حديقة الأزبكية وبدايتها المجهولة
د. سيد علي إسماعيل
كلية الآداب – جامعة حلوان
ـــــــــ
نعم عزيزي القارئ .. العنوان صحيح!! أعلم إنك تتساءل الآن، وتقول: هل حقيقة سأقرأ عن بداية مجهولة لهذه الحديقة المعروف تاريخها للجميع؟! وأنا أجيبك قائلاً: نعم ستقرأ مجهولاً لم تقرأه من قبل، وستقرأ تفاصيل لن تجدها في أي مقال أو كتاب من قبل، وربما ستشاهد صوراً لم تشاهدها من قبل!! وكفي تشويقاً، ونبدأ في الموضوع، ونقول:
في ديسمبر 1869، نشرت مجلة (وادي النيل) خبراً، مفاده: إن عامة الناس ازدحموا حول السور المحيط ببستان الأزبكية، وهم يشاهدون منطاداً - أسفله قارب به رجلان من الأجانب - يرتفع من داخل البستان إلى السماء، حتى غاب عن أعين الناظرين متوجهاً إلى الجيزة!! والشاهد في هذا الخبر عبارة (بستان الأزبكية)!! فحتى هذا التاريخ لم يعلم أغلب المصريين شيئاً عن هذا البستان، ولم تكتب عنه أية جريدة في مصر. وبعد ستة أشهر، نشرت المجلة نفسها خبراً جديداً عن البستان - في مايو 1870 - أوضحت فيه بعض الأمور، منها: أن المهندس الفرنسي باريل هو المسئول عن البستان، حيث نجح مؤخراً في أن يغرس في الشوارع المؤدية إلى البستان أشجاراً ضخمة من الجميز البلدي سريع النمو، ليستظل بها زائرو البستان. وبعد عام تقريباً نشرت جريدة (الوقائع المصرية) – وتحديداً في يونية 1871 – خبراً، هذا نصه: " أبيحت للمتنزهين في النهار حديقة الأزبكية البهية، التي هي من جملة الإصلاحات التنظيمية البلدية العمومية، وفي الليل تُضرب فيها الضروب الفائقة اللحنية بمعرفة مهرة من الأورباوية".
هذا هو أول خبر منشور في الجريدة الرسمية المصرية، ويُذكر فيه اسم (حديقة الأزبكية) بصورة رسمية، بوصفها متنزهاً عاماً للناس في النهار!! مما يعني أن الحديقة كانت مباحة ليلاً فقط لعامة الناس طوال العام السابق!! وعلى الرغم من إباحة الحديقة ليلاً ونهاراً، إلا إننا لم نجد خبراً تفصيلياً عن هذه الحديقة، أو وصفاً لما فيها، وما تشتمل عليه لتكون متنزهاً!! ويشاء القدر أن أحصل على مقالة منشورة عام 1871 خارج مصر، وتحديداً في جريدة (الجوائب) – التي تصدر في الأستانة – ولأهميتها؛ بوصفها أقدم مصدر لوصف حديقة الأزبكية، سأذكر ما فيها - متعلقاً بالحديقة – بأسلوب وكلمات صاحبها، مع توضيح ما يلزم بين قوسين معقوفين.
يقول مُكاتب جريدة الجوائب في مصر، تحت عنوان (محاسن مصر الحسية): " .... أخبركم بما هو جارٍ بمصر من التقدم والعمران وتوسيع دائرة المتجر والمعاملات وغير ذلك مما يعود نفعه على أهلها، ولكن ينبغي قبل ذلك أن أشرح محاسن مصر وما حصل فيها في هذه السنين الأخيرة من الأبنية الفاخرة التي تدهش الناظرين حتى أن من كان رآها سابقاً لا يكاد يعرفها فأقول: إنه عند خروج القادم إليها من محطة سكة الحديد، يجد هناك ساحة واسعة غاصة بالكروسات [الحناطير] والحمير معدة للركوب، وتبقى كذلك إلى نصف الليل. ثم يسير من المحطة في طريق رحيب يسمى طريق سكة الحديد [شارع كلوت بك الآن] إلى الأزبكية، وكان إنشاؤه منذ أربع سنين، وعرضه نحو أربعة عشر متراً، وعلى جانبيه ديار فيحاء فاخرة، ذات أربع طبقات أو خمس. وفي الطريق فوانيس تُشعل بالغاز ليلاً، يبعد كل فانوس عن الآخر نحو عشرين متراً. فإذا دخل الأزبكية رأى ما سرّ خاطره وأقرّ ناظره. فإن فيها عدة طُرق كالطريق المذكور من حيث الترتيب والانتظام، وأشجاراً ناضرة في مسافة عظيمة، كأنما هي أشجار شانزلزي [شانزليزيه] في باريس، وأنواراً في الليل لا تُحصى، وفي وسطها بستان كبير قدر ساحة بايزيد في الأستانة خمسة أضعاف أو ستة. وإن شئت فقل قدر ربع هيد بارك [حديقة Hyde Park] في لندرة [لندن]. ولها سور يحيط بها ارتفاعه نحو متر، وهو من الحجر وباقيه درابزين من الحديد، مثل هيد بارك. وله أربعة أبواب في كل جهة باب، وهي أشبه بأبواب سراية الملكة في لندرة. وعلى مداره فوانيس الغاز، وكل من رأى هذه الحديقة من الإفرنج فضلها على حدائق بلادهم. وداخلها في غاية الاتقان والحُسن، وفيها نحو عشرة جواسق [أكشاك]. كل واحد منها مختص بحُسن ومزية، فترى واحداً منها يشبه بناء الصين، والآخر يشبه بناء اليابان، والآخر يشبه بناء الإفرنج وهلم جرا. ولم أر هذا التشكل والتفنن إلا في معرض باريس، إلا إن ذلك كان مؤقتاً مع أن ما بنته حكومة مصر هناك كان أعظم ما شوهد فيه، فيقال إنه أنفق فيه نحو مائتي ألف ليرة. ومع أن بستان الأزبكية يباح الدخول فيه لجميع الناس، فكل من شاء أن ينزه طرفه في محاسنه، ويجلو صدأ همومه عن خاطره في ميامنه، فليس عليه من حرج".
ومن الواضح أن جريدة (الجوائب) – تُعدّ كنزاً معلوماتياً لهذه الحديقة – حيث نشرت مقالة أخرى عام 1872، قالت فيها: ".... من غاب عن مصر مدة ثم رجع إليها، يتعجب غاية العجب من التغيير الذي يشاهده في كل جهة منها، سواء كان بتوسيع الطرق، أو بغرس الأشجار، أو بهندمة المباني، أو بالاتساع في المتجر والأخذ والعطاء، أو بحرث الأرض، أو بكثرة المشاهد الأنيقة. وقد ترى شارعاً طويلاً رحيباً كان فيه مئات من الديار القديمة، فغابت عن العيون وخلفها منازل متينة شاهقة، ذات عدة طبقات، وعن يمينها ويسارها الأشجار نامية، وفوانيس الغاز زاهية. ولا يكاد يمضي أسبوع بل يوم واحد، إلا وترى أثراً من هذه المآثر الباهرة، والإصلاحات المتكاثرة، وذلك كبستان الأزبكية الذي لم يزل مورداً للمتفرجين. فإنك ترى فيه كل يوم أفواجاً من الناس يتنعمون بطيب هوائه وحسن أزهاره، وبسماع آلات الطرب فيه من العصر إلى العشاء. ففيه قُبة لطيفة تضرب فيها آلات الطرب الإفرنجية، والناس جلوس على كراسي من حديد، والأولاد يرقصون على نغم الآلات. وهناك أيضاً مواضع لشرب البيرة بسعر معلوم كسعر القهوة. فمن لم يطرب بالألحان الإفرنجية قصد سماع الآلات العربية في قبة تشبه تلك. لا جرم أن الأنغام المصرية أطرب من الأنغام الإفرنجية، بل من سائر الأنغام العربية، كما يشهد بذلك كل ذي ذوق سليم. وثم أيضاً مواضع قهوة إفرنجية في غاية النظافة والانتظام. فمن لم يتلذذ بهذا وذاك فعليه بمشاهدة الكسكاد [الشلال] وهو مياه منحدرة من محل عال، وتحته وفوقه مواضع للجلوس، فترى من علوه البستان بأسره، ولا يمكن لأحد أن يدرك هذا المنظر الأنيق من غير أن يراه. فمن لم يتلذذ به فعليه أن يطوف في البستان، وينظر ما فيه من حُسن الوضع والترتيب. وهو يشتمل على نحو أربعين محلاً للجلوس، كل محل يسع مائة نفس. فمن لم يتلذذ بهذا أيضاً فعليه بمشاهدة النهر الجاري في وسطه من ماء النيل، وفي وسطه تل وبيت من الحجر، هو مأوى البط العائمة في النهر، وكأنها تطرب من كثرة الناظرين إليها، قدر ما يطربون هم. فإنها تزيد بطبطة على قدر ازدياد جموعهم. وعلى هذا النهر جسور لمرور الناس، وعلى حائطه سلسلة مرصعة من الفوانيس، تشعل بالغاز كل فانوس في ضمن بلورة بهية، فتحسبها في الليل نجوماً زاهرة. وترى أشعة القمر متلألئة في الماء. فيا له من مرأى شائق، ومنظر رائق يسلي الغريب وطنه، وينسي الكئيب شجنه. وفي هذا البستان أيضاً شبه أشجار من حديد، وثمرها فوانيس من بلور ملونة. وأبهج ما تراه العين رؤيتها في الليل. هذا شرح ما في هذه الحديقة من المحاسن بالاختصار. وأعود فأقول إنه لا يمكن للإنسان أن يدرك هذه المحاسن من دون أن يشاهدها".
وفي عام 1877 نشرت الجوائب مقالة ثالثة عن الحديقة – نقلاً عن جريدة (روضة الأخبار) –فجاءت مختلفة؛ حيث تحدثت عنها؛ بوصفها مكاناً للاحتفال، الذي يجمع بين الأسرة الحاكمة والشعب المصري. وهذا الاحتفال كان بغرض جمع التبرعات لجرحى الحرب العثمانية الروسية، وفيها قالت: ".... كانت جميع طرقات البستان مزينة بالألوية الإسلامية الأهلية، وألوية حمراء تخفق عليها صورة الهلال ...... وإذا وقف المتفرج ...... رأى خطاً مطولاً من الخيام المعدة لمن أراد أن يستريح من الأمراء الكرام، وعظائم العائلة الخديوية الفخام، مزينة بأجمل زينة، مرتبة على خط تنظيم مستقيم، كأنها مدينة منورة بقناديل بيضاء غازية، تنتشر عليها ألوية حمر. وفي خلالها على أشجار البستان قناديل أخرى متنوعة الألوان، وعلى البركة المذكورة زورق بخاري صغير عليه الأعلام السلطانية. وعلى الشاطئ الأيمن من تلك البحيرة الجميلة طرقة طويلة مزينة بالألوية والرايات السلطانية والمصابيح النورانية. وفيما وراء ذلك ترى على البساط الأخضر المتكون من النبات قد وضعت آلات عملية الصواريخ والألعاب النارية منظمة، أتم نظام. بحيث لا تقع فضلات نيرانها على الخيام. وليتصور القارئ لهذا الوصف القاصر إذا لم يكن في ذلك المحضر هو حاضر. جمال هذا المنظر الباهر المتكون من جميع هذه الأنوار الساطعة، كأنها كواكب طالعة منعكسة في مياه البركة الكائنة في وسطها، والملاعيب النارية تتصاعد في أعلى الجو، بحيث يحدث عنها قباب مشرقة في الأفق ..... والمظنون أن حاصل الإيراد المتحصل من تلك الدعوة ليلاً ونهاراً لمصلحة جرحى الحرب، قد بلغ نحو 60 إلى 70 ألف فرنك لا أقل. ولا حاجة للتنبيه على أسماء الذوات الكرام، الذين أعانوا على تحصيل معظم هذا المبلغ المتحصل. إذ من المعلوم أن أكثر ذلك قد تحصل من مكارم الحضرة الخديوية المعهودة، ومن مكارم حضرات الأنجال المشهودة، وحضرات السيدات المخدرات من الحرم الخديوي المحترم، ولا سيما والدة الجناب الخديوي الأعظم، حيث شرف الجميع هذا المحفل الأعم وطافوا بسائر الدكاكين والخيام المعدة لبيع التحف للصدقات والتبرعات".
وهذا الوصف ربما يكون أقدم وصف لاستخدام حديقة الأزبكية في الاحتفالات العامة، حيث إن وظيفتها فيما بعد اقتصرت على ذلك، وتحديداً في نهاية القرن التاسع عشر!! فجريدة (المقطم) نشرت في يوليو 1891 وصفاً لاحتفال الجالية الفرنسية بعيد الجمهورية داخل حديقة الأزبكية، حيث زُيّن مدخل الحديقة بقوس النصر وعلى واجهته صورة فتاة شابة رمزاً للجمهورية الفرنسية. أما وصف الاحتفال داخل الحديقة، فقد ذكرته الجريدة، قائلة: "... وقد قسمت الحديقة إلى فسحات منسقة، ومماش رحبة، محيط بها الأنوار من كل جانب. وتظللها المصابيح المضيئة بالأضواء المختلفة الألوان. ونصب في وسط تلك الفسحات المنيرة سرادق عظيم، استكملت فيه معدات الأبهة والكمال. وأقام به حضرة قنصل فرنسا الجنرال يستقبل كبار رجال الحكومة، وقناصل الدول الجنرالية، ونخبة الزائرين من الوجهاء والأعيان. وكُتب أمامه بالنور الكهربائي الحرفان الأولان من لفظ الجمهورية الفرنسوية، وبينهما هذه الألفاظ (14 يوليو). وقد وضعت أقواس من النور على مسافات متقاربة، ونشرت الرايات الفرنسوية في جميع أنحاء الجنينة. ونصب في وسطها سرادق بديع الشكل، مزين بالأنوار والرياحين، تعلوه الأشجار الباسقة. وعلى مقربة منه الراية الفرنسوية تنبعث منها الأنوار، كأنها قبس من نار. وقد أقامت فيه الموسيقى العسكرية تصدح بألحانها الشجية، والناس من حولها أزواج متخاصرون، يخطرون ويرقصون، وقد وضعت المشاعل والأنوار صفوفاً حول البحيرة، وانعكست أنوارها في الماء فتراءى للناظر إليها كأن الماء فيها قد تحول إلى نور".
وتُعد الجمعية الخيرية الإسلامية، أهم مؤسسة نجحت في استغلال حديقة الأزبكية؛ بوصفها مكاناً للاحتفال، يجمع أكبر عدد من الناس!! وهذه المميزات سخرتها الجمعية في احتفالها الخيري السنوي لتجمع أكبر قدر من التبرعات، ابتداءً من عام 1892 وحتى نهاية القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين!! ففي أكتوبر 1892 تتبعت جريدة (المقطم) هذا الاحتفال الخيري، ونقلته إلينا – في ثلاثة أعداد – بأن الاحتفال سيقوم به أعيان العاصمة لإعانة الفقراء، وسيكون يوم السادس من أكتوبر تحت رعاية الخديوي، وثمن تذكرة الدخول عشرة قروش، وتباع في أماكن محددة، هي: أبواب جنينة الأزبكية، ومحل إدارة جريدة المؤيد بقنطرة الأمير حسين، ومحل السيد مصطفى الديب الماوردي بالتربيعة، والأجزخانة العمومية بباب اللوق، ومحل أمين أفندي هندية بالموسكي، وأجزخانة أحمد أفندي بشارع محمد علي، ومركز الجمعية بالمحافظة وطرف جميع أعضائها. أما وصف الاحتفال داخل الحديقة، فنقلته لنا الجريدة، قائلة:
" كانت حديقة الأزبكية سماء أشرقت فيها شموس الشموع، وكواكب المصابيح والأنوار. وقد تكوّن الناس فيها تكون الرمال، يمتعون الطرف باجتلاء الزينة الباهرة التي أعدتها الجمعية الخيرية الإسلامية، فجاءت غاية في الاتقان والكمال. فمن سهام تشق عنان السماء، وأنوار تنبعث على أشكال مختلفة الألوان، فتملأ الفضاء بكريات من النور، وهي بين أحمر قاني وأخضر حاني، وأبيض ناصع وأصفر فاقع، إلى غير ذلك مما يستوقف الأنظار والأبصار بحسنه وبهائه. وقد صفت المصابيح على ضفاف الفسقية مئات وألوفاً، وانعكست أنوارها في الماء، فأشبهت النجوم في السماء. ووضع فيها زورق كبير نيطت به الأضواء الساطعة، وجلس فيه جماعة ينفخون بالمزمار البلدي، والزوارق الصغيرة محيطة به تمخر في الماء ذهاباً وإياباً، وكأنها تجري في بحر من نار لكثرة ما انعكس على الماء من المصابيح والأنوار. وقد ضُربت ثلاثة سرادقات كبيرة حول الفسقية، زينت بالرايات والثريات، وأقام فيها حضرات أعضاء الجمعية يتلقون الجموع بالبشر والترحاب. وأقيمت القهوات في فسحات الحديقة، فجلس الناس فيها صفوفاً مئات وألوفاً. وازدحمت الجماهير حول الكُشك البحري، يشنفون الأسماع بنفحات حضرة المطرب المبدع عبده أفندي الحمولي، وغصّ ملهى الأزبكية بالناظرين يشهدون ألعاب الموسيو كازنوف السيماوي [الحاوي أو الساحر] الشهير. وقد انتشر الناس في مماشي الحديقة، وعلى ضفاف البحيرة، واحتشدوا في القهوات، يسرحون الطرف بالألعاب البهلوانية وغيرها من الملاهي الكثيرة. وكان في جملة ما عرض من المشاهد العجيبة، فتاة إيطالية مقطوعة ثلاثة قطع قد فصلت كل قطعة منها عن الأخرى. وكانت تُكلم الناس، وتحرك يديها ورجليها وسائر أعضائها حتى إذا اُسدل عليها الستار برزت فتاة حسناء متصلة الأجزاء. وقد بلغ عدد الذين دخلوا الحديقة نحو اثنى عشر ألف نسمة. وما أضيئ فيها من المصابيح وغيرها ستة عشر ألفاً وخمسمائة. وكان عطوفتلو مصطفى باشا فهمي [رئيس الوزراء] وحضرات النظار [الوزراء] وسعادة السردار، يخطرون في ساحات الحديقة مسرورين بما يرونه من المناظر الرائعة، وكذلك سائر من حضر من العلماء والوجهاء وقناصل الدول وكبار الأجانب ورجال الحكومة. وبالجملة فقد كانت تلك الليلة من أبهج الليالي وأبهاها، وقد جمعت كل ما شاق وراق من ضروب الزينة وأسباب البهجة والمسرة، مما أطلق الألسنة بالشكر والثناء على رجال الجمعية الأفاضل، الذين قاموا بهذا العمل الخيري حق القيام جزاهم لله خير جزاء".
خاتمة
هذه هي البدايات المجهولة لحديقة الأزبكية، وأظنك عزيزي القارئ استمتعت بها .. ولكن هذا الاستمتاع لم يكن هدفي الأول، بل هو هدفي الثاني من كتابة هذه المقالة!! أما هدفي الأول فيتمثل في رجاء أو نداء .. أقول فيه: انقذوا ما تبقى من حديقة الأزبكية!! عزيزي القارئ .. حديقة الأزبكية مساحتها 17 فداناً، وهي المساحة التي تآكلت منذ عدة عقود، حيث إن المساحة الحقيقية للحديقة، يشغلها الآن جراج العتبة بموقف الأتوبيسات بسنترال الأزبكية وبكل المساحة التي يشغلها الباعة الجائلون، مع مسرح العرائس والطليعة، وصولاً إلى صيدناوي وأول شارع كلوت بك!! كل هذه المساحات هي حديقة الأزبكية، والذي لم يبق منها سوى عدة أمتار!! فقد زرتها منذ ثلاث سنوات، والتقطت لها بعض الصور!! هذه الأمتار بها مجموعة أشجار عتيقة لا تتعدى أصابع اليدين، وفي نهايتها وجدت بناءً رخامياً، منصوباً عليه أعمدة حديدية، تُستخدم في الترميم، وعندما اقتربت منه وجدت مفاجأة .. فهذا البناء، هو النصب التذكاري الرخامي الذي شيده الخديوي إسماعيل لنافورة الحديقة، ووجدت لوحة رخامية مكتوباً عليها الآتي، تحت عنوان (نافورة حديقة الأزبكية): " أنشأ هذه النافورة الخديوي إسماعيل عام 1872، وقد سجلت في عداد الآثار الإسلامية بقرار السيد وزير الثقافة رقم 210 لسنة 1989 وقامت هيئة الآثار المصرية بترميمها في شهري مارس وأبريل 1993".
هذا ما حدث منذ ثلاث سنوات، والسؤال الآن: هل الأعمدة الحديدية مازالت موجودة؟ هل انتهى ترميم هذا الأثر؟ هل مازالت الأشجار موجودة؟ هل آخر أمتار من الحديقة مازالت موجودة؟ هل هناك أمل في الحفاظ على النافورة والأشجار القليلة والأمتار القليلة؛ بوصفها (رمزاً تاريخياً) لبناء مصر الحديثة، في صورة هذه الحديقة، التي كانت تضاهي الهايد بارك في إنجلترا والشانزليزيه في فرنسا!!
ساحة النقاش