عرض كتاب

بيير بورديو: السيطرة الذكورية( * )

خالد عبد الفتاح

يشمل هذا الكتاب عناصر متكاملة لأفكار بورديو حول العنف الرمزى، والسيطرة الرمزية. وقد سبقه محاولات بورديو لعرض هذه الأفكار فى تحليله لموضوعات أخرى مثل تحليله للنظام التعليمى وتحليله للغة. ويكتسب الكتاب أهميته، إلى جانب أهمية الموضوع، أنه يعرض ممارسة تحليلية من بورديو لأفكار العنف الرمزى وأيضا أفكاره المنهجية التى عرضها فى كتابه حرفة عالم الاجتماع.

يقع الكتاب فى ثلاثة فصول، يعرض الأول صورة مكبرة ( وهو عنوان الفصل ) لحالة السيطرة الذكورية، فيوضح كيف يتم البناء الاجتماعى للأجساد، فالتقسيم إلى جنسين يبدو كأنه ضمن نظام الأشياء، ولأن تقسيم الأشياء والنشاطات طبقا للتعارض بين المذكر والمؤنث يكون تعسفيا فى الحالة المعزولة، فإنه يكتسب ضرورته الموضوعية والذاتية من اندراجه ضمن نسق من التعارضات المتناظرة، أعلى/أسفل، فوق/تحت، أمام/خلف، يمين/ يسار، جاف/رطب، صلب/رخو، فاتح/غامق،خارج(عام)/داخل(خاص) ،تناظر بالتأكيد حركات الجسم ( أعلى/أسفل، صعود/هبوط، خارج/داخل، خروج/دخول.

والعالم الاجتماعى يبنى الأجساد بوصفها مستودعا لمبادىء الرؤية والتقسيم التجنيسية. ويعمل النظام الاجتماعى بمثابة آلة رمزية هائلة تميل لإقرار السيطرة الذكورية التى يقوم – فى الأصل - على أساسها: إنه التقسيم الجنسى للعمل ، والتوزيع البالغ الصرامة للنشاطات الموكلة لكل جنس من الجنسين، ولمكان هذه النشاطات، ولخطتها وأدواتها.وتظهر قوة النظام الذكورى فى حقيقة أته يستغنى عن التبرير فالرؤية المتمحورة حول الذكورة تفرض نفسها باعتبارها محايدة ولا تحتاج إلى التعبير عنها فى خطابات تسعى إلى منحها المشروعية.

وينتج التعريف الاجتماعى للأعضاء الجنسية عن عملية بناء تتم على حساب سلسة من الخيارات الموجهة والتشديد على اختلافات بعينها أو التعتيم على تشابهات معينة. ومخططات التفكير والرؤية التى تبنين إدراك الأعضاء الجنسية، وإدراك النشاط الجنسى تطبق أيضا على ا<ساد ذاتها، مذكرة أومؤنثة.

ويوضح بورديو أن التبرير الاجتماعى الذكورى يستمد قوته الخاصة من أنه يراكم ويكثف عمليتين، فهو يضفى المشروعية على علاقة سيطرة بأن ينقشها فى طبيعة بيولوجية هى ذاتها عبارة عن بناء اجتماعى مكتسب للصبغة الطبيعية. فالتقسيمات المؤسسة للنظام الاجتماعى، وبالأدق، الروابط الاجتماعية للسيطرة والاستغلال المقامة بين النوعين تنقش بصورة مطردة فى نوعين مختلفين من الهابيتوس، على هيئة نوعين من التعود الجسمانى متعارضين ومكملين لبعضهما، وعلى هيئة مبادىء للرؤية وللتقسيم تقود إلى تصنيف كل أشياء العالم وكل الممارسات طبقا لتمييزات قابلة للاختزال إلى التعارض بين المذكر والمؤنث.

وحين يطبق المسيطر عليهم مخططات تفكير هى نتاج لعلاقات السيطرة، أو حين تكون إدراكاتهم مبنينة وفقا لنفس بنيات علاقات السيطرة المفروضة عليهم فإن أفعال معرفتهم تكون بمثابة أفعال اعتراف وخضوع، ولذلك يبلغ العنف الرمزى زروته فى هذه الحالة حينما ترى النساء الواقع، وكذلك علاقات السيطرة التى هن أسيرات لها وفقا لمخططات تفكير هى نتاج للتمثل الداخلى لعلاقات السلطة هذه. فينتج عن ذلك أفعال اعتراف عملى، واعتناق يقينى، إيمان لا يحتاج إلى التفكير فيه وإثباته، ويساهمن فى صناعة العنف الرمزى الذى يعانين منه. ويلفت بورديو النظر إلى كيفية تحويل النساء، فى ظل علاقات السيطرة هذه، إلى مجرد أداة فى سوق السلع الرمزية، مجرد أداة يستخدمها الرجال من أجل زيادة رأس مالهم الرمزى من خلال الزيجات.

ويوضح بورديو أن الرجال أيضا سجناء وضحايا للتمثيل السائد، أو الصورة السائدة عن العلاقة بين الجنسين،فالاستعدادات التى تدفع للمطالبة وممارسة السيطرة ليست منقوشة فى طبيعة ولابد من بنائها بواسطة عمل مستمر لإضفاء الطابع الاجتماعى، أى عمل للتمايز النشط بالنسبة للجنس المقابل، فعلى غرار النبالة، فإن الشرف  المنقوش فى الجسد على هيئة استعدادات ذات مظهر طبيعى، عادة ما تظهر للعيان فى طريقة خاصة لضبط المرء لذاته، لضبطه لجسده، ووضع الرأس، والوقار، والمشية، بالتضامن مع طريقة فى التفكير والعمل.

 



( * ) بورديو، بيير، السيطرة الذكورية، ت: أحمد حسان، ط1، القاهرة: دار العالم الثالث، 2001.

المصدر: خالد عبد الفتاح
  • Currently 24/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 926 مشاهدة
نشرت فى 16 أكتوبر 2010 بواسطة sociology

ساحة النقاش

Khaled Abdel Fattah

sociology
مدرس علم الاجتماع بجامعة حلوان، أمين عام رابطة خريجى الدراسات الاجتماعية، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة مدار للتنمية وحماية البيئة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

110,720