أثر مسرحيات محمود أبو العباس على شخصية الطفل
د. سيد علي إسماعيل
أولاً : الإطار العام
1 - موضوع البحث
يُعالج هذا البحث موضوع " أثر مسرحيات محمود أبو العباس على شخصية الطفل "، ويقصد بأثر مسرحيات محمود أبو العباس على شخصية الطفل، ذلك المردود التربوي والتعليمي والسلوكي الذي تشكله الأفكار، التي يريد الكاتب أن يرسخ قيمها في نفس الطفل، متخذاً من المسرح وسيلة فعالة للوصول إلى ذلك، لما يمتكله هذا الفن من وسائل جذب. فمسرح الأطفال Children's Theater اصطلاحياً، هو المكان المهيأ مسرحياً لتقديم عروض تمثيلية كُتبت وأُخرجت خصيصاً لمشاهدين من الأطفال. وقد يكون الممثلون كلهم من الأطفال أو الراشدين، أو خليطاً من كليهما معاً. لذلك فالمعول الأساسي في التخصيص هو جمهور المشاهدين من الأطفال الذين أنتجت لأجلهم العملية المسرحية نصاً وإخراجاً ([i]).
وبناءً على رأي الكاتب الأمريكي مارك توين، بأن مسرح الطفل يُعتبر من أعظم الابتكارات الحديثة، لأنه أستاذ للأخلاقيات والمُثل العُليا، وهو خير معلم اهتدت إليه عبقرية الإنسان، لأن دروسه لا تُلقى عن طريق الكتب والمدرسة بشكل مُمل مرهق، بل بالحركة التي تُشاهد فتبعث الحماس وتخلقه وتصل إلى أفئدة الأطفال التي تعد أفضل وعاء لها. لذلك يقف تأثير كتب الأخلاق عند حد العقل. ولكن حين تبدأ الدروس رحلتها من مسرح الأطفال، فإنها لا تتوقف عند منتصف الطريق. بل تمضي إلى غايتها النبيلة المتوخاة ([ii]).
2 – أسباب اختيار الموضوع وأهميته
من خلال المفهوم السابق للموضوع، فقد تم الاختيار بناءً على أمرين، أولهما يتعلق بمسرح الطفل ذاته، لكونه من الوسائل المبتدعة في مناهج التعليم، وفي الوقت ذاته يستهدف مرحلة من أخطر المراحل في تكوين الذاكرة، أعني بها التشكيل الثقافي لذاكرة النشء الصغار. أما الأمر الآخر فإنه يتعلق بالمبدع ذاته، أعني محمود أبو العباس ([iii])، لكونه واحداً من هؤلاء الذين خاضوا هذا المجال وقدموا فيه عطاءات غزيرة، إذ هو كاتب مسرحي وممثل ومخرج عراقي، زاول فن الإبداع المسرحي كتابة، في الوقت الذي مارس فيه فن التمثيل والإخراج المسرحي تطبيقاً.
وللكاتب مجموعة من الإبداعات المسرحية، في غير مسرح الطفل ([iv])، غير أن البحث – كما هو حُدد بالعنوان – لن يعالج إلا مسرحياته المؤلفة للطفل، لكون مادتها المقصودة بالتفحص، لاختبار أثر هذه المسرحيات في الإطار الثقافي العام للأطفال، بما تضمه من أفكار ووسائل مساندة لتوصيلها. مثل التأثير البصري المتمثل في الديكور والملابس والإضاءة والحركة التمثيلية، والتأثير السمعي من خلال الأغاني واللغة، والتأثير الفكري من خلال الأهداف المعرفية والوجدانية والمهارية، للوصول إلى النتائج التي تكشف قيمة هذا المسرح وأثره في مرحلة تعليم الأطفال. وقد تكون مفيدة لكُتاب مسرح الطفل من جهة، وتفيد الطفل القاريء أو المتفرج من جهة أخرى، ويستفيد منها العاملون في مجال مسرح الطفل بصفة عامة من جهة ثالثة.
3 – المادة عينة الدراسة
عمل محمود أبو العباس في مجالي مسرح الطفل والمسرح المدرسي منذ عام 1971. وكانت له تجربة رائدة بعنوان مسرح المضيف. و(المضيف) في العراق، هو مكان محدد بتجمع الفلاحين أو أفراد القبيلة أو العشيرة، لطرح بعض القضايا ومناقشتها. وفي هذا المسرح قدّم أبو العباس عروضاً أشبه بالحكايات البسيطة، للأوساط الشعبية غير المتعلمة. كما قدمها أيضاً في الأسواق وفي الساحات العامة والمقاهي. وهي محاولة لتثبيت موضوع يتعلق بمسرح الطفل باعتباره امتداداً فكرياً يتجاوز الفئات العمرية، عندما تقدم مسرحية بأفكار مسرح الطفل في تكنيك المسرح الاحتفالي. ومن أهم المسرحيات التي قُدمت في هذه التجربة، مسرحية (حكاية وسلاطين) عام 1975، ومسرحية (الحكاية الثانية) عام 1976. ولكن دائرة الثقافة الجماهيرية بمدينة البصرة العراقية أوقفت التجربة بتهمة التحريض، لأن الممثلين كانوا يجلسون مع المشاهدين لتدوين بعض مشاكلهم لكتابتها في مسرحيات جديدة ([v]).
ومن تجارب أبو العباس المهمة أيضاً، إخراجه لمسرحية (ريم والأمير الصغير)، المأخوذة من مسرحية (ريم) للكاتب العراقي طلال حسن عام 1994، وشاهد العرض أكثر من 70000 من طلاب مدارس بغداد، وكانت تناقش موضوع نقص الدواء في المستشفيات وعدم وصوله للأطفال. وكذلك تقديمه لمسرحية الأخوين جريم (بنت الطحان)، بعد أن أعدّها بعنوان (القزم وبنت الطحان) عام 1996 في بغداد، وشاهدها أكثر من 20000 من طلاب المدارس.
ومن التجارب المهمة أيضاً، مسرحية (الديك الفصيح) من إعداد قاسم محمد ومن إخراج محمود أبو العباس. حيث كان الديكور عبارة عن لعبة مكعبات (الميكانو)، وهي تؤكد على أهمية التعليم وتكافح العادات السيئة لأطفال المدارس. وفي تجربة مسرحية (نور والبئر المسحور)، عندما عُرضت في بغداد، قام أبو العباس بتصميم مسرح متنقل، عبارة عن بارتكبلات صُفت بجانب بعضها البعض لتكوّن مسرحاً، ثم غطى المكان بخيمة كبيرة لتقديم العروض في ساحات المدارس. وهذه التجربة كانت فكرة لتوسيع قاعدة الجمهور المسرحي، واستخدام ساحات اللعب بالمدارس، لتكون ساحات فكر من خلال المسرح ([vi]).
ألف محمود أبو العباس في مجال مسرح الطفل ثلاث مسرحيات، هي (نور والبئر المسحور، الساحل وجني المصباح، النخلة والثعلب)، وهذه المسرحيات الثلاث سيجعلها البحث محور مادة الدراسة، أي أنها تمثل 100% من إنتاجه الفني في هذا المجال، ولا يعود هذا الاختيار إلى كونها في مجال مسرح الطفل فحسب، بل يرجع أيضاً إلى تاريخ الكاتب وتجربته الثرية بالإضافة إلى كونها مسرحيات مؤلفة باللغة العربية الفصحى، أضف إلى ذلك أن مؤلفها ممثل ومخرج مسرحي، وهذا يجعل كتاباته المسرحية ذات ثراء فني، من حيث استخدامه لخلفيته التمثيلية والإخراجية في تأليفه المسرحيات، الأمر الذي يمكنه من أن يجسد شخصياته على الورق، بناء على خبرته التمثيلية، وأن يوظف فنياً المناظر والحركة والإضاءة والأغنية .. إلخ، بناء على خبرته الإخراجية.
ويجب على البحث في هذا المقام، أن يحدد المرحلة العمرية الموجه إليها هذه المسرحيات، حيث إن لكل مرحلة عمرية مسرحياتها المتناسبة معها تبعاً لعمر الطفل قارئاً أم متفرجاً. وموضوع المسرحية يُحدد بشكل كبير المرحلة العمرية المطلوبة. لذلك لزاماً على البحث في البدء، ذكر ملخص بسيط عن كل مسرحية على حده.
مسرحية (نور والبئر المسحور) ألفها محمود أبو العباس عام 2000، وقد تمّ تمثيلها عدة مرات، وفازت بجوائز عديدة ([vii]). وتدور أحداثها حول تاجر بخيل، أراد أن يزوّج بناته الثلاث، دون أن ينقص من ثروته شيئاً. فجاء بفكرة مفادها، قيام مساعده المهرج بإطلاق سهام ثلاثة في اتجاهات مختلفة، وكل ابنة تتزوج من صاحب المكان الذي يسقط فيه السهم. وأول سهم سقط في الصحراء، وبالتالي لم تجد الابنة الأولى من يتزوجها. والسهم الثاني سقط في حظيرة للحيوانات، فلم تجد الابنة الثانية من يتزوجها. أما السهم الثالث - الذي كان من نصيب الابنة الثالثة نور - فسقط في مزرعة كامل. فتقرر نور الذهاب إلى هذه المزرعة مع المهرج، بناءً على رأي والدها. وعندما اعترض المهرج على هذا الأمر وعلى موافقة نور للذهاب إلى المجهول، أقنعته نور بأن سبب موافقتها، جاء بناء على حظها الذي أوقعها في الذهاب إلى مزرعة. وهذا يعني أن نصيبها سيكون مع إنسان يعمل ويجتهد، مما يبعث الأمل في مستقبل مشرق لها معه.
وفي المزرعة نجد الغراب يستغل غباء الحمار، ويجعله يتمرد على العمل في المزرعة، بحجة أن صاحب المزرعة (كامل) يستغله في العمل. وينجح الغراب في ذلك، ويكوّن فريقاً مع الحمار، ويخططا للاستيلاء على المزرعة. وفي هذه اللحظة تحضر نور مع المهرج ويقابلا صاحب المزرعة، ويتفقا معه على العمل في المزرعة، فيوافق كامل على ذلك. ويبدأ العمل ببناء المنزل وحفر البئر وحرث الأرض. وبعد فترة يحضر الحمار والغراب، ويقومان بهدم المنزل الجديد، أملاً في طرد كل من في المزرعة، حتى تؤول إليهما في نهاية الأمر. وتبدأ الشكوك تُثار بين نور والمهرج وكامل، حول المتسبب في دمار المزرعة، دون الوصول إلى الحقيقة.
وفي الليل يأتي القمر ليرى وجهه في بئر الماء، فيجد الحمار والغراب يردمان البئر بالتراب، حتى يعطش زرع المزرعة ويموت، فيحاول القمر منعهما دون جدوى، فيمسكان به ويحبسانه في البئر، خوفاً من أن يفضحهما عند كامل. وفي هذه اللحظة تدخل الساعة (تكتوكة) منزعجة، لأن عقاربها توقفت بغياب القمر، فيقوم الحمار بضربها، فتسقط غائبة عن الوعي. وبعد ذلك تخرج نور لتشرب من البئر فتجده مردوماً بالتراب، فتزيل التراب ليخرج القمر، ويحكي لها ما قام به الحمار والغراب من تدمير للمزرعة والبئر.
وفي الصباح قصت نور على كامل والمهرج مؤامرة الحمار والغراب للاستيلاء على المزرعة، فتوارى الجميع عن الأنظار، وراقبوا المزرعة من بعيد. وهنا يدخل الحمار والغراب ليجدا المزرعة خاوية، فيفرحا لأن خطتهم نجحت. وبدأ الغراب يقسم المزرعة بينه وبين الحمار، فجعل القسم الأكبر منها - والذي يحتوي على البئر - من نصيبه. وعندما اعترض الحمار على هذا، هدده الغراب بأن هناك غرباناً في انتظار إشارة منه للحضور والقضاء عليه. وهنا يظهر كامل ونور والمهرج ويقبضون على الأشرار، ويحكمون عليهم بحفر البئر وسقي المزرعة لمدة مائة يوم.
أما مسرحية (الساحل وجني المصباح)، فقد ألفها محمود أبو العباس عام 2001، ومُثلت أكثر من مرة، كما شاركت في أكثر من مهرجان عربي ودولي، ونالت عدة جوائز ([viii]). وتدور أحداثها حول فكرة تلويث ساحل البحر بالقمامة والأكياس الفارغة والأواني الزجاجية المحطمة. وذلك من خلال تجسيد هذه المخلفات في شخصيات آدمية تمثيلية تقوم بأدوارها، وهي (أبو القناني، وبقايا الطعام، والكيس). حيث نرى الثلاثة يذهبون إلى ساحل البحر للسباحة واللعب، فيمنعهم الساحل ويطردهم، لأنهم يتسببون في انتشار الروائح الكريهة والإصابة بالأمراض. بعد ذلك يأتي النورس، فيحكي له الساحل ما حدث بينه وبين الأشرار الثلاثة، ويحاول كل منهما أن يجد الحل المناسب لإبعاد هؤلاء الأشرار. وفي هذه اللحظة، ينبعث دخان يخرج منه (جني المصباح) ملفوفاً في شبكة صيد، فيخلصه الساحل من الشبكة، فيطلب منه الجني أن يأمره بأي شيء يفعله له، جزاء خدمته هذه. فيطلب منه الساحل أن يخلصه من الأشرار الثلاثة، فيوافق الجني ويقوم بعد معركة مع الأشرار بالانتصار عليهم وطردهم بعيداً عن الساحل.
وفي اليوم التالي يأتي الأشرار ويسرقون حذاء الجني الفضي وهو نائم، ويتركون له حذاءه الذهبي. لأنهم يعتقدون أن الجني إذا سار بالحذائين لا فائدة منه، وإذا سار بالحذاء الذهبي، تتحول رمال الساحل إلى حبات من الذهب. وعندما استيقظ الجني قص النورس عليه الحكاية كاملة. وفي مشهد آخر نجد الأشرار الثلاثة يجمعون الرمال في الكيس أملاً في الحصول على حبات الذهب، حتى امتلأ الكيس ولم يستطع التحرك، ولم يستطع أبو القناني أو بقايا الطعام من حمله، فتركاه في الطريق على أمل العودة إليه. ومزيداً في الطمع نجد بقايا الطعام يملأ أبو القناني ببقية الرمال، فكان مصيره مثل مصير الكيس. وهنا يأتي جني المصباح، وينزع ملابسه التنكرية لنجده عامل النظافة المسؤول عن جمع القمامة، فيقوم بجمع الكيس وبقايا الطعام وأبو القناني في عربته ويخرج. وبذلك أنقذ عامل النظافة ساحل البحر من هذه المخلفات، وجعله نظيفاً، ليعيش الناس في بيئة نقية تناسب حياة البشر.
أما مسرحية (النخلة والثعلب)، فقد ألفها محمود أبو العباس عام 2004، وقد مُثلت عدة مرات، في مناسبات عديدة ([ix]). وتدور أحداثها حول الصراع بين الخير والشر، ويمثل الخير في هذه المسرحية شخصيات: النخلة والديك والكلب وطائر الحب، ويمثل الشر شخصيات: الغراب والثعلب والصرصار. وتبدأ الأحداث بظهور الديك في المزرعة، التي تقف في وسطها النخلة متعبة من انتشار بخار أبيض أصابها بالكسل والنعاس. ثم يظهر الكلب الذي كان متوارياً خوفاً من وجود شخصين، تسللا إلى المزرعة ليلاً ونشرا البخار الأبيض. وأخذ الثلاثة يفكرون في هذا الأمر طويلاً.
وفي اللوحة الثانية، نعرف أن الغراب والثعلب هما من تسللا إلى المزرعة، حيث إنهما يدبران مؤامرة ضد النخلة. وبعد فترة ينضم إليهما في المؤامرة الصرصار. وهكذا اجتمع فريق الشر، الذي قرر اقتلاع النخلة من المزرعة لزراعتها في مكان آخر خاص بالصرصار، الذي أخذ يقسم النخلة بينه وبين الغراب والثعلب، بحيث يحتفظ لنفسه بتمر وجذع النخلة، ويعطي الثعلب والغراب سعفها. وعندما اعترض الثعلب والغراب على هذه القسمة، هددهما الصرصار بتجميدهما في مكانهما بصولجانه السحري.
وبدأ عمل فريق الشر أولاً بتغيير مجرى النهر عن النخلة حتى تعطش وتجف، ولكن طائر الحب أنقذ النخلة برش الماء عليها. فيقوم فريق الشر بنشر السوس حول النخلة، ولكن النخلة ظلت صامدة، فقام فريق الشر بربطها بالحبال ومحاولة نزعها من جذورها عن طريق ربط الحبال في الحمير، ومن ثم ضرب الحمير لتسير بقوة وتقتلع النخلة. ولكن الحمير رفضت الانصياع للأمر، وقامت بدهس الصرصار بأقدامها. وأخيراً يتحد فريق الخير ويهزم فريق الشر، لتبقى النخلة شامخة في مكانها، لتقوم بعملها.
وبناء على موضوعات هذه المسرحيات، يستطيع البحث أن يحدد المرحلة العمرية الخاصة بها، وهي مرحلة الطفولة ما بين (8-12 سنة). وتتميز هذه المرحلة – كما يقول شوقي خميس وغيره من الكُتاب - بأن الطفل فيها يستطيع أن يُدرك القيم الإنسانية، بما فيها من صواب وخطأ، وحق وباطل، وخير وشر، وجمال وقبح. بشرط ألا تخلو هذه القيم من البهجة المطلوبة للطفل في هذا العمر. لأن سعادة الطفل تتضاعف بانتصار الأبطال، الذين يتمسكون بالصواب والحق والخير والجمال، فيهزمون الخطأ والباطل والشر والقبح. مع الاحتياج في هذه المرحلة العمرية إلى الدراما الموسيقية، التي تجسد عناصر البطولة. كما أن هذه المرحلة العمرية تظهر فيها وبوضوح، علاقات الزمالة والصداقة والمنافسة والتعامل اليومي مع البيئة، فيبدأ الطفل في تكوين فكرته الخاصة عن العالم ([x]).
4 – الدراسات السابقة
لم تُعنَ دراسة سابقة - على حد اطلاعي - بتناول أعمال محمود أبو العباس، بالدراسة والتحليل، ناهيك عن مسرحياته المكتوبة للطفل. إلا إننا إذا نظرنا إلى الموضوع من دائرة أوسع فيما يخص مسرح الطفل بصفة عامة، فإننا نجد هناك دراسات كثيرة – من الصعب حصرها – نشير إلى بعض منها ([xi])، مثل: كتاب "الحلقة الدراسية حول مسرح الطفل "، وهو كتاب يجمع عدة أبحاث أُلقيت بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، حول مسرح الطفل عام 1977. ومن هذه الأبحاث " دور مسرح الطفل في التربية المتكاملة للنشء " للدكتور سعود عويس، و"أضواء على المضمون في مسرحيات الأطفال " لأحمد نجيب، و" الدور التربوي لمسرح الأطفال والممثل في مسرح الطفل " ليعقوب الشاروني.
كذلك كان كتاب " الطفل العربي والمسرح " للدكتورة عواطف إبراهيم محمد والدكتورة هدى محمد قناوي، الصادر عام 1984، الذي يتحدث عن تطور وتاريخ مسرح الطفل، وأهداف مسرح الطفل، ومقومات مسرحية الطفل كعمل أدبي، مع بعض الأمثلة من النصوص المسرحية الخاصة بمسرح الطفل. أما كتاب " مفاهيم التعبير والتواصل في مسرح الطفل " للدكتورة عواطف إبراهيم محمد الصادر عام 1990، فيتحدث بصورة نظرية عن مسرح الطفل الموجه إلى مرحلة ما قبل المدرسة. كما أن كتاب " مسرح الأطفال : فلسفة ومنهج " لموسى كولدبرغ – ترجمة صفاء روماني – يتحدث عن فلسفة مسرح الطفل ومنهجه في الساحتين الأمريكية والأوروبية.
ويأتي كتاب " الدراما والمسرح في تعليم الطفل " لعبد المعطي نمر موسى وآخرين، ليتحدث عن بعض التمارين العملية لتطوير حواس الطفل، بالإضافة إلى الحديث عن الحركة والصوت والإلقاء والارتجال في ضوء مسرح الطفل. وفي كتاب " القيم التربوية في مسرح الطفل " تحدثت المؤلفة إيمان العربي النقيب عن القيم التربوية لطفل ما قبل المدرسة من وجهة النظر الفلسفية، بالإضافة إلى رؤيتها لمسرح الطفل في مصر من حيث الواقع والمستقبل. وأخيراً نجد كتاب " الفن والدراما والموسيقى في تعليم الطفل " للدكتور حنان عبد الحميد العناني، وفيه تحدثت المؤلفة عن قيمة الفن التشكيلي والموسيقى في تربية الطفل، وقيمة المسرح في تعليم الطفل، بصورة نظرية وتطبيقية.
5 – أهداف الدراسة
لقد دفع البحث لتناول موضوع مسرح الطفل عند محمود أبو العباس - على وجه الخصوص - عدة أسباب يطمح البحث إلى اختبارها من خلال المعالجة، وهي:
1 – بيان أثر المسرحيات المكتوبة للأطفال من الناحية التعليمية في تكوين شخصية الطفل.
2 – استكشاف العناصر الفنية والدرامية المستخدمة في أداء الهدف.
3 – استجلاء دور محمود أبو العباس من ناحية التمثيل والإخراج ومردود ذلك على فهمه لنفسية الطفل.
4 – علاقة الشكل بالمضمون وانسجامها مع المرحلة العمرية.
5 – علاقة التنظير بالتطبيق في مسرح الطفل.
6 - المنهج والأدوات
اختار البحث منهج النقد التحليلي ليتلاءم مع استخبار الأهداف السابقة، من خلال فحص المادة عينة الدراسة، بالتحليل والتوضيح والنقد معتمداً على أدوات هذا المنهج، وعلى المصادر والمراجع المعينة في هذا الصدد. ومن ثم فقد اتبع البحث عدة خطوات إجرائية للوصول إلى إطار التنظيم في المناقشة، وهي كالآتي:
1 – كل مسرحية سيتم تحليلها، وفقاً لعناصرها التأثيرية المختلفة على شخصية الطفل، وذلك من خلال:
أ – التأثير البصري: الديكور والملابس والإضاءة والحركة التمثيلية.
ب – التأثير السمعي: الأغاني واللغة.
ج – التأثير الفكري: الأهداف المعرفية والأهداف الوجدانية والأهداف المهارية.
2 – نتائج الدراسة المبنية على الاستقراء والتحليل.
ثانياً: الدراسة التحليلة
أ - التأثير البصري
1 - أ - الديكور
من المعروف أن " للمناظر والديكورات المسرحية أهمية في نجاح العمل المسرحي، وهي تشكل ركيزة من ركائز مسرح الطفل، مع الإشارة إلى أن المناظر والديكور تمثل جغرافية الحدث الدرامي المسرحي وتحدده " ([xii]). وبناء على هذا، لوحظ أن محمود أبو العباس وصف بداية لوحاته الثلاث الأولى – أو فصول مسرحيته نور والبئر المسحور – بقوله عن اللوحة الأولى: " في حديقة البيت العامرة بالورود والخضرة .."، وفي اللوحة الثانية، قال: " في المزرعة حيث توجد بوابة كوخ مصنوع من خشب الأشجار .. وتتوزع شجيرات صغيرة هنا وهناك وسط المسرح .. هناك بئر لم يكتمل حفره .."، وفي اللوحة الثالثة، قال: " المنظر السابق نفسه، ولكن يُضاف إليه بوابة لكوخ جديد ولسقيفة، حيث نجد نور والمهرج يدقان المسامير في آخر خشبة في البوابة " ([xiii]).
وهذا الديكور – بهذا الوصف – يمثل تأثيراً بصرياً للطفل القاريء أو المتفرج، حيث يجسد في مخيلته - في بداية اللوحة الأولى - تصوراً لمنزل الأسرة بما فيه من أزهار وخضرة. وهذا التصور يدفعه للاهتمام بالطبيعة، ويجعله يرسم لوحة في مخيلته لمنزل المستقبل. وفي اللوحة الثانية نجد تأثيراً بصرياً يُشكل فنياً، صورة مزرعة في بداية تكوينها، بدليل استخدام المؤلف للفظة التصغير (شجيرات). هذا بالإضافة إلى التأثير غير المباشر بأهمية الصناعات المحلية، حيث إن الكوخ مصنوع من خشب الأشجار. أي أن تشكيله الفني جاء من مفردات بيئة المزرعة نفسها. وفي اللوحة الثالثة، نجد تأثيراً بصرياً على شخصية الطفل، يهدف إلى إعطائه معنى قيمة العمل في المزرعة. حيث تمّ بناء كوخ جديد وسقيفة من سعف النخيل، وهذا يتناسب مع التطور الدرامي للأحداث. هذا بالإضافة إلى تأثير هذه اللوحات – بصرياً – على الطفل، ودفعه للاهتمام بالصناعات المحلية اليدوية، التي تتشكل من مفردات البيئة الزراعية (السعفيات)، نسبة إلى سعف النخيل.
وبناء على ما سبق، لوحظ أن محمود أبو العباس استطاع أن ينقل العديد من المعلومات إلى الطفل عن طريق الديكور، دون أن يذكر هذه المعلومات في حوار مسرحيته، مستخدماً التلقين المباشر. وهكذا يستطيع الطفل أن يعلم – بمجرد رفع الستار عن المنظر ومن خلال الديكور – العديد من المعلومات، كان من أهمها وصف الأماكن التي تدور فيها الأحداث، عن طريق القيم الجمالية والفنية ([xiv]).
فإذا انتقلنا إلى مسرحية (الساحل وجني المصباح)، فسوف نلحظ أن الديكور - كتأثير بصري – يمثل منطلقاً، في بداية المسرحية من خلال تشكيل المؤلف له حيث يقول : " المسرح متسع من الفراغ .. الستارة الخلفية بيضاء يرتسم عليها لون أزرق تداعبه أصوات الأمواج، بحركة هادئة للستارة، مع ستارة زرقاء تمتد على الأرض في مؤخرة المسرح تحركها أيادٍ خفية لنرى البحر يمتد إلى الأفق " ([xv]).
وهذا الديكور الذي يمثل ساحل البحر، يؤثر على الطفل بصرياً، ويجعله يتعايش مع جو الأحداث الدرامية، بما في هذا الديكور من بساطة التكوين وعمق التعبير. هذا بالإضافة إلى استخدامه للونين الأبيض والأزرق، للدلالة على نقاء الهواء وأمواج البحر، مما يُضفي تأثيراً بصرياً عن طريق تجسيد بيئة ساحل البحر أمام الطفل. ناهيك عن تحريك الستارة الأرضية، لتجسد حركة الأمواج، ولتصبح تأثيراً بصرياً جديداً عن طريق الحركة.
وفي مسرحية (النخلة والثعلب)، قام المؤلف بتشكيل الديكور بصورة مُوحية، كتأثير بصري، قال عنه: " أرض زراعية جميلة يمتد أفقها الأخضر ليغطي مساحة المسرح. (النخلة) تقف وسط المسرح وتؤدي شخصيتها (ممثلة). وهناك بيت جميل للكلب الذي يقوم على حراسة النخلة، وكذلك الديك الذي يهتم بأعمالها، وقد صنع له بيتاً جميلاً من بقايا النخلة " ([xvi]). ونلاحظ هنا استخدام المؤلف للون الأخضر للدلالة على الخضرة والزرع، مع استخدامه لمفردات البيئة الزراعية في تشكيل الديكور، عندما جعل بيت الديك مصنوعاً من بقايا النخيل (السعفيات)، كدلالة على أهمية المصنوعات اليدوية التراثية، مما يُضفي تأثيراً بصرياً في وجدان الطفل، يعكس له أهمية التراث العربي في حياتنا.
2 - أ - الملابس
استخدم محمود أبو العباس التأثير البصري أيضاً في مسرحياته الثلاث، من خلال الملابس وما يصاحبها من إكسسوارات. وكان استخدامه لها بصورة رمزية مبسطة تناسب تفكير الطفل، ليعكس بها بعض المعاني دون ذكرها بصورة مباشرة. فعلى سبيل المثال، عندما ظهر الرجل البخيل على المسرح – في مسرحية نور والبئر المسحور - وصفه المؤلف بقوله: " يرتدي جبة مملؤة بالجيوب المنفوخة " ([xvii]). وهذا الوصف للملابس يعكس للطفل مدى ثراء هذا الرجل. ذلك الثراء الذي يتناقض مع بخله على بناته! فبدلاً من ذكر ذلك التناقض صراحة في نص المسرحية، رمز المؤلف له عن طريق التأثير البصري، من خلال الملابس.
وعندما أراد المؤلف أن يرسم للطفل شخصية بطلة المسرحية (نور)، قال عنها في أول ظهور لها على خشبة المسرح – كما جاء في النص – بأنها " تحتضن كتاباً .. وتضع نظارات طبية على عينها " ([xviii]). وهذا الوصف يعكس للطفل، عن طريق التأثير البصري من خلال الإكسسوارات، أن (نور) فتاة مثقفة كثيرة القراءة والاطلاع، دون أن يذكر ذلك بصورة مباشرة، واكتفى بإظهارها محتضنة كتاباً ومرتدية لنظارات طبية. ومن الجدير بالذكر أن محمود أبو العباس لم يكتفِ بإبراز البُعد الخارجي – عن طريق الملابس – فقط لرسم شخصياته، بل استخدم البعدين النفسي والاجتماعي أيضاً، وهذا سيتضح في ثنايا تحليل المسرحيات.
3 - أ - الإضاءة
على الرغم من أن الإضاءة تُستخدم في مجال المسرح بصورة متطورة، لتتناسب مع تطور التقنيات الحديثة من أجل الإبهار، الذي أصبح ركناً أساسياً من أركان نجاح العمل المسرحي، إلا أن دلالات الألوان في الإضاءة ثابتة ومتعارف عليها في معظم الدراسات المسرحية. فعلى سبيل المثال، نجد اللون الأزرق – كما جاء في دراسة جلين ويلسون - يدل على البرودة والكآبة والخوف وضوء القمر والشتاء ([xix]). ومن منطلق هذا اللون ودلالته، نجد المؤلف يصف منظر اللوحة الرابعة – في مسرحية نور والبئر المسحور – بقوله : " في المزرعة حيث يشع لون أزرق ليغطي المكان ويلقي بظلاله البنفسجية عليه " ([xx]). واستخدام اللون الأزرق في هذا الوصف، يعتبر تأثيراً بصرياً عن طريق الإضاءة، يعطي للطفل المتفرج أو القاريء، شعوراً بأن الأحداث التي ستحدث في هذه اللوحة، ستحدث ليلاً. فبدلاً من التصريح بالزمن، استخدم المؤلف دلالة لون الإضاءة الزرقاء، لتقوم بذلك عن طريق التأثير، لا عن طريق التصريح.
4 - أ – الحركة التمثيلية
على الرغم من أن حركة الممثلين على خشبة المسرح، يصممها المخرج بدقة متناهية، إلا أن هذا التصميم يكون بناءً على حركة الممثلين كما كتبها المؤلف في نصه المسرحي. وفي نص مسرحية (نور والبئر المسحور) جاءت الحركة مرسومة كتابة من قبل المؤلف، الذي هو في الأصل مخرج أيضاً، ومن هنا تأتي أهمية الحركة التمثيلية، "لأن الحركة في دراما الطفل تكتسب أهمية خاصة لدى الطفل تفوق في أغلب الأحيان أهمية الحوار والأغاني والعناصر التعبيرية الأخرى التي تعتبر بالغة الأهمية أيضاً بالنسبة للطفل " ([xxi]).
وبناءً على أهمية الحركة في مسرح الطفل، نجد المؤلف يهتم بها في مواضع خاصة من أحداث المسرحية، ليشكل منها كوميديا الموقف. وذلك من أجل إسعاد الطفل القاريء أو المتفرج، والترويح عنه من جهة، ومن جهة أخرى نجد هذه المواقف الكوميدية، دائماً تأتي في نهاية حوار هادف، كنوع من تأكيد معنى الحوار، وإعطاء الطفل فرصة للتفكير والتمعن في مغزى الحوار بما يناسب تفكيره، تبعاً لمرحلته العمرية.
فعلى سبيل المثال، نجد التاجر البخيل – في بداية مسرحية نور والبئر المسحور – يدخل في نقاش جدلي مع المهرج، حول قيمة المال، حيث إن التاجر ينظر إلى المال باعتباره غاية. أما المهرج فينظر إليه باعتباره وسيلة. وفي نهاية النقاش يأتي هذا الحوار:
التاجر: أنت معي أم ضدي!
المهرج: أنت ضد نفسك ..
التاجر: سأخلع أسنانك وأقطع لسانك ..
المهرج: عندها تتحمل أخطائي في الكلام .. عندها ستتشقلب الحروف .. وتتبعثر الكلمات .. ولا تفهم منى سوى الحركات (يؤدي بعض الحركات والكلمات وكأنه فقد أسنانه ولسانه) ([xxii]).
وهنا نلاحظ أن المؤلف اختتم النقاش حول قيمة المال بتأثير بصري، من خلال كوميديا الموقف، ليفسح المجال أمام الطفل المتفرج للتفكير المنطقي السليم، والخروج بتبني موقف المهرج حول أن المال وسيلة وليس بغاية. والدليل على ذلك أن التاجر لا يريد سماع كلمة الحق من المهرج، فيهدده كوميدياً بخلع أسنانه وقطع لسانه، فيقوم المهرج بأداء حركات تمثيلية كتأثير بصري، ليبين للتاجر نتيجة تهديده. و" الكلمة المسرحية فعل، لكنه فعل غير مكتمل، بل لا يكتمل إلا إذا تحول إلى حركة " ([xxiii]).
وفي موقف آخر، يُطور المؤلف من أدوات كتابته الكوميدية، ليفسح المجال أمام تفكير الطفل، كي يستنبط الأفكار والمعاني. وذلك عندما فكر التاجر بإطلاق السهام الثلاثة في اتجاهات مختلفة، من أجل تزويج بناته من أصحاب الأماكن التي ستسقط فيها هذه السهام. ولنأخذ مثالاً عن ذلك بالحوار الذي تم حول السهم الثاني.
المهرج: (يطلق السهم خارج المسرح ويذهب إليه مسرعاً وهو يصرخ) مفاجأة .. مفاجأة .. مفاجأة تأخذ العقل.
التاجر: (فرحاً) ها .. هل سقط في قصر؟!
المهرج: لا ..
التاجر: في السوق!
المهرج: لا ..
التاجر: في بيت!
المهرج: لا ..
التاجر: أين إذاً ؟!
المهرج: فـي زريبة حيوانات .. وعليك أن تختار لها خروفـاً أو كبشاً أو ثوراً .. لتتزوج ([xxiv]).
ولنا أن نتخيل تأثير الحركة التمثيلية المصاحبة لهذا الحوار، وتأثيرها البصري على الطفل القاريء أو المتفرج، وقدرته العقلية على استنباط نفسية البخيل، والمكان المأمول الذي يتمنى وقوع السهم فيه، إرضاءً لبخله. هذا بالإضافة إلى ما في الحركة التمثيلية من تشويق لدى الطفل، وهو ينظر بشغف إلى أماكن وقوع السهام، وحركة الممثلين ركضاً وراء السهام المنطلقة. وكفى بالبحث للتدليل على ذلك، ذكر الإرشادات المسرحية المكتوبة حول إطلاق السهام الثلاثة. خصوصاً إذا علمنا أن المهرج، بناء على أمر التاجر، كان يطلق كل سهم وهو معصوب العينين، زيادة في التشويق والتأثير البصري! ويقول المؤلف في إرشاداته:
" التاجر يغلق عيون المهرج بقطعة قماش أسود، ثم يبدأ بدورانه حول نفسه .. يتوقف المهرج .. يبتعد التاجر .. أطلق. [ بعد ذلك يقول: ] المهرج يطلق السهم خارج المسرح، التاجر يركض باتجاه السهم، ثم يرفع المهرج غطاء العيون ويتجه عند التاجر. [ بعد ذلك يقول: ] المهرج يغطي عيونه بعد عودته لمكانه ويدور مع الموسيقى ثم يصيح. [ بعد ذلك يقول: ] يطلق المهرج السهم خارج المسرح ويذهب إليه مسرعاً وهو يصرخ. [ بعد ذلك يقول: ] المهرج يغلق عينيه ويدور .. ثم يبدأ التاجر بدورانه بسرعة .. أقوى .. يتوقف بمواجهة الجمهور .. بالتأكيد سيكون هناك فزع .. ومشاركة في الصالة فيغني نازلاً للصالة. [ وأخيراً يقول: ] في الصالة يطلق المهرج السهم الثالث فيتجه إلى مكان بعيد .. يركض صاعداً المسرح بينما يصرخ التاجر " ([xxv]).
وفي مسرحية نور والبئر المسحور نجد المؤلف يطور هذا التأثير، مستخدماً إياه في معاقبة الأشرار بصورة كوميدية، لا تخدش نفسية الطفل القاريء أو المتفرج، ولا تلقي الفزع في نفسه. فعندما ينجح الغراب الشرير في خداع الحمار ضد صاحبه وصاحب المزرعة كامل، يدور بينهما الحوار التالي:
أبو الغرايب: أنا لا مصلحة لي معك .. إلا أن تتعلم مني .. وتتخلص من طغيان كامل.
حمران: ماذا ؟ .. هل تريد أن أرفسه بحافري النشيط هذا .. هكذا .. (يرفس برجله أبو الغرايب الذي يتدحرج بعيداً).
أبو الغرايب: أخ .. أخ ..
حمران: (يرفع أبو الغرايب من الأرض) أم تريدني أن أنطحه برأسي هكذا .. (ينطح أبو الغرايب فيسقط أرضاً).
أبو الغرايب: كفى ..
حمران: أو أستطيع أن أخنقه هكذا (يخنق أبو الغرايب).
أبو الغرايب: آه .. نفسي ..
حمران: حتى أني أستطيع أن أرفعه هكذا (يرفع أبو الغرايب) وأرميه على الأرض (يسقط أبو الغرايب أرضاً).
أبو الغرايب: ألحقوني ..
حمران: ها أية طريقة تريد ..؟ ([xxvi])
وهكذا استطاع المؤلف أن يوظف كوميديا الموقف، في إيقاع الجزاء على الغراب الشرير، عن طريق التأثير البصري للحركة التمثيلية. وفي الوقت نفسه أشبع فضول الطفل، وميله الفطري إلى العدل، بأن أوضح له أن الشرير لابد أن ينال عقابه، ولو بطريقة كوميدية. هذا بالإضافة إلى ما في الموقف من تشويق وإضحاك وترويح عن النفس. وهكذا يتضح للبحث أن محمود أبو العباس وفق في تحقيق أحد أهداف مسرح الطفل ([xxvii])، المتمثل في إبهار الطفل والترفيه عنه في الوقت نفسه. فالإبهار يثير ذكاء الطفل، وتذوقه للجمال الذي يزكي فيه حب الاستطلاع والاكتشاف.
ب - التأثير السمعي
1 - ب - الأغاني
في جميع مسرحيات محمود أبو العباس المؤلفة للطفل، نجد الأغاني والأناشيد تأتي غالباً في نهاية اللوحة – أو الفصل – وذلك لتظل كلماتها وألحانها عالقة بذهن الطفل أطول فترة ممكنة. هذا بالإضافة إلى إنها غالباً ما تأتي بعد حوار منطقي بين الشخصيات حول أحد الأهداف المهمة، أو بعد مناقشة بناءة لإحدى القضايا، ناهيك عن أهميتها في إضفاء البهجة والسرور بالنسبة للطفل. وتجدر الإشارة هنا إلى أن محمود أبو العباس كتب أغانيه بصورة بسيطة تفيض بالمرح والتفاؤل، من خلال بساطة الكلمات وسهولتها المستوحاة من لغة الطفل نفسه، وهذا يساعد بلا شك على تفاعل الطفل مع النص أو العرض المسرحي، والتعايش معه.
ففي مسرحية (نور والبئر المسحور)، نجد سهم نور يسقط في مزرعة مجهولة، ويطلب منها والدها التاجر الذهاب إلى المزرعة للزواج من صاحبها. ولكن المهرج يعترض على ذلك، لأنه يخشى على نور من المصير المجهول. فتقوم نور بإقناعه عن طريق الحوار البناء، لأن سهمها سقط في مزرعة، وهذا يعني أن هناك زرعاً وعملاً وحياة أفضل. فتلقي نور والمهرج الأغنية التالية، في نهاية النقاش، وفي نهاية اللوحة الأولى:
إلى العمل .. إلى العمــــــــل
هو الحياة .. هو الأمـــــــــل
هو النجاة من الـمــــــــــــلل
هو العقول تندفـــــــــــــــــع
ساحة النقاش