جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
ثلاث نساء شغلن الفضائيات في الأسابيع المنصرمة.
الراصد لقصصهن يمكن أن يرى كيف يقوم الإعلام العربي، بالتخبط والانفعال والاقتصار على تغذية المشهد المزدحم بكل أنواع النفاق والألم والموت، ومن ثم تجييره لمزيد من التخدير والتخبط العام. لابد من نظرة على موضوع الحجاب، كيف يروج ويقابل ويدافع عنه في الإعلام العربي. ويجعل المتابع يتساءل هل هي فعلا صحوة إسلامية؟ هل الحجاب رمز أم تكليف، أم أنه كما قال أحد المفكرين هو ناتج لتعاسة الأرض فلذلك تزدهر السماء؟إصرار الإعلام الغربي والعربي على اختصار صراع مضمر شائك بين عالمين، بقطعة القماش يجعل المشهد الإعلامي يضج بالسخرية والألم معا.
الحجاب رمز ديني كما يقول المنكرون لقداسة الحجاب، أو التكليف الرباني كما يقول المنافحون عنه. وبين الرمزية، وقوة مدلولاتها، والتكليف الإلهي وسطوة حضوره، وفي كلا الحالتين، هناك مستهدف صامت، قاصر، ومقصي يدعى المرأة.
يتم تصنيفها بقسوة، سافرة أو محجبة، مضطهدة أو حرة. ويلعب المنطق الحاد الذكوري ذو البعد الواحد بشراسة في الذود عن آراء، هدفها لدى كلا الطرفين إرضاخ المرأة كل لحساباته وأهدافه ومشاريعه.
لا يخلو يوم من خبر عن الحجاب، وملحقاته، وهنا نقل المنافحين عن التكليف الرباني الجدل إلى مستوى آخر، فهم يريدون التحجيب ولكن لا يريدون الطمس، وهنا يتحول الفقيه الديني إلى خبير في الخياطة، فعلى المرأة أن تستجيب للموديل المحدد من السماء وفق تصور مصممي الأزياء الشرعية. فالحجاب كان الطريق للنقاب، والنقاب هو الموضة ما قبل البرقع، والبرقع هو غلالة من القماش الأسود الداكن الذي على المرأة أن كان لها أن تتحرك في الشارع، أن تجعله فاصلا بينها وبين الجماهير المتعطشة للمعصية، ولتساعد الرجل المسكين المحتقن بكل أنواع الكبت، أن لا تتسرب أفعى الفتنة إلى قلبه الناضح بالإيمان، وتفتك به وتلهيه عن مهماته المقدسة.
لكن مهلا، المصمم لا يريد أكثر من حجاب على الرأس مبدئيا، وهنا تم تقسيم الذكور المسلمين بين ثلاثة أنواع، كل واحد يأمر ما ملكت يمينه من النساء، أن تتزيا بزي يتبع مصممه المفضل، أو شفيعه أو شيخه أو خياطه.
فإذا أبقت شعرها العورة المسترسل المغموس بالإغواء، عرضة للعيون الجائعة سيكون الرجل المستلم قياد هذه المرأة امّا متغربا ليبراليا، عاث الفكر الغربي فسادا في روحه وحرفه عن مساره ومسيرته، باع نفسه لشيطان الحواس ولديه أهداف تخريبية لروح المجتمعات العربية الفاضلة، أما الثاني فوسطي، يريد للمرأة المسلمة أن تشارك في النشاط الإنساني، ولكن وفق حدود وشروط يسميها شرعية، وهو يريد عبر ملء الساحات والشوارع والجامعات والأماكن العامة بالصبايا اللواتي يضعن الحجاب أن يقول لسلطة السياسة أولا وللآخر المختلف عنه مذهبيا ودينيا ثانيا، وللعالم الأخر البعيد القصي ثالثا ها نحن موجودون بقوة. وغالبا ما يكون هذا هو الإسلام السياسي بصيغ جديدة، تستخدم فيها المنابر، ويقوم الدعاة الأجلاء بالوعظ الدائم، مسخرين الفضائيات والأرضيات والتقنية والمحاضرات لإدخال النساء في معامل كبرى وتلبيسهن التصاميم المناسبة للخطاب، دون أي حق في أبداء الرأي، فالهدف التحجيب أولا والإيمان يأتي لاحقا، وهم يقلبون كل المفاهيم المنطقية، ويربطون المؤمنين بزي تم ابتكاره في الأعالي وترويجه في كل الدكاكين الأرضية.
واستطاع بعض الدعاة أن يسجلوا ملكيات خاصة بالزي الإسلامي، وحققوا فيها مرابح، تفوق ما حققه ( فرزاتشي) طوال حياته.
الخطيئة التي لا تغتفر
دبي الأكثر إثارة للجدل كمدينة، قُدمت كنموذج في حلقة خاصة عن أكثر المدن رفاهية للعيش بالنسبة للنساء.
الدكتورة لميس حمدان الشامسي حاولت أن تظهر حياة امرأة من الإمارات بصيغة الخاص الذي ينسحب على العام، قدمت السيدة لميس نفسها كأمراة سعيدة، راقية تعيش في كنف أسرة كبيرة محبة، تتوفر لها كل وسائل الحياة الرغيدة، من الخادمة التي لم تتوان عن حضنها أمام الكاميرا إلى السائق السعيد، والأطفال السعداء، والعائلة المفعمة بالسعادة والبحبوحة، كما قدمت زوجها الرجل السعيد، وأطفالها المتوهجون بالسعادة في مدينة كل ما فيها سعيد، وفي فرط السعادة والبهجة، بالغت الدكتورة قليلا ، حول موضوع الضريبة وتناست،المسالك والمواقف العامة وضريبة المطار التي تضاف إلى التذاكر وضريبة الكهرباء التي تضاف للفواتير، وضريبة الاتصالات التي تضاف إلى الخدمات والملحوظة الهامة أن الدكتورة لميس فكت (البروكسي)، وتكلمت على (السكايب) الممنوع بشكل مطلق من الشركتين اليتيمتين لتزويد إنترنيت، يعني الضريبة المضمرة ربما كانت تخص الوافدين أكثر، على كل هذا ليس موضوعنا.
دخلت الكاميرا إلى بيت الدكتورة ومطبخها، وغرف منزلها وصالونها، وعرّفت مشاهدي برنامج (أوبرا)عبر العالم على المنزل الإماراتي. وبالمناسبة عرفتنا أيضاً على المنزل الإماراتي، فأنا شخصيا مقيم في دبي منذ سنوات وهذه أول مرة أرى منزلا إماراتيا من الداخل.
بعد المقابلة جن جنون 'الانترنيت 'و'البلاك بيري'، وأصبحت السيدة لميس حمدان حديث الساعة، نالتها الأقاويل واتهمتها الأحاديث، وسلخت جلدها، لم يعد ناقصا أن تقوم قبيلتها بإهدار دمها. قالوا: إنها وافدة عربية، يعني أقل بالرتبة والمنزلة من الإماراتية، اتهموا زوجها بأنه مسلوب الإرادة، وطالبوه بنزع عقاله وشماغه لأنه ليس برجل، فهو واقف وموافق على جريمتها النكراء.
والجريمة هنا خروجها في برنامج (أوبرا) وهي لا ترتدي الشيلة والعباية، لكن السيدة لميس حمدان كانت ترتدي ملابس غاية في الاحتشام، وتتحدث الانكليزية بلباقة وطلاقة مذهلة، وقدمت صورة معقولة عن نفسها وبلدها ودينها أيضاً وعلقت: أن الشيلة والعباية من التقاليد والعادات، بالمناسبة لم تقل الحجاب من التقاليد والعادات، وأنها تحترمهما الآن بكل وضوح. ولكن وبظهورها هذا، خرجت عن سلطة القطيع الاجتماعي الذي لم يجد لفظة جارحة أو عبارة خادشة لها إلا ولصقها بها.
السيدة لميس حمدان تحاكم اليوم بمحاكم التفتيش الاجتماعي، بصورة ولا أقبح تكشف عمق انجراحات مجتمعاتنا الآمنة الرابضة على نرجسيتها المتقيحة، وتطلق سؤالا صافعا لكل واحد منا هل القضية فعلا قضية حجاب؟
شهيدة الحجاب
السيدة مروى الشربيني وجنينها تركا عالمنا وغادرا (لاحظوا المثنى كيف يصبح مذكرا) قتلا غيلة وبجريمة أجمع كل العرب والمسلمين دون استثناء واحد - على ما اجزم - إنها جريمة نكراء، جريمة بشعة لأنها موجهة ضد امرأة وأم مسالمة، من شخص عنصري، جبان، متطرف ...إلى آخر قائمة الصفات السيئة التي يستحق أن تلتصق به.
الإعلام العربي والمتلقي العربي والمسلم، تعامل معها كجريمة شرف معكوسة، جريمة ضد شرف الحجاب أولا قبل صاحبته، فأصبحت مروة الشربيني شهيدة الحجاب، الأيقونة المسلمة الطاهرة، المحجبة التي طالتها يد الغدر الشريرة، لأنها مسلمة ومحجبة وهنا تبدأ الذات العربية بالتناسي والكيل بالمكاييل نفسها الذي طالما طالب الآخر الغربي بالتوقف عن بيع المواقف (المطفِّفة) واستخدامها.
المحكمة الألمانية في درسدن، أصدرت حكمها خلال أسبوعين على الجاني، كان أقصى حكم في حوزة القضاء الألماني، المؤبد.
هنا ثمة مقاربة أو مفارقة غفل عنها العرب والمسلمون في انفعالهم المبرر.
كم يوم كانت هذه المحاكمة ستأخذ في قضية جنائية أمام إحدى المحاكم العربية أو الإسلامية؟ وماذا عن جرائم الشرف التي تطال نساء وشابات ومراهقات مجتمعاتنا؟
الإحصائيات الرسمية تكاد تقارب الرعب نفسه، والتفاصيل واحدة والعقوبة لا تتجاوز سنة للحامي شرفه، الجرائم المشابهة في النتيجة، والمختلفة في المسميات. ليخرج بعدها محاطا بالرعاية والتقدير، يواصل حياته بكل شمم وعزة وإباء، لا بل ويشارك مع الجماهير في حفلة الغضب على شهيدة الحجاب.
أرقام جرائم الشرف التي لا تذيعها المحطات التلفزيونية العربية إلا في برامج فردية من طراز (أحمر بالخط العريض) الذي يستغل ضيوفه لخدمة إعلاناته، تصنفنا في المقدمة، في الطليعة، في الصفوف الأولى للمجرمين المحميين بقدرة قوة السلطات الثلاث التي توفر الغطاء وتشجع على المزيد منها، من سلطة الدينية وفقهاء الظلام وإظلام على الأرض، من السلطة الحاكم وقضاته ومن سلطة المجتمع النرجسي المنجرح دائما.
مروة الشربيني، ضحية ومأسوف على شبابها، فحين يجب أن نتذكرها، وهو واجب أخلاقي جمعي، يجب أن لا ننسى أخواتها في بلادنا التقية ممن دفعنَّ أعمارهن قرابين على مذبح الكراهية والتعصب والهمجية.
ويظل السؤال المر: هل لاحظ من تابع محاكمة مروى الشربيني أن القاتل دخل المحكمة (محجبا)؟ ألقى برقعا أسود على وجه المجرم؟
هل يعني هذا شيئا؟ سوى حقيقة بسيطة أن ستر وجه مجرم أو قديس بحجاب؟ لا يغير من حقيقة أن أيا منهما مجرم أو قديس.
والله أعلم.
شيخ الأزهر المتهم
ثارت مشاعر العديد ممن يقترفون الإيمان اقترافا على شيخ الأزهر، لأنه أمر طالبة مراهقة، بنزع النقاب والاكتفاء بالحجاب، قوّلوه ما لا يقول.
صنّفوه في عداد كبار الكفار، خوّنوه والصقوا به تهمة العمالة للصليبيين وحملاتهم التي لا تنفك تجتاح أرض الطهر والإسلام، وتحول الشيخ الجليل إلى مرتهن وعميل ومارق.
الأزهر لم يسكت بالطبع، بعث بالمندوبين إلى المحطات الفضائية العربية، للذود عن حمى الشيخ، ولتفنيد مزاعم فقهاء آخرين أو مصممي أزياء بتصاميم أخرى وشهد الإعلام معارك ضروسا، استخدمت بها هذه المرة بين المؤسسات الدينية نفسها، المنطق نفسه، الخروج عن الإجماع والشرع والتقاليد والعادات ليرى المشاهد البسيط من نصبهم كمثل أعلى وهم ينحطون إلى درك سفلي، يتبادلون الصراخ والتهويش، ضد بعضهم البعض، كما حصل في الاتجاه المعاكس بصورة مباشرة، ليأخذ الحديث العلمي القائم على الأسانيد الشرعية اتجاها بسيطا، كلٌّ يلوي عنق الحقيقة، حتى خنقها، فأصبحت الحقيقة، شيئا ضد الحقيقية.
وبالمناسبة لم يحاول أي أحد من التوجه بالسؤال إلى الصبية المراهقة التي عنّفها شيخ الأزهر، أو نصحها، أو أخبرها أنه يفهم أكثر منها ومن الذين خلفوها.
لم نعرف حتى ما هو اسمها، ما هو عمرها، ما هو رأيها؟
المصدر: شاهى للجلباب الشرقى
شاهى للجلباب الشرقى
0020882335773