مرحلة الطفولة من أهم و اخطر مراحل نمو الإنسان, إذ تتشكل بذور شخصية الإنسان وفقا لمراحل نموه المبكرة و طبيعة الخبرات التي تمر به خلال هذه السنوات لذلك لا سواء في الراشد بدون سواء في الطفولة.
على الرغم أن الأطفال هم أعظم ثروة لأي امة, و صحة الطفل النفسية تكمن فيها قوة الشعب بأكمله ,إلا أن كثيرا منهم ما زال يتعرض لأبشع أنواع العنف و الإيذاء التي تصل إلى حد الوحشية بما يتناقض مع ابسط حقوق الأطفال التي أقرتها الشرائع السماوية و القوانين و الأعراف الدولية.
هذا هو الطفل الفلسطيني يعيش وسط أجواء معاناة حقيقية ، ويتم انتهاك فاضح ومنظم لطفولته البريئة حياة وأمناً وصحة وتعليماً، مما كان لذلك الآثار النفسية السيئة على صحة أطفالنا. للتنبؤ بمستقبل الطفل الفلسطيني يحتاج لفهم الواقع المعاش المبني على الماضي القريب حيث الانقسام و الحصار و الحرب الصهيونية الأخيرة على غزة. شعور الطفل بالعجز هو شعور نفسي مؤلم له لعدم قدرته على التعامل مع الأوضاع الحالية و إذا ما استمر هذا الإحساس فإنه يؤثر على عدة جوانب نفسية هامة منها : الدافعية و التفكير الإبداعي و المشاعر التي ستميل إلى التشاؤم و بالتالي ستطور أعراض اكتئابية مما يدفع نحو التعصب و ارتفاع مستويات العنف بأشكاله المختلفة مما يهدد المجتمع الفلسطيني و نسيجه النفسي و الاجتماعي.
وهذه النتائج أكدتها دراسة لدائرة البحث العلمي ببرنامج غزة للصحة النفسية التي حملت عنوان "مدى تأثير الحرب على الصحة النفسية للأطفال في قطاع غزة: و كانت من نتائج الدراسة 98,5% من الأطفال لم يشعروا بالأمان أثناء فترة الحرب, 82,1% من الأطفال عبروا عن اقتناعهم بان غزة مكان غير آمن , 42% يتوقعون تكرار أحداث الحرب , 66% من الأطفال يعانون من أعراض القلق و المخاوف النفسية , 61,5% من الآباء أشاروا إلى ظهور سلوكيات غير اعتيادية لدى أطفالهم.
وهناك العديد من الدراسات التي أوضحت درجات وأشكال المعاناة النفسية التي يعيشها الطفل الفلسطيني – من هنا كان من الضروري الاهتمام بالمساندة النفسية والاجتماعية العاجلة –و العمل على زيادة الصلادة النفسية لدى الطفل بمعنى تعزيز قدرة الطفل على التعامل بفعالية مع الضغوط النفسية والقدرة على التكيف مع التحديات والصعوبات اليومية.
فالمرونة , و التفكير السليم , و التسامح و الحرية في التعبير , و الوسط العائلي الداعم الذي يشمل العلاقة الجيدة مع الوالدين و الدعم الاجتماعي من المحيط الخارجي للأسرة مثل : المدرسة و مؤسسات المجتمع من أهم الموارد الايجابية التي تساعد الطفل على التصدي و التعامل مع الظروف الصعبة التي يتعرض لها.
فهناك بحث تم إجراؤه في قسم الأبحاث التابع لبرنامج غزة للصحة النفسية كان من نتائجه: إن التكيف مع الخبرات الصادمة والتمتع بالصلادة النفسية, تجعل الأطفال اقل عرضة للإصابة بكرب ما بعد الصدمة, لذلك تم التوصية على: تقوية المهارات الاجتماعية لدى الطفل، والمشاركة في النشاطات اللامنهجية.
من هنا جاءت أهمية مشاركة الأطفال في أنشطة و برامج المخيمات الصيفية التي تعمل على إدخال السعادة إلى قلوب الأطفال في محاولة مضادة للتخفيف من حدة الآثار النفسية الصعبة التي يعاني منها الطفل الفلسطيني.
وتكتسب الأنشطة الصيفية أهمية بالغة كونها تأتي في مرحلة الإجازة الصيفية بعد عام دراسي طويل ومنهك يحتاج فيه الأطفال إلى الترفيه واللعب والاستمتاع والاستفادة، واستثمار مكتسباتهم من التعلم الرسمي في ظل أجواء تتيح الفرصة للتعبير عن ذواتهم والمشاركة النشطة التي تعزز لديهم المسئولية.
فالأنشطة الصيفية الناجحة هي التي تحمل رؤية و إستراتيجية واضحة و لديها أهداف تربوية و ترفيهية و تعلميه و التي تعمل على زيادة وعي الأطفال و الشباب بالواقع الاجتماعي وتعريفه بالحياة والمجتمع من حوله و تعريفه بحقوقه وواجباته ،وإعداده للمشا ركة في خدمة المجتمع، وهذا يعطيهم الشعور بالقدرة والسيطرة وإحساساً بالإيجابية والتفاعل مع قضايا محيطهم ويثبتوا لأنفسهم بأنهم ليسوا أشخاصاً سلبيين أو عاجزين. .
فأنشطة المخيمات الصيفية بما تحتويه على فنون مسرحية وفلكلور فلسطيني وكتابات إبداعية ورسم، تعتبر في الواقع لغة عالمية ونوعا من أنواع التعبير من الطبقة العميقة في عقولهم لاحتوائها على رغباتهم ونزعاتهم وآمالهم فالطفل عندما يحول هذه الرغبات والإشكال إلى أعمال فنية فهو يعبر عن حوافزه الداخلية محققا بذلك جزءاً من ذاته وكيانه الإنساني ويمكننا القول أن فنون الطفل تساعد على حسن توافقهم مع أنفسهم من جهة ومع بيئتهم من جهة أخرى حيث تشمل تلقي الدعم من الأصدقاء ومناقشة القضايا والمشاكل داخل المجموعة وبهذا تقلل الفنون المختلفة من القلق و التوتر النفسي و تعطي فرصة للتعبير عن النفس مما يحقق له الراحة النفسية.
ولو نظرنا إلى أنشطة اللعب والحركة والخيال الفني فهي بمثابة أدوات العلاج الأساسية الناجعة للأطفال الذين يمرون بتجارب صعبة إذ تساعد التمارين الرياضية والألعاب الحركية المختلفة على السيطرة على جسمه واستعادة توازنه الجسمي مثلما تساعد ألعاب الخيال على استعادة التوازن النفسي.
بالإضافة إلى أن تواجد الأطفال ضمن مجموعة داعمة تساعد الطفل على التعبير عن مشاعره و أفكاره تعطي الطفل رسالة بان هناك قواسم مشتركة في تجاربهم الحياتية سواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية بين بعضهم البعض فشعوره انه ليس وحيداً في مشاعره ومخاوفه وأحلامه يعطيه الراحة والطمأنينة.
الأنشطة والألعاب المتنوعة تساعد الطفل على العمل بروح الفريق الواحد وتغليب الإيثار على الأثرة وحب الذات وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الفردية الخاصة ويكتسب مهارات في القدرة على حل المشكلات والقدرة على التخطيط السليم وهذا ينعكس على قدرته على التخطيط للمستقبل.
فمن خلال العمل في المجموعات يتم تعزيز القيم الدينية و الأخلاقية من خلال احترام الآخرين وعدم الاستهزاء بهم ومشاركة الآخرين والتعاون معهم و إشاعة روح المحبة والإخاء فيما بينهم.
ويشارك برنامج غزة للصحة النفسية كل سنة في حوالي عشر مخيمات صيفية من خلال برنامج الدعم النفسي والإجتماعي والتعبير عن الذات وكيفية التعامل مع المشكلات النفسية والسلوكية والضغوط النفسية التي يواجهها الأطفال في حياتهم من خلال المشاركة في كل مخيم بواقع 5 أيام كل يوم يتم فيه نشاط لمدة 4 ساعات.
ففي اليوم الأول يتم نشاط أخذ الأدوار من خلال تشكيل الأطفال في فرق مكونة من 4-6 أشخاص ويقوموا بتمثيل مشكلة إجتماعية ,إقتصادية,سياسية من الواقع الذي يعيشون تعاملوا معها وكيفية حلها.
في اليوم الثاني يتم تقسيم الأطفال في مجموعات من 4-6 أشخاص ويقوم أحدهم بسرد قصص واقعية ويقوم طفل آخر بكتابها ويعبر الأطفال الآخرون عن مشاعرهم إتجاها.
في الجلسة الثالثة: يتم عمل جلسة رسم حر ومن خلال الرسم يتم مناقشة دور كل طفل في الرسم الذى رسمه وفي نفس الجلسة يتم مناقشة بعض الأحلام التي يعيشها الأطفال وكيفية التعامل معها.
في الجلسة الرابعة: يتم عمل جلسة سيكودراما يتم من خلالها تدريب الأطفال عن التعبير عن أنفسهم بشكل أفضل والتعلم من تجارب الآخرين.
وفي الجلسة الخامسة: يتم عمل لقاء مع الأمهات والآباء ويتم مناقشة بعض المشاكل النفسية والسلوكية وكيفية التعامل معها.
والهدف من هذه الأنشطة هو مساعدة الأطفال على التعبير عن أنفسهم ومشاعرهم وخفض الضغوطات النفسية عندهم.
أخيراً على الأهل أن يحرصوا على اشتراك أطفالهم في مثل هذه الأنشطة لأنه لن يكون هناك متسع من الوقت خلال العام الدراسي لممارسة الأنشطة اللامنهجية الهادفة ومن المفضل أن يتابع الأهالي ما اكتسبه أطفالهم من مهارات جديدة ومساعدتهم في تكريسها داخل البيت وخارجه لتكون الفائدة أكبر.
و أود أن أؤكد على أهمية الأنشطة والألعاب الهادفة التي تساهم في إطلاق مشاعر ايجابية نحو الطفل نفسه ونحو المجتمع لتجعله أكثر قدرة وكفاءة في المساهمة لبناء مجتمع فلسطيني قادر على تحقيق حريته والعيش بكرامة وعزة.
ساحة النقاش