ية بالهرمTop of Form
التعبير الكنائى
فلسفته وأمثلة وتطبيقات له فى الأدب والفنون التشكيلية
بقلم الدكتور
عبد الحكيم العبد
قسم التنشيط الثقافى- المعهد العالى للنقد الفنى- أكاديمبة الفنون
عضو جماعة شعراء الأكاديمية بالهرم
يونيو 2019م
المحتويات
◙ الكناية فى علم البلاغة
◙عن ابتسامة الجيوكندا (كلمتى)
◙ ابتسامة الجيوكندا (قصيدتى)
◙ ابتسامة الموناليزا (قصيدة أ. د. تاج الدين)
الكناية فى البلاغة
البلاغة التى هى علم جمال اللغة – أية لغة (علم الجمال الخاص)، لها تقنياتها وأسرارها ومنها الكناية . وهى كتقنية تعبيرية فى اللغة تمثل فى الفن ، أىّ فن ، كنوع من المجاز . عرفوها فى العربية مفرقين بينها وبين الاستعارة metaphor، بأنها – أى الكناية- لفظ أريد به لازم معناه (رديفه) ، مع عدم وجود مانع من إرادة المعنى الأصلى ، كقولك : هو نظيف اليد ـ بمعنى أنه عفيف ، أو أبيض الثوب بمعنى أنه شريف. ومن جميلها قى شعر عمر بن أبى ربيعة فى وصفه لجمال جيد من يتغزل بها ، مكنيا عن طوله بطول القرط المتدلى من أذنها على هذا العنق الأتلع الجميل ، كأنه عنق نفرتيتى الممثل فى تمثالها المعروف. قال عمر:
بعيدة مهوى القرط إما لَهاشِمٌ* أبوها وإما عبُد شمس ونوفلُ
قد تهدف الكناية بين ما تهدف إليه من عديد القيم الجمالية أو البلاغية إلى التعمية والتغطية، كما قال الشاعر :
أكنى بغير اسمها وقد علم الله خفيات كل منكتم<!--
والكناية – ولا سيما التصويرى منها - كما فى التشبيه والاستعارة والتمثيل البلاغى من سحر الكلام وأسرار الإبداع . ومنها ومن غير التصويرى ما يأتى ليفيد التعريض أو الرمز أو الإلغاز ، ويسمى الدال القريب منهـــــــــــا (الإيماء) كما يسمى ذو المرمى البعيد منه (التلويح) وَفق دلالة اللفظين فى المعجم العربى<!--؛ فهى بحق مختبر ذكاء كما فى علم النفس.
وتأتى الكناية تورية ، كما فى مثال عبد القاهر الجرجانى ، وهو قول الشاعر:
ليت شعرى ، هل أقولن لركب * بفلاة هم (و) لديها هجوع:
طالما عرستم (و) فاركبــوا بى* حان من نجم الثريا طلوع
الثريا: النجم المعروف فى السماء ، ورَّى به الشاعر عن مقصده وهو يعنى امرأته إجلالا أو حياءً من التصريح باسمها .
وتأتى الكناية أيضا (توجيها) لوجهين يراد أحدهما كما فى المثال:
"كان ابن جنى ممتعا بإحدى عينيه" ، إما قصدا إلى السليمة أو كناية عن ثواب الصبر على الذاهبة<!-- . وسنجد فى توضيحى ونصى عن الجيوكندا احتمالا لتوجيه الرسام لأربعة أشخاص أو خمسة ، مما زاد من حيرة النقاد ومشاهديها المفتونين بها إلى اليوم .
عن ابتسامة الجيوكندا (كلمتى)
(عرضى لما ورد فى بعض الموسوعات من آراء النقاد فى الجوكندا)
الجيوكندا / زوجة الجيوكند ، أو الموناليزا ؛ والتسميتان لنفس اللوحة التى رسمها (ليوناردو دافنشى) المتساءل فى نسبه هو الآخر. وقف النقاد أمام ظاهرة الغموض فى وجه الموناليزا : ابتسامتها ومعناها فى شفتيها وعينيها ، وحتى فى وضع كفيها الأيمن على الأيس على غير المألوف فى العرف الزيجى المسيحى:
رأى بعضهم فيها سمة الرقة والحنان ، كأنما هى نظرة الأم ليزا أو السيدة العذراء ، حتى لقد صورها فنان عصر النهضة الآخر (رفائيل) وفى حجرها الطفل يسوع الإله أو المؤله. التفسير الذى انطبع به مطلع قصيدتى كما سيلى.
· <!--[endif]-->لا أعرض لتوجهات غير جادة أو متهزئة من قبيل رسم من صورها سيرياليا تضع الغليون فى فمها ، ولا حتى لمن أزاح القداسة بتصويرها فى حفل خطبة من (يوسف النجار).
من التأويلات ما ينسب ليوناردو نفسه من أنه – لشبه بينه وبين أمه (كاثرين فاك)- جعل الوجه له على نصف جسد والدته فى الوضع المغمض المذكور ويمناها على يسراها عمدا لعدم إظهار خاتم الزواج أو تركيزا على نعومة اليد واتسابيتها ورقة الأصابع. ولعل لهذا صلة بحقيقة زيجة أمه من أبيه رجل القانون (دافنشى) الذى عاشرها دون عقد شرعى وهى خادمته.
التأويل الثالث الذى أراه مبررا لابتسامة الجيوكندا (الموناليزا) قيل هو لـ (ليزا جيرادون) زوجة (الجوكند) الذى طلب من (ليوناردو) رسم اللوحة لها ، واستغرب مع هذا أن يبقى ليوناردو اللوحة بحوزته فى سفرته لباريس سنوات عديدة ، وربما أثار مزيدا من التكهنات.
تأويل رابع قبلناه يكنى - ولو من بعيد- (يلوح) بجريمة (جانيت سبنس) التى كانت عشيقة الثرى اللندنى (هطون) والذى – فى عجالة منه- تزوج الندنية (درسلون) والتى وصلت علاقتها الزيجية بهطون معها إلى طريق مسدود وهو مستمر فى علاقته بجانيت سبنس. بسبب الغيرة أو الأنانية دست العشيفة السم للزوجة فماتت ، وحوم الاتهام نحو هطون وأعدم . بعد سنوات صرحت جانيت بالسر لطبيب .. وليسكنه ليوناردو ملامح اللوحة فى أحد التأويلات.
هل هذه التعقيدات المادية والمعنوية ، القيمية الاجتماعية والدينية والتحررية مما خلط البريئ بالشرير فى معنى الابتسامة فكانت ابتسامة مزدوجة الدلالة إلى يومنا ؟
*للوحة سمات أخرى فى رموش عينى الموناليزا وحاجبيها وفستانها ، أظهرها برنامج حاسوب متفدم رقيقة جميلة حية تنضح بذوق أنثوى ، ولكنها بدون البرنامج تبدو باحتة معمشة ـ إما بفعل الزمن أو المبالغة فى التنظيف.
* هذا فضلا عما أشاد به النقاد من منظر فى خلفية الصورة للجبال والوديان والسهول ، مما أفاض فيه أستاذنا الدكتور محمد جمال الدين عفيفى فى جماعتنا "شعراء الأكاديمية بالهرم" وقصيدته :"ابتسامة الموناليزا" ترد مسك ختام هذا المقال.
ابتسامة الجيوكاندا
شعر د. عبد الحكيم العبد<!--
(مع التحية لأستاذ الفن د. محمد تاج، زميل شعراء الأكاديمية بالهرم)
ابتسامٌ ذاك أم نورُ اليقين
طالعٌ من وجه مريمَةَ الحنون
ناظرٌ وجه يسوعٍ فى سكون
قر باسم الرب فى المهد المصون.
**
بعضهم بل نفسُ "لوناردو" تنكر
يزعمون
بعـضهم بل أمُّهُ "كاترنْ فكون"
من تسرَّاها - بلا عقد-
دفنشىُّ القنون
بعضهم يزعم "ليزا جيرادون"
زوجة الجوكند أو يستغربون.
**
أم تراه من "جنيت سبنسَ" فتون
حين من زوجة المثرى "هطون"
بنت لندنه العصية "درسلون"
غارت المحظيةْ "جانيت" فى جنونْ
دست السم لها كى لا تكون
صخرة فى عِشقها السادى الرعون.
**
ماتت الزوجة وانعدم "هطون"
ولأن الحق حق والمنون
لا تُحاشيه عن المرء السنون
حصحص الحق أقرته الخئون
بعد حين ؟
وليعيش السر فى الرسم الحزين
ساكنا فى بسمةً صفرا حنونْ
كل حين !
إبتسامة الموناليزا
شعر د. محمد تاج الدين عفيفي<!--
لما ابتسمتي
زقزق العصفور
واتهز طرف الشجر
ومال برقة الحور
لمع شعاع في القمر
كأنه من بنور
بسمة تراها وراها
ودا سرّ مش مذكور
تحت الشفايف مموه
مختفي ومستور
سر اجتهد ليوناردو
داريه ولا يبديه
لكن تدلّ عليه
ألوان خطوط وسطور
باحت بسر انتشر
مع إنه كان محظور
ليوناردو حِرفي
وكان للحرفة معنى كبير
أسلوب مراوغ
دا مش صدفة
دا صاحبه خبير
حرفة وصنعة بدقة
هندسة وعلوم
ليوناردو شاعر ونحّات
وفيلسوف وخطير
بين أهل عصره وأقرانه
ودا المعلوم
بل في التاريخ ربما
واحد مالهش نظير
في كل لمسة لون
أو ابتكار مرسوم
أو خط له تحضير
في كل شكل أكيد ,
أصبح لنا مفهوم
كان له غرض تنوير
بالاختراع مهموم
فنان وعنده حضور
مين فينا مش عارف
شوف الشفايف بتبسّم لك
ومش بسرور
الإيد على الإيد بتتمدد بكل فتور
بكل رقة وغموض
عشان بتلعب دور
حتى الجبال والجداول
شوفها في المنظور
نفس انطباع ابتسامة
بتدي برضه شعور
كل اللي شافها ، وكل اللي وقع نظره
لو كان سعيد ، مكتئب
أو حتى كان مكدور
ليوناردو سابق لعصره
يُحترم فكره
ضاف للي سبقوه في زمنه
بل وف أي عصور.
Bottom of Form
<!--[if !supportFootnotes]-->
<!--[endif]-->
<!-- - على الفيس بوك وكنانة أون لاين والواتس أب
<!-- عبد الحكيم العبد/ إحياء البلاغة العربية فى أربعة أجزاء ، 2011م، ج3ـ ص 21
<!-- نفسه 2018
<!-- نفسه، ص 42
<!-- عضو جماعة شعراء الأكاديمية بالهرم
يونيو 2019م