authentication required

فؤاد الشطي .. المخرج المسرحي الكويتي

بقلم د.سيد علي إسماعيل

(الجزء الأول)

ـــــــــــ

مقدمة

عندما أتيت إلى الكويت فى ديسمبر 1997، كان يعلق فى ذاكرتى ثلاثة أسماء مسرحية كويتية، من خلال ما قرأته عنها فى مصر. هذه الأسماء، هـى : صقر الرشود .. حمد الرجيب .. فؤاد الشطى. وعندما بدأت عملى فى المعهد العالى للفنون المسرحية بالكويت، عقدت العزم على دراسة هذه الأسماء بصورة أكثر قُرباً، لتكون مدخلاً لمعرفتى بالمسرح الكويتى !!

فعندما شرعتُ فى دراسة صقر الرشود، وجدت د.محمد حسن عبد الله، قد سبقنى بسنوات كثيرة، عندما كتب عنه كتاباً بعنوان (صقر الرشود مُبدع الرؤية الثانية)، ذلك الكتاب الذى لم يترك شاردة أو واردة عن صقر الرشود، إلا وذكرها وفنّدها بصورة علمية. وعندما اتجهت إلى حمد الرجيب، وجدته قد فارق الحياة، بعد قدومى إلى الكويت بأشهر معدودة، هذا بالإضافة إلى أنه كتب مذكراته ونشرها، تحت عنوان (مسافر فى شرايين الوطن) !!

لم يبقَ أمامى إلا دراسة أعمال فؤاد الشطى، ويشاء القدر أن يلعب لعبته ! ففى إحدى الجلسات العلمية مع بعض الطلاب، أذكر منهم جابر العنزى، ومحمد عبد الله إبراهيم، تحدثنا عن المسرح فى الكويت، وأوضحت لهم وجهة نظرى السابقة، ورغبتى فى دراسة أعمال فؤاد الشطى .. ولكن من أين تأتى البداية ؟! فردّ على جابر قائلاً : البداية تجلس على يمينك !! فنظرت إلى يمينى، فوجدت أحد طلابى من الفرقة الأولى بقسم التمثيل والإخراج ! وعندما استفسرت عن علاقته بما نحن فيه، ردّ علىّ جابر قائلاً : إنه أحد طلابك فى المعهد، واسمه (أحمد فؤاد الشطى) !! أى إنه ابن فؤاد الشطى الذى تريد دراسة أعماله !!

ومن هنا كانت البداية، فأتحفنى أحمد فى اليوم التالى، بملف به قصاصات بعض الصحف عن بداية والده الفنية، فكان هذا الملف أول الغيث. وبعد أيام قليلة اصطحبنى إلى مقر فرقة المسرح العربى، وعرّفنى بالأستاذ محمد حجازى، الذى فتح لى أرشيف الفرقة على مصراعيه، فنهلت من معلوماته ووثائقه، ما روى لى ظمأى المعرفى. ومن خلال هذا الأرشيف تعرفت على المسرح الكويتى، وعلى فرقة المسرح العربى بصفة عامة، وعلى فؤاد الشطى وأعماله المسرحية بصفة خاصة. وكم كانت سعادتى عندما قرأت فيه، عن مجهود المرحوم زكى طليمات فى تأسيس هذه الفرقة.

وبعد مرور فترة زمنية، استطعت فيها أن أضع الخطوط العريضة لهذا الكتاب، تقابلت لأول مرة مع فؤاد الشطى وجهاً لوجه. وصارحته بأننى أقوم بكتابة كتاب عنه وعن أعماله المسرحية، وكل ما أريده أن أجلس معه للتحقق من بعض الأمور التوثيقية. ولعل صراحتى أصابته بالدهشة، فاعتبرها مجاملة عابرة منى إليه !! والحق يُقال إن فؤاد الشطى لم يتحمس لإتمام هذا الكتاب، فى بادىء الأمر، مما جعل حماسى يفتر فى بعض الأوقات !!

بعد هذه المقابلة الفاترة بأشهر معدودة، عرضت الفضائية اللبنانية (LBC)، برنامج (حوار العمر)، وكان ضيف البرنامج (فؤاد الشطى)، الذى تحدث عن مشواره الفنى، بصورة أعادت إلىّ حماسى مرة أخرى، فأنجزت جزءاً لا بأس به من هذا الكتاب. وبعد أشهر معدودة أيضاً، تم تكليفى من قبل إدارة المعهد العالى للفنون المسرحية، بكتابة كتاب عن تاريخ المعهد، كى يصدر بمناسبة يوبيله الفضى. ذلك الكتاب الذى تحمست له، وأنجزته فى وقت قياسى، ونشرته على نفقتى الخاصة، بعنوان (تاريخ المعهد المسرحى بدولة الكويت)، فكان جزائى على المستوى الرسمى (جزاء سنمار).

أما الجانب الإيجابى لكتاب تاريخ المعهد، فقد تمثل فى أمرين. أولهما أننى استطعت أن أحافظ على جهود زكى طليمات فى تأسيس هذا المعهد، من خلال إثبات وثائقه المجهولة، تلك الوثائق التى استفدت منها فى هذا الكتاب، خصوصاً فيما يتعلق ببداية فرقة المسرح العربى. والأمر الآخر، أننى استطعت أن أتعرف على صورة فؤاد الشطى فى هذا المعهد، سواء من حيث دراسته فيه كطالب، أو من حيث قيامه بإعطاء خريجى المعهد العالى الفرص العملية الأولى، أو من حيث وقوفه بجانب المعهد فى أمور كثيرة. وهكذا دفعنى كتاب المعهد، خطوة جديدة للأمام لإنجاز هذا الكتاب.

بعدها بدأت أرتبط بعلاقات وأحاديث مع بعض الشخصيات المسرحية، فيما يختص بالمسرح الكويتى. وفى أثناء الحديث كنت أتلقى بعض المعلومات الدقيقة التى استفدت منها فى هذا الكتاب، خصوصاً فى جانبه التوثيقى. ومن هؤلاء : د.حسن يعقوب العلى، عبد العزيز السريع، كنعان حمد، على المفيدى، مريم الصالح، أمين الحاج، حسين الصالح الدوسرى، سليمان الحزامى، إبراهيم مبارك إسماعيل، حمد الرقعى.

وهكذا أصبحت مادة الكتاب التوثيقية شبه متكاملة. ولم يبقَ إلا المادة النقدية، أو الجزء التطبيقى العملى للمسرحيات التى أخرجها فؤاد الشطى. وهذا الجانب هو الذى أخذ معظم الوقت. بسبب عدم استطاعتى رؤية جميع المسرحيات، لأن بعضها لم يتم تصويره أو تسجيله. فاكتفيت بما هو مُتاح ! ولحُسن الحظ أن المُتاح، كان يُمثل 50% من إنتاج فؤاد الشطى. وبذلك اكتملت موضوعات الكتاب، الذى توقف عند أحداث عام 1997.

ويشاء القدر أن يكون هذا الكتاب، أول دراسة بدأتها منذ قدومى إلى الكويت، وآخر دراسة أتممتها قبل تركى للكويت نهائياً ! فكم كنت أتمنى أن أرى ردود الأفعال، عندما يصدر هذا الكتاب .. ولكن هيهات !! فعزائى الوحيد أننى سأترك هذا الكتاب كأحد أبنائى يعيش فى الكويت، التى سعدت بإقامتى فيها رغم المدة القصيرة .. فأرجو أن يلقى هذا (الكتاب / الابن) كل رعاية وتقدير، وهو يعيش بعيداً عن أبيه !!

عزيزى : فؤاد الشطى

.. فى زمن أصبح الإخراج المسرحى، مُعرضاً لأن يكون (سلطاناً للبيع)، ذلك الزمن الذى نعيش فيه، وكأننا نعيش فى (عالم غريب غريب)، حيث كان زكى طليمات المخرج الأول للفرقة، ومن بعده كان حسين الصالح، أما أنت فكنت (الثالث)، الذى عشق فرقته الحبيبة، فأصبحت من (عُشاق حبيبة)، التى غشى ضؤها الآفاق، فأصبحت (نورة) الفرق الأهلية، التى سكنت (دار) الكويت، بعيداً عن باقى الديار بما فيها من (خروف نيام نيام). وعندما ابتعدت عنها إلى دولة الإمارات، أقرّ لك أهلها قائلين (هالشكل يا زعفران)، بسبب حصولهم على تقدير قرطاج، فكانت (فرحة الأمة) كبيرة بعملك. وبدأت مشوارك الإخراجى بخطوات ثابتة نحو (رحلة حنظلة)، التى كانت رسالة وجهتها قائلاً (احذروا) ! فيجب على المخرج أن يدفع (الثمن) نظير نجاحه. ذلك النجاح الذى أصبح قضية، أصابت الآخرين بالحسد والغيرة، فلم تهتم بها، وسرت للأمام فأصبحت (القضية خارج الملف)، فـ (طار الفيل)، الذى راهن عليه الآخرون، ممن توهموا أنك (مراهق فى الخمسين)، انتهت صلاحيته وتوقف عن العمل ! فهذا قدرك أن تعيش وسط (جنون البشر) !!

فهذا الكتاب، إما أن يكون تأبيناً بمناسبة وفاة إخراجك المسرحى .. !! وإما أن يكون حافزاً ودافعاً كى يخرج المارد النائم فيك، وأن يثور البركان الخامد داخلك، لتخرج بعمل مسرحى جديد، يُعيد أسطورة العنقاء مرة أخرى، ويُعيد إليك مجدك الإخراجى، الذى أصبح الآن مجرد ذكرى !!

هذه الذكرى .. كادت أن تتلاشى فى عقول من عاصروها .. فما بالك بالأجيال القادمة .. !! لذلك أردت من هذا الكتاب أن يكون تكريماً لك فى حياتك، لا أن يكون رثاءً لك فى مماتك .. !! فأنت صاحب فكرة تكريم الأحياء، قبل رثاء الأموات .. ويوم المسرح العربى لتكريم الفنان المسرحى، خير شاهد على ذلك .. !!

 

والله ولىّ التوفيق .. ،

 

                                                                     دكتور

سيد على إسماعيل

الكويت فى : 7/6/2000

 

بعيداً عن المسرح

 

الطفولة وما بعدها

فى أحد أيام منتصف القرن العشرين، وتحديداً فى 4/9/1951، وعندما كانت الكويت تنتقل من مرحلة البحر وصيد اللؤلؤ والتجارة والأسفار، إلى مرحلة النفط وبناء الدولة الحديثة، وُلد الطفل فؤاد سالم محمد الشطى، فى براحة الدبوس بحى الشرق ([1]). وقد عاش فؤاد طفولة سعيدة بالقياس إلى غيره من الأطفال، تلك السعادة التى اتسمت بالموهبة والنبوغ الفنى.

توفى الوالد سالم محمد سلمان الشطى (@)، فى عهدٍ مبكرٍ من حياة الطفل فؤاد، فكانت رعايته من قِبل أشقائه الكبار: عبد الله، عبد الكريم، عباس، سلمان، حيث كان فؤاد الأخ الخامس. واستطاع هذا الطفل، أن يكتسب بعض الصفات الإيجابية من أشقائه، ولم يستطع، فى الوقت ذاته، أن يحصى جميع صفاتهم الإيجابية، رغم تمنيه ذلك، ليقلل من صفاته السلبية.

فقد أخذ فؤاد الشطى، من شقيقه (عبد الله)، حُب الفنون بكافة أنواعها، مثل الموسيقى والغناء، وأيضاً أخذ منه نهمه الشديد للقراءة. أما ما أخذه من شقيقه (عباس)، فكان العصامية والجدّية فى العمل مع الحدّة والصرامة، الممزوجة بطيبة القلب وكرم اليد. هذا بالإضافة إلى إتقان العمل، وتأديته على أكمل وجه. كما أخذ من شقيقه (عبد الكريم)، الدقة والأناقة والتأمل فى الحياة، من خلال العُزلة والاعتكاف. وأخيراً أخذ من أخيه (سلمان)، الترتيب والنظام فى الحياة الدراسية، إلى جانب حُب المسرح، حيث كان سلمان يسبقه، بأعوام قليلة - فى الدراسة - وكان له نشاط مسرحى فى المدرسة، فعندما التحق فؤاد بنفس المدرسة، ترك له سلمان هذا النشاط، الذى برع فيه. وعلى الرغم من اتفاق جميع الأشقاء على معظم الصفات الإيجابية، إلا أن صفتى التديّن والسماحة تعتبران من أهم الصفات التى أحاطت بحياة هؤلاء الأشقاء.

لم يعلم فؤاد الشطى، أن الصفات التى اكتسبها من أشقائه، هى عين صفات والده، إلا فى وقت متأخر. فوفاة الأب المُبكرة، لم تُمكنه من التعامل المباشر معه، كى يتعرف عليه بصورة صحيحة، على الرغم من اصطحاب الأب له فى كثير من أسفاره التجارية إلى البلاد العربية والأسيوية (@). ولكن عندما كبر فؤاد، سمع من كبار السن، وعُلية القوم حكايات وروايات مُشرفة عن والده. ومن هنا بدأ يتعرف على والده بصورة حقيقية، وعلم أن ما اكتسبه من صفات أشقائه، ما هى إلا صفات والده، الذى أخذها عنه بصورة غير مباشرة.

بدأت موهبة الطفل فؤاد، تتكون من خلال مشاهدته للأعمال السينمائية، التى كانت تعرضها بعض الأُسر الكويتية الثرية. فهذه الأُسر كانت تحضر آلة عرض سينمائى (@@) وتسلط الصورة على جدار المنزل المطلى باللون الأبيض (الجبس). وكانت الحفلة الأولى خاصة بالنساء، والحفلة الثانية خاصة بالرجال. وبحكم كونه من أطفال الحى، كان فؤاد يحضر الحفلتين. وهكذا كانت الأفلام السينمائية، أول عالم سحرى ربطه بالصورة وبالتمثيل.

ومن الملاحظ، أن اهتمام الشطى بالصورة والتمثيل، ارتبط أكثر عندما تم إنشاء السينما الشرقية فى الكويت عام 1955 (@). وكان الدخول إلى هذه السينما فى بدايتها وحجز بعض الأماكن بها يمثل إنجازاً كبيراً. وهذا الإنجاز كان الشطى وأصدقاؤه يحققونه دائماً، من أجل رؤيتهم للأفلام. ومن هنا بدأت موهبة الشطى الفنية تزداد، لأنه كان يحاكى مع أصدقائه ما شاهده فى السينما من أفلام، هذا بالإضافة إلى حفظه لمقطوعات حوارية كبيرة منها.

لم يكتفِ الشطى بالصورة المتحركة لإشباع موهبته التمثيلية، بل ضم إليها نوعاً آخر من القصص المصورة، التى تمثل نوعاً من المحاكاة، فى مجلتى (سمير وميكى) المصريتين. هذا بالإضافة إلى تواجده، شبه اليومى فى المكتبة المركزية للاطلاع والقراءة، وإشباع النهم الثقافى.

وتعتبر المرحلة الابتدائية فى حياة فؤاد الشطى، المحك الأول الذى شكل اهتمامه بفن المسرح. فعندما التحق بمدرسة النجاح، اكتشف ناظرها الأستاذ عبد الوهاب الزواوى، موهبته الفنية. لذلك اختاره للمشاركة فى عرض مسرحى مدرسى من تأليفه وإخراجه. وكانت المسرحية تدور حول صورة التعليم القديم فى الكويت عند المُطوّع. وقام الشطى بدور أحد الطلبة المشاغبين، حيث يعاقبه المطوع بفلقة قوية. وكان الطالب الذى مثّل دور المطوع مندمجاً فى الدور إلى أقصى حد، ومن ثم نال الشطى ضرباً مبرحاً، نتيجة لهذا الاندماج.

وقد واصل الشطى موهبته الفنية فى الأندية الصيفية، حيث كان رئيساً للهيئة الإدارية، ورئيساً لفريق التمثيل فيها. وكان انتخابه كرئيس يتم عن طريق الاقتراع الحر لزملاء المرحلة، ومنهم : حميد سلمان الناصر - المدير الإدارى للمعهد العالى للفنون المسرحية حالياً - وسليمان الياسين (@)، وعبد الرضا كمال - فنان الكاريكاتير المعروف - وفخرى عودة - المشرف العام للقناة الرابعة بتلفزيون الكويت حالياً. وقدم الشطى أيضاً من خلال فريق التمثيل فى النادى الصيفى الكثير من الأعمال الخاصة بالأطفال من خلال برنامج ماما أنيسة.

بعد ذلك انتقل عشق الشطى للمسرح، إلى المرحلة المتوسطة، فى مدرسة الصديق. حيث كان رئيساً لفريق التمثيل بها. وكان الفريق يقدم الأعمال المسرحية الجيدة، وكان الشطى يشارك فى هذه العروض من خلال التمثيل والتأليف والإخراج، وكان معه من الزملاء سليمان الياسين، حميد سلمان الناصر، خالد عبد اللطيف رمضان، فخرى عودة، حسين المسلم ([2]).

وفى هذه الفترة - وأثناء مرحلة الدراسة المتوسطة - شارك الشطى فى العديد من الأعمال التلفزيونية والإذاعية، التى كانت تُقدم باللغة العربية الفصحى، مع بعض الفنانين الكويتيين، أمثال : مريم الصالح، سعد الفرج، غانم الصالح، جعفر المؤمن، كاظم القلاف، على البريكى، حسين الصالح الدوسرى. وأيضاً بجانب بعض الفنانين العرب، أمثال : لطفى عبد الحميد شحاتة، محمد العشماوى (@)، لطفى عبد الحميد سلامة، عاطف شعبان، أحمد رضوان، خالد العجبانى، ناعسة الجندى، سامية محمد.

وكانت هذه الأعمال على وجه الخصوص تُقدم فى شهر رمضان، من خلال المسلسلات الدينية، وكان معظمها من إخراج مُهند الأنصارى، وبعضها من إخراج نزار شرابى، مثل مسلسل (أسباب النزول) عام 1965، ومسلسل (مدينة النور). هذا بالإضافة إلى مشاركة الشطى فى الأعمال الشعبية، التى أخراجها حمدى فريد، وعادل صادق، ومحمد شرابى، وصلاح العورى، وسليمان المنصور، وعبد العزيز الفهد، ومنصور المنصور، بالاشتراك مع سعد الفرج وعبد الحسين عبد الرضا. وأيضاً شارك الشطى فى الأعمال الإذاعية التى كانت تُقدم بالفصحى، وكانت من إخراج مهند الأنصارى، وعلى الزفتاوى، وأحمد سالم، وخالد الرندى.

ومن الملاحظ فى هذه الفترة، أن هناك عدة درجات فنية، يجب على الإنسان الموهوب أن يصعدها حتى يصل إلى درجة النجومية. ودرجة النجومية كانت مُقسمة إلى درجتين، (نجم - نجم أول)، وهما أعلى درجتين. وفؤاد الشطى من خلال موهبته، استطاع أن يجتاز هذه الدرجات، حتى وصل إلى درجة (نجم) فى عام 1969.

وعندما حصل فؤاد الشطى على دبلوم معهد الدراسات المسرحية، تقلد وظيفة مساعد مخرج بالتلفزيون، فى أكتوبر 1969 (@). وقد نفّذ الشطى عملين، كمساعد للمخرج نزار شرابى، وعملاً ثالثاً للمخرج أحمد الجاسم، بالإضافة إلى إخراجه للأجزاء التمثيلية فى برنامج (الأسرة). وهذه الأعمال تم تنفيذها خلال ثلاثة أشهر، بعدها بدأ الشطى فى الإخراج مباشرة.

كان مسلسل (شرباكة)، أول مسلسل يقوم بإخراجه فؤاد الشطى، من بطولة عبد الحسين عبد الرضا عام 1970. ثم تلاه بسهرة (الهجرة) (@@)، الذى نال عنها أول شهادة تقدير، لإدخاله الشكل الملحمى. كما قام أيضاً بإخراج وإعداد سيناريو وحوار برنامج (رسالة)، من تقديم سليمان الفهد. هذا بالإضافة إلى إخراجه الكثير من البرامج التلفزيونية، ومنها البرامج الثقافية والمنوعة.

وفى عام 1970، دعى وزير الإعلام معالى الشيخ صباح الأحمد، إلى اجتماع لمناقشة سوء الأوضاع، والحالة السيئة لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة. وقد حضر هذا الاجتماع نخبة مُختارة من رجال الإذاعة والتلفزيون، بجانب مجموعة من صغار الموظفين، ومنهم كان فؤاد الشطى. وهذه المجموعة قد أبدت وجهة نظرها فيما طُرح من موضوعات فى هذا الاجتماع، فلاقت استحسان المجتمعين.

وعلى أثر هذا الاجتماع، قام الوزير بإصدار قرار بتشكيل لجنة عليا للإعلام فى الإذاعة والتلفزيون، لوضع خطة للتطوير والارتقاء بالعمل. وكانت المفاجأة أن ضمّ هذا التشكيل كلاً من : فؤاد الشطى، فيصل الضاحى، بدر بروسلى، كاظم القلاف، بجانب الوكيل المساعد لشئون الإذاعة الأستاذ عبد العزيز جعفر، وأيضاً مدير الإذاعة الأستاذ محمد المهنا، ومدير التلفزيون الأستاذ جواد حسونة، ومراقبى الأقسام الرئيسية بالتلفزيون والإذاعة. واستطاع الشطى وزملاؤه فى اجتماعات هذه اللجنة، مناظرة رؤسائهم، بآرائهم ووجهات نظرهم المنطقية.

وقد تزامنت هذه الفترة، مع عمل الشطى فى مجال المسرح، مما جعله مُطلعاً على أسراره، ومنها أن نجوم بعض الفرق كانوا مهيمنين على كافة أدوار البطولة فى الأعمال التلفزيونية، لدرجة أن الأدوار، كان يتم توزيعها من داخل شللية هذه الفرق المسرحية. وعندما لاحت الفرصة للشطى، قام بتحطيم هذه الهيمنة. فمثلاً أعطى دور البطولة فى مسلسل (شرباكة) للفنانة حياة الفهد. وبذلك جعلها تضيف جانباً كان خفياً فى مقدرتها الفنية، خصوصاً فى التلفزيون. فقبل هذا المسلسل كانت تأخذ أدواراً لا تليق بمكانتها الفنية، ولكن بعد هذا المسلسل، أو بعد إعادة اكتشافها تلفزيونياً، أخذت بطولة مسلسل (الحدباء)، من إخراج صلاح العورى. وقام الشطى بنفس الشىء مع سعاد حسين، وعلى المفيدى فى معظم البرامج الذى أخرجها، فى هذه الفترة.

ولم يقتصر اهتمام فؤاد الشطى - فى هذه الفترة -  على المسلسلات التلفزيونية والإذاعية فقط، بل أخرج العديد من البرامج المنوعة والثقافية والخاصة أيضاً. فمثلاً أخرج برنامج (الشرطة فى خدمة الشعب)، مع اللواء خالد السعد. وبرنامج (الصحة للجميع)، مع د.حسن أبو غزالة، ود.عبد الرحمن العوضى، ود.محمود بستان. وهكذا توالت البرامج، مثل (مجالس العرب)، والبرامج الدينية، مع الشيخ أنور النورى، والشيخ على الجسار، والبرامج الرياضية. وكان الشطى أول مخرج يتابع سباق الخيل فى بدايته. هذا بالإضافة إلى إخراجه للمشاهد التمثيلية المصاحبة لبرنامج (رسالة) مع سليمان الفهد، وبرنامج (ركن المرأة) مع فاطمة حسين. حتى الأغانى المصورة، تطرق إلى إخراجها، ولكنه لم يتحمس لها.

وقد استفادة الشطى أثناء عمله بالتلفزيون، من المخرج نزار شرابى، وذلك من خلال حرصه على اللغة العربية الفصحى، خصوصاً فى الأعمال التاريخية. كما استفاد أيضاً من المخرج عادل صادق - الذى شاركه فى العديد من الأعمال، ومن أشهرها (الوجه الآخر) - وذلك من خلال استخدامه للتقنيات الإخراجية، خصوصاً تحريك الكاميرا أثناء رسم حركة الممثل التلفزيونى، ذلك التحريك الذى استفاد منه الشطى عند استخدامه لكاميرا السينما أثناء إخراجه لمشاهد بعض المسلسلات. أما استمتاع الشطى، فكان فى تعامله مع المخرج حمدى فريد، وبالأخص تعامله البسيط الهادىء للأعمال الكوميدية، وفنية تعامله مع الممثل.

أما استفادة الشطى من الإذاعة، فكانت من خلال تعامله مع قممها، أمثال : إسلام فارس، على الزفتاوى، أحمد سالم، مهند الأنصارى، خالد الرندى. هذا بالإضافة إلى استفادته من اشتراكه فى الأعمال الإذاعية الشعبية، مع : سليمان المنصور، عبد العزيز الفهد، منصور المنصور .. تلك الأسماء التى تركت بصمات واضحة فى أعماله الإذاعية، فى هذه الفترة.

بعثة إلـى أمريكا

فى منتصف الستينات بدأت وزارة الإعلام، إرسال موظفيها فى بعثات إلى أمريكا، للحصول على شهادات فى مختلف التخصصات الفنية. وكان من المبعوثين : محمد السنعوسى، رضا الفيلى، عبد الوهاب سلطان، بدر بروسلى، سعد الفرج، أحمد البقشى، فيصل الضاحى، بدر المضف. وفى عام 1971، تم ترشيح فؤاد الشطى، وحافظ عبد الرزاق للسفر فى بعثة علمية، إلى كلية كولومبيا بلوس أنجلوس بأمريكا. ومن هنا بدأت مرحلة جديدة فى حياة الشطى، تنوعت بين الدراسة والثقافة والفنون.

بدأت هذه المرحلة بالتحاق الشطى بمدرسة تعليم اللغة الإنجليزية (E.L.S). وهى مدرسة خاصة لتعليم اللغة للأجانب، للالتحاق بالجامعة. وكانت هذه المدرسة تقوم باختبار المتقدمين، للوقوف على مستواهم من اللغة، وقد حصل الشطى على أضعف تقدير فى هذا الاختبار. لذلك اجتهد كى يرتقى باللغة، وذلك من خلال الاهتمام بدروس المدرسة، والمواظبة على مشاهدة إعلانات التلفزيون، حيث تكرار المفردات، وكتابتها بصورة واضحة.

هذا بالإضافة إلى صعلكته مع أصدقائه - فى الأجازة الأسبوعية - حيث كان يجوب معظم دروب ومواخير ومراقص وسينمات لوس أنجلوس. ومن خلال هذه الصعلكة انسابت اللغة. وهكذا تعرف الشطى على أغلب المفردات الإنجليزية بهذه الطريقة. وقد جنى ثمار هذا الأسلوب، عندما نجح فى المستوى الأول للغة، وقبل الالتحاق بالمستوى الثانى، فوجىء بتصعيده إلى المستوى الخامس مباشرة، وبالتالى اختصار فترة تعلم اللغة.

بعد اجتياز عقبة تعلم اللغة، التحق الشطى بكلية كولومبيا، وهى كلية خاصة لتخريج المتخصصين فى مجالى التلفزيون والسينما، مع دراسات مساندة عن المسرح نظرياً وعملياً. وكان التخصص الدقيق للشطى فيها (الإخراج التلفزيونى)، أما التخصص المساعد، فكان السينما. واختيار هذا الترتيب فى التخصص، لم يكن عفوياً، بل كان مقصوداً. فالشطى أساساً كان مُلماً بنواحٍ كثيرة فى مجال المسرح، تبعاً لدراسته فى معهد الدراسات المسرحية بالكويت. هذا بالإضافة إلى خبرته السابقة كعضو فى فرقة المسرح العربى. ومن هنا أراد الشطى الاستزادة من الفنون الأخرى.

وبالرغم من تعلم الشطى وزملائه أصول فنى التلفزيون والسينما فى الكويت، من خلال عملهم، إلا أنهم تعلموا الكثير عن الحرفيات الجديدة لهذين الفنين، خصوصاً الدقة فى التعامل، والتقطيع فى تجاربهم العملية. وأكثر ما أبهرهم، كان فن الإعلان وكيفية إنتاجه، والوصول إلى نتيجته وتأثيره على الجمهور، فى أقل عدد من الثوانى. هذا بالإضافة إلى استفادتهم من خلال تجاربهم فى نقل الأحداث بصورة حية.

وزيادة فى التحصيل، التحق الشطى وأصدقاؤه - رضا الفيلى، عبد الوهاب سلطان، سعد الفرج، بدر المضف، حافظ عبد الرزاق - بكلية (L.A.C.C)، وهى كلية صباحية، تنفق عليها حكومة لوس أنجلوس، وتعطى دبلوماً، يسبق مرحلة البكالوريوس. وبعد مرور عام من الالتحاق، وجد الشطى أن مواد الدراسة فى هذه الكلية، إذا تُرجمت، تتشابه، إلى حد كبير، مع مواد المرحلة المتوسطة فى الكويت، سواء فى جانبها النظرى أو العملى. ومن هنا لم يجد ذاته فى هذه الكلية، خصوصاً وأن كليته الأساسية (كولومبيا)، فتحت فصولاً جديدة، عبارة عن ورش عملية، وزيارات ميدانية فى تخصصه الدقيق، فالتحق بهذه الفصول، وانقطع عن الدراسة فى كلية (L.A.C.C).

استفاد الشطى من هذا الالتحاق استفادة كبيرة، خصوصاً تعامله والتصاقه مع الأستاذ (جورج براون). فلأول مرة يتعرف الشطى، من خلال هذا الرجل، على الورش الفنية، وما ينتج عنها من تعلم مهارات تفاعل الكل مع الكل فى العمل، ورسم الأدوار، ومهارة التحكم فى نبذ الذات، وكيفية عمل الفرد من أجل الجماعة، وعمل الجماعة من أجل الفرد، هذا بالإضافة إلى مهارة خلق الخيال وتنمية القدرات.

كما أتاحت ورش جورج براون للشطى، عدة زيارات ميدانية تطبيقية، تتبع فيها أسلوب وسائل الإعلام المختلفة فى تقصى الحقائق، ومتابعة الأحداث. ومنها زياراته للمرافق العامة، وأستوديوهات التلفزيون والسينما. فمثلاً كان الشطى يزور المحاكم للتعرف على عمل وسائل الإعلام فى تتبع سير القضايا العامة. وكذلك زياراته لأقسام الشرطة، واطلاعه على كيفية سير التحقيقات الصحفية فيها، التى تغطى الحوادث المختلفة.

وهكذا توالت زياراته إلى بقية الأماكن والمرافق، مثل : دور الإطفاء، المستشفيات، دار المسنين، المدارس. هذا بالإضافة إلى قيامه - من خلال هذه الورش - بعمل عدة مشاريع خاصة بالسينما، كالأفلام التسجيلية التى تتراوح ما بين الخمس دقائق، وربع الساعة، وإخراج نشرات الأخبار، والإعلانات المتنوعة، وبرامج الأطفال. وهذه المشاريع الناتجة عن التحاق الشطى بالورش، تجعلنا نقول : إن الأنشطة الحرة التى اكتسبها الشطى بذاته، كانت مُكملة لما تعلمه من دراسته الرسمية فى الجامعة.

وبسبب تعلق الشطى بأستاذه جورج براون، كان يتتبعه فى تنقلاته بين الكليات الأمريكية المختلفة. فبعد انتهاء فصول وورش كلية (كولومبيا)، انتقل الشطى مع عدنان صالح - الذى كان يدرس الهندسة والاقتصاد - إلى مدينة (باسادينا)، تلك المدينة التى تركت بصمات واضحة، على فكر وثقافة وفن فؤاد الشطى حتى الآن. وذلك من خلال زمالته الدراسية لإحدى الفتيات الأمريكيات، التى استطاعت أن تربطه بالحياة الفنية والثقافية.

هذه الفتاة كانت تدرس القانون فى جامعة (U.C.L.A)، بلوس أنجلوس. وكانت على درجة كبيرة من الذكاء وعشق الفنون والثقافات المختلفة. بالإضافة إلى اتصافها بصفات وأخلاق، تتشابه إلى حد كبير بصفات وأخلاق الشرق. وهذا الأمور كلها، كانت العامل المشترك بين الفتاة والشطى. لدرجة أن لقاءات فؤاد مع أصدقائه أصبحت قاصرة على المناسبات فقط، أما معظم الوقت فكان مُقسماً بين دراساته، وبين لقاءاته الفنية والثقافية مع هذه الفتاة. فكان يصطحبها إلى المسرح والسينما، وكانت تصطحبه إلى حفلات الأوبرا الموسيقية، والمعارض الفنية، والمتاحف.

ولشدة ارتباط الشطى بهذه الفتاة ثقافياً وفنياً، التحق بعدة مستويات دراسية فى الرسم، وتاريخ الفن. كما قرأ عن بعض المدارس الفنية، واقتنى الكثير من ألبومات الفنانين، وذلك بُغية التعرف على هوايتها، والتقرب إلى فكرها وثقافتها بصورة أكثر، حيث كانت رسامة. وقد رسمت له صورة، يحتفظ بها إلى الآن. وأيضاً من شدة ارتباط هذه الفتاة بالشطى، استطاعت بدورها دراسة بعض النصوص القرآنية، وتعاليم الدين الإسلامى، وذلك للتعرف على فتاها بصورة أكثر، أملاً فى التقرب إلى فكره وثقافته الشرقية والإسلامية.

ويشاء القدر أن يجمعهما - ثقافياً وفكرياً - أطول فترة ممكنة. وذلك عندما التحق الشطى بجامعة الفتاة، للاستفادة من جورج براون، الذى انتقل إلى جامعة الفتاة، لإعطاء ورشه العملية. فوجدها الشطى فرصة سانحة، للاستفادة من العلم والثقافة والفكر فى فترة واحدة. واستطاع الشطى أن يحصل على ثلاثة مستويات دراسية من جورج براون فى هذه الفترة، أسرعت بنجاحه وإنهاء بعثته. وهكذا عاد الشطى إلى أرض الوطن، تاركاً صديقته (@).

وبعد العودة التحق الشطى بعمله فى التلفزيون الكويتى عام 1974، بعد أن حصل على شهادته من أمريكا. فحاول الأستاذ سعدون الجاسم، وكيل وزارة الإعلام، إقناعه بالعودة إلى أمريكا - مرة أخرى - للحصول على الماجستير. ولكن الشطى رفض الفكرة، وفضل البقاء فى الكويت، ليبدأ مرحلة إنتاجه الفنى التلفزيونى.

وفى هذه المرحلة أخرج الشطى أوبريت (والله زمن)، مع عبد الحسين عبد الرضا ([3]). و(عندما تحترق الشموع)، تأليف هشام الحسيان، وبطولة خالد النفيسى، جوهر سالم، محمد المنيع، سعاد حسين، انتصار الزامل، يوسف الفارسى، حسين البدر ([4]). وأنتج وأشرف على مسلسل (فتى الأحلام)، بطولة عبد الله الحبيل، كنعان حمد، جوهر سالم، خليل إسماعيل، أسمهان توفيق، إخراج حمدى فريد ([5]). كما أخرج مسلسل (جزاء الخيانة)، تأليف حمدى عبد المقصود، وبطولة كنعان حمد، جوهر سالم، محمد المنيع ([6]). ومسلسل (رحلة العمر)، عن الفنان عبد الله فضالة.

وفى هذه المرحلة، كان الشطى أول مخرج كويتى، يعمل فى مؤسسة الإنتاج البرامجى لدول الخليج العربية. وأيضاً كان أول مخرج تنفيذى لبرنامج (افتح يا سمسم). هذا بالإضافة إلى إخراجه مسلسل (دعاء الرسول) للشركة الكويتية للإنتاج الفنى. كما قام ببطولة مسلسل (المدينة الذهبية)، وهو مسلسل إذاعى للأطفال، كتب قصته راشد أمين، وأعده حسين البدر، وأخرجه محمد عيسى. وقام ببطولته - بجانب الشطى - جوهر سالم، كنعان حمد، سعاد حسين ([7]). وبالرغم مما سبق إلا أنه من الصعب حصر الأعمال التلفزيونية والإذاعية التى اشترك فيها الشطى، وذلك لكثرتها، وتنوع جهوده فيها.

فرقة المسرح العربى

 

على الرغم أن هذا الكتاب، عن فؤاد الشطى، إلا أن الحديث عنه لا ينفصل عن فرقة المسرح العربى. تلك الفرقة التى ارتبط بها الشطى أكثر من 35 سنة، حتى الآن، كان فى معظمها رئيساً لمجلس إدارتها. وبالرغم من كثرة الكتابات التى كُتبت عن هذه الفرقة العريقية، إلا أن هناك وثائق ظلت مجهولة لسنوات كثيرة، لم يتطرق إليها أحد. ولا توجد فرصة أفضل من كتاب عن (فؤاد الشطى)، كى تظهر هذه الوثائق، وتوضع فى مكانها اللائق. لأنها وثائق لم تُنشر من قبل - فى أغلبها - وأيضاً لأنها تلقى بعض الضوء على كثير من الجوانب الخفية، لبدايات هذه الفرقة، التى تُعتبر من الفرق الرائدة، لا فى الكويت فحسب، بل وفى كافة الدولة العربية الخليجية.

زكى طليمات وتأسيس الفرقة

عندما بدأت الكويت تبنى نهضتها الفنية الحديثة، استطاع حمد الرجيب، مدير دائرة الشئون الاجتماعية والعمل - والتلميذ النجيب لزكى طليمات - أن يجتهد فى إيصال خبرة طليمات المسرحية، إلى رئيس دائرة الشئون الاجتماعية والعمل، معالى الشيخ صباح الأحمد الصباح، الذى أراد إدخال هذا الفن الجليل إلى أرض الكويت بصورة علمية، فأصدر فى نهاية عام 1957، أمره باستقدام زكى طليمات إلى الكويت لمدة ثلاثة أشهر، يضع خلالها تقريراً عن مظاهر النشاط الفنى بالكويت، وكيفية تدعيم هذه المظاهر والارتقاء بها. وبالفعل جاء طليمات وظل من يناير إلى مارس 1958، يبحث وينقب ويستكشف، وأخيراً أتمّ المهمة، التى تمثلت فى تقريره الشهير عام 1958(@).

وهذا التقرير، تضمن كافة النواحى الفنية، سواء الموجودة، أو التى ينبغى تواجدها فى دولة الكويت، يهمنا منها الحديث عن إنشاء فرقة مسرحية محترفة، وهى الفرقة التى ظهرت فيما بعد باسم (فرقة المسرح العربى). وعن هذا الأمر يقول طليمات، فى تقريره :

‘‘ من المعلوم أن هناك فارقاً بين إنتاج هواة التمثيل وبين إنتاج محترفيه .... ولهذا أقترح أن تؤلف فرقة محترفة .... يكون أعضاؤها للعمل الفنى الخالص .... والمسرح فى أى قطر من الأقطار العربية، يجب أن يتجه نحو دعم إحياء اللغة العربية وتطوير أساليبها، وشق آفاق جديدة لها فى التعبير، وإلا أتهم بالانحراف عن تحقيق هدف من الأهداف القومية العربية، فالواجب والحالة هذه أن يعنى المسئولون عن المسرح الكويتى بأن يكون للمسرحية المكتوبة بالعربية الفصحى مجال حيوى فى النشاط المسرحى، يتجاوز نطاق ما تقدمه الفرق المدرسية من مشاهد تمثيلية سقيمة البناء .... إلى الجمهور الكويتى نفسه .. وأنبه .... إلى وجوب الاهتمام بتقديم المسرحيات التاريخية التى تشيد بأمجاد العروبة، وتُحيى المُثل العُليا فى الخُلق العربى الأصيل .... إذن ليكن للكويت مسرح عربى فصيح يؤدى واجبه ’’ ([8]).

هذه الكلمات كانت البذرة الأولى، التى غُرست فى أرض الكويت، لتثمر فيما بعد، شجرة باسقة، أُطلق عليها (فرقة المسرح العربى)، كأول فرقة مسرحية كويتية، تستند على سياسة مدروسة.

سافر زكى طليمات، بعد أن وضع تقريره. ومرت ثلاث سنوات، والمسئولون فى وزارة الشئون الاجتماعية يفحصون هذا التقرير، ومن ثم مهد طريق عودته - مرة أخرى إلى الكويت - تلميذه وصديقه ورفيق دربه، حمد الرجيب. ففى إبريل 1960، استدعت دائرة الشئون الاجتماعية والعمل بالكويت زكى طليمات، مرة أخرى، للإشراف على الحركة المسرحية الكويتية. ويتلقى طليمات هذا التكليف، فيصف لنا شعوره قبل الحضور إلى الكويت، وتكوين فرقة المسرح العربى، قائلاً :

‘‘ حينما كنت فى القاهرة أحزم حقائبى للقدوم إلى الكويت .... لأتولى أمر توجيه النشاط المسرحى .... وأرسى أسساً صحيحة فى فنون التمثيل .. كان تساؤل الناس يحوطنى من كل جانب .... ما عسى أن أفعل فى قُطر حديث العهد بالتحرر الاجتماعى كما تفهمه الحياة الحديثة، وبسفور المرأة خاصة .. والمعلوم إنه عسير كل العُسر أن تقوم قائمة للمسرح فى قُطر يحكمه الحفاظ والمحافظة .... كيف .... أعمل فى مسرح مازال الرجال فيه يقومون بأدوار النساء .... إنى رجل مسرح لا أرضى بأنصاف الحلول فى شئون الفن ! إزاء هذا كله، كنت واثـقاً من أننى سأحدث حدثاً، أقل ما ينتهى إليه، أن يضىء شمعة فى ظلام .. أن يرسى لبنة فى جدار .. أن يشق حقلاً جديداً فى قطاع المسرح الناشىء فى قُطر همّ يستكمل يقظته .... إن المسرح لم يقم فى قُطر عربى إلا وتكون قد سبقت قيامه يقظة هزته فى أوصاله وتمشت فى كيانه، ومن هنا انبثق حُسن ظنى فى الكويت المتفتح الناهض، ثم جاءت ثقتى فى أن تجربتى الفنية فيه ستكون مثمرة وخيرة ’’ ([9]).

بهذا الحماس والإصرار والتفاؤل، حضر طليمات إلى الكويت، وبدأت جهوده الفنية فى تكوين فرقة المسرح العربى، بمساعدة حمد الرجيب، وذلك فى 10/10/1961، وهو التاريخ الرسمى لتأسيس الفرقة. وبعد التأسيس مباشرة، دوت أبواق الدعاية للفرقة الناشئة عن طريق بيان وزارة الشئون، أذاعه الراديو والتلفزيون، وتم نشره فى الصحف اليومية (@).

وبعد عدة محاضرات ألقاها طليمات فى شأن المسرح وماهيته، تقدم 134 من هواة الفن - سواء من الكويتيين أو العرب المقيمين - ليعملوا بهذه الفرقة. وتكونت لجنة اختيار المتقدمين من : زكى طليمات المشرف الفنى العام، محمد همام الهاشمى الخبير الاجتماعى، محمد النشمى المشرف على رعاية الشباب. وقد تم اختيار المتقدمين فى صالة مسرح الفنون الشعبية، على مدار تسعة أيام من شهر نوفمبر 1961، بناءً على تقديرات اللجنة، والتى تمثلت فى : (جيد - فوق المتوسط - متوسط - دون المتوسط) ([10]).

المصدر: جزء من كتاب مخطوط لم ينشر، وكان من المفترض نشره عام 2000م وهذا الجزء منشور الآن في موقع (فؤاد الشطي) وهو منقول منه ورابطه: http://www.fuadal-shatti.com/show_about.aspx?id=32
sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

816,427