وثائق مجهولة

ينشرها في حلقات ويكشف عن أسرارها

الدكتور سيد علي إسماعيل

كلية الآداب – جامعة حلوان

نجوم المسرح القدامي

ـــــــــــــــ

نسمع كثيراً عن أجور الممثلين الباهظة، وأجور النجوم الفلكية ... إلخ؛ ولكن هل يتصور إنسان أن نجماً متألقاً - وفي أوج تألقه وعطائه – يطلب سلفة من مدير الفرقة المسرحية التي يعمل بها، حتى ولو كانت فرقة حكومية، وهو ممثل يقبض راتبه من هذه الفرقة؟!! هذا الأمر، ربما نسمع عنه! أو أحد النجوم الكبار يرويه – في مذكراته أو في ندوة أو في لقاء تلفزيوني - من باب التندر والفكاهة، أو من باب إثبات عصاميته وكفاحه في سبيل الفن!!

ومهما كانت رواية الفنان عن الظروف التي أدت به إلى السلف والاستدانة؛ فإن مساحة الصدق والحقيقة تكون فيها قليلة، لأنه يروي للآخرين ولكنه لا يعترف! وفرق كبير بين الحكي والاعتراف!! هذا بالإضافة إلى أن الموقف يُعدّ من المواقف المحرجة، لا سيما الأمور المتعلقة بالنجوم ومشاهير الفن والمسرح!! وإن كنا سنتعرض لهذا الجانب المحرج في حلقتنا هذه، إلا أن الهدف من ورائه العظة والعبرة للجيل الحالي، كي يتعلم ويعي الدروس المستفادة من الماضي.

الوثيقة الأولى مؤرخة في 16/6/1957، وهي عبارة عن خطاب من محمد محمود عضو الفرقة المصرية إلى مدير عام الفرقة، يقول فيه الآتي: " السيد مدير عام الفرقة، تحية واحتراماً وبعد، أرجوكم التكرم بالموافقة على منحي سلفة قدرها 30 ج (ثلاثون جنيهاً)، وذلك لمواجهة مصاريف علاج زوجتي، ولكم جزيل الشكر، والأمر مفوض لسيادتكم". فكتب المدير العام تأشيرة أسفل الخطاب، قال فيها: " يصرف نظراً لحاجته لمرض زوجته". وأسفل التأشيرة كتب محمد محمود عبارة: "استلمت الشيك رقم 695770 بقيمة ثلاثين جنيها". أما محمد عبد العزيز – عضو الفرقة أيضاً – فقد كتب الوثيقة الثانية، وهي خطاب إلى مدير الفرقة في 7/5/1957، قال فيه بعد التحية: " أرجو الموافقة على صرف مبلغ عشرة جنيهات تُخصم مني أول الشهر".

أما الوثيقة الثالثة، فبطلها هو الفنان القدير المرحوم (نبيل الألفي)، وهي عبارة عن خطاب منه إلى مدير عالم الفرقة المصرية، قال فيه: "السيد مدير عام الفرقة، تحية واحتراماً وبعد، نظراً إلى أنه قد تقرر سفري ضمن بعثة مؤتمر الشباب بموسكو يوم 19 يوليو سنة 1957، ونظراً إلى أن مدة هذه البعثة ستستغرق شهراً كاملاً. فإنني أرجو التفضل بالموافقة على منحي سلفة قدرها مرتب شهر على أن تخصم هذه السلفة من مرتبي في نهاية هذا الشهر. وتفضلوا بقبول وافر الشكر والتقدير". وتوضيحاً لهذه الوثيقة، أقول: إن نبيل الألفي هنا لا يتعرض إلى أزمة مالية أو يجابه ظروفاً صعباً .. لا، فالأمر يتلخص في أن اسمه وُضع ضمن بعثة مؤتمر الشباب، حيث إنه لم يكن ضمن الوفد المصري من الأساس!! وعندما تقرر سفره فجأة، كان لا بد من تدبير مالي له، فلم يجد مفراً من أنه يقبض راتبه مقدماً من خلال هذه السلفة، التي تعد راتباً كاملاً، تم صرفه في بداية الشهر، لا في نهايته كما هو متبع!!

والوثيقة الرابعة صاحبها كوكب إبراهيم – وربما يكون أحد الأعضاء الفنيين في الفرقة المصرية – الذي كتب خطاباً لمدير الفرقة، يطلب فيها سلفة عشرة جنيهات بسبب عذر عائلي مهم. فأشر المدير أسفل طلبه قائلاً: "إذا لم يكن لديه سلفيات نوافق وتُخصم منه على أربعة شهور". وهذه التأشيرة توضح أمرين: الأول، أن هذا الرجل يجابه ظروفاً عائلية صعبة، لأنه كثير السلف، والأمر الآخر أنه من صغار الموظفين، لأن السلفية عشرة جنيهات فقط، وسيتم تقسيطها على أربعة أشهر، مما يعني أن راتبه لا يتحمل الخصم أكثر من ذلك!!

الوثيقة الخامسة للفنان محمد الطوخي ومؤرخة في 31/12/1957، وفيها يقول لمدير الفرقة: " السيد مدير عام الفرقة، تحية طيبة وبعد، لعذر طارئ أرجو الموافقة على منحي سلفة قدرها 36 جنيهاً على أن تسدد حسب الطريقة المتبعة". وبالفعل وافق المدير وأشر بأنها تُسدد على ستة شهور!

 

الوثيقة السادسة والأخيرة، صاحبتها الفنانة القديرة (نعيمة وصفي)، وتاريخها في 8/1/1958، والوثيقة عبارة عن خطاب من نعيمة إلى مدير الفرقة المصرية، تقول فيه: " السيد مدير عام الفرقة المصرية الحديثة، تحية وبعد .. أرجو الموافقة على صرف سلفية مرتب شهر على أن يرد على أقساط كالعادة. وتفضلوا بقبول شكري وتقديري". وأسفل هذا الكلام كتب المدير تأشيرة، قال فيها: "إذا لم يكن عليها سلفيات يُصرف". والملاحظ أن نعيمة وصفي لم تحدد مبلغ السلفية، ولكنها حددته بمرتب شهر! لذلك نجد أسفل الخطاب والتأشيرات عبارة كتبتها نعيمة وصفي ووقعت عليها، وقيها تقول: "استلمت الشيك نمرة 748850 بمبلغ 24 جنيهاً بصفة سلفة"، مما يعني أن راتب نعيمة وصفي بطلة الفرقة المصرية هو 24 جنيهاً فقط لا غير!! وهذا المبلغ يجيب على السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كان الفنانون القدامى يقترضون؟!!

المصدر: جريدة مسرحنا - عدد 409 - 1 يونية 2015
sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 105 مشاهدة
نشرت فى 31 مايو 2015 بواسطة sayed-esmail

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

815,635