كتاب جدير بالقراءة والدرس
أ.د سيد علي إسماعيل
كلية الآداب – جامعة حلوان
ــــــــــــ
ما أكثر الكتب المنشورة عن مسرح الطفل، وما أكثر ما فيها من تنظير، أو تطبيق، أو أفكار صالحة أو طالحة تنظيراً وتطبيقاً، وما أكثر هذه الكتب تسطيحاً وتهميشاً!! ولا أخفيك سراً أيها القارئ؛ إنني توهمت أن هذا الكتاب سيكون رقماً عابراً، يَضاف إلى الكثرة من الكتب السطحية عن مسرح الطفل!! وعندما بدأت في تصفحه، وجدت جدّية في التناول، وشمولاً في الموضوعات، ورغبة في أن يكون هذا الكتاب في مقدمة عناوين الكتب المهمة، التي تناولت (مسرح الأطفال)!! أما المفاجأة الكبرى، فكانت ظني بأن هذا الكتاب، ما هو إلا إحدى رسالتي الماجستير أو الدكتوراة للمؤلفة؛ لأن جدية التناول وشمول مفردات الموضوع، تؤكد هذا الظن!! وكم كانت سعادتي، عندما علمت أن هذا الكتاب لا علاقة له برسالتي الماجستير والدكتوراه، بل هو أول كتاب يُنشر للمؤلفة؛ فهنيئاً لها بكتابها الأول، وهنيئاً لكلية التربية – جامعة الإسكندرية – ميلاد باحثة ومؤلفة جادة اسمها الدكتورة مريم محمود الحسيني!!
عزيزي القارئ، الكتاب الذي تحمله بين يديك الآن، تميز بشمول مفردات موضوعه، ولا أظن أن كتاباً جامعياً، سيدرسه طلاب الجامعة، ومتخصصاً في مسرح الأطفال استطاع مؤلفه أن يأتي بالشمول الموجود في هذا الكتاب، الذي تناول – في عجالة – تعريف الدراما وخصائصها، من أجل التناول – في إسهاب - مفهوم مسرح الطفل، ونشأته، وأهدافه، وخصائصه الفنية على الصعيدين العالمي والعربي. كما تعرض الكتاب إلى أنواع مسرح الطفل وأشكاله المتعددة، منذ خيال الظل، مروراً بالعرائس، ووصولاً إلى أشكاله الحديثة. أما المسرح المدرسي، فكان له نصيب من هذا الكتاب، لا سيما في تقنيات عروضه وعناصرها. كما وقف الكتاب كثيراً عند النص المسرحي للأطفال، من خلال: البناء الفني وأشكاله، وعناصر التكوين الداخلي في المسرح الشعري والنثري. أما ملحق الكتاب، فاشتمل على نماذج تطبيقية، جاءت موفقة بالنسبة لدارسي هذا الكتاب من طلاب الجامعة. وحتى لا أكشف تفاصيل الكتاب – الذي سيستمتع به القارئ لا محالة – واستغلالاً للمساحة الممنوحة لي في هذه المقدمة، سأدلي بدلوي من خلال إشادة وثلاث إضافات!
أما الإشادة، فتتمثل في عدم ذكر الدكتورة مريم لاسم (جمس سنووا James Sanua) المشهور باسم (أبو نظارة Abou Naddara)، والمعروف عربياً باسم (يعقوب صنوع)؛ مما يعني أن ما كتبته عن مزاعم ريادته للمسرح العربي في مصر، جاء بنتيجة إيجابية ملموسة الآن بين أيدينا!! فعدم ذكر اسمه في هذا الكتاب؛ بوصفه أحد رواد المسرح العربي بجانب مارون النقاش والقباني، يعني أن كل من كان مؤمناً بريادته للمسرح العربي في مصر، فشل في إثبات هذه الريادة المزعومة!!
أما إضافتي الأولى، فتأتي تكملة لما ذكرته الدكتورة مريم عن الشيخ رفاعة الطهطاوي، عندما قالت: "وتعد النداءات التي صدرت عن رفاعة الطهطاوي في ثنايا كتبه المختلفة التفاتة مبكرة للاهتمام بفن المسرح ، وذلك في السنوات الباكرة من القرن التاسع عشر، إذ نوه إلى أهميته كتعبير اجتماعي ومبدأ أخلاقي، وهو في ذلك لم يحاول أن يرتد به إلى أصول عربية، أو إلى تراث عربي قومي وإنما كانت ركيزته الأساسية الدعوة إلى فنون الغرب".
وهذا الرأي – رغم صحته ووجاهته في الماضي – إلا إنه يحتاج إلى إعادة نظر، بعد صدور كتابي الأخير الصادر عن هيئة الكتاب 2015، تحت عنوان (هيلانة الجميلة : أول مسرحية منشورة بالعربية في مصر سنة 1868 .. أثر أدبي مجهول للشيخ رفاعة الطهطاوي)؛ حيث أثبت فيه أن مسرحية (هيلانة الجميلة) - بوصفها أول نص مسرحي منشور بالعربية في مصر عام 1868 - ترجمها الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي بأمر من الخديوي إسماعيل، ليكون بذلك رائد الترجمة المسرحية في مصر! كما يُعد الطهطاوي أيضاً، أول مترجم مسرحي عربي؛ لأنه ترجم موضوعات مسرحية ونشرها في مصر عام 1833! كما أنه نشر في مصر عام 1834 أو 1835 مشاهداته المسرحية في باريس. وحتى الآن لم نجد عربياً ألف أو ترجم أية موضوعات مسرحية قبل عام 1833!!
وإضافتي الثانية، تتمثل في ظهور فكرة مسرح الطفل في مصر؛ حيث إن ظهور هذا النوع غير محدد التاريخ، وكل ما يُقال عن بداياته، هو نوع من الاجتهاد المقبول منطقياً، وليس مقبولاً توثيقياً أو تاريخياً. وهذا الأمر، كنت أحتفظ به لنشره في بحث خاص، إلا إنني سأشير إليه هنا تدعيماً لهذا الكتاب، ولمؤلفته! وبناء على ذلك، أقول: إن فكرة مسرح الطفل، ظهرت في مصر أواخر عام 1881، عندما نشرت جريدة الأهرام، عدة إعلانات تحت عنوان (الصبيحة الصبيانية)، ومنها نعلم أن المسيو لاروز مدير الأوبرا الخديوية، سيعرض مسرحية خاصة بالأطفال، تدور أحداثها بالحركات والإشارات – قاصداً فن البانتومايم – وسأنتقي من وسط الإعلانات المنشورة، هذا الإعلان، الذي يُعد وثيقة مهمة في هذا المجال؛ حيث قالت جريدة (الأهرام) بتاريخ 6/12/1881، تحت عنوان (الصبيحة الصبيانية):
" مهلاً صغار البيوتات وصغيراتها، فلا يبكيكم خروج والديكم إلى ملعب التشخيص بدونكم. وصبراً إلى الخامس والعشرين من هذا الشهر؛ فإنه يومكم وموعدكم فيه أن صبرتم، ألعاب مضحكة ورقص مبهج وسحر حلال. فقد وصل إلى إدارة الأوبرا صدى شكواكم ولهفتكم، فتذكرت حقوقكم وقالت: فلنجعل لملائكة الأرض نصيباً من فردوسنا، ومن أنصبة آبائهم وأمهاتهم، أن لهم في ذلك حقاً ثابتاً، وهم أولى من سواهم. وإنا لنعدكم في ذلك وعداً أكيداً. فقد ورد إلينا من إدارة الأوبرا إعلان، يستفاد منه ذلك، وهو بنصه: في الساعة الثانية بعد ظهر اليوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر، تقام في الأوبرا ألعاب مخصوصة بصغار البيوتات وصغيراتها، من الألعاب المضحكة، ومرقص البكم، والفانوس السحري، وأوبيريت يقال لها (آكل الحديد). جميع ذلك مما تميل إليه أذواقكم السليمة، وأمزجتكم اللطيفة. فصبراً إلى ذلك اليوم ولا تسأموا الانتظار: فإن غداً لناظره قريب".
أما الإضافة الأخيرة، فتتعلق بمسرح العرائس، والذي اكتشفت إرهاصاته الأولى في مصر، وتحدثت عنها في بحثي الموسوم بـ(البدايات المجهولة لمسرح العرائس في مصر)، والذي قدمته في نوفمبر 2015، ضمن بحوث الملتقى العربي لفنون الدمى وخيال الظل. وفيه تحدثت عن زيارة فرقة (المستر هولدن) الأمريكية إلى مصر عام 1890، وعرضها لعروض مسرحية عرائسية بدار الأوبرا الخديوية، والتي حضرها الخديوي توفيق. ثم تحدثت عن فرقة أخوان براندي، التي زارت مصر عام 1897، وقدمت فقرات فنية عرائسية على مسرح حديقة الأزبكية، ومن أهمها فقرة الأراجوز الميكانيكي. كذلك تحدثت عن زيارة الجوق السيموغرافي لمصر عام 1900، حيث قدّم الجوق عروضاً لفن الفنطوش - والمقصود به العرائس الخشبية – وتم العرض في تياترو السكاتنج رنج بالأزبكية.
والله ولي التوفيق
ساحة النقاش