ما زالت حرفة صناعة الجلباب الرجالي و حتى النسائي تشكل رحلة في التاريخ المغربي الأصيل للباس، و الجلباب صورة فنية لفترة زمنية قوية في ذاكرتنا، ترمز للأصالة المغربية.و بعد الحديث في يوم رمضاني مع الصانع التقليدي محمد ابن رابح سيكشف لنا بعض التراجع الكبير في أسلوب خياطة الجلباب و الزي الأصيل ، و هذا إلى جانب كيفية قضاء أيام الصيام و لياليه داخل محل تؤثثه إبداعات تقليدية للمصانع بن رابح ..
س . " عواشر مبروكة " ، كيف ورثت حرفة خياطة الجلباب ؟
ج . لقد ورثتها بالفطرة ، اقتباسا من " لفقيه بالجامع " الذي قضيت معه فترة من صباي ، حيث تابعت دراستي بالمسيد، و تشبثت بمعلمي " لفقيه" الذي كان يظهر سيدا وسط جلبابه الذي أثر في مخيلتي ، سنة 1956 بحثت في تقنيات الخياطة التقليدية و اكتسبتها بسهولة .. كنت بداية " متعلم " في سنة 1965 و أنا أشتغل بصفوف وظيفتي ، كنت أقضي أوقات فراغي في العمل ب البرشمة" .. إلى أن ورثت الحرفة بالتمام..
س . كيف كانت حرفة الخياطة من قبل ؟ أو بعبارة أخرى هل تعرفون شيئا عن تاريخ الجلباب ؟
ج . يرجع تاريخ الجلباب المغربي لمئات السنين ، و أقصد هنا الجلباب الحر الأصيل ، و أي زمن ليس بالبعيد ظل يحافظ على طابع اللباس التقليدي بالصنعة اليدوية مع استعمال خيوط " الطراسن " و " السفيفة " و " العقاد " و "الملف" ، و الظفائر الحريرية المعروفة في خياطة " القفطان " كلباس مغربي تقليدي عتيق .. و كان و لا يزال – لكن إلى حد ما – يعتز بتاريخ وأمجاده التي تختزل ثقافة حبلى بالقيم الجميلة ، و على العموم كانت الخياطة التقليدية حرفة شريفة حتى اليوم ..
س . و هل فقدت الحرفة طابعها مع تقدم العصر ؟
ج. بالأمس القريب كان " الصنايعي " الحقيقي من يمارس فعلا حرفته تقليدا و أصالة كان يكن لها كل التقدير باجتهاده في عصرنتنا ، و إصراره على الحفاظ على أساليبها و تقنياتها التقليدية ، و حلت الثمانينيات ، و أصبح كل من هب و دب يزاحم الصانع الخياط ، فالتاجر متى يفرغ دكانه من المواد الغذائية ، يستقطب حرفيين و يشغلهم و هم لا يعلمون قواعد الحرفة ، بل يمكن تصنيفهم بين من يعتدون على عالم ليس من عالمهم فقط من أجل الكسب .. و هكذا أصبحت حرفة الخياطة تسير نحو التدهور و التقهقر..
س . أرى أن عياء الصيام أخد من جهدكم في الحديث .. فالمعني قائلا:
ج . بالعكس وجدت في حديثكم هذا فرصة لتمرير ساعات الصوم، فالحديث بالنسبة لنا و نحن نستغل فرصة لطبع إبداعنا أثناء صناعة الجلباب..
س . عدت ثانية لأسأله فقاطعني و هو ينظر إلى ساعته :
ج . لقد حان موعد صلاة الظهر ، فلنقم بواجبنا الدين و نعود لرشدنا إن سمحت !
لحسن حظي كنت قد توضأت من قبل ، فرافقته إلى المسجد الأعظم المجاور لدكانه ..
و بعد العودة :
س . تقبل الله للجميع .. ألا ترى أنكم ملزمون بمسايرة هؤلاء و السير على منوالهم من أجل الكسب ؟
ج . لا أكون مبالغا إن قلت لك أنني مخلص لصنعتي ووفي لها ، و أجدّ الاجتهاد في الإطار " التقليدي " للحفاظ على هوية ثروتنا و موروتنا الشعبي ، و بالمقابل أتأسف كثيرا لاندماج هؤلاء الدخلاء ، لأن الصناع التقليديين الحقيقيين في إطار الخياطة أصبحوا يشعرون بتدهور أرزاقهم و حرفتهم ..
س . و بماذا تتميز صنعتك خلال شهر رمضان ؟
ج . بما أنه شهر العبادة و الغفران، فللصائم شهيته في اللباس و اختيار ما يليق به من ثوب خلال هذا الشهر الكريم .. فهذلك الجلباب للذكور و هو أشكال : منه الوزاني ، و السّوسدي و المليفة و الصوف و السلهام المغربي الأصيل و الذي يعطي اللباس نخوته العربية و الدينية ، مع اللجوء أحيانا إلى الألوان الحارة المتوجة باللون الذهبي ، إضافة إلى تفصيلات فضفاضة للأكمام .. و هناك " الجابادور " و هو زي تقليدي من أربعة أجزاء : فوقية ، قميص ، سروال و عباءة على شكل شبه جلباب ..
س . خلال أيام رمضان ، كيف تتعامل مع الزبناء ؟
ج . معاملة عادية ، لكن ينقصها " البراد " و هذا لا يحصل إلا بعد الإفطار ، حيث أستأنف عملي مع هذين المستخدمين " المتعلمين " .. فزبنائي ، و ما أكثرهم ، يرتاحون بين أرجاء هذا المحل المتواضع الذي تؤثثه إبداعاتي كما ترى ..
س . ذكرتني ب " المتعلمين " أرى أن أحدهما قاصر.. قاطعني قائلا :
ج . أ لا ترى أن آذان صلاة المغرب قد حان. أمّا ذلك المتعلم ، فانه يشتغل برضاه و رضى والديه ، و زيْدونْ ، إنهم يتعلمون و يكتسبون الحرفة .. كما أنني لا أفرض عليهما العمل الشاق .. ( جمع الصانع و سائله ، و سلّم " بقشيشا " للمتعلمين داعيا معهما بالرضاء ) ، ثم استطرد قائلا . أدعوك لتناول الفطور معنا بالبيت . ! فكرت مليا ووافقت ملبيا طلبه ..
هناك ببيته أدينا صلاة المغرب ، وجدت الجو عاديا و تقليديا . فسألت :
س . هل تشعر بالتعب بعد عمل يوم كامل ؟
ج . من قال لك أن صنعتنا متعبة .. بالعكس أجدني مرتاحا بين إبداعاتي و زبنائي ، و أكون أكثر سرورا و سعادة لما أرضي زبنائي بعروضي التقليدية ..
س . لا بد أن هناك مشاكل تواجه هذه الصنعة ؟
ج . كثيرة ، و أصبحتْ بسببها تنقرض السمات الحقيقية لثقافة الحرفة .. بالأمس كان الحرفي لا يفتح محلا إلا بعد الترخيص له من طرف " الأمين " .. الذي يخضعه لاختيار دقيق في عملية الفصالة و الخياطة و البرشمان .. و من بين المشاكل هناك هاجس الضريبة التي أصبحت تؤرق كاهل الصانع التقليدي و ما نطمح إليه هنا هو تقنين الحرفة ، حرفة الخياطة ما زالت تبحث عن أسلوب قار بقوانين منظمة ، حتى يتم القضاء على المتطفلين و الوسطاء