كتبت رغداء بندق
إن نجيب الكيلاني هو منظر الأدب الإسلامي الآن... شهادة سجلها الأديب العالمي نجيب محفوظ في مجلة المصور(عدد أكتوبر 1989)، ليشهد بجدارة بأحقية الكيلاني
في أن يحصل على لقب رائد الأدب الإسلامي، وللتعريف بمفهوم ذلك الأدب فإن نجيب الكيلاني يعرفه بـ: الأدب الإسلامي يجب أن يكون فيه متسع لكل مشكلات المسلمين في العالم ويعبر بصدق عنها، حتى يظل مرتبطًا بروابط وثيقة بوجدان القارئ المسلم وعقله، في أي مكان بالعالم بأنه يجد فيه ضالته، ويعبر فيها عن آماله وآلامه بكل صدق وموضوعية ولذلك فهو يري أن الفن الإسلامي لا يختار نماذجه من أمثلة الخير والحب والفضيلة وحدها، بل يقدم شتى النماذج خيرها وشريرها، عاليها وسافلها، وإلا انعدمت الحركة الفنية، والصراع النفسي، إنها معاناة أصيلة نابضة، تبعث في نفسه لونًا من ألوان القلق العظيم وتحرمه الإخلاد للكسل والسلبية والأنانية.. وهذا هو الفن العظيم.
مولده وحياته
شهدت قرية شرشابة بمحافظة الغربية بمصر مولد نجيب الكيلاني عام 1931، فبدأ بحفظ القرآن وهو ابن الرابعة والتحق بالمدرسة الأولية ثم مدرسة الإرسالية الأمريكية الابتدائية بقرية سنباط ثم قضى الثانوية في مدينة طنطا وأخيرًا التحق بكلية الطب بالقاهرة عام 1951، وفي عام 1954 قامت السلطات المصرية بحملات اعتقال لأفراد الإخوان المسلمين بعد محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في حادثة منشية الصدر وكان من بين المعتقلين نجيب الكيلاني وقد كان في المرحلة الرابعة من كلية الطب، واعتقل الكيلاني عام 1955 بتهمة جمع تبرعات لمساعدة أسرة المعتقلين وحكم عليه بالسجن عشر سنوات.
بداية الموهبة
بدأت موهبة الكيلاني صغيرًا ففي نهاية المرحلة الابتدائية نظم أول قصيدة وكانت عن فلسطين عام 1948 ويبرر دافعه لكتابة تلك القصيدة فيقول: عندما رأيت أفواج المتطوعين تجوب شوارع طنطا وهم يرددون هتافاتهم قبل سفرهم للجهاد في أرض فلسطين وعندما رأيت الصدام المروع بينهم وبين حكام تلك الفترة، وقد كان الكيلاني قارئًا نهمًا لكتب المفكرين ودواوين الأشعار وبدأ بحضور مناقشات ومجالسات المفكرين والأدباء منهم طه حسين، العقاد، عبد الرحمن الشرقاوي.
لم يعرف اليأس طريقا لقلب الكيلاني فاستغل فترة وجوده بالسجن فنظم عدد من القصائد حتى أصدر ديوانه الأول أغاني الغرباء وفي السجن ترامي لمسامعه أنباء عن مسابقة تقيمها وزارة الثقافة والإرشاد (وزارة التربية حاليًا) فكتب روايته الأولى والأقرب لقلبه الطريق الطويل والتي جعل أحداثها تدور في قرية مصرية فيقول الكيلاني عنها: استطعت بحمد الله إنجاز الرواية في فترة لا تزيد عن ثلاثة أسابيع ويقر الكيلاني بـ: كانت بدايتي الحقيقية مع القصة برواية الطريق الطويل وذلك بدون معرفتي بالمذاهب الأدبية وكانت الرواية تلك أولى البشائر وليس آخرها فقد حصلت على الجائزة الأولى في المسابقة عام 1957، ثم قررت على طلبة الثانوية عام 1959، ومن الطريف أن إدارة السجن سمحت لنجيب بالخروج لبضع ساعات لتسلم جائزته ثم يعود أدراجه للسجن مرة أخرى، كانت تلك الجائزة أولى نعم الله على نجيب بعد دخوله السجن أما النعمة الثانية فقد حصل عليها بعد أن عمل السيد كمال الدين حسين وزير التربية والتعليم آنذاك على الحصول على عفو صحي ليخرج نجيب من السجن ويكمل دراسته الطبية في القصر العيني بعد قضاءه بالسجن 40 شهرًا.
تميز الكيلاني عن غيره
اختلفت مواقف الكتاب من ثورة 23 يوليو وفقا للخلفيات الثقافية والدينية وكذلك النفسية واختلفت بالتالي ردود أفعال كل منهم بالرغم من كونهم أبناء جيل واحد، فيوسف السباعي أخذ يقارن بين الأوضاع الاجتماعية قبل وبعد الثورة ثم بلورها في إطار رومانسي، وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس ركزا على الجوانب المأساوية التي تعاني منها بعض الطبقات الاجتماعية، أما عن علي أحمد باكثير فقد عاد للتاريخ الإسلامي يستمد منه أحداثه وبالرغم من أن الكيلاني قد اشترك مع أقرانه في بعض الخصائص إلا أنه تميز عنهم بتنوع تجربته الروائية وتجاوزها لحدود الزمان والمكان فها هو يسجل روايته عذراء جاكرتا والتي تدور أحداثها حول أزمة المسلمين مع الشيوعيين في إندونيسيا، وكذلك يؤرخ لمقاومة المسلمين ضد الاتحاد السوفيتي سابقا في رواية ليال تركستان، ويسجل تاريخ المقاومة الشعبية في مصر ضد نابليون في روايته مواكب الأحرار.. أي روائي هذا الذي يؤرخ لمعظم الأقطار الإسلامية وهو مستقر بمكانه معتمدًا على ما توافر لديه من دراسات تاريخية ووثائق مسجلة، ثم يعمل على تطويلها روائيا بكل ما أوتي من ملكات الإبداع والتميز!!.
ومن الجدير بالذكر أن أول ما دفع الكيلاني إلى ذلك النمط الروائي الإسلامي هو إدراكه المبكر إلى حرص الشيوعيين على نشر الأدب الشيوعي والتشجيع على قراءته وبذلك أدرك الكيلاني أن الأعمال الأدبية هي خير أداة لنقل الأفكار والتاريخ بخلاف إنها أفضل سبل التعبير وأقربها للنفس وأبعدها عن أيدي الرقابة.
صفاته
كل من عرف الكيلاني لم يذكره بسوء قط، فقد عرف عنه بشاشة الوجه وروح الدعابة والتواضع الجم، وهو الخطيب المفوه صاحب الفكر المتفتح يقول عنه أحد أبنائه تشعر بأن خلقه القرآن، يرى الخالق في كل معاملاته، يتحامل على نفسه من أجل إسعاد أهله وذويه ولم تكن طموحاته كبيرة في الدنيا لأنه كان يحمل قوة إيمان عميقة وتواضع جم.
تحمل الكيلاني آلام مرضه دون أن يبث همه وألمه لأحد حتى أقرب الناس إليه، فقد صبر على آلام الكبد الوبائي (C) ثم آلام السرطان مستمسكًا بحبل الله وأنى له أن ييأس أو يخنع وهو الراضي بقضاءه أيًا كان.
إنجازاته
• اتقوا فراسة المؤمن فهو يري بنور الله ذلك أبسط ما يقال في حق ذلك الروائي فقد حلم في روايته عمر يظهر في القدس بأن يتحول المسلم المحتل إلى مسلم قوى العزيمة يستطيع أن يوظف إمكانات العصر بما يخدم قضيته ودينه.. وكذلك الحال في روايته.
• ليالي تركستان بالرغم من سخرية الكثير منها واتهامه لها بأنه ضرب من الخيال وأضغاث الأحلام فإن الواقع حاليا يقر ما تنبأ أو حلم به الكيلاني قبل عشرين عامًا من وفاته.
• كان للكيلاني سبق آخر فقد دعا إلى معالجة قضية الجنس في الروايات في إطار الأدب الإسلامي على أن تكون المعالجة كمعالجة القرآن لقصة يوسف وامرأة العزيز دون ابتذال أو إثارة لمشاعر.
• كتب الكيلاني ما يزيد على 40 رواية بخلاف سيرته الذاتية والمكونة من خمسة أجزاء وترجمت العديد من روايته للتركية، الأردية، الفارسية، الإندونسية والإيطالية، والروسية والسويدية، وتحول العديد منها لأعمال درامية.
• يبقى أن نذكر للكيلاني بأنه أول من دعى لقيام أدب إسلامي في أواخر الخمسينيات وهو أول من دعى إلى قيام رابطة الأدب الإسلامي.
مرضه ووفاته
توفى الكيلاني بعد صراع طويل مع المرض عام 1995، بعد أن حصل على عدد من الجوائز منها:-
- حصل على جائزة وزارة التراجم والسير عن كتابه إقبال الشاعر الثائر عام 1957.
- حصل على جائزة وزارة التربية والتعليم في مجال الدراسات النفسية والاجتماعية عن كتابه المجتمع المريض.
- حصل على جائزة وزارة التربية والتعليم في مجال التراجم والسير عن كتاب شوقي في ركاب الخالدين.
- حصل على جائزة وزارة التربية والتعليم في مجال الرواية عن رواية في الظلام.
- حصل على جائزة مجلة الشبان المسلمين في مسابقة القصة القصيرة عام 1959.
- حصل على جائزة الميدالية الذهبية المهداة من دكتور طه حسين.
- حصل على جائزة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عن روايته اليوم الموعود.
- حصل على جائزة مجمع اللغة العربية في أوائل السبعينات عن رواية قاتل حمزة.
- حصل على جائزة ميدالية الفيلسوف الشاعر محمد إقبال الذهبية مهداة من الرئيس الشهيد ضياء الحق.
ساحة النقاش