authentication required

أثر أسرة اليازجي في تاريخ الأدب العربي

دكتور/ سيد علي إسماعيل

ـــــــــــــــــ

 

إذا كانت الأسر الملكية في التاريخ تبني عروشها وممالكها على أسنة الحراب ونصال السيوف، والتي تفنى ولا تدوم أمام أسنة ونصال أقوى منها، ولا يبقى بعد ذلك إلا الآثار والأطلال التي تبكي التاريخ المندثر لأصحابها!! فإن الأسر الأدبية تبني مجداً لا يفنى ولا يندثر، بل يبقى ويدوم وينضح بما فيه من علوم أدبية في جميع الأزمنة. ومن هذه الأسر العربية، وبالأخص في القرن التاسع عشر: الأسرة البستانية، الأسرة اليازجية، الأسرة الحدادية، الأسرة المعلوفية، الأسرة السركيسية، الأسرة الرافعية، الأسرة التيمورية.

وفي دراستنا هذه سنتحدث عن الأسرة اليازجية، من خلال نوابغ علمائها في العلوم الأدبية، وما قاموا به من أعمال خدمت تاريخ الأدب العربي. ومن أهم هؤلاء النوابغ: ناصيف اليازجي (1800-1871)، حبيب اليازجي (1833-1870)، وردة اليازجي (1838-1924)، إبراهيم اليازجي (1848-1906)، خليل اليازجي (1856-1889)، عبد الله اليازجي (1870-1919)، سعيد اليازجي (المولود عام 1884)، وديع اليازجي (المولود عام 1886)، شحادة اليازجي (المولود عام 1901)، سليم اليازجي (المولود عام 1910).

والدراسة ستناقش بعض أفراد هذه الأسرة كمؤسسة ثقافية أدبية، سعى كل فرد فيها إلى وضع حجر في بناء الأسرة اليازجية من خلال تاريخها الأدبي. مع ملاحظة تأثير رب الأسرة على أبنائه، في تشكيل وهندسة البناء الأدبي لهذه الأسرة. فعلى سبيل المثال كان الأب يضع مؤلفاً أدبياً فيقوم الابن الأكبر بإكماله أو شرحه بعد وفاة أبيه. كما كان الابن الأصغر يقوم بإكمال الآثار المتروكة والناقصة في حالة وفاة أخيه الأكبر .. وهكذا. هذا بالإضافة إلى تشابه بعض الأدوار الحياتية لبعض أفراد هذه الأسرة، سواء في خط سير الحياة أو الأدب، أو حتى في أحكام القدر.

فعلى سبيل المثال نجد ناصيف اليازجي يحتل مكانة كبيرة عند الأمير بشير الشهابي، ثم نجد هذه المكانة بفعل التأثير تنتقل إلى ابنه الأصغر خليل بالنسبة إلى الخديوي توفيق في مصر. وكما كان ناصيف عصامياً في علمه حيث كان يقبل على العلم والمطالعة بنفسه، وبالأخص في العلوم العربية، كذلك وجدنا أبناءه حبيب وإبراهيم ووردة.

وإذا كان ناصيف قام بتدريس علوم العربية في المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك ببيروت والمدرسة الوطنية للبستاني والمدرسة الكلية للأمريكان، فمن الملاحظ أن هذه المهنة أورثها لأبنائه وأحفاده، لدرجة أنهم نبغوا فيها وعلو من شأنها. فعلى سبيل المثال كان ابنه إبراهيم مدرساً للغة العربية في المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك، وشقيقه خليل مدرساً أيضاً للغة العربية للصفوف العيا في الكلية الأمريكية والمدرسة البطريركية للروم الكاثوليك. وكذلك كان شحادة وسعيد ووديع ووردة. هذا بالإضافة إلى قيام سليم اليازجي بتأسيس مدرسة ثانوية بدمشق وهي مدرسة أهلية للبنين والبنات، ووديع الذي أسس في البرازيل الكلية الشرقية، والكلية السورية البرازيلية لتدريس العلوم للجالية العربية في البرازيل.

ومن الملاحظ أن ظاهرة توريث المواهب كانت واضحة في هذه الأسرة. فمؤسس الأسرة ناصيف اليازجي نظم الشعر وهو في العاشرة، وله ثلاثة دواوين (النبذة الأولى، نفحة الريحان، ثالث القمرين)، وابنه حبيب نظم الشعر صغيراً أيضاً، وابنه الثاني إبراهيم نظم الشعر صبياً وله ديوان (العقد)، وابنه الثالث خليل نظم الشعر شاباً وله ديوان (نسمات الأوراق)، ووردة ابنته نظمت الشعر في عامها الثالث عشر ولها ديوان مطبوع هو (حديقة الورد)، وحفيده عبد الله نظم الشعر منذ أيام دراسته الأولى وله ديوان (القوافي الحصن ليازجي الحصن)، وحفيده شحادة قرض الشعر وهو في الرابعة عشرة وله ديوان (اليازجيات). وحفيده سعيد نظم الشعر في صباه وله ديوان وملحمة اسمها (مراحل الحياة).

ومن ملامح تأثير الأب على أبنائه في نوعية التآليف، أن ناصيف اليازجي ألف معجماً لغوياً باسم (جمع الشتات في الأسماء والصفات)، فتأثر بذلك ابنه إبراهيم وألف معجمين لغويين، الأول (نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد)، والثاني (الفرائد الحسان من قلائد اللسان). ووصل هذا التأثير أيضاً إلى ابنه الثاني خليل، الذي ألف معجم (الصحيح بين العامي والفصيح) وهو معجم لتفسير الألفاظ العامية بتعابير فصيحة.

وبلغ الترابط مداه بين أفراد الأسرة اليازجية، عندما رأينا ناصيف اليازجي يشرع في وضع شرح لديوان المتنبي ولكنه يتوفى قبل أن يتمه، فيقوم ابنه إبراهيم بإتمام هذا الشرح، وأطلق عليه اسم (العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب) ونسبه كله إلى والده عرفاناً بجميله. كما قام إبراهيم أيضاً باختصار وشرح العديد من كتب والده، ومن ثم أعاد نشرها. وقام الابن الثالث حبيب بشرح أرجوزة والده ناصيف (الجامعة في العروض والقوافي)، وأطلق على هذا الشرح اسم (اللامعة في شرح الجامعة).

ومن الملاحظ أن إتقان اللغات الأجنبية، كان من اهتمامات أفراد هذه الأسرة. فناصيف اليازجي ترجم الكتاب المقدس لجماعة المرسلين الأمريكيين، ثم قام ابنه إبراهيم بدراسة العبرية والسريانية، ومن ثم قام بترجمة وتنقيح الكتاب المقدس للآباء اليسوعيين المعروف بكتاب التوارة اليسوعية. أما حبيب اليازجي فدرس وأتقن اللغة الفرنسية وترجم عنها قصتي (عادليدة) و(تليماك)، كما ألمّ بالإيطالية والإنجليزية والتركية واليونانية. ووردة اليازجية درست الفرنسية، وكذلك شحادة الذي ترجم أشهر القصائد لأشهر شعراء فرنسا في كتابه (القطرات).

وبخلاف ما سبق، نجد بعض أوجه التشابه بين أفراد هذه الأسرة، والتي تؤكد مدى التأثير والتأثر بين أفرادها، ومنها أن ناصيف اليازجي كان حافظاً للقرآن الكريم، ومن أصحاب الخطوط الجميلة وأسس الجمعية العلمية السورية، فقام ابنه إبراهيم بدراسة الفقه الحنفي، وابتكر حروف الطباعة العربية في بيروت المسماة بحروف سركيس، وكان عضواً بارزاً في الجمعية المشرقية التي أنشأها الآباء اليسوعيون في بيروت. ومن سخرية القدر، أن ناصيف اليازجي مات بمرض الفالج النصفي (الشلل)، فيموت ابنه الأكبر بمرض الروماتزم، وابنه الأوسط بمرض السل، وابنه الأصغر بمرض الصدر.

أفراد أسرة اليازجي

ناصيف اليازجي

كلمة (اليازجي) بمعنى (الكاتب) .. وقد عُرفت بها الأسرة منذ أوائل القرن الثامن عشر، وحتى الآن. وهذه الأسرة استوطنت كفر شيما في بيروت، وكان كبير هذه الأسرة (عبد الله ناصيف جنبلاط) طبيباً وشاعراً ومحباً للآداب، ولكن معظم شعره ضاع لعدم طباعته. وقد أنجب عبد الله ابنه (ناصيف اليازجي) في كفر شيما يوم 25/3/1800، وناصيف هذا، يعتبر المؤسس الحقيقي لهذه الأسرة. فقد درس مباديء القراءة والكتابة على يد القس متى الشبابي، ونظم الشعر ولم يتجاوز عمره عشر سنين. ودرس الطب على يد والده، ومن ثم  وضع أرجوزته (الحجر الكريم في أصول الطب القديم).

كما حفظ القرآن وكل ديوان المتنبي، ثم انطلق في معارفه اللغوية والأدبية. وكان ينسخ كل ما يحصل عليه من الآثار الأدبية حيث كان يتميز بجودة الخط وجماله، خصوصاً الخط الفارسي. وبسبب براعته في هذه المجالات، اتخذه الأمير بشير الشهابي كاتباً له وقربه ورفع من شأنه، وبقى في خدمته اثنتى عشرة سنة، حتى عام 1840، وهي السنة التي خرج فيها الأمير بشير من البلاد الشامية. فانتقل ناصيف بأهل بيته إلى مدينة بيروت وأقام بها منقطعاً للمطالعة والتأليف، وكانت علومه الصرف والنحو والبديع والعروض والمنطق والفقه والطب القديم والموسيقى وما وعاه صدره من اللغة كأنه معجم متنقل. كما كوّن مع بعض أدباء سورية الجمعية السورية لترقية الآداب سنة 1847.

وفي سنة 1863 أنشأ بطرس البستاني المدرسة الوطنية، فانتدب ناصيفاً للتدريس فيها، وفي السنة التالية أنشأ البطريرك جريجوريوس يوسف المدرسة البطريركية في بيروت وطلب من ناصيف أن يدرّس فيها، فكان يقوم بالتدريس في المدرستين معاً. وبعد فترة دُعي إلى التدريس في الكلية الإنجيلية السورية (الجامعة الأميركية ببيروت اليوم) فدرّس فيها اللغة العربية وآدابها وكان من طلابه يعقوب صروف وفارس نمر. كما عمل مع المرسلين الأميركان فنظم لهم المزامير وبعض الأغاني الدينية، واستفادوا منه في تعريب الأسفار المقدسة. وأصيب في آخر أيامه بشلل نصفي فمات يوم 8/2/1871، بعد أن أنجب من زوجته (إلياصابات) الدمشقية المتوفية عام 1881: سارة، حنه، آسين، فارس، حبيب، نصار، راحيل، خليل، عبد الله، مريم، إبراهيم، وردة. وقد كتب على صورته:

أمضي وتبقى صورتي فتعجبوا      تمضي الحقائق والرسوم تقيم

والموت تجلبه الحياة فلو حوى      روحاً لمات الهيكل المرسـوم

أما أعماله العلمية، فهي: (فصل الخطاب في أصول لغة الأعراب) طبع في مالطة 1836، (رسالة الشيخ ناصيف اليازجي البيروتي إلى البارون سلفستر دي ساسي) طبعت في ليبسيك 1846، (نقطة الدائرة) ألفها سنة 1848، (اللامعة في شرح الجامعة) ألفها سنة 1853، (النبذة الأولى) ديوان شعري طبع في بيروت 1853، (مجمع البحرين) كتاب مقامات ألفه 1855، (مجموع الأدب في فنون العرب) طبع في بيروت 1855، (قطب الصناعة في أصول المنطق) طبع في بيروت 1857، (نبذة تواريخ مقتطفة من ديوان الشيخ ناصيف اليازجي) طبعت في بيروت 1859، (نار القرى في شرح جوف الفرا) طبع في بيروت 1863، (نفحة الريحان) ديوان شعري طبع في بيروت 1864، (الجوهر الفرد) طبع في بيروت 1865، (طوق الحمامة) طبع في بيروت 1865، (الجمانة في شرح الخزانة) طبع في بيروت 1867، (الطراز المعلم) طبع في بيروت 1868، (فاكهة الندماء في مراسلة الأدباء) مجموعة قصائد طبعت في بيروت 1870، (لمحة الطرف في أصول الصرف) طبعت في بيروت 1870، (ثالث القمرين) ديوان شعر طبع في بيروت 1883، (عقد الجمان في علم البيان) طبع في بيروت 1885، (اللباب في أصول الإعراب) طبع 1889، (الحجر الكريم في الطب القديم) نشر في مجلة (الطبيب) سنة 1902 ([i]).

حبيب اليازجي

 

أكبر أبناء ناصيف، وُلد يوم 15/2/1833 بكفر شيما، وتلقى على أبيه فنون العربية، ثم اتجه إلى اللغات الأجنبية فأتقن الفرنسية وتعلم الإيطالية والإنجليزية واليونانية والتركية. وكان أحد أعضاء الجمعية المشرقية التي أنشأها الآباء اليسوعيون في بيروت سنة 1850 لخدمة اللغة والآداب. وكان يكتب في مجلة أعمال شركة مار منصور دي بول الشهرية التي ظهرت ببيروت سنة 1867. كما كان عضواً مع شقيقه إبراهيم في الجمعية العلمية السورية، وله كتابات في مجلتها الشهرية (مجموعة العلوم) سنة 1868. وقد تفرغ حبيب للكتابة فعرّب بعض المؤلفات الأجنبية، مثل قصة عادليدة برنزويك عن الفرنسية، وقصة تليماك عن الفرنسية أيضاً. ومن تآليفه اللغوية كتاب (اللامعة في شرح الجامعة) المطبوع عام 1869، وفيه فسَّر أرجوزة والده في علم العروض والقوافي. وقد اشتغل بالتجارة في أيامه الأخيرة، فأصيب بداء السل، الذي انتقل إليه عن طريق روفائيل زوج عمته راحيل، فمات يوم 31/12/1870، ودفن في مقابر أسرته بالزيتونة في بيروت، قبل وفاة والده ناصيف بعدة أسابيع.

خليل اليازجي

 

هو أصغر أبناء ناصيف اليازجي، وُلد سنة 1856 ولم يدخل المدرسة في طفولته، فعنيت به شقيقته وردة حيث علمته القراءة والكتابة، ثم تلقى عن والده فنون الشعر واللغة، مما أهله لنظم الشعر وهو صبي. وعندما شبّ درس الطبيعيات والرياضيات في مدرسة الأميركان في بيروت. وفي عام 1881 رحل إلى مصر، وتعرف فيها على جماعة من العلماء والأعيان، فنال مكانة مرموقة عند الأمراء والوزراء ووصل إلى الخديوي توفيق، مما ساعده على إصدار مجلته (مرآة الشرق)، التي لم تستمر طويلاً بسبب نشوب الثورة العرابية، فعاد إلى بيروت ليعمل في التدريس، حيث انتدبته المدرسة الكلية الأميركية والمدرسة البطريركية لتعليم اللغة العربية فيهما. وفي عام 1886 أصيب بداء السل، وفشل الأطباء في علاجه، ونصحه البعض بتغيير الهواء، فرحل مرة أخرى إلى مصر وطبع فيها ديوانه (نسمات الأوراق). ولكن المرض اشتد عليه فعاد إلى وطنه ومكث فيه أكثر من شهر، حتى وافته المنية يوم 23/1/1889، ودفن في مقبرة الأسرة. وقد ترك خليل ذرية مرموقة هاجرت إلى سان باولو في البرازيل، مازالت أجيالها تتعاقب وتتكاثر هناك حتى الآن.

خليل اليازجي

أما أعماله، فهي: (الخنساء أو كيد النساء) مسرحية شعرية مخطوطة ألفها عام 1877، (المروءة والوفاء) أول مسرحية شعرية عربية مؤلفة مطبوعة عام 1884، (الصحيح بين العامي والفصيح) معجم مخطوط ألفه عام 1885 وهو يقع في نحو 500 صفحة، كتاب (كليلة ودمنة) قام بضبطه وتفسيره وشرح غوامضه ومن ثم طبعه كنسخة مدرسية عام 1885، (نسمات الأوراق) ديوان شعري مطبوع عام 1888 جمع فيه ما نظمه من التهاني والمراثي والمدائح والحكم والآداب والموشحات والمراسلات، (السلّم الرفيعة إلى علم الطبيعة) وهو كتاب مخطوط في الفلسفة الطبيعية، (السمؤال) مسرحية شعرية مخطوطة غير كاملة، (الوسائل إلى إنشاء الرسائل) وهو كتاب مخطوط فيه مجموع ما ألقاه على تلامذته في المدرسة البطريركية من الرسائل وأصول الإنشاء، (قيد الأوابد) وهو كتاب مخطوط في اللغة وشواردها.

إبراهيم اليازجي

 

وُلد في بيروت يوم 2/3/1847، وتعلم على يد والده ناصيف، الذي ورث منه الخيال الشعري، فنظم الشعر وهو صبي واستمر في نظمه حتى فترة شبابه. كما اكتسب أكثر علومه ولغاته بجده وذكائه، ودرس الفقه الحنفي على يد الشيخ محيي الدين اليافي أحد مشاهير أئمة بيروت، وكان عضواً بارزاً في الجمعية العلمية السورية. وبدأ عمله الصحفي، عندما حرر مجلة (النجاح) عام 1872، بالإضافة إلى كتابته لمقالات أدبية ولغوية عديدة في مجلة (الطبيب) عام 1884، ثم رحل إلى القاهرة وأنشأ مع صديقه الدكتور زلزل مجلة (البيان) عام 1897، ولكنها توقفت بعد فترة، فأصدر وحده مجلة (الضياء) عام 1898، التي استمرت في الصدور حتى وفاته.

إبراهيم اليازجي

وكان إبراهيم فناناً ماهراً، يقوم بحفر الأختام والصور والنقوش، واصطنع عن طريق الحفر أول روزنامة عربية تعلق على الحائط. وقد اكتسب هذا الفن من أخيه نصار، الذي كان صائغاً ماهراً في نقوش الحلي والمجوهرات. ومن إسهامات إبراهيم المهمة في هذا المجال ابتكاره لحروف سركيس في الطباعة العربية، الذي كونها من الحرفين الأميريكي والإسلامبولي، وظل حرف سركيس يستعمل لسنوات طويلة في المطابع العربية السورية والمصرية والأميركية. وكان متقناً للغة الفرنسية مع الإلمام بالعبرية والسريانية، لذلك قام بتنقيح وتصحيح وإعادة صياغة الترجمة الكاثوليكية العربية للكتاب المقدس (التوراة) للآباء اليسوعيين. وقد صدَّق على هذه الترجمة منصور براكو بطريرك أورشليم اللاتيني، وأثنى عليها سائر بطاركة ومطارنة وأساقفة الطوائف الكاثوليكية في الشرق.

هذا بالإضافة إلى قيامه بتدريس المعاني والبيان وآداب اللغة العربية في المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك في بيروت خلفاً لأبيه. وقد توفى يوم  28/12/1906، على أثر إصابته بمرض الروماتزم وهو في الستين من عمره، دون أن يتزوج، ودفن في القاهرة، ولكن رفاته نقلت من القاهرة إلى لبنان عام 1913. وقد حصل إبراهيم اليازجي على الوسام العثماني من جلالة السلطان، وعلى نوط العلوم والفنون من جلالة ملك النرويج. وفي عام 1924 أقامت له الجالية الشامية في البرازيل تمثالاً من البرونز، نصبته في لبنان تخليداً لذكراه.

أما أعماله، فهي: (العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب) عام 1882، (مختصر نار القرى في شرح جوف الفرا) عام 1882، (مطالع السعد لطالع الجوهر الفرد) عام 1888، (مختصر كتاب الجمانة في شرح الخزانة) عام 1889، (نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد) عام 1904، (تنبيهات اليازجي على محيط البستاني) طبع عام 1933، (شرح المقامة البدوية) طبع عام 1940، (الفرائد الحسان من قلائد اللسان) كتاب مخطوط، (العقد) ديوان شعري مطبوع، (تنبيهات على لغة الجرائد) مقالات جمعت في كتاب مطبوع، (لغة الجرائد) مقالات جمعت في كتاب مطبوع.

وردة اليازجي

 

وُلدت يوم 20/1/1838 في قرية كفر شيما، وانتقلت مع عائلتها إلى بيروت، وتلقت علومها العربية الأولى على يد والدها، فتوسم فيها استعداداً للشعر فمرَّنها عليه بأن كان يراسلها نظماً عند تغيبه عن المدينة، ويعهد إليها في الرد على بعض مراسيله من الشعراء، فنظمت الشعر وهي في سن الصبا، ثم تلقت على يد سيدة يهودية متنصرة مباديء اللغة الفرنسية، ثم التحقت بمدرسة البنات الأميركية في بيروت. وعندما شبت عملت في مهنة التدريس فترة بإحدى المدارس الأهلية.

وفي عام 1866 تزوجت من مدرس لبناني هو فرنسيس شمعون، وفي العام التالي أصدرت ديوانها الوحيد (حديقة الورد)، الذي أعيد طبعه مرتين في عامي 1887 و1914. وبعد وفاة زوجها رحلت مع ولدها الدكتور سليم شمعون إلى مصر عام 1899، وقطنت الاسكندرية، وكان لها ابنة تدعى لبيبة نشرت بعض أرائها في الصحف. وظلت وردة في الاسكندرية طوال ربع قرن، حتى توفيت يوم 26/1/1924 وهي في مطلع عمرها السابع والثمانين ودفنت في الاسكندرية.

وردة اليازجي

وأثرها الشعري الوحيد وهو (ديوان حديقة الورد)، ينقسم إلى قسمين: المدح والرثاء، ومعظم رثائها مغلف بالحكم وفلسفة الموت. فقد عاشت وردة طويلاً لتودع زوجها وابنتها وولدين لها وستة أخوة وأخت .. سبقوها جميعاً إلى عالم البقاء. ولوردة اليازجي عدة مقالات كتبتها من باب المجاملة في مجلة الفردوس وفتاة الشرق. ولها مقالة مهمة، بينت فيها رأيها في قضية اجتماعية، نُشرت في مجلة (الضياء) وفيها انتقدت المرأة الشرقية لتفرنجها.

تواصل الأجيال في أسرة اليازجي

 

بلغ تواصل هذه الأسرة مداه، عندما قام حبيب اليازجي بشرح أرجوزة والده ناصيف المسماة (اللامعة في شرح الجامعة) - وهي أرجوزة في علمي العروض والقوافي  - والمؤلفة عام 1853، وأطلق عليها (اللامعة) وطبعها في بيروت عام 1869، بعد أن خلصها من الإشكال والتعقيد ([ii]).

أما إبراهيم اليازجي فكان بحق أهم أبناء ناصيف من ناحية اهتمامه بتراث والده، والعمل على انتشاره، بل وعلى إبقاء اسم أسرة اليازجي عالياً في عنان السماء. فقد قام بتصحيح ونشر دواوين والده الثلاثة، وساعد أمين الحداد ابن أخته وحفيد ناصيف، في كتابة ترجمة ناصيف اليازجي، التي تصدرت الديوان ([iii]).

كما قام إبراهيم بنشر وإتمام شرح والده ناصيف لديوان المتنبي، بعد أن عكف عليه أربع سنوات، وطبعه في المطبعة الأدبية ببيروت عام 1882، بعد أن نسبه كله إلى أبيه، وقال في مقدمته:

’’هذا آخر ما أثبت الرواة من شعر أبي الطيب المتنبي، رحمه الله تعالى. وقد اخترتُ له أشهر الروايات وأمثلها بعد أن وقفتُ فيه على غير نسخةٍ من النسخ الموثوق بها وبالغتُ في ضبطه وتحريره ما أعان عليه الإمكان، والله ملهم السداد. وكان أبي، رحمه الله، قد شرع في تعليق هذا الشرح على هامش نسخة من الديوان بخطه كان يثبت فيها ما يعنّ له من تفسير أو إعراب أو شرح بيت تذكرةً لنفسه مع ذكر كثير من وقائع النظم وتراجم بعض الممدوحين وغيرهم مما يسنح له في أثناء مطالعاته، إلا أنه لم يتقص في شيء من ذلك، ولا تتبع أبيات الديوان على التوالي، وخصوصاً المواضع المستغلقة التي تدعو إلى إطالة الرويّة والاستنباط مما لم يُرضه كلام الشراح فيه، فإنه كان يتجاوزها في الأغلب ويترك موضع الكلام فيها مخرَّجاً على الهامش، كأنه ينوي معاودة هذا الشرح والتوفر على إتمامه، ثم لم يُفسح له الأجل، فبقى الشرح على علاته .. .. فاستخرت الله سبحانه في تولي إتمامه وسدّ ما بقى من خلله على نحو ما تسعهُ الطاقة ويبغ إليه العلم القاصر، وتابعت الكلام على بيتٍ بيت بما تقتضيه الحال من تفسير غريبه وإعراب المشكل من تراكيبه، وقد تتبعتُ الغريبَ في الأبيات كلها من غير استثناء، وربما تكررت اللفظة الواحدة مراراً في الديوان ففسرتها في كل موضع وردت فيه ليكون كل بيت مستقلاً في تفسيره لا يُحتاج معه إلى مراجعة أو كدّ ذاكرة، واستقصيت في الإعراب بحيث لم أدع مشكلاً يتوقف عنده البصير إلا تلقّيتُه ببيانه، خصوصاً إعراب الظروف، فإنها من أصعب العقبات التي تعترض في وجوه المعربين لخفاء وجه الإعراب فيها، ولكثرة ما يتعاورها من التقديم والتأخير، على ما هو معلوم، من توسعهم في الظروف، وذكرتُ معنى كل بيت على عقب الفراغ من مفرداته، ملتزماً في الأكثر أن أشرحه بحلّ ألفاظه عينها بحيث أصور للطالب المعنى الشعري في ضمن المعنى التركيبي، وفي جميع ذلك من النّصب وإعمال الروية ما لا يخفى على الخبير. وأنما أبقيت عنوان الشرح باسمه، رحمه الله تعالى، رعاية لكونه هو واضع الأصيل، فلم أوثر أن أتطفل عليه في نسبة الكتاب، وإن تطفلت عليه في التأليف، وإني لأرجو الله أن يكون قد وهبني السلامة في ذلك كله، ونزلني من هذا الشرح منزلة توجب استدرار الرحمة على واضعه، ولا تكون مدرجة لنقص برَّي به بأن أجرّ عليه تبعة تلزمني دونه، أو ينسب إليَّ فضل هو أحق به مني، ومعاذ الله أن أدعي لنفسي في جنبه فضلاً أو علماً، فإنما أنا اهتديت بمناره واقتديت بآثاره، وإنه لا علم لي إلا ما علمني‘‘ ([iv]).

كما شرح إبراهيم (المقامة البدوية)، وهي إحدى مقامات كتاب (مجمع البحرين) لوالده ناصيف، وقام بنشر هذا الشرح جبران نحاس أحد تلامذة إبراهيم عام 1940 بالاسكندرية. كما اختصر إبراهيم مجموعة من كتب أبيه، ومن ثم نشرها، ومنها: كتاب (نار القرى في شرح جوف الفرا) في النحو، وكتاب (الجمانة في شرح الخزانة) في الصرف، وكتاب (الجوهر الفرد) الذي شرحه وطبعه باسم (مطالع السعد لمطالع الجوهر الفرد) ([v]).

ولعل القاريء ينظر إلى عمل إبراهيم بالنسبة إلى اختصاراته وشروحه لكتب أبيه، نظرة تقلل من أهمية هذا العمل!! ولكن إذا عدنا إلى زمن نشر هذه الأعمال، وتعرفنا على أقوال الصحف والمجلات فيها، لاختلفت نظرتنا. فعلى سبيل المثال نجد مجلة (المقتطف)، تقول عن كتاب (مختصر نار القرى) في عام 1882:

’’إن كان قد صدق اسم على مسماه فنار القرى في شرح جوف الفرا أحسن اسم صدق على أرجوزة الشيخ ناصيف اليازجي في النحو إذ قد بلغ صيتها بعداً لم يبلغ غيره إليه من أكثر الكتب المحدثة على ما نعلم. إلا أنها لما كانت زائدة التطويل على طلاب العلم في مدارس هذه الأيام كان التدريس بها يتعذر في أكثر المدارس ولذلك رأى الشيخ إبراهيم اليازجي الشهير أن لا يحرم أبناء العلم من أشهى ما ترك لهم أبوه فصرف العناية إلى اختصارها وجعلها مطابقة لمقتضى أحوال هذه الأيام وعانى مشقة الإبدال والتغيير والإفراغ الجديد في قالبي النظم والنثر فجاء مختصر الأرجوزة كتاباً جامعياً لكل ما تلزم معرفته معززاً بالشواهد والأمثال سهل المأخذ بديع الترتيب محكم الطبع والإتقان تروق العين بهجته كما تروق للعقل مطالعته‘‘ ([vi]).

ولم تتوقف جهود إبراهيم اليازجي تجاه أبيه وتجاه أسرة اليازجي، عند حد نشر الأعمال وتصحيحها وتنقيحها وتلخيصها وشرحها، بل تعدت ذلك إلى دخوله المعارك الأدبية. فقد تصدى وحده عندما كان شاباً مغموراً، للرد على أحد أقطاب اللغة، وهو أحمد فارس الشدياق، الذي خطأ ناصيف اليازجي في عروبة بعض الكلمات التي جاءت في مقامات (مجمع البحرين)، مثل كلمة (الفطحل) وكلمة (المرابض). وقد دارت حول هذه الكلمات معارك أدبية شرسة، حيث وجه الشدياق أقذع السباب والنعوت والأوصاف إلى إبراهيم اليازجي، الذي دافع عن والده وعن نفسه بالحلم والعلم، فلم يرد على الشدياق بالسباب أو إلصاق النعوت والأوصاف السيئة، بل ردّ عليه بالعلم والحجة، فكان الانتصار من نصيبه ومن نصيب سيرة والده ([vii]).

أسرة اليازجي كمؤسسة أدبية

في مجال التأليف

 

استطاعت أسرة اليازجي أن تكوّن مؤسسة أدبية في مجال التأليف، وبالأخص في مجالي الشعر وعلوم اللغة العربية، ولاسيما المعاجم والاهتمام بالمفردات اللغوية العربية. فعلى سبيل المثال نجد ناصيف اليازجي مؤسس الأسرة، يصدر ثلاثة دواوين شعرية، أغلب قصائدها تدور حول أغراض ثلاثة، هي: المدح والرثاء والتأريخ. وهذه الأغراض في معظها كانت موجهة إلى كبار القوم والأصدقاء والأقارب. فعلى سبيل المثال نجده يمدح الشاعر بطرس كرامة، والأمير أمين بن الأمير بشير الشهابي، وأسعد باشا قائد جيش البلاد العربية، والشيخ محمد الحلواني مفتي مدينة بيروت، والبطريرك مكسيموس مظلوم، وملكة إنجلترا، والشيخ يوسف الأسير، والأمير بشير أحمد اللمعي، وسعيد باشا عزيز مصر، وخليل باشا وزير حلب، ومحمد باشا وزير تونس، والخديوي إسماعيل، والسلطان عبد العزيز .. إلخ ([viii]).

وفي مجال الرثاء، نجده يرثي يوسف سيور قنصل دولة نابولي، والأمير حيدر أبي اللمع والي جبل لبنان، والأمير مجيد الشهابي، وإبراهيم النجار رئيس أطباء العسكرية في الديار الشامية، والأمير مراد اللمعي، وولده المرحوم الشيخ حبيب ([ix]). وفي مجال التأريخ، نجده يؤرخ شعراً بناء دار الخواجا يوسف الجُدَيّ، وحضور خورشيد باشا إلى بيروت، وضريح الأمير أحمد رسلان، ووفاة بطرس كرامة، وزواج السيد حسين بيهم، وختان رستم باشا بن سعيد باشا والي مصر، ووفاة الأمير بشير الشهابي، وبناء المدرسة العبيدية بالقاهرة، وبناء سبيل ماء أجراه السيد حسن أبو دية، وبناء قاعة الجمرك في بيروت .. إلخ ([x]).

وكمثال على شعره التأريخي، قصيدة هنأ بها إبراهيم باشا بفتح عكا ضمن كل بيت منها تاريخين، يقول في مطلعها:

الزهر تبسم نوراً عن أقاحيهــا    إذا بكى من سحاب الفجر باكيها

ويقول جرجي زيدان عن شعر ناصيف:’’ومن مخترعاته في فن النظم عاطل العاطل، وهو أن تكون أحرف الكلمة خالية من النقط، وإذا تهجأت اسم الحروف كان هجاؤه أيضاً خالياً من النقط، وهذه الأحرف ثمانية فقط وهي الحاء والدال والراء والصاد والطاء واللام والهاء والواو. وقد نظم من هذا الجناس أربعة أبيات في مقاماته مجمع البحرين‘‘([xi])، وهي:

حول درٍ حلَّ ورد    هل له للحـر وردُ

لحصور حلو وصل    ورده للصحو طردُ

ولـه حولٌ وطولٌ    ولــه صد ورد

دهـره حرٌّ صدور    هل له لله حــدُّ

وبالأسلوب نفسه نجد ابنه إبراهيم يسير في ديوانه (العقد) مسيرة أبيه في دواوينه الثلاثة، من حيث اتباع الأسلوب في المدح والرثاء والتأريخ. فعلى سبيل المثال نجده يمدح حمود بن سعيد سلطان زنجبار، وأوسكار الثاني ملك النرويج، والخديوي إسماعيل باشا، والخديوي عباس حلمي الثاني، وبطرس البستاني، وصبحي باشا والي دمشق، والسلطان عبد العزيز .. إلخ ([xii]). كما رثى كلاً من: جرجس بن نعمة الله فياض، والأمير فريد بن الأمير ملحم رسلان، ووهبة الله نوفل الطرابلسي، والدكتور يوسف الجلخ الطبيب، والأمير محمد رسلان، والبطريرك بطرس الرابع الجريجيري ([xiii]). كما نجده يؤرخ بالشعر لضريح الخوري مارون الجميل، ولميلاد غلام ملحم مراد الشهابي، ولضريح نعمة فياض، ولعقار وقفته الأميرة لميس قرينة الأمير حيدر اللمعي ببكفيا، ولضريح سليم تقلا، ولضريح قسطنطين فيليبديس، ولضريح زين زين، ولضريح روزا الجاويش ([xiv]).

وسارت وردة اليازجي على هذا المنوال أيضاً، في ديوانها (حديقة الورد)، عندما مدحت الشاعرة وردة نقولا الترك، ووردة كبَّا، وسليمان البستاني، وأمين سيد أحمد، والأميرة تاج الشهابية، والبرنسس نازلي المصرية، والأميرة نايلة شقيقة السلطان عبد الحميد، وعيسى إسكندر المعلوف، والفيكونت فيليب دي طرازي، وعائشة تيمور. كما رثت كلاً من: البطريرك مكسيموس مظلوم، ومارون النقاش، والأمير أمين أرسلان، والسيدة كاتبة بسترس، وشقيقها فارس، وشقيقتها راحيل، ووالدها ناصيف اليازجي، وشقيقها خليل، وزوجها فرنسيس شمعون، وابنها أمين شمعون، وشقيقها إبراهيم. هذا بالإضافة إلى مجموعة من الأبيات أرخت فيها لبعض الوفيات والأضرحة ([xv]).

وإذا أردنا أن نتعرف على بعض أمثلة من أشعار وردة اليازجي، سنجد هذين البيتين في مدح وردة نقولا الترك، وفيهما تقول:

يا وردة الترك، إني وردة العـرب       فبيننا قد وجدنا أقـرب النسبِ

أعطاكِ والدك الفنَّ الذي اشتهرت      ألطافهُ بين أهـل العلم والأدبِ

كما قالت تجيب الشاعرة وردة كبَّا:

أزهار ورد قطفناها بأبصـــــارِ      ونشر ورد شممناهُ بأفكــــــــار

ووردةٌ أثمرت في القلب إذ غــرت      ولم أرَ وردةً تأتي بأثمــــــــــار

لقد سمت في الورى قدراً، فلا عجب      فالوردُ بين الورى سلطان أزهــــــار

بيني وبينك في أسمائنا نســــبٌ      لكنما بيننا فرقٌ بأقـــــــــدار

والورد من بعضهِ النسرين يشبهـهُ      في العين، لكنهُ من طيبهِ عــــــــار

وقالت ترثي زوجها فرنسيس شمعون:

كلما كاد يضمد الجرح ترميــني      بجرحٍ مفتت الأكبــــــاد

نكبة عند نكبةٍ عند أخــــرى      كاتصال الأسباب بالأوتـــاد

وأبى الدهر أن يمنّ بنظـــــم      غير نظم الرثاءِ والتعــــداد

سلبتني المنون إنسـان عيـــني      ورفيقي وعمدتي وعمــــادي

يا أليفي في شدتي ورخــــائي      ونصيري في النائباتِ الشــدادِ

كيف غادرتني بقلب جريـــح      يتلظّى في مثل جمر القتــــاد؟

كيف أغمضت طرفك اليوم عني      وغدا القلب منك مثل الجمــاد؟

وقالت ترثي ولدها أمين شمعون:

بأي فؤادٍ بعدك أبتغي السلــــوى      وأنت فؤادي في الترابِ لهُ مـــأوى

أرى نار قلبي كلَّ يومٍ وليـلــــةٍ      تزيد لهيباً كلما زدتُ في الشكـــوى

لفقدِ أميني بل حبيبي ومهجتــــي      وريحان روحي من غدوتُ بهِ نشــوى

لقد كان في عيني أبهى من الدُمَـــى      وأعذب في قلبي من المنِّ والسلـــوى

أديب جميل الخلق والخلق طاهر الـــ      شمائل صافٍ قلبهُ طيّب النجــــوى

كصدر القنا، كالنصل، كالغصن في النقا      كزهر الرُبى، كالبدر، كالرشاءِ الأحوى

أحنُّ لمرأى تربهِ كلَّ ساعــــــةٍ      وأهفو لمثواه وما تحتهُ يُحـــــوَى

أيا قبره هذا العزيز، فلا تــــدع      هوام البِلى تهوى عليهِ كما تهــــوى

وحافظ على تلك العظام فإنهــــا      لكنز ثمينٌ ليت قلبي لها مثـــــوى

وأكبر دليل على مؤسسة هذه الأسرة في التأليف الشعري، أن القاريء لا يستطيع أن يفرق بين الأسلوب الشعري للوالد ناصيف اليازجي، وبين الأسلوب نفسه عند ابنه إبراهيم!! ومثال على ذلك، كتاب (العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب)!! فهذا الكتاب كتبه ناصيف ولم يستكمله، حيث وافته المنية. فقام ابنه إبراهيم باستكماله وإتمامه على خير وجه، ونسبه كله إلى أبيه عرفاناً بجميله وتقديراً لمكانته الأدبية، كما أوضحنا ذلك سابقاً.

وإذا كان حديثنا اقتصر على أصحاب الدواوين المطبوعة، فهناك من أبناء أسرة اليازجي من له قصائد عديدة، دون أن يكون له ديوان مطبوع، ومثال على ذلك حبيب اليازجي الذي رثى البطريرك مكسيموس مظلوم بقصيدة، منها هذه الأبيات ([xvi]):

يسرُّ المرءَ إقبالُ الليالــي       وينسى أن ذلك للـــزوالِ

دع الدنيا الغرورَ وكن مجداً      كحبر الشرق في طلب الكمالِ

هو المظلومُ حين رمى بتـاجٍ      لهُ واعتاض أكفاناً بوالـــي

لقد ضُربت به الأمثالُ لمـا      غدا بين الرُّعاة بلا مثـــالِ

أما خليل اليازجي، فعلى الرغم من وجود ديوان له، وهو (نسمات الأوراق)، إلا أن له ألغازاً شعرية طريفه، نُشرت في مجلة المقتطف ([xvii])، ومنها هذا اللغز، وفيه يقول:

الكلُّ كيفَ يزيد عنهُ جـزقُ      والجزءُ كيفَ يقلُّ عنهُ كلُّــهُ

المصدر: بحث قُدم في مؤتمر قسم الدراسات العربية بكلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، تحت عنوان (العائلة والبيت في التاريخ) في الفترة 18-20/3/2004.
sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

820,054