authentication required

نشأة مسرحة المناهج في مصر

مسرحية (يوسف الصديق) نموذجاً

ـــــــــ

                                               د. سيد علي إسماعيل

                                             كلية دار العلوم – جامعة المنيا

أولاً : الإطار العام

1 – الموضوع :-

     يُعالج هذا البحث موضوع "نشأة مسرحة المناهج في مصر"؛ متخذاً من مسرحية (يوسف الصديق) نموذجاً. ويُقصد بنشأة مسرحة المناهج، تلك البدايات المبكرة للكتابات المسرحية، التي اتخذت من المناهج الدراسية مادة من أجل تيسير فهمها، طبقاً لمفهوم مسرحة المناهج، كما جاء في تأطير مفهومه للدراسات الحديثة التي صدرت في الثلث الأخير من القرن العشرين. وقد اتخذت الدراسة من الكاتب "تادرس وهبي" نموذجاً لذلك المسرح تحديداً في الأنموذج المُختار، وهو مسرحية (يوسف الصديق) المؤلفة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وبالتحديد عام 1884. وذلك بغية تعقب السمات الفنية لمسرحة المناهج من خلال التحليل القائم على نموذج إبداعي؛ طبقاً لمعايير الدراسة التي يتبناها البحث؛ للتحقق من أهدافه المرجوة.

2 – أهمية الدراسة وأسباب اختيار الموضوع :-

     تُعد دراسة مسرحة المناهج من أهم وأحدث الدراسات الأدبية والتربوية والتعليمية، حيث إن المُبدع محكوم فيها بقواعد فنية ومسرحية وأهداف تربوية وتعليمية. إذ هو لا ينقل لنا منهجاً دراسياً نقلاً حرفياً من بطون الكتب الدراسية، ولا هو يُبدع لنا مسرحاً فنياً أدبياً لا علاقة بينه وبين المناهج الدراسية. ولكنه يقوم بمسرحة منهج دراسي محدد ومقصود، ومؤلف قبلاً طبقاً لأهداف تربوية مرجو تحقيقها، فيقوم المُمسرح بإعادة قولبتها في الإطار المسرحي، ليخفف من جفاف المادة العلمية، بهدف تيسير الفهم على الطلاب في تحصيل المادة، وتحقيق الهدف المرجو تربوياً بطريق آخر، وتعميق الأثر العلمي والتربوي عندهم، بالإضافة إلى إكسابهم بعض المهارات العلمية.

     ومن ثم فإن أهمية هذه الدراسة، تتمثل في محاولة إلقاء الضوء على بدايات المسرح المدرسي في مصر، وعلى المحاولات الأولى لظهور فكرة العروض المسرحية المتعلقة بأهداف تربوية، بما تحمله من إرهاص لنشأة فكرة مسرحة المناهج، وصولاً إلى تأليف أول مسرحية مدرسية قائمة على مسرحة المناهج. ونخص بذلك مسرحية (يوسف الصديق) لتادرس وهبي المؤلفة عام 1884، وذلك قبل ظهور الدراسات التنظيرية والتطبيقية لمسرحة المناهج، في الثلث الأخير من القرن العشرين.

     ومن ناحية أخرى فإن الدراسة ستحاول أن تميط اللثام عن أحد رواد هذا اللون المسرحي في مصر؛ لتستكشف مدى الدور الريادي الذي يُمكن أن يُنسب إليه؛ بوضعه على محك معايير التأليف في مجال مسرحة المناهج. ومن ثم يُمكن مناقشة ما أقرته بعض الدراسات، من أن مصر عرفت مسرحة المناهج في سبعينيات القرن العشرين([1])، وذلك من خلال ما ستكشف عنه الدراسة من خلال الأنموذج.

3 – الدراسات السابقة :-

     لم تُعنَ دراسة سابقة - على حد اطلاعي – بتحليل مسرحية (يوسف الصديق) أدبياً أو فنياً أو باعتبارها مسرحية مدرسية، قائمة على فكرة مسرحة المناهج. غير أننا إذا نظرنا بصورة أشمل إلى الموضوع، فسنجد كتابات محدودة كُتبت حول المؤلف تادرس وهبي، ودراسات عديدة كُتبت حول مسرحة المناهج تنظيراً وتطبيقاً. وإذا تطرقت الدراسة إلى الحديث عن هذه الدراسات، فسيُلاحظ أن بعض كتب التراجم اهتمت بتادرس وهبي، فكتبت عنه عدة أسطر، أبانت فيها عن أهم مؤلفاته ([2])، وهي لا تعدو أن تكون ترجمة للشخصية. ولم يتوقف مؤلف أمام تادرس وهبي من الجهة الأدبية والإبداعية، إلا محمد سيد كيلاني في كتابه "الأدب القبطي قديماً وحديثاً"، إذ يعتبر بحق - من وجهة نظر الدراسة – من الدراسات الجادة، التي كُتبت عن تادرس وهبي باعتباره شاعراً.

     والجدير بالذكر أن أحدث كتاب صدر عن تادرس وهبي، أصدره المركز القومي للمسرح والموسيقى في منتصف عام 2005، هو (عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق)، وقد نُشر لأول مرة عام 1885، ثم أعاد المركز نشره مرة أخرى. وقد كُلفت من قبل المركز بكتابة تقديم لهذا الكتاب، فجاء التقديم في شكل دراسة توثيقية بعنوان "تادرس وهبي .. قبطي أزهري حافظ للقرآن الكريم". وفيها اهتم الباحث بكتابات تادرس وهبي، المعتمدة على آيات القرآن الكريم. هذا بالإضافة إلى الحديث عن حياة المؤلف ووصف أكبر قدر من محتوايات مؤلفاته، والحديث عن مدرسة حارة السقائين التي عمل بها تادرس مدرساً وناظراً. كما تطرقت الدراسة إلى نشاطه المسرحي، على اعتبار أن الكتاب المنشور به إحدى مسرحياته ([3]).

     وإذا تطرق البحث إلى الحديث عن الدراسات التي تناولت مسرحة المناهج تنظيرياً وتطبيقياً، سيأتي كتاب "المناهج والمدخل الدرامي" الصادر عام 2001، للدكتور أمير إبراهيم القرشي، في مقدمة هذه الدراسات حيث تناول فيه المؤلف تعريف وشرح مصطلح مسرحة المناهج، وأبان عن أسلوب معالجة المحتوى المدرسي بصورة درامية. كما ذكر أهداف النشاط التمثيلي المرتبط بالمناهج الدراسية. كما أفرد جانباً كبيراً من كتابه للجانب التطبيقي، من خلال نماذج دراسية ومنهجية تمت مسرحتها، وفق التنظير الموجود في الكتاب.

     ويأتي كتاب "أضواء على المسرح المدرسي ودراما الطفل: النظرية والتطبيق" لجمال محمد نواصرة الصادر في الأردن عام 2003، ضمن سلسلة الدراسات المعنية بمسرحة المناهج، غير أنه لم يخرج كثيراً عن سابقه، إلا في مجال التطبيق، الذي جاء محدداً في عنوان الدرس المُمسرح والصف التعليمي المُقدم إليه النص، ونوع المادة العلمية المُمسرحة. وتتطور الدراسات شيئاً فشيئاً، فنجد الدكتور صلاح الدين عرفة محمود يقوم بتأليف كتابه "مسرحة المناهج كمدخل تدريس في مجالات الدراسات الاجتماعية" الصادر عام 2005، فيحدد وظائف مسرحة المناهج من خلال الوظيفة الحسية والنفسية والتعليمية والتهذيبية والبلاغية، وكذلك يضع أبعاداً لهذه المسرحة، ومنها: البعد الفني والتعليمي والتربوي، ويختتم عمله في نهاية المطاف، بذكر الدراسات التطبيقية العالمية والعربية الخاصة بمسرحة المناهج، والتي بدأت منذ عام 1996.

     وآخر دراسة صدرت – حسب اطلاعي – عن مسرحة المناهج، كتاب "المسرح التعليمي: المصطلح والتطبيق" للدكتور كمال الدين حسين عام 2005. وعلى الرغم من أهمية الكتاب فيما تطرق إليه من أمور نظرية، كتعريف مسرحة المناهج وذكر عناصره المختلفة، إلا أن أهميته الكبرى تتمثل في وصفه التفصيلي لمحتويات رسالة ماجستير بعنوان "عناصر البناء الدرامي للمسرحية التعليمية التي قدمها مسرح الدولة الاحترافي نصوص وعروض من 1980 – 1998" لفاطمة مبروك، التي ذكر أنها قامت بتحليل النصوص المسرحية التي قدمها مسرح الدولة في الفترة المذكورة، بوصفها نموذجاً لمسرحة معظم المناهج الدراسية في سنوات عمرية مختلفة. ومن ذلك على سبيل المثال: مسرحية (مدرسة المشاهدين) وهي مسرحة مادة الفلسفة المقررة على الصف الثالث الثانوي، من إعداد أبو العلا السلاموني. ومسرحية (أوقات عصيبة) وهي القصة المقررة على الصف الثالث الثانوي، من ترجمة عبد الله حسين وسمير بشاي. ومسرحية (عقبة بن نافع)، وهي القصة المقررة على الصف الأول الإعدادي، من إعداد وإخراج ياسر على ماهر .. .. إلخ. غير أنه لم يتسنَ للدراسة الاطلاع على عمل الباحثة.

     ومن ثم يتضح عدم وجود دراسة سابقة عُنيت بموضوع البحث الذي نعالجه، أو تطرقت إلى ماضي مسرحة المناهج قبل ظهور التنظير له في العصر الحديث، خصوصاً نشأة مسرحة المناهج، أو الوقوف أمام تادرس وهبي بوصفه مبدعاً في هذا المجال.

4 – المادة عينة الدراسة ومعايير الاختيار :-

     إذا كانت الدراسة قد حددت لنفسها مجالاً عاماً في نوع مسرحي محدد هو مسرحة المناهج، ثم خصصته بمصر مكانياً وبالريادة تاريخياً، إذا كان الأمر كذلك، فإن الباحث آثر أن يكون أكثر عمقاً في تحديد نقطة مؤطرة، فاختار من تادرس وهبي نموذجاً ثم خطا أكثر تحديداً فاختار له نصاً مسرحياً، تعتقد الدراسة أنه كُتب بأسلوب مسرحة المناهج. لذلك فإن مقتضى البحث العلمي يوجب تحديد المادة، التي من خلالها ستتم معالجة الموضوع بصفة عامة، والنص المسرحي ومؤلفه بصفة خاصة؛ وذلك من خلال ثلاث نقاط كالآتي:

     (أ) – المؤلف؛ تاريخه الأدبي والثقافي

     وُلد تادرس وهبي في منتصف القرن التاسع عشر، بحارة زويلة بالقاهرة عام 1856 – على وجه التقريب ([4]) - وفي الخامسة من عمره التحق بمدرسة الأرمن بالأزبكية، فتلقى فيها مباديء اللغة الفرنسية ودرس اللغة الأرمنية. وفي العاشرة من عمره التحق بمدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية، فتعلم فيها اللغتين العربية والإنجليزية. ثم تقدم للامتحان النهائي في اللغة العربية والمنطق والبيان، واللغة الفرنسية والإنجليزية، والهندسة واللغة الطليانية. فأجاد تادرس وهبي في الامتحان بشكل، جعل منه ظاهرة متميزة في الأداء والتحصيل، على أقرانه في المستوى ذاته، وكان يرأس لجنة الامتحان رفاعة الطهطاوي ([5]).

     وبعد أن تخرج بالمدرسة، عمل مترجماً بنظارة المعارف، ودرس اللغة القبطية على يد برسوم الراهب. كما التحق في هذه الفترة بالأزهر الشريف ([6])، حيث درس كثيراً من العلوم العربية والدينية، مثل الحديث والفقه والقرآن الكريم، الذي حفظه كاملاً، فكان – من وجهة نظر الدراسة - أول قبطي مصري حاملاً للقرآن الكريم في العصر الحديث. بعد ذلك ترك تادرس وهبي خدمة الحكومة، وعمل مدرساً للغتين العربية والفرنسية بمدرسة الأقباط بحارة السقائين ثم ناظراً لها، ثم مديراً لمدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية، ثم ناظراً للمدارس القبطية، حتى أُحيل إلى المعاش عام 1916، ومات عام 1934 عن عمر يناهز الثامنة والسبعين ([7]).

     (ب) – النتاج الأدبي والتعليمي

     اتسعت ثقافة تادرس وهبي وتنوعت موضوعاته وتشابكت ([8])، غير أن الملمح الرئيس على أسلوبه في كل حقول التأليف، اتسم بالتزام لغة الإنشاء في السجع والتدبيج – ويبدو أنه سمت الأسلوب الأدبي في عصره - حيث ألف تادرس في مجالات مختلفة، منها الأدب والتاريخ والتراجم والتعليم. ففي مجال الأدب نجد له ديوان شعر في المنظوم، ومجموعة خطب في المنثور، بالإضافة إلى كتاب (في فنون الأدب)، إلى جوار كتيب صغير به قصيدة مدح لبطرس غالي باشا وكيل نظارة الحقانية عام 1886، ناهيك عن كتاباته المسرحية، وسيأتي ذكرها فيما بعد.

     وإذا انتقلت الدراسة إلى المجال الذي أكثر فيه تادرس وهبي من نتاجه التأليفي، سنجده مجال التاريخ. ففي هذا المجال ألف تادرس مجموعة من الكتب، منها: "الدر الثمين في تاريخ المرشال طورين"، "العقد الأنفس في ملخص التاريخ المقدس"، "بهجة النفوس في سيرة أرتيينيئوس"، "تاريخ مصر مع فلسفة التاريخ"، "عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق"، "الأثر النفيس في تاريخ بطرس الأكبر ومحاكمة ألكسيس".

     غير أن الملاحظة الجديرة بالذكر في هذا المجال؛ تتكشف في سيطرة أسلوب السجع على تادرس وهبي في مجال التأليف، وإن كان يكتب في التاريخ. ومثال لذلك كتاب "الأثر النفيس في تاريخ بطرس الأكبر ومحاكمة ألكسيس"، إذ بدأه المؤلف بمقدمة مسجوعة طويلة، مدبجة بالمحسنات البديعة تكشف عن ولع بالصنعة اللفظية، ومطعمة بالآيات القرآنية نصاً ومعنى وتضميناً ([9]). وما يلفت النظر في هذا الكتاب، أن الباب الثالث والأخير، خُصص لنص مسرحيته "بطرس الأكبر". وذلك يعني أن الإبداع الأدبي لدى تادرس كان يلازمه ملازمة الظل في كتاباته في غير المجال الأدبي. وانتهى الكتاب بتقريظ كتبه طه محمود قطريه رئيس التصحيح بمطبعة بولاق الأميرية ([10]).

     وفي مجال التراجم، كتب تادرس وهبي كتيبين صغيرين، الأول بعنوان "ترجمة الأمير الجليل المرحوم عريان بيك أفندي" عام 1888، وهو قطعة أدبية في رثاء عريان بك باشكاتب نظارة المالية، الذي توفي قبل صدور الكتيب بأيام قليلة، فأراد تادرس وهبي تخليد ذكراه بهذا الكتيب، الذي جمع فيه معظم المعلومات الرسمية عن المتوفي، وضمنه وصفاً لجنازته ومشيعيه، هذا بالإضافة إلى قصيدة رثاء طويلة، من نظم تادرس وهبي، جاءت بعض أبياتها متضمنة لمعاني القرآن الكريم ([11])، ومن ذلك قوله:

لقد أتاك الردى يسعى على عجــل    كما سعى قبل في عاد وفــي إرم

     ومعنى البيت مأخوذ من قوله تعالى - في الآيتين السادسة والسابعة من سورة الفجر – ]أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ[. وعلى الرغم من أن المعنى المضمن في البيت لا يخدم هدف التقريظ بدقة، لأن ما حدث في عاد وأرم إنما كان عذاباً وعقاباً، على الرغم من ذلك فقد دفعه ولعه بالتضمين القرآني أن يجعل عجز البيت معتمداً على الآية القرآنية. وهذا يعني حرصه الشديد على ملازمة الأسلوب المسجوع وإن أفسد المعنى، والدليل على ذلك أنه يرثي الفقيد في البيت السابق فيقول:

وخاتلته الليالي بعد ما جدحــــت    يد الصروف له كأساً من السقــــــم

     ثم يردف البيت المتضمن لمعنى الآية الكريمة بقوله:

فكنت أكرم من لبى وفاز بمـــــــــــا    يروم في العالم الباقي من النعــــــــــــــم

     وبالنظر إلى البيت السابق واللاحق للبيت المتضمن لمعنى الآية الكريمة، نجده يمدح أوصاف الفقيد ويترحم عليه، والترحم لا يكون إلا مع الخيرين، وهذا لا يتفق مع ما وقع لعاد وإرم. وذلك يؤكد أن تضمينه لمعنى الآية القرآنية إنما جاء من أجل القافية، وولعه بالتضمين القرآني في ذاته.

    ويتضح الحرص على الأسلوب الأدبي المسجوع أكثر في كتيبه الثاني في هذا المجال، الذي صدر عام 1895 بعنوان "الأثر الجميل في رثاء جنتمكان أفندينا إسماعيل". وفيه جمع تادرس وهبي تاريخ وإنجازات الخديوي إسماعيل، وصاغ ذلك في شكل خطبة، جاءت كأنموذج للأسلوب الإنشائي المعتمد على بلاغة السجع والتقفية، مستعيناً فيه بمعاني وآيات القرآن الكريم ([12]). فعلى سبيل المثال، نجد تادرس وهبي يبدأ كلامه بقوله: "أما بعد، فإن القضاء المحتوم، لابدّ من نفاذه على أيّ حال. ولكل إنسان أجل معلوم، يؤدّي إلى الارتحال. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، ودوام الحال محال. ولله عاقبة الأمور، وهو شديد المحال، لا يُسئل عما يفعل وهم يسئلون. فيا مصعراً للناس خدّ علاه، بكرة وعشيا. إنما الفضل لمن أطاع مولاه، ولو كان عبداً حبشيا. أفتذهب بحمامة الفؤاد، على نار الأوزار شيا، وقد ساء مثل الذين في كل وادٍ يهيمون"([13]).

     وهذا الجزء القصير، يحمل من معانٍ ونصوص آيات القرآن الكريم الكثير. فعلى سبيل المثال، نجد قول تادرس وهبي (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)، هو جزء من الآية رقم 185 من سورة آل عمران: ]كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور[. وكذلك قوله (ولله عاقبة الأمور)، هو جزء من الآية رقم 41 من سورة الحج: ]الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[. وقوله (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون)، هو نفسه نص الآية رقم 23 من سورة الأنبياء: ]لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[. وقوله (بكرة وعشيا)، مأخوذ من الآية الحادية عشرة من سورة مريم: ]فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً[. وقوله (وقد ساء مثل الذين في كل واد يهيمون)، مأخوذ من الآية رقم 225 من سورة النور: ]أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ[.

     ولم يكتفِ تادرس وهبي باستخدام الآيات القرآنية في هذه الخطبة، بل استخدم أيضاً الأحاديث النبوية الشريفة، باللفظ أو بالمعنى. فعلى سبيل المثال قوله (إنما الفضل لمن أطاع مولاه، ولو كان عبداً حبشياً)، مأخوذ من الحديث الشريف: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم يرى بعدي اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وإن كل بدعة ضلالة" ([14]).

     ونصل مع تنوع وغزارة نتاج تادرس وهبي في مجال التأليف، إلى مؤلفاته التعليمية، التي كانت مقررة على طلابه، ومنها: كتاب "الدروس الابتدائية في اللغة القبطية"، وكتاب "التحفة الوهبية في اللغة الفرنسية"، وكتاب "الخلاصة الذهبية في اللغة العربية" عام 1875، وكتاب "مرآة الظرف في فن الصرف" عام 1889. ولسوء الحظ لم تطلع الدراسة إلا على آخر كتابين – لعدم وجود أغلب مؤلفات تادرس وهبي في المكتبات العامة – حيث يلاحظ على الكتاب الأول "الخلاصة الذهبية في اللغة العربية"، أنه مُخصص في علم النحو، وأن مؤلفه ابتكر في تبويبه وتصنيفه وطُرق تدريسه، بأن جعل دروس النحو فيه تأتي على صورة السؤال والجواب. ويُلاحظ أيضاً ولع المؤلف بالتدبيج البديعي حيث يستخدم – في مقدمة الكتاب - التورية في كلمتي الرفع والخفض بين المعنى اللغوي الشائع، والمعنى الاصطلاحي المحدد لها في حدود النحو، حيث يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الفاعل المختار، الذي بيده الرفع والخفض، وهو العزيز القهار .... وأصلي وأسلم على خيار الأنبياء والمرسلين" ([15]). ويؤكد ذلك إردافه التورية بالسجع من أسماء الله الحسنى (العزيز القهار)، الذي يؤكد المعنى اللغوي رغم أنه يقصد المعنى الاصطلاحي في الرفع والخفض، كما هو في النحو.

     أما الكتاب الآخر "مرآة الظرف في فن الصرف"، فقد صنفه المؤلف – كما جاء على غلافه – "في قالب جديد، يقرّب المراد للمريد!"؛ حيث شرح فيه علم الصرف بأسلوب سهل لييسر فهمه على طلابه، فجمع فيه الحكم والآيات القرآنية والأحاديث النبوية، بالإضافة إلى كلام البلغاء وأمثال الحكماء. كما طور فيه من أساليبه التدريسية، حيث وضع في نهاية كل فصل من فصول كتابه تدريباً عملياً، على شاكلة الواجبات المنزلية. وهو ما يعني تأثره بالأسلوب الأزهري في تدريس النحو القائم على تدرج المادة والتطبيق، التي راد تأليفها ابن هشام المصري من قبل، وظلت مؤلفاته مع محاولة الابتكار في العرض سائدة في المنهج الأزهري ([16]). ومن المحتمل أن تادرس وهبي قد راق له أسلوب التأليف ومحاولة الابتكار في المنهج عند رفاعة الطهطاوي وحفني ناصف ([17]). إلا أن الجديد عند تادرس وهبي أنه أختتم كتابه بمعجم بسيط، أورد فيه معاني بعض الألفاظ المستخدمة في الكتاب، ورتبها على أسلوب الفيروزآبادي في قاموسه المحيط ([18]). وهو أسلوب لم يكن متبعاً من قبل في التأليف النحوي على وجه الخصوص.

     ومن الملاحظ أن بعض مؤلفات تادرس وهبي، تخدم أكثر من مجال. فعلى سبيل المثال نجد كتيبه في رثاء الخديوي إسماعيل، يدخل ضمن مجال التراجم، كما يدخل أيضاً في مجال الخطب الأدبية. وأن كتابيه "عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق" و"الأثر النفيس في تاريخ بطرس الأكبر ومحاكمة ألكسيس" يدخلان في مجال التاريخ، وأيضاً في مجال الأدب، خصوصاً مجال المسرح، كما ستوضح الدراسة ذلك فيما بعد. ناهيك عن كتابه "رسالة الاختراعات الحديثة"، الذي لم تذكر مجاله الدراسة، لأنه من الكتب المفقودة – حتى الآن – وأن عنوانه لا يدل على مجال محدد في التأليف.

     وعلى الرغم من كثرة هذه المؤلفات، إلا أن هناك مؤلفات وأنشطة أخرى، ألمحت إليها بعض المراجع والدوريات. ومن ذلك قيام تادرس وهبي بكتابة ونشر المقالات الأدبية في جريدة الوقائع المصرية ومجلة روضة المدارس المصرية، عندما كان مترجماً بنظارة المعارف. هذا بالإضافة إلى مقالاته في جريدة الوظيفة المصرية التركية، عندما كان محرراً بها ([19]). كما قام تادرس وهبي بإلقاء الخطب الأدبية في احتفالات بعض المدارس ([20])، ونظم الكثير من القصائد والأناشيد الدينية التي كانت تُرتل في الكنائس ([21]).

     (ج) – النتاج المسرحي

     ألمحت الدراسة فيما سبق، أن تادرس وهبي كان يؤلف بعض كتبه في أكثر من مجال. ومن ذلك كتابيه "عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق" و"الأثر النفيس في تاريخ بطرس الأكبر ومحاكمة ألكسيس". فهما كتابان يدخلان في مجال التأليف التاريخي، وفي الوقت نفسه يدخلان ضمن مجال الأدب عموماً، والأدب المسرحي خصوصاً؛ حيث يحمل الكتاب الأول نص مسرحية (يوسف الصديق)، ويحمل الكتاب الآخر نص مسرحية (بطرس الأكبر) ([22]).

     وقد حددت بعض المراجع – كما سبق وأبانت الدراسة – أن مؤلفات تاردس وهبي المسرحية، تتمثل في ثلاث مسرحيات: يوسف الصديق، وبطرس الأكبر، وتليماك. كما قام تادرس وهبي بكتابة فصل بعنوان "في إجمال تفصيل يتعلق بفن التمثيل"، نشره ضمن فصول كتابه "الأثر النفيس .."، تحدث فيه عن نشاطه المسرحي ([23]). ومن خلال هذا الفصل يتضح أن تادرس وهبي قام بتأليف ثم تمثيل مسرحيته الأولى (يوسف الصديق) بمسرح حديقة الأزبكية يوم 15/2/1884، وقد شهد تمثيلها الأميران عباس حلمي الثاني ومحمد علي. كما ألف مسرحيته الثانية (بطرس الأكبر)، التي مثلتها جمعية المساعي الخيرية يوم 15/5/1886 ([24])، واختتم مؤلفاته المسرحية بنص (تليماك) الذي مثلته جمعية المساعي أيضاً يوم 12/4/1887، تحت عنوان (عجائب القدر) ([25]).

     وبناء على ما سبق، يتحدد نتاج تادرس وهبي المسرحي، بثلاثة نصوص مسرحية، الأول (يوسف الصديق)، وتعتبره الدراسة مسرحية مدرسية، حيث مثلها تادرس وهبي مع طلاب مدرسته القبطية بحارة السقائين عام 1884 على مسرح حديقة الأزبكية. وهذه المسرحية على وجه الخصوص، لاقت إقبالاً كبيراً من قبل بعض المدارس فيما بعد، فظلت تُمثل من قبل طلاب المدارس القبطية حتى عام 1913 ([26]). هذا خلافاً لمسرحيتيه التاريخيتين (بطرس الأكبر) و(تليماك)، حيث قامت بتمثيلهما الجمعيات الخيرية حتى عام 1912 ([27])، ولم تمثلهما أية مدرسة، تبعاً لما توفر بين يدي الدراسة من أخبار. وبناءً على ذلك، فقد حددت الدراسة مسرحية (يوسف الصديق) أنموذجاً تطبيقياً لمسرحة المناهج. وهو ما يمثل 33% من نتاجه المسرحي على وجه التحديد، في الوقت ذاته تمثل المسرحية المُختارة 100% بالنسبة لنتاجه فيما يتعلق بمسرحة المناهج.

5 – المنهج والأدوات :-

     لقد حاول البحث أن يجد لنفسه منهجاً يُمكنه من الوصول إلى أهدافه بيسر ووضوح فاختار المنهج التكاملي، الذي يأخذ بحظ من المناهج الأدبية المختلفة كالفني والتحليلي والتاريخي والنفسي والوصفي، الأمر الذي يُمكن الدراسة من استقصاء الظواهر المختلفة التي تناولها النص المسرحي. وهو ما يخدم أيضاً الأهداف التي تطمح إليها الدراسة. ومن أجل ذلك ستقوم الدراسة بمعالجة عناصر مسرحية (يوسف الصديق)، تبعاً لتعريف ومفهوم وسمات مسرحة المناهج، وذلك في ضوء زمن عرضها وتأليفها عام 1884، قبل أن تُكتب التنظيرات المختلفة، وتصدر الدراسات المتنوعة عن المسرح المدرسي، الذي يدخل ضمن مجاله، ما عُرف فيما بعد بمسرحة المناهج.

6 – أهداف الدراسة :-

     إذا كان لكل دراسة علمية أهداف تطمح إلى تحقيقها، فقد اختار الباحث موضوع "نشأة مسرحة المناهج في مصر"، واتخذ من مسرحية (يوسف الصديق) نموذجاً لها، وعُني بالمنهج والأدوات سالفة الذكر، محاولة الوصول إلى:

أ – الكشف عن بدايات ظهور المسرح المدرسي ومسرحة المناهج في مصر.

ب – استكشاف البناء الفني من خلال النموذج المُختار.

1 – الإطار العام للبناء الفني

2 – السمات الفنية

ج – تبين أهداف مسرحية يوسف الصديق ووسائل تحقيقها.

د - الوقوف على سمات المسرح المنهجي بين التنظير والتطبيق.


ثانياً : الدراسة التطبيقية

أ – بدايات ظهور المسرح المدرسي ومسرحة المناهج في مصر

     يُعتبر المسرح المدرسي "الوسيط التربوي الذي يتخذ من المسرح شكلاً ومن التربية وتعاليمها مضموناً" ([28])، وهو الينبوع المتدفق لأغلب الأنشطة المدرسية، فمن عباءته خرجت مسرحة المناهج، و" يُقصد بفكرة مسرحة المناهج (Curriculum Dramatization)، وضع المناهج الدراسية التي تسمح طبيعتها بذلك في قالب مسرحي" ([29]).

     وعلاقة المدرسة بالمسرح في مصر علاقة قديمة، بدأت على المستوى الرسمي الحكومي عام 1923، عندما تمّ إيفاد محمود مراد ([30]) الأستاذ بالمدرسة الخديوية إلى أوروبا، لتفقد مسارحها، وكتابة تقرير تسترشد به الحكومة المصرية في الفنون بمصر. وبعد زيارة الموفد إلى فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وألمانيا وهولندا والمجر والنمسا، عاد وكتب تقريراً، اشتمل على عدة أفكار، منها وجوب تعليم الموسيقى والمسرح في المدارس ([31]). ولكن المنية عاجلت محمود مراد عام 1925، فمات التقرير بما فيه من أفكار، كما مات صاحبه.

     وفي عام 1937 عرفت مصر ما يسمى بالمسرح المدرسي - باعتباره مصطلحاً علمياً يجب التعامل معه من قبل الحكومة - عندما تمّ إنشاء مكتب لتفتيش فن التمثيل بالمدارس الثانوية بوزارة المعارف، تحت رئاسة زكي طليمات، الذي ساعدته الظروف عندما مثل مصر في المؤتمر الدولي للمسارح بباريس، وألقى فيه خطبة عن الجهود المبذولة في إنشاء المسرح المدرسي بوزارة المعارف المصرية. وبعد انتهاء المؤتمر وانقضاء عام على وجود المسرح المدرسي الرسمي في مصر، كتب طليمات تقريراً، اقترح فيه وجوب إنشاء مسرح مدرسى بكل مدرسة في مصر، والعمل على إقامة مباراة تمثيلية عامة بين جميع فرق التمثيل بالمدارس، مع العناية باختيار النصوص الصالحة للعرض. وقد استجابت الحكومة لبعض هذه المقترحات، ومنها جعل فن الإلقاء مادة من مواد المنهج الدراسى بمدرسة دار العلوم، وتعميم المسرح المدرسى فى سائر المدارس الثانوية الأميرية في مصر ([32]).

     وهكذا ظل المسرح المدرسي في آليته الفنية التربوية حتى سبعينيات القرن العشرين، حيث " تمّ إجراء بعض التعديلات التي ساعدت على توظيف المسرح المدرسي في خدمة تحقيق الأهداف التعليمية، بحيث يرتبط المسرح المدرسي بالمناهج الدراسية. وفي عام 1971 صدر قرار وزاري بشأن إنشاء إدارة للتربية المسرحية بوزارة التربية والتعليم، مهمتها وضع القواعد اللازمة لتوجيه وتطوير التربية المسرحية، والعمل على مسرحة المناهج، ومتابعة مختلف الأنشطة المسرحية، والإشراف على المسابقات الدورية بين الإدارات التعليمية " ([33]).

     وبناء على ما سبق، يتضح أن المسرح المدرسي في مصر، تم الاعتراف به رسمياً من خلال وزارة المعارف عام 1937، كما أقرت وزارة التربية والتعليم العمل على تنفيذ فكرة مسرحة المناهج عام 1971. ولكن الدراسة تظن أن المسرح المدرسي بمفهومه الحديث، كان معروفاً بصورة تطبيقية في المدارس المصرية عن طريق الجهود الذاتية لبعض المدارس، وذلك قبل أن يُنظَّر له على المستوى الرسمي الحكومي. كما تعتقد الدراسة أيضاً أن فكرة مسرحة المناهج، راودت بعض العاملين في المجال المسرحي كي ينقلوها إلى حقل التمثيل المسرحي في المدارس، فقاموا بتطبيقها في القرن التاسع عشر، قبل أن يُنظَّر للفكرة بسنوات طويلة. وللتحق من ذلك، ستناقش الدراسة الموضوعين التاليين:

1 – أ – بدايات المسرح المدرسي :-

     يُعرف المسرح المدرسي بأنه الوسيط التربوي الذي يتخذ من المسرح شكلاً ومن التربية وتعاليمها مضموناً. ومن خصوصيته عرض الموضوعات والقضايا التربوية والدينية والتاريخية التي تهم الطالب، لتكون نافذة له على المجتمع المحيط به والحياة الاجتماعية، كما يعمل المسرح المدرسي على صقل شخصية الطالب وتهذيبها وتعليمها السلوكيات الإيجابية. وتُنفذ عروضه المسرحية ضمن نطاق المدرسة، من خلال فريق عمل يتألف من المعلم والطلاب ([34]).

     وإذا وضعت الدراسة هذا التعريف المعاصر في حسبانها، ونظرت إلى تاريخ المسرح المصري منذ بدايته، ستجد عرضاً مسرحياً مدرسياً تمّ عام 1870، ينطبق عليه هذا التعريف المعاصر، في معظم معاييره! ففي نوفمبر 1870، قام طلاب الفرقة الأولى في مدرسة العمليات المصرية بعرض مسرحية كوميدية بعنوان (أدونيس) أو (الشاب العاقل المجتهد في تحصيل العلم الكامل) في ساحة المدرسة، بمناسبة عقد الامتحانات ونهاية العام الدراسي. وهذه المسرحية قام بتأليفها بالفرنسية في ثلاثة فصول لويس فاروجيه مدرس اللغة الفرنسية بالمدرسة، كما قام بتدريب الطلاب على آدائها وحفظها، وكان القصد منها تعريف الطلاب قيمة التعليم ومكارم الأخلاق ([35]).

     ويُلاحظ على هذه المسرحية، أن مؤلفها فرنسي الأصل، وليس مصرياً. كما أنها أُلفت وعُرضت باللغة الفرنسية. وبناءً على ذلك، تستطيع الدراسة أن تقول: إن مسرحية (أدونيس) هي أول مسرحية مدرسية في تاريخ المسرح المصري – بناء على ما بين يدي الدراسة من أدلة -  قام الطلاب بعرضها باللغة الفرنسية عام 1870، وكانت من تأليف وإخراج أحد المدرسين الفرنسيين. وما يشوبها من نقص في مجال ريادة المسرح المدرسي المصري، إنها لم تؤلف باللغة العربية، ولم يكن مؤلفها مصرياً.

     وفي هذه الفترة انتشرت العروض المسرحية الأجنبية بصورة لافتة للنظر، بسبب بناء مسرحي الكوميدي الفرنسي ودار الأوبرا الخديوية ([36])، فقام رفاعة الطهطاوي بتكليف محمد عثمان جلال – المترجم بديوان الجهادية - بتعريب مجموعة من هذه المسرحيات، لنشرها في مجلة "روضة المدارس المصرية" ترفيهاً لطلاب المدارس. وبالفعل قام محمد عثمان جلال ([37]) بهذا الأمر، وعرّب مجموعة من المسرحيات، وضعها في كتاب أطلق عليه اسم (كتاب النكات وباب التياترات)، وفي مقدمته أبان عن أن الغرض من كتابته ترويح النفس لقاريء مجلة روضة المدارس من الطلاب، لمسرحيات أوروبية كوميدية يكثر فيها النكات والفكاهة. وأقرّ بأن هذا الكتاب، هو أول كتاب يُنشر في مصر في هذا المجال ([38]).

     وبدأت مجلة روضة المدارس المصرية في نشر هذا الكتاب عام 1871، على شكل صفحات قليلة في نهاية المجلة. فبدأت بنشر أول عشر صفحات من مسرحية "الفخ المنصوب للحكيم المغصوب"، ثم توقفت عن استكمال نشرها، وتوقفت أيضاً عن نشر بقية مسرحيات الكتاب، دونما سبب واضح ([39]). والدراسة تعتقد أن السبب في ذلك المنع، راجع إلى لغة المسرحية العامية وأسلوبها المتدني وموضوعها المبتذل، مما لا يليق بنشر مادتها في مجلة مدرسية، ناهيك عن أثر ذلك على أخلاق طلاب المدارس في هذا الوقت ([40]).

     وبناء على ما سبق، تستطيع الدراسة أن تقول: إن نص مسرحية "الفخ المنصوب للحكيم المغصوب" لمحمد عثمان جلال، هو أول نص مسرحي مدرسي – طبقاً لما بين يدي الدراسة من مصادر ومراجع – يُنشر في مصر عام 1871. ولكن هذا النص يخالف معايير تعريف المسرح المدرسي في كونه لم يتخذ من التربية والتعليم مضموناً، ولم يعرض موضوعاً تربوياً أو تاريخياً أو دينياً، ولم يعمل على صقل شخصية الطالب بتعليمه السلوك الإيجابي. ناهيك عن لغته العامية المبتذلة، وأن النص ليس مؤلفاً بل مُعرباً، ولم يُنشر النص بصورة كاملة، ولم يُمثل في نطاق المدرسة، ولم يكن معربه أحد الأساتذة في المدارس المصرية.

     وفي عام 1881 ظهر نشاط عبد الله النديم في مجال المسرح المدرسي ([41])، عندما ألف مسرحيتي (العرب) و(الوطن وطالع التوفيق)، ومثلهما مع طلاب مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية بمسرح زيزينيا بالاسكندرية. وتبعاً لما بين يدي الدراسة من أخبار عن هاتين المسرحيتين – لعدم وجود نصهما بصورة كاملة - نلاحظ أن غرض تأليفها وتمثيلهما كان سياسياً وليس تربوياً أو تعليمياً ([42]). حيث صور فيهما النديم حالة الشعب المصري أيام حكم الخديوي إسماعيل، وما تكبده من ظلم وذل ومهانة. وما يؤكد هذا الأمر ما تحمله الصفحات القليلة التي نُشرت من نص مسرحية (الوطن وطالع التوفيق)، ومن خلالها يتضح أن النديم ألفها بمزيج من العربية الفصحى والعامية، مع الإسراف في الحوار العامي على حساب الحوار الفصيح ([43]).

     وبناءً على ما سبق، تستطيع الدراسة أن تقول – طبقاً لما بين يديها من أدلة حتى الآن - إن عبد الله النديم يُعتبر أول أستاذ مصري يؤلف مسرحيتين مدرسيتين باللغة العربية، قام بتمثيلهما مع طلاب المدارس في مصر عام 1881. مع ملاحظة أن هذا القول يشير إلى بعض المآخذ في مجال ريادة المسرح المدرسي، ومنها: إن المسرحيتين لم يكن غرضهما تربوياً أو تعليمياً، بل كان غرضهما سياسياً. 

المصدر: بحث قُدم في مؤتمر (علاقة المسرح بالتربية وتنمية الذائقة الفنية من الطفولة حتى الشباب)، الذي أقامه المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بالجمهورية العربية السورية، في كلية التربية بجامعة دمشق، في الفترة 21-23/11/2005.
sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

ساحة النقاش

abualbaraa
<p>&nbsp;</p> <p>تحياتي لك يا دكتور سيد وابارك لك بنشاطك المميز كشخصيتك المميزة منذ ان عرفتك في مؤتمر دمشق عام 2005م</p>

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

826,973