أبوشــوشة والمذبحة المجهولة (عن كتاب قرية أبوشوشة / سلسلة القرى الفلسطينية المدمرة)---- في فجر يوم 14/5/1948، وفي اللحظات التي ستبدأ فيها اولي تباشير النهار بالانسلال من جوف الليل, وبينما كان المؤذن يدعو المؤمنين مبشرا بأن "الصلاة خير من النوم", وبينما كان صدى "لا اله الا الله" يتردد في السهول والوديان, شنت وحدات من لواء جفعاتي هجوما نهائيا علي قرية أبوشوشة الي الشرق من مدينة الرملة بهدف احتلالها وطرد أهلها. كانت تلك بداية مذبحة رهيبة مجهولة, لم يكشف النقاب عنها حتى الآن, راح ضحيتها حوالي 60 شهيدا من النساء والرجال والشيوخ والاطفال. المحظوظون منهم قتلوا رميا بالرصاص فرادى, أو جماعات صفوا امام الجدران, اما الاخرون فقد فلقت هاماتهم بالبلطات في ازقة القرية أو داخل البيوت حيث لمحت عيونهم في انفراجتها الأخيرة, وعن قرب, التعبيرات الوحشية عديمة الإنسانية لوجوه قاتليها. كانت المذبحة بحجمها وأبعادها المأساوية صدمة مذهلة لأبناء القرية, فاقت بكثير أبشع كوابيسهم. في 13/5/1948 ونتيجة المذابح والذعر والهلع الذي يلف فلسـطين, فرضت معادلة" الموت أو الرحيل ", فان أهل أبوشوشة - وفوق معرفتهم بما يمكن ان يصيبهم - اتخذوا قرار البقاء : البقاء في منازلهم والدفاع عن ديارهم، عن ملاعب صباهم وبيادرهم, عن مستقبل أطفالهم وحقهم, عن ذكرياتهم وقبور اجدادهم. كان في القرية 70 بندقية منها 20 اقرب الي العدم, بالإضافة الي رشاش "برن" قديم وبضعة الغام. وتوزع المقاتلون حول القرية التي كانت تتراص بيوتها. ابتدأالهجوم الإسرائيلي, بقصف عنيف بمدافع الهاون طال منازل القرية وازقتها ودروبها تمهيدا لتقدم القوات الإسرائيلية، وشرعت هذه القوات بالتقدم بعد توقف القصف، واستشهد عدد من المدافعين في خنادقهم أو خلف استحكاماتهم نتيجة المقاومة, غير ان الاختلال الحاد لموازين القوى والتجهيزات ادى لانهيار خطوط الدفاع. وبدأت عملية "تطهير القرية" وقتل عدد من الطاعنين بالسن في ازقة القرية حيث لم يشفع لهم شيبهم أو شيخوختهم. وقتل الرجال بالبلطات وبعضهم بالرصاص. لم تكن هذه نهاية المأساة, حيث لم يكن يعرف الجنود بعد احتلال القرية ان هناك مئات المدنيين المحاصرين برفقة مواشيهم داخل المغر الابعد يومين, حينما انسلت إحدى النساء من مغارة باتجاه بيتها, تطلب الطعام لاقربائها. وبعد القاء القبض عليها واستدلالهم علي المغر, وخروج النساء والاطفال، في هذه اللحظة تجلت عظمة النساء، بمواراة احبائهن التراب. حيث بكت النساء طيلة الوقت, وكانت دموعهن اخر ما اصطحبه الاعزاء الي باطن الأرض. دفن القتلي بدون صلاة في المكان الذي سقطوا فيه, وفي كثير من الأحيان حثي التراب علي الجثث لعدم القدرة علي حفر قبور لهذه الاعداد الكبيرة, وفي أحيان استخدمت الخنادق والمغر كمقابر جماعية.خلال عملية الدفن وقعت حوادث قتل فردية بدم بارد, فبلا رحمة انتزع أحد الجنود طفلا في الثالثة عشر من عمره من يد امه وبدلا من أن يرحم توسلاتها, شطر رأسه امامها ببلطة, كما قتلو عجوزا تمسكت ورفضت التخلي عن بقرتين كانتا بالنسبة لها مصدر رزقها وضمان بقائها. ومن مهازل المفارقات، انه في تمام الساعة الواحدة ظهرا من 14/5/1948 ؟ اي بعد عدة ساعات من اكتمال مجزرة أبوشوشة في ضحى ذلك اليوم ؟ كان " مجلس الشعب اليهودي يصادق في تل ابيب على وثيقة اعلان دولة إسرائيل, كانت الوثيقة تعد سكان الدولة العرب ؟ والتي كان اهل أبوشوشة ضمن حدودها ؟ بالمواطة التامة القائمة على المساواة والتمثيل المناسب في جميع مؤسسات الدولة ؟. تشترك أبوشوشة مع غيرعها منحوالي 450 قرية فلسطينية عربية مدمرة عام 1948, في قدر ومصير التدمير والابادة كمجتمع إنساني محلي, كما تشترك في حقيقة أن تدميرها لم يأت بفعل الأحداث التي ترافق الحروب وويلاتها, وانما نتيجة لمخطط مدروس لم يكن يرى في القرى التي دمرها مجتمعا يمر بدورة الحياة, يزرع ويفلح, يحصد ويغني, يزف ابنائه ويندب موتاه وانما نقطة على خارطة تضم عربا يجب اقتلاعهم لصالح الاستيطان الصهيوني م. طارق إبراهيم محمد علي ياسين من أبو شوشـة .....
عدد زيارات الموقع
26,474
ساحة النقاش