة

لم يعد حكرا على بنات الذوات أو الأسر الارستقراطية المصرية

عودة السيدات للكروشيه أنعش محال بيع الخيوط ومعدات الحياكة («الشرق الأوسط»)

القاهرة: سارة ربيع
بخيوط ملونة تشبه الحكايات التي يتوارثها الأبناء عن الجدات، عاد فن «الكروشيه» من جديد إلى حظيرة الأسرة المصرية، مشكلا أحد الحلول الاقتصادية المهمة، وبمثابة دفتر توفير آمن للتعامل مع ضغوط الحياة، وتدبير نفقات العيش بوسائل بسيطة ومريحة، يعزز ذلك الاهتمام الخاص بكل ما هو مصنوع يدويا (handmade)، من حيث اقترانه بالجودة والأصالة.

عودة فن «الكروشيه» كفرع من فروع أشغال الإبرة، انعكست بقوة على محال بيع خيوط التريكو، المنتشرة بوسط العاصمة المصرية، لتنتشلها من كساد عانت منه على مدار سنوات كثيرة. من أشهر هذه المحال محل «عبد الهادي» الذي تعود نشأته لبداية خمسينات القرن الماضي، فقد أصبح المحل يتمتع بإقبال شديد من سيدات القاهرة وضواحيها، بحسب رواية أحمد عبد الهادي (الابن)، الذي أوضح أن الفترة من سنة 1988 إلى سنة 1994 شهدت ازدهارا لأعمال «الكروشيه» من قبل السيدات، ثم اختفى هذا الفن لفترة، ثم عاد مع بداية الألفية الجديدة ليبحث مرة أخرى عن مكانته القديمة، مشير إلى أن المحل شهد ارتفاعا لا بأس به في حركة البيع، خاصة من قبل الفتيات في سن العشرينات والثلاثينات.

ويوضح عبد الهادي أن فن «الكروشيه» لم يعد مقصورا على بنات الطبقة الراقية (الذوات)، حيث كانت إجادته تعتبر ميزة اجتماعية بين نساء وبنات هذه الطبقة، لكن مع ضغوط الحياة، والولع بارتداء شيء من صنع يدك، التفت إلى هذا الفن فتيات ونساء من شتى الطبقات، ما شجعهم على ذلك بساطة طرائق صنع الكروشيه نفسه، ورخص الخامات المستخدمة فيه، ناهيك عن رونقه الجمالي الجذاب، بالمقارنة مع الملابس الجاهزة وأسعارها الخيالية، التي لا تناسب الغالبية العظمى من أصحاب الطبقات الفقير، محدودة الدخل.

يتفق مع عبد الهادي، «علي خليل» صاحب محل للملابس الحريمي بوسط القاهرة، مشيرا إلى اقتحام الكروشيه كحرفة يدوية الأسواق المصرية، خاصة مع تعدد المطروح منه للعرض وتنوع الأشكال والألوان. ويؤكد خليل أنه يتعامل مع سيدات يمدونه بالقطع المطلوبة وبخاصة مع انتشار المدارس الصغيرة التي بدأت تعلم السيدات والفتيات هذه الحرفة الفنية اليدوية.

وحول طريقة صناعة الكروشيه يوضح عبد الهادي أن مهارة نسج الخيوط تظهر باستخدام إبرة خاصة، هذه الإبرة المعدنية يختلف حجمها، فتبدأ مقاساتها من 0 إلى 14، ويتدرج سمك الإبرة في المقاس إلى الأعلى وكلما كان حجم الخيط رفيعا نستخدم إبرة رفيعة، وهكذا.. وعادة ما يبدأ كل عمل بغرزه السلسلة التي تأخذ شكلا دائريا مترابطا ببعضه بعضا ليصنع «سلسلة» متصلة تكون البداية لأي قطعة.

وتضيف أمل إبراهيم (42) سنة، محاسبة بأحد البنوك الحكومية وهي تمسك بالخيوط والإبرة: للكروشيه أسراره التي تعكسها كل غرزة منه، فهذه مثلا غرزة «البسلة» التي تأخذ شكل حبه البازلاء، وهذه غرزة «الفراشة» و«النجوم» كلها أسماء غرز مستمده من الطبيعة المحيطة. وهناك أنواع أخرى من الغرز والأشكال مثل: الروماني، الأميرة، الدوق، التاج. وتوضح أمل أن تلك الأسماء اكتسبها «الكروشيه» من كونه أحد الفنون اليدوية القديمة، فقد كان يقتصر في السابق على الطبقة الارستقراطية حين قامت الراهبات بتعليمه لبنات العائلات الراقية، ليصبح بعد ذلك الهواية المفضلة للسيدات في إيطاليا، وإسبانيا وفرنسا، ومعظم الدول الأوروبية.

تاريخيا اشتق اسم «الكروشيه» من اللغة الفرنسية، ويتميز بأنه فن سهل التعلم وبسيط، يحفز في داخلك الطاقة الإيجابية لصنع العديد من المنسوجات اليدوية. وصل إلى ذروته في القرن التاسع عشر، وفي أيرلندا تحديدا أصبح صناعة حقيقية بعد المجاعة الكبرى التي داهمتها سنة 1846، فقد كانت المرأة تتعلمه كي تتمكن من العمل وهي في المنزل.

تؤكد ذلك كريمة أحمد، ربة منزل مثقفة ومولعة بالكروشيه، فتذكر أنها تعلمت الكروشيه من والدتها التي تعلمته بدورها من جدتها، وجدتها تعلمته من أمها.. وهكذا انتقل هذا الفن من جيل إلى جيل. أضافت كريمة أنها تعاملت مع هذا الفن من منظور اقتصادي حيث اتجهت إلى العمل من المنزل واستطاعت بعد فترة أن تكون أحد المصادر الرئيسية لتوزيع مشغولات الكروشيه بأشكالها المختلفة على متاجر وسط المدينة، وبحسب روايتها فإنها قد حققت مبيعات جيدة خلال فصل الشتاء الماضي لكثرة طلب منتجات هذا الفن من الأوشحة والكوفيات وملابس الأطفال حديثي الولادة.

هذا التنوع بين مواسم الصيف والشتاء يعكس تنوع أنواع الخيوط التي تنفذ بها القطع التي تجدها «ياسمين فهمي» رخيصة الثمن في الصيف، حيث تستخدم الخيوط القطنية والحريرية، على عكس الشتاء، حيث تستخدم فيه الخيوط الصوف. تقول ياسمين: الكروشيه رخيص وبسيط ويمكن توظيفه بأكثر من شكل في الملابس. كما أنه كثيرا ما تأتي خيوطه المتداخلة على قمة هرم الموضة.

وتتفق معها مروة سعد (28 سنة) محامية، على اختيارها قطع الملابس المصنوعة من الكروشيه نظرا لأنها تعتبرها مريحة وعملية وأنيقة.. ومثلها بسمة يوسف (24 سنة) فهي تفضله ممتزجا بالكتان، خاصة على أطراف التنانير لتأخذ الطابع الإسباني القديم. وتخرج قطعة مريحة بسيطة تفضلها المرأة.

وتشير منسقة الأزياء ياسمين إلى أن هناك ما يسمى «الرنبو» أو قوس قزح، وهي نوعية من الخيوط التي تحتوي على أكثر من لون في نفس البكرة واللفة هذه النوعية تسهل العمل وتوفر الوقت والجهد إذا أردنا أن نصنع قطعة مركبة من أكثر من لون.. وعلى حد قولها، تتناسب هذه القطع مع فصل الصيف، لذلك نجد الكروشيه منتشرا بقوة هذا الصيف، خاصة في فساتين البحر التي تفضل أن ترتديها الفتيات والسيدات، حيث تتناسب ألوانها الفاتحة (اللبني، والأصفر، والأبيض، والبيج، والروز) مع طبيعة البحر والصيف، كما يتيح لهن هذا الزى حرية الحركة باختلاف الغرز المستخدمة مثل غرزة (الشبكة) التي تشبه إلى حد كبير شبكة الصياد، وغرزة (الصدف).

وتخلص ياسمين إلى أن فن الكروشيه لم يعد يبحث عن مرتبة يعتليها بين أقرانه من الفنون اليدوية، بل هو حالة دائمة من التجديد تدعو إلى تحرير الخيوط لتعزف لحنا من الألوان الناعمة، إنه على ـ حد قولها ـ ثروة إنسانية لا تقدر بثمن.

المصدر: الشرق الأوسط
starsebrahem2010

لؤلؤة الكورشيه

  • Currently 122/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
41 تصويتات / 2958 مشاهدة
نشرت فى 22 ديسمبر 2009 بواسطة starsebrahem2010

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

436,885