سوق واقف في قطر
نواة صالحة لأول برنامج سياحي قطري
د.سيد علي إسماعيل
ـــــــــــ
تسير دولة قطر منذ سنوات في طريق التطور الحضاري بسرعة مذهلة، وفي غضون سنوات قليلة ستصبح قطر من أرقى الدول المتقدمة. وهذا التطور يسير جنباً إلى جنب مع حفاظ الدولة على تراثها الخليجي الأصيل، وأكبر شاهد على ذلك (سوق واقف)، الذي يُعد درّة التراث القطري والخليجي، وهو أيضاً صورة حية لامتزاج التراث بالمعاصرة. فسوق واقف تمّ تجديده بصورة حضارية منذ عام 2004م، وهذا التجديد كان من أجل الحفاظ على الأصول التراثية الخليجية.
تاريخ السوق
هناك كتابات محدودة حديثة؛ كُتبت عن تاريخ هذا السوق – دون سند توثيقي – مستوحاة من أقوال كبار السن، تُفيد بأن هذا السوق كان مُقاماً منذ أواخر القرن التاسع عشر، وتحديداً عام 1890م؛ ولكن نشاطه التجاري الحقيقي بدأ عام 1955م. وسُمي باسم (سوق واقف)؛ لأن الباعة كانوا يقفون أمام بضاعتهم على جانبي الطريق. ومن وجهة نظري أرى أن هذه التسمية، هي تسمية حديثة أُطلقت على هذا السوق، ولم تكن معروفة حتى أواخر الخمسينيات، وربما هذه التسمية أُطلقت عليه فيما بعد، وسبب التسمية – كما سيتضح لاحقاً - هو وقوف المشترين أمام البضائع، لا وقوف الباعة!! حيث إن الباعة كانوا يجلسون أمام بضاعاتهم المعروضة في شوارع السوق.
السوق في الصحف القديمة
وجهة نظري السابقة مستندة إلى أقدم الوثائق – المنشورة والمتاحة حتى الآن - التي تتحدث عن هذا السوق دون إطلاق اسم محدد عليه، بل كانت تُشير إليه باسم السوق أو الأسواق، على اعتبار أنه السوق الكبير الوحيد الموجود – والجامع لكافة الأسواق - في الدوحة في أواخر خمسينيات القرن الماضي. وهذه الوثائق تتمثل في ثلاثة أعداد تذكارية من المجلات والصحف العربية، صدرت في أواخر خمسينيات القرن الماضي: العدد الأول، هو عدد خاص من مجلة (الوعد) اللبنانية، وأصدرته دار دنيا الكواكب في بيروت عام 1957م. والعدد الثاني، هو عدد ذهبي بعنوان (نحن العرب)، أصدرته دار الهلال المصرية عام 1959م، لتعريف أبناء البلاد العربية بإمارة قطر. والعدد الثالث، هو عدد خاص من جريدة (الأهرام) المصرية، صدر في ديسمبر 1959م عن إمارة قطر.
السوق قديماً
هذه الأعداد تحدثت بإسهاب عن كل شيء في إمارة قطر – في تلك الفترة – وما يهمنا حديثها وصورها عن السوق الكبير في الدوحة، الذي عُرف فيما بعد باسم سوق واقف. ومن خلال ما نُشر في هذه الأعداد التذكارية؛ نقول: بأن أقدم محلات لتجارة المواد الغذائية في هذا السوق، هي محلات الحاج سليمان حيدر وأولاده، التي تأسست في السوق عام 1915م، وكانت تستورد المواد الغذائية من الهند وإنجلترا وأستراليا. أما الحبوب والدقيق فكانت تستوردها من أمريكا، والزيوت من هولندا. أما شكل السوق قديماً، فتصفه جريدة الأهرام – في عددها سالف الذكر – بأنه "عبارة عن بيوت تجارية (كانتينات) تعرض مجموعات فاخرة من الملابس الداخلية والخارجية والأحذية والعطور والساعات وآلات التصوير وأقلام الحبر والسجائر والتنباك وغيرها".
وفي السوق يوجد فندق وحيد صغير من الدرجة الثالثة، هو فندق (بسم الله)، وصاحبه هندي مسلم يتقاضى خمس روبيات عن مبيت الشخص الواحد. واعتبرت جريدة الأهرام - في عددها سالف الذكر – سوق قطر مكاناً يستحق زيارة الوافدين والزائرين، فأسهبت في وصفه قائلة: " أما الأماكن التي تزورها بالنهار في العاصمة، فهي الأسواق والمحلات التجارية، وأسعارها تميل إلى الارتفاع والغلو .. وفي يوم الجمعة تزدحم الأسواق الشعبية بالجماهير من جميع الأصناف، فتجد السيدات يطفن بالأسواق وقد لبسن العباءة السوداء ووضعن (البَطُّولة) السوداء المزركشة بقطع ذهبية، على وجوههن .. أن (البَطُّولة) هو الاسم الذي يُطلق على حجاب الوجه هناك، وهي تشبه (البرقع)؛ لكنها تختلف باتساع فتحات الأعين. وإذا استيقظت مبكراً في الفجر فيمكنك أن تشهد عملية ذبح الماشية التي تتم أمام الأهالي في السوق العام".
صور السوق قديماً
من حُسن الحظ أن الأعداد التذكارية الثلاثة، لم تكتف بوصف سوق قطر - الذي عُرف فيما بعد باسم سوق واقف – بل نشرت عدة صور مختلفة لأنشطته المتنوعة، وكتبت عدة تعليقات أسفلها. وهذه التعليقات تُعد معلومات مهمة تُضاف إلى ما سبق من معلومات عن هذا السوق. ومن هذه الصور، صورة لشوارع السوق المسقوفة الضيقة وكُتب أسفلها: "سوق مسقوف بجريد النخيل، وقد تزاحمت على جانبيه المتاجر الوطنية .. إن الإيرانيين هم المسيطرون على التجارة في قطر .. فقد كان القطري إلى عهد قريب يعتبر التجارة عملاً غير جدير بالممارسة .. أما الآن فقد نزل إلى ميدانها عدد غير قليل من القطريين، فبدأت تظهر المحلات القطرية للبيع بالتجزئة ".
والصورة الثانية، كانت لأحد محلات السوق وبها صاحب المحل يدخن القدو (النرجيلة/الشيشة) وأسفلها كُتب: "عطور من الهند، أقمشة من العربية السعودية، قمصان وجوارب وأحذية من الكويت. أغذية محفوظة من البحرين، ونارجيلة يدخنها التاجر الإيراني. إن الإيرانيين يكادون يسيطرون على التجارة في قطر. وقد تنبه أهل البلاد إلى ذلك فبدأوا في النزول إلى ميدان التجارة التي كانوا يحتقرون الاشتغال بها".
والصورة الثالثة لحلاق يقوم بعمله، كُتب أسفلها: "حلاق في الهواء الطلق تحت أسوار القلعة، وأنها من العادات الدخيلة التي جاءت مع المهاجرين النازحين إلى الدوحة". والقلعة الموجودة في الصورة، هي القلعة الموجودة الآن بجوار سواق واقف. والصورة الأخيرة لامرأتين منقبتين جالستين أمام مجموعة من البضائع المفروشة على أرض السوق، وأمام البضائع بعض الرجال الواقفين، وكُتب أسفلها: "من المشاهد المألوفة في الأسواق العربية، منظر البائعات يعرضن السلع المختلفة إلى جانب الباعة من الرجال كل قطعة منها بنصف روبية". وهذه الصورة على وجه التحديد، تؤكد أن المرأة كانت تعمل في البيع داخل سوق واقف في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وأن البائع كان جالساً، بينما المشتري هو الواقف، ومن هنا جاءت تسمية السوق.
إحياء ماضي السوق
مع التطور الحضاري لدولة قطر، وظهور عائدات النفط والغاز، وأثرهما في بناء قطر الحديثة، تمّ تجاهل هذا السوق، تبعاً للوصف السابق له، وأصبح نسياً منسياً. وكما يُقال من لا ماضي له، فلا حاضر ولا مستقبل له! وبناء على هذه المقولة اهتمت دولة قطر بتراثها الخليجي، وبماضيها الجميل، فحاولت التمسك بالتراث، كما حاولت استدعاء الماضي في صورة حضارية براقة، فكان سوق واقف هو محك هذا التفكير، وكان أيضاً المثال الدال على تطبيق المقولة.
ففي عام 2004م بدأت الدولة في ترميم الآثار المتبقية من هذا السوق، وكذلك محلاته وأبنيته، وهدمت جميع الأبنية الحديثة من حوله، وأقامت بدلاً منها أبنية تراثية خليجية الطراز، حديثة البناء؛ فأحالت المنطقة إلى سوق كبير على طراز خليجي قديم. وإذا نظرنا إلى أبنية السوق الجصية، سنجد أغلبها يتكون من دور أو دورين على الأكثر، وهي أبنية مطلية باللون الأبيض، ذات شبابيك خشبية متجاورة منقوشة ومحفورة بزخارف عربية إسلامية، وبها زجاج معشق ملون. أما الأسقف فمحمولة على عوارض خشبية مجلوبة من الهند قديماً، أو محمولة على سعف النخيل وجريدة، مبطنة بالحُصر والطمي. ووسط هذه الأبنية التراثية تجد مسجداً تراثياً مبنياً على طراز أبنية السوق، وهو تحفة معمارية بحق، خصوصاً مأذنته المقامة في أحد أركان ساحته – وليست على بناء المسجد كما هو معتاد – وبناؤها بهذا الأسلوب يتشابه إلى حد كبير مع مآذن (تاج محل) الأربعة في الهند، وكأن بانيها استوحى بناءها من الطراز الهندي القديم.
ومن الواضح أن المسئولين اهتموا اهتماماً كبيراً في بناء هذا السوق وترميمه، ومن أمثلة ذلك وجود بعض الأبواب التراثية ذات النقوش الإسلامية المحفورة والبارزة، وكأنها مجلوبة من بيوت العظماء قديماً. كذلك نجد صنوفاً متنوعة من القناديل والمشكاوات التراثية والحديثة، معلقة في أسقف الأبنية وعلى جدرانها، لتعكس جواً تراثياً خليجياً خلاباً.
السوق حديثاً
يبدأ السوق بساحة كبيرة في نهايتها مقهى عشيرج، وهو من المقاهي التراثية القديمة، ذات طابقين. بجواره عدة محال لبيع الأبسطة التراثية ذات المشغولات اليدوية، وهي أبسطة متنوعة منها: الخيام، والسجاد، والمفارش، والأسرجة، وكافة لوازم الخيل والجمال من الأقمشة والمنسوجات، وبطبيعة الحال نجد اللون الأحمر هو الغالب على جميع أنواع الأقمشة والأبسطة المعروضة.
بعد ذلك تأتي محلات المقتنيات التراثية الخليجية القديمة مثل: الدلّة والمبخرة، ومصنوعات الجريد من الأقفاص والكراسي والطاولات، والصناديق الخشبية ذات النقوش الإسلامية، والقناديل والفوانيس. كذلك نجد أنواعاً مختلفة من الأبواب التراثية المنزوعة من بيوت الكبار، أو المساجد في بعض الدول الإسلامية. أما المشغولات الخشبية المطعمة بالأصداف والقواقع البحرية، فهي موجودة بكثرة، ناهيك عن جميع أنواع السيوف والخناجر المنقوشة والمكفتة بالنحاس والفضة والذهب. وفي السوق محلات خاصة لبيع السيوف والبنادق القديمة بكافة أشكالها وأنواعها، وهي محلات يصح أن يُطلق عليها معارض أو متاحف تراثية متاحة للعامة، دون رسوم! كذلك نجد بعض المحلات لصناعة وبيع المشغولات الجلدية، وبخاصة سروج الخيل والجمال.
محل تراثكم
يتميز محل (تراثكم) – للشقيقين فيصل ومبارك - بأنه يشتمل على مقتنيات تراثية فريدة من كافة الأقطار العربية، مثل: المراوح الكهربائية المصنوعة في ثلاثينيات القرن الماضي، وكذلك الراديوهات، والتليفونات التراثية، والمباخر، والكاميرات الفوتوغرافية، والساعات، والآلات الكاتبة، وميكنات الخياطة، ومفاتيح المنازل الضخمة، وألبومات صور للمشاهير أمثال الملك فاروق – آخر ملوك مصر - وألبومات العملات النقدية الورقية والمعدنية، وصناديق أدوات الطواشين لوزن اللؤلؤ وتقدير ثمنه، ناهيك عن أنواع السيوف والبنادق القديمة. وهذا المحل على وجه الخصوص، يُعد معرضاً أو متحفاً جامعاً لكافة أنواع المقتنيات التراثية العربية والخليجية.
دار التميمي حمد
من المحلات المميزة (دار التميمي حمد)، وهو مخصص لبيع وعرض كل ما يتعلق بمهنة الغوص قديماً، فلا تتعجب أيها القارئ إذا زرت المكان ووجدت مجموعة من سفن الغوص الحقيقية القديمة موضوعة على رصيف السوق أمام هذا المحل. ومن الطريف أن صاحب المحل كتب لوحة خشبية كبيرة، وضعها خارج المحل بها إحصاء رسمي قديم، يقول: أن سفن الغوص في عُمان عام 1907م بلغ 1315 سفينة، وأن عدد بحاراتها وصل إلى 22045 نسمة. أما البحرين فعدد سفنها في العام نفسه بلغ 917 سفينة، وعدد بحاراتها 17632، وسفن قطر 817 وبحاراتها 12890، وسفن الإحساء 167 وبحاراتها 3444، وسفن الكويت 461 وبحاراتها 9300، وسفن سواحل فارس (الإمارات) بلغ 924 سفينة، وعدد بحاراتها 884 نسمة. وفي نهاية اللافتة نجد إحصاءاً آخر عن دخل دول الخليج من اللؤلؤ في عام 1823م، والذي وصل إلى 300000 جنيهاً استرلينياً، وفي عام 1866م بلغ 400000 جنيهاً، وفي عام 1906م بلغ الدخل 1434399 جنيهاً.
وفي السوق نجد ساحة دائرية مخصصة لبيع طيور الزينة بكافة أشكالها وألوانها وأنواعها، ومن أهمها الحمام والعصافير وأصناف الببغاوات المختلفة. كذلك هناك محال لبيع وتصليح الأدوات الموسيقية، لا سيما العود، والآلات الوترية.
مطاعم المأكولات الشعبية
في الشارع الرئيسي لسوق واقف يوجد مطاعم قطرية تراثية تقدم المأكولات الشعبية الخليجية، مثل مطعم (أم عبد العزيز)، ومطعم (الرفاع). وكل مطعم منهما وضع أمامه – في الشارع الرئيسي – أفرشة عربية ومقاعد تراثية وآرائك خليجية مفروشة بالأبسطة التراثية القديمة، تعكس للزبون شعوراً بأنه في الزمن الماضي الجميل. وهذه المطاعم تقدم فقط المأكولات الشعبية الخليجية، مثل: الهريس، والمجبوس، والثريد، والمضروبة، والخبيص، والساقو، واليقط، والحسو، والمحلبية، والنخي، والباجلة، والمرقوقة، والخنفروش، والبلاليط.
وفي أزقة السوق وحواريه توجد محال لبيع الأقمشة المجلوبة من الهند ودول شرق آسيا، وكذلك محال للغلال والحبوب والعطارة، وكل مستلزمات البيوت الخليجية. كما نلاحظ من حين لآخر بعض المقاهي الشعبية على الطراز الخليجي، وهي تُقدم الشاي الإيراني والهندي، وكذلك تقدم (القدو / الجدو)، وهي النرجيلة (الشيشة) الإيرانية المصنوعة من الفخار، ومثال لهذه المقاهي (قهوة الكوت).
الوجه السياحي للسوق
الوصف السابق للسوق هو الوصف المتطور والمستحدث لسوق واقف قديماً. وهذا التطور أغرى القائمين على شئون السوق باستحداث أمور لم تكن موجودة في السوق قديماً، وهذه الأمور – من وجهة نظري – لو أُستُحسن استغلالها، ستصبح اللبنة الأولى لأول برنامج سياحي قطري، يستطيع أي عربي أو خليجي الاستمتاع به في نهاية الأسبوع.
ومن هذه الأمور انتشار محلات الهدايا التراثية، وهي محلات لبيع المنتجات التراثية الخليجية بصورة متطورة حديثة. أي أن المنتج التراثي يُباع في شكل متطور بصناعة حديثة، مثل: آلات الموسيقى الخليجية، والدلة النحاسية، والأباريق، والنرجيلة ذات البريق اللامع، وهي منتجات ليست للاستعمال بقدر ما هي للزينة والاقتناء؛ فهي تباع للزائرين من السياح الأجانب، والمقيمين العرب لتكون ذكرى قطرية أو خليجية من سوق واقف. ومن هذا المنطلق نجد محلات لبيع مجسمات مصغرة للقوارب وسفن الغوص الخليجية، وهي أيضاً للاقتناء والزينة.
ومن الأماكن الجاذبة للسياح والمقيمين في قطر (مركز واقف الفنون)، وهو بناء تراثي على غرار أبنية السوق، مخصص لعرض كافة أشكال الفنون التشكيلية الخليجية من رسم ونحت .. إلخ. وفي هذا المركز نجد أكثر من صالة عرض للفنون، منها صالة عرض للوحات مرسومة بيد الفنانين القطريين، ومعرض عبد الرحمن المطاوعة، ومعرض للمجوهرات الثمينة المطعمة بالأحجار الكريمة. كذلك نجد في المركز معروضات فنية متنوعة، مثل المجسمات النحاسية، والمقتنيات المعدنية، والأشكال الخشبية. وبخلاف هذا المركز نجد مجموعة من المعارض الفنية مُقامة في أزقة السوق – في الهواء الطلق – ليرى زائرو السوق اللوحات الفنية معروضة على جانبي الطريق، كما هو الحال في بلدان أوروبا.
معروضات دخيلة
اللافت للنظر أن الاهتمام السياحي بسوق واقف، جعل القائمين على شئونه يُدخلون إلى معروضاته منتجات ومصنوعات غير خليجية، مثل: الأفيال الخشبية والعاجية المنقوشة والمجوفة والمطعمة، وكذلك العلب المعدنية المزركشة والملونة، وهي من المصنوعات الهندية المعروفة، ولا علاقة لها بالتراث الخليجي. وكذلك الجمال الخشبية والجلدية والطرابيش الحمراء، وهي مصنوعات مصرية، وتُباع في سوق (خان الخليلي)، ولا علاقة لها أيضاً بالتراث القطري أو الخليجي. كذلك نجد العلب الخشبية المطعمة بالأصداف والأخشاب الملونة، وهي مصنوعات سورية معروفة، ولا تُعد من التراث القطري أو الخليجي. وأخيراً نجد مصنوعات خزفية وزجاجية وعاجية مرسوم عليها بألوان بديعة، وهي مصنوعات مجلوبة من الهند وبلاد شرق آسيا، ولا علاقة لها بالتراث القطري أو الخليجي.
هذه المنتجات الدخيلة على معروضات ومصنوعات سوق واقف التراثية؛ لها سلبيات ولها أيضاً إيجابيات .. فمن سلبياتها أنها بكثرتها واطراد تواجدها في السوق؛ ستطغى ببريقها وحُسن أشكالها واتقان صناعتها على المنتجات والمصنوعات التراثية القطرية والخليجية، ومع مرور الوقت ستضعف الصناعات التراثية الخليجية أمام هذه المنتجات الوافدة. كذلك سيفقد السوق أهميته التراثية، وسيذوب التراث الخليجي في التراث العربي والهندي، وسيصبح من الصعب التفريق بينهما في حالة خروج منتجات تضم التراثين معاً. أما الإيجابيات، فتتمثل في تنوع المنتجات التراثية المعروضة في السوق، والتي تحمل تراث أهل البلد والمقيمين فيها أيضاًَ. وهذا التنوع يجذب – بلا شك – السياح من الأجانب والمقيمين.
مظاهر الجذب السياحي
من مظاهر الجذب السياحي في سوق واقف رؤية أحد القطريين بالزي الوطني ممتطياً حصاناً عربياً أصيلاً ذا سرج منقوش بزخارف عربية، منسوجاً عليه شعار دولة قطر، وهذا الفارس يسير في شوارع السوق ذهاباً وإياباً متباهياً بتراثه القطري الأصيل. كذلك نجد حماراً مزخرفاً بالأبسطة الخليجية يركبه الصغار، ويسير بهم في جولة حرة داخل السوق.
هذه المظاهر السياحية في مجملها تمّ توظيفها محلياً، حيث أصبح سوق واقف مزاراً سياحياً محلياً لأهل قطر والمقيمين فيها، وفرصة للنزهة والترويح عن النفس في أجازات نهاية الأسبوع. فعلى سبيل المثال تُقام في ليلة الخميس من كل أسبوع احتفالية موسيقية وغنائية في ساحات السوق المختلفة، ويتم نقل هذه الاحتفالات – على الهواء مباشرة – بواسطة قناة قطر التليفزيونية. وفي ليالي رمضان تُقام احتفالات خاصة، ولقاءات مع كبار الدولة، ومع كبار السن ممن لهم ذكريات خاصة في السوق.
هذا الاهتمام الكبير بسوق واقف جعل السوق مكان تجمع للجميع في معظم أيام الأسبوع، لذلك انتشرت المطاعم الحديثة والمتنوعة من كافة بلدان العالم، فتجد المطعم الإيراني بمأكولاته الشهية، وكذلك المطعم المصري، واللبناني، والمغربي، والعراقي، والسوري، والماليزي، والهندي، والأندونيسي .. إلخ، وكل مطعم يقدم أشهى ما عنده من مأكولات شعبية تبعاً لطبيعته، ومن أهم هذه المطاعم (مطعم الطواش) و(مطعم حدائق أصفهان) و(مطعم بيروت) الذي تأسس عام 1960م. كذلك انتشرت المقاهي الحديثة والمتطورة، التي تقدم أفخر أنواع المشروبات، وهي منتشرة بكثرة على جانبي الشارع الرئيسي في السوق بجانب المطاعم سالفة الذكر.
لم يبق من مظاهر السوق إلا الفنادق، وهي إحدى أساسيات البرنامج السياحي. وفي السوق مجموعة كبيرة من الفنادق التراثية الفاخرة. وهذه الفنادق مبنية على طراز السوق نفسه، أي إنها مبان جصية بيضاء من الخارج، وسقوفها محمولة على عوارض خشبية، مثلها مثل أي بناء في السوق. وهذا من حيث الشكل الخارجي. أما في الداخل فهي فنادق فاخرة ذات مفروشات تراثية خليجية من أرقى ما يكون، وكأن الزائر لها سيقضي لياليه وسط جو خليجي تراثي قديم الشكل، متطور حديث المضمون.
السوق سيصبح مزاراً سياحياً
هذا الجهد الكبير الذي بذله المسؤلون في تحديث سوق واقف وتطويره، ما هو إلا بداية فقط، ومن الواضح أن التطوير سيستمر مستقبلاً، وهذا الاستمرار سيؤدي بلا شك إلى التفكير جدياً في تحويل منطقة (سوق واقف) إلى مزار سياحي، وربما إلى برنامج سياحي خليجي، ثم عربي، وأخيراً عالمي، عندما يضم هذا البرنامح زيارة منتجع سي لاين بواحته الخضراء وسط كثبان الصحراء، وجزيرة النخيل وسط مياه الخليج، ومتحف قطر الإسلامي، والقرية التراثية، ومتحف الشيخ فيصل، وقلعة الزبارة، وبرج برزان، وقلعة أم صلال، وحصن الغوير، وأبراج الخور .. إلخ الأماكن السياحية في قطر.
ساحة النقاش