الوثيقة العالمية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة هي المعاهدة الثامنة التي تضاف إلى جسم المعاهدات الدولية الرئيسة السبع لحقوق الإنسان.

ويشكل إنجاز هذه المعاهدة تحولاً كبيراً في التعاطي الدولي مع المعاقين. فستكون أول معاهدة لحقوق الإنسان يتم اعتمادها في القرن الواحد والعشرين، وستعتبر تحولا كبيرًا في طريقة التعامل مع نحو 650 مليون شخص يعيشون مع أشكال الإعاقة المتعدّدة، وهم يشكلون نحو 10 في المائة من سكان العالم، ويعيش 80 في المائة منهم في دول العالم الثالث

وبينما تأبى المعاهدة الجديدة استعمال لفظ "الأشخاص المعوقين"  disabled people لوصف الإنسان الذي يعاني في جسده من خلل، أو قصور أو عجز وظيفي، وذلك لما تحمله من معان سلبية في وصف هولاء الأشخاص " القادرين" ولكن بطريقة مختلفة، فإنها تستخدم كلمة (people with disabilities) وبين التعبيرين في مدلولهما فارق كبير. فالأول ينظر إلى الأشخاص الذين يعانون من خلل أو عجز وظيفي من نافذة عجزهم فقط. فيغزو العجز الجسدي هويتهم، ولا يعود المجتمع قادرا على رؤيتهم إلا من خلال قصورهم فيحكم عليهم بالإقصاء والعيش على الهامش. أما اللفظ الثاني فيشير إلى الخلل أو الإعاقة على أنها جزء " من كل"، فلا تعود هوية هذا الإنسان، القادر ولكن بشكل مختلف، رهينة قصوره أو عجزه الجسماني، بل تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك لتشير إلى أن الإنسان ذا الإعاقة هو إنسان يلبي احتياجاته الطبيعية، التي هي كاحتياجات أي إنسان على وجه هذه الأرض، ولكن بطريقة مختلفة. وهنا لا يعود القصور الجسمي أو العقلي إعاقة في ذاته ولكنه يتحول في هذا المجتمع أو ذاك الذي يغيّب هذه الفئة عن سياساته، وخططه وبرامجه وبنيته إلى إعاقة حقيقية. لذا، فان استعمال الكلمة الوصفية لهذه الفئة من أبناء المجتمع على أنها "ذوي الاحتياجات الخاصة" هي بعيدة كل البعد عن الصحة. فالأشخاص ذوو الإعاقة لهم احتياجات أي إنسان آخر ولكن الفارق يكمن في طريقة تلبيتها. . 

وفي وقفة بسيطة نجد أن المجتمعات كافة، وللأسف الشديد، قد كانت، وما تزال، توجه كافة أشكال التمييز نحو الشخص ذوي الإعاقة. وأكبر مثال على ذلك، أننا قمنا ببناء مجتمعاتنا وبنيتنا التحتية وكأن الجميع يمشي، ويسمع، ويرى. وما عجز مجتمعاتنا عن تأمين الوسائل التي تمكن هؤلاء الأشخاص من تلبية كسر الحواجز أمام إخوتنا وأبنائنا " القادرين بشكل مختلف" مسؤولية مشتركة نحملها جميعا 

احتياجاتهم، الا دليل واضح عن مدى فهمنا الخاطئ للطبيعة الإنسانية. فالحياة والوسائل التي تكفل الراحة في عيشها إنما أصبحت بحكم العادة والقاعدة حقا لمن ليس لديهم خلل او عجز، متناسين وجود تلك الفئة من أبناء مجتمعنا التي لسبب أو آخر حرم الجسد فيها من أداء وظائفه بشكل كامل. فأصبحنا نعيش في عالم شعاره " الحكم للغالبية"، ولكن، أليس للأقلية أيضا حقوقها التي يجب أن تصان وتحمى

وتجدر الإشارة إلى أنّ النهوض بحركة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إنما تدعو الدول ، اليوم أكثر من أي وقت آخر، إلى تعزيز نظام الدمج وليس الفصل والاستبعاد. فلا يعود الشخص ذو الإعاقة موضع شفقة وعمل خير وإحسان وإنما صاحب حق يطالب به كغيره. فمشكلته ليست مشكلة فردية، ولا يطلب منه هو التأقلم مع مجتمع الأغلبية ولكن يطلب من المجتمع توفير ما يؤمن فرصا متساوية للجميع في الوصول إلى أمور الحياة كافة

وتدعو المعاهدة الجديدة البلدان إلى تحسين أوضاع المعاقين على مراحل، وتشمل تشييد مرافق جديدة ملائمة، وتحسين فرص حصولهم على التعليم والمعلومات، واعتماد تدابير ترمي إلى القضاء على الممارسات التمييزية ضدهم، ، كما تدعو إلى حل المشاكل الخاصة بتنقل الأشخاص ذوي الإعاقة والخدمات الصحية والتوظيف والتأهيل والمشاركة في الحياة السياسية. وبينما نعد الأيام التي تفصلنا عن الحدث العالمي للتوقيع على المعاهدة، يجدر التأكيد على أن هذه المعاهدة ستبقى كلمات جميلة وحبرا على ورق ما لم تأخذ الدول على عاتقها ترجمتها في نظمها كافة وسياساتها الاجتماعية ومنظومتها القانونية لتصبح نهجا ورؤية لكل خطواتها.. والاهم من ذلك هو ثورة في عقلية مظلمة ترفض الاختلاف وتبتهج بالإقصاء وتقبع في حدود الأنانية

إن كسر الحواجز أمام إخوتنا وأبنائنا " القادرين بشكل مختلف" هو مسؤولية مشتركة نحملها جميعا. وإننا ندعو بالتوفيق لهذه الجهود الدولية، ونبارك لجميع من يعمل مع هذه الفئة الغالية من مجتمعنا لنيل حقوقها وصدور هذه المعاهدة واعتمادها.

المصدر: موقع ملتقى العالم العربي لذوي الاحتياجات الخاصة

  • Currently 349/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
115 تصويتات / 1945 مشاهدة
نشرت فى 3 مايو 2009 بواسطة sn1

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

199,140