جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
يعتبر التطريز من ابرز الفنون الشعبية الرابطة لما بين الماضي والحاضر حيث نظام التطريز من حيث توزيع الالوان وانماطها، وقد تزايدت خلال السنوات الماضية صور ارتداء الازياء الشعبية الفلسطينية في المدن وذلك بدافع الحفاظ على التراث الذي تحاول اسرائىل طمسه وابعاده عن الشعب الفلسطيين ليفقد احد الدلائل القوية على وجوده على ارض فلسطين منذ الاف السنين.
فالتطريز واشكاله المختلفة سمة من سمات الشعب الفلسطيني وجزء من تراثه الوطني وشعاره الاجتماعي بل انه من المظاهر الخاصة التي تميز الشعب الفلسطيني عن غيره من الشعوب خاصة وانه يقوم بتطريز ملابسه بنفسه وبأساليب تقليدية تستخدم فيها الابرة والخيط والتي تحتاج الى صبر وقدرة على التحمل، بل ان هذه الحرفة تم توارثها من الاجداد الى الابناء والاحفاد وذلك من خلال الحفاظ على طريقة واسلوب التطريز، وخاصة ان ورش العمل في معظمها تتم داخل المنازل وتحديدا في معسكرات اللاجئين المنتشرة في كافة الاراضي الفلسطينية.
وتضم الملابس المطرزة كافة الاشكال والالوان فمنها الجاكيتات، الشالات، الصدريات، واغطية الوسادات، الفساتين، والكوفيات، الملاءات المختلفةالاحجام. وللتطريز مدارس وتوجهات تختلف من مكان الى اخر من حيث التصميم واللون والخيوط المستخدمة او المساحات المطرزة وكيفيتها، لدرجة ان الشخص تعرف منطقة او قريته او مدينته من ثوبه.
تاريخ قديم
وقد ظهرت الازياء التراثية الشعبية الفلسطينية التي تبرز فيها خاصية التطريز المزخرف بالابرة والخيوط المختلفة الالوان منذ آلاف السنين فيما تؤكد الكتب التاريخية ان الازياء الشعبية الفلسطينية القديمة ظهرت قبل نحو 280 ألف عام قبل الميلاد مشيرة الى وجود اثار لذلك من العديد من المناطق التراثية مثل »مغاراة الزطية الواقعة في المنطقة الشمالية الغربية لبحيرة طبريا شمال فلسطين المحتلة عام 1948، مغارات الطابون والسخول والوادي والوعد وكباران في منطقة الكرمل، كهف داخل جبل القفرة جنوب مدينة الناصرة، كهف بئر السبع...وغيرها الكثير«.
ولكن يقال ان اقدم الزخارف والنقوش التي تشير الى وجود الملابس الجلدية هي التي تم العثور عليها في مغارة تسمى »ام قطفة« اضافة الى كهوف منطقة بئر السبع الواقعة في النقب وهي المنطقة الجنوبية من فلسطين عام 1948.
ففي كتاب »فلسطين الوان وخطوط« قال الكاتبان علي حسين خلف وتوفيق عبد العال [ان فن التطريز الفلسطيني الحديث هو تتويج واستمرار لخبرة ثلاثة الاف سنة أو يزيد اذ كان الكنعانيون يلبسون الملابس المطرزة للجنسين ولمختلف الاعمار واشتقوا الزخرف من الطبيعة. هذا ما اظهرته النقوش على اللوحات العاجية في »مجدو« وجدران »طيبة« وفسيفساء »حمورابي«].
ومن المراكز الهامة في تطريز الملابس الشعبية، مشروع الاونروا للاغاثة والخدمات الاجتماعية بادارة ليليان ترزي، ويضم 9 مراكز تشغيل للنساء في هذا المجال البالغ عددهم 500 سيدة اللواتي يقمن بالعمل الاساسي في التطريز اما المراحل النهائية مثل الحبكات وتفصيل الثوب فيتم في داخل المقر الرئيسي للمشروع وهو الأكبر في مدينة غزة.
وكغيرها من الحرف اليدوية تأثر تسويقها خلال الانتفاضة الفلسطينية والممارسات التي كانت تفرض عليها اضافة الى وقف التصدير للخارج وفي الوقت نفسه هبوط السياحة الى ادنى درجاتها في تلك الفترة، اما بعد وصول السلطة فقد بدأت الامور في التحسن مع انفتاح الاسواق الى حد ما وخاصة في الضفة الغربية حيث الاعداد الكبيرة من السواح.
وفي الاطار نفسه توجد مؤسسة مهنية غير حكومية يطلق عليها »البيت الصامد« اطلقت برنامجها الوطني عام 1989 من خلال تقديم المساعدة للنساء الارامل ولزوجات المعقلين في سجون الاحتلال الاسرائيلي وللمطلقات المعتقلين والمعاقات، فيما تبدو احدث المؤسسات في هذا المجال وهي »جمعية الضبة« والتي بدأت عملها في عام 1998 وهي الجهة الوحيدة التي تقوم باعداد وبيع السراويل الفضفاضة وبنطلونات الرجال التي يعود تاريخها الى الحقبة العثمانية باشكالها القديمة تطريزا وتفصيلا.
وتتركز خيوط التطريز ذات الالوان التي تقترب من الاحمر الغامق في معظم الاحوال اضافة الى الالوان الاخرى المساعدة وهي غالبا ما تكون في معظم اجزاء الثوب مثل الاكمام والصدر والظهر، اما الاشكال فهي متنوعة ومختلفة حسب المنطقة التي يتم فيها تطريزها فمناطق الشمال لها طابع مميز عن المناطق الجنوبية، حيث تختلف البيئة والحياة البشرية الى حد ما ومن باب اولى اختلاف الاذواق وما ينتج عن ذلك من أنشطة وفنون يدوية.
وتحرك هذه الفن وتغير مع تغير الظروف والاوضاع في صورها المختلفة فقبل نكبة فلسطين كان هناك بعض المسميات العديدة لانواع التطريز والاساليب المستخدمة فمثلا تسمى الخيوط والقماش المستعمل: النجوم، الفنانير، قرص العسل، النخل العالي، عرق الورد. ولكن وبعد عام 1948 واكب فن التطريز الحياة الجديدة لهذا الشعب وظهرت مسميات مختلفة عن السابق سيطر عليها العامل النفسي والاجتماعي فطغى عليه حيثيات النكبة والمعاناة اليومية لللاجئين وخاصة في المخيمات التي ابدعت في كافة الفنون التشكلية ورسمت صورة واضحة المعالم للطابع الفلسطيني المتميز في هذا المجال.
وتقول كتب التاريخ والتراث ان الاصل اللغوي لكلمة »فلكلور« يعود الى الاصل الانجليزي الذي يعني بها »حكمة الشعب« أو »المعرفة الشعبية«، ويذكر ان اول من ادخله في قاموس علم الفنون ويليام تومس وذلك عام 1846 ميلادية فيما تؤكد موسوعات الفلكلور ان الرجال والنساء كانوا على السواء يرتدون الملابس المطرزة والمزركشة إلا انه بعد الفتح الاسلامي اقتصر ذلك على النساء والفتيات دون الرجال الذين اقتصرت الزركشة على بعض ملابسهم مثل: منديل الدبكة، الحطة، الحزام وربطة العنق.
ولتنوع التطريز في الازياء الفلسطينية ما يبررها حيث كانت العادات الاجتماعية تفرض على الفتيات ضرورة القيام بتجهيز ملابس زواجها التي تطغى عليها الوان ورسومات البهجة والفرح فيما كان الرجال يتفاخرون ببعضها مثل غطاء الرأس ولكن بعد دخول الاسلام التزم جميع الرجال بقواعد عدم تشبه الرجال بالنساء ومن هنا بدأ الرجال في صيحة اخرى تتمثل في تزيين غير ملون لملابسهم حيث طغت عليها الخطوط الطولية للسراويل.
اما عن انواع واشكال والوان التطريز فعديدة ذات مسميات تحتاج لقائمة طويلة نحاول هنا ايضاحها بقدر الإمكان، وعموما يخضع التطريز باعتباره عملية هندسة كاملة الى اعتبارات المكان والزمان، فمن اهم الوحدات الهندسية التي تستخدم في الزركشة هي: المثلث، النجمة الثمانية، الدائرة، المربع، المعين، الخطوط الزخرفية وهي المستقيمة - المتقاطعة المتعرجة بصورة حادة او العكس - المسننة.
واخيرا الخطوط المتقاطعة. ويقول عبد الرحمن المزين في كتابة »موسوعة التراث الفلسطيني« ان الزخرفة المعروفة باسم المثلث تسمى ايضا الحجاب حيث كان الناس يعتقدون بانه يقيهم من الارواح الشريرة التي قد تكون موجودة في مكان ما، اضافة الى حمايتهم من الحسد وخاصة في فترة الوجود الكنعاني في اريحا وذلك قبل 5500 سنة تقريبا، ولا يزال مثل هذا النوع من التطريز منتشر في بعض الاماكن الفلسطينية باعتباره من ركائز فن التطريز الشعبي.
اما النجمة الثمانية: يعتبر هذا النوع الهندسي من الاعمال الفنية القديمة التي يعود تاريخها الى اكثر من 4500 عام قبل الميلاد، والاكثر من ذلك قدسيتها في ذلك الوقت حيث كانت النجمة تشكل إله الخصوبة عند الكنعانيين، فيما اعتبرت من ضمن الاسس الرئيسية لفن الزخرفة في العهد الاسلامي، بل لا تزال هذه النجمة لها اعتبارها في الفن التطريزي الفلسطيني الحديث، الا ان اشهر النجوم هي الثمانية الشكل ومنها: نجمة بيت لحم المعروفة على الصعيد الشعبي باسم »عرق القمر«.
وهناك التطريز الذي يعرف بـ »الدائرة« وتركزت في مناطق شمال وجنوب فلسطين المحتلة قبل 1200 عام قبل الميلاد، وقد جمعت بين الاستخدام على الملابس والمباني في نفس الوقت.
واهم الوحدات التطريزية التي استخدمت في الزي الفلسطيني هي صورة »النماذج« وخاصة على ازياء مناطق رام الله والرملة ويافا وبعض المناطق في قطاع غزة، ضواحي الخليل وبئر السبع. وظهر التطريز على شكل زهور واشجار ومبان وطيور منها، العصافير، الديك الرومي. اما الحيوانات فكان نصيبها قليل في فنون التطريز ما عدا الاسد والحصان، حيث انتشر الاول على الثاني حيث ظهرت بشكل خرافي على الازياء وخاصة في منطقة القدس.
ومن اهم الوحدات الزخرفية للازياء الشعبية وتسمى »العروق«: الامشاط، الاحجابات، سكة الحديد، الدرج، السلم، التوفي، فلقات الصابون، عين الجمل، عين البقرة، قدم الجمل، السرو، شجرة الحياة، النخل العالي، سعف النخيل، عناقيد العنب، التفاح، السنابل، شجرة الزيتون، قوارير الورد، قدرة الفاكهة، البندورة، الخبيزة، الزهور، الورد، خيام الباشا، شبابيك عكا، علب الكبريت، المكحلية، الحية، الحية والعربيد، العلقة، شجرة العمدان، القمر المريش، النجمة الثمانية، الاقمار، قمر بيت لحم، الفنانير، القلايد، الريش، الفاكهة، الحنون، القرنفل، الحلوى، قاع الفنجان، مفتاح الخليل، طريق حيفا، طريق التبان، طريق النبي صالح، طريق يافا، طريق القدس، الحمام والديوك. وتميز التطريز بانتشاره على معظم اجزاء الثوب، الصدر، الاكمام، الجوانب، الامام، الخلف.
وكان لكل جهة وحداتها الخاصة به فلا يجوز تطريز ماهو على الصدر مثلا على منطقة الاكمام او الخلف مثلا، لان ذلك يخل بشرط اساسي وهو الخروج عن تراث الاجداد في هذا المجال الذي يعود الى الاف السنين، وفي نفس الوقت للمحافظة على التقاليد المتبعة لنقلها الى الخلف بطريقة صحيحة دون مغالطات فنية قد تفقد الثوب والتطريز عموما مصداقيته التراثية والفنية.
المصدر: شاهى للجلباب الشرقى
شاهى للجلباب الشرقى
0020882335773