وداعاً أخي الحبيب الدكتور نادر القنة

ما كنت أتخيل أن الكلمة التي كتبتها عن صديقي الدكتور نادر القنة منذ عشر سنوات، بمناسبة تكريمه في مهرجان الكويت المسرحي عام 2009، والتي لم تُنشر في حينها .. أن ألجأ أليها الآن لأعيد قراءتها بعد أن صُدمت بخبر وفاته منذ قليل! الله يرحمك ويجعل مثواك الجنة!! وهذه هي الكلمة التي لم تُنشر في حياته .. والقدر أراد أنه أنشرها بعد ساعات من وفاته !!

ـــــــــــــــــــــــــــ

نادر القنة .. هل يستحق التكريم؟؟

ــــــــ

يُعدّ (التكريم) من أهم فقرات مهرجان الكويت المسرحي في جميع دوراته، والدورة الحادية عشرة تزخر بالمكرمين؛ لأن عملية التكريم تهدف تسليط الضوء على دور الرواد والمبدعين في مختلف مجالات المسرح بغية الاحتفاء بهم بوصفهم رموزاً للعطاء والقدوة المُثلى للأجيال القادمة. والرموز المكرمة تتمثل في: عواطف البدر، عبد العزيز السريع، جاسم الصالح، خليل زينل، عبد الرحمن الصالح، وأخيراً (نادر القنة).

ومن المؤكد أن - بعض - من قرأ أو سمع بأن نادر القنة ضمن المكرمين، سيتساءل: ماذا فعل نادر القنة ليُكرم؟! وهل ما قام به يستحق التكريم؟! الإجابة عند بعض المقربين من نادر - سواء كان قربهم إيجابياً أو سلبياً – ستتمثل في إجابات متباينة بكلمات متلعثمة تشتمل على عبارات منها: (في الواقع .. من حيث إن .. في الحقيقة .. أصل المسألة ... إلخ)، ولن نخرج منهم بإجابة صريحة واضحة في العلن؛ لأن الإجابة الحقيقية تكمن في ضميرهم، ولا يستطيع لسانهم الجهر بها! فنادر القنة عند هؤلاء هو (الصديق اللدود، والحبيب المكروه)!! وعذراً أيها القارئ .. سأنضم إلى هذه الفئة لمدة دقائق معدودة - حتى أنتهي من هذه الكلمة - ربما أنجح في مساعدتهم على الإجابة.

في آخر يوم من شهر مايو عام 1957، صرخ طفل في مُخيم بلاطة بنابلس إيذاناً بمولده، وربما إيذاناً بنبوغه، أو حزناً على وطنه المغتصب فلسطين .. المهم أنها صرخة أطلقها الطفل (نادر القنة)! وربما القدر ساعده بألا يبقى طويلاً في المخيم، حيث جاء إلى الكويت بصحبه والده، الذي عمل  في مستشفى جراحة العظام. وظل نادر يتلقى علومه في مدارس الكويت حتى حصل على الثانوية من مدرسة (حولّي) عام 1976م - فترة نظارة الأستاذ جودت الهندي – ثم التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت في أكتوبر 1976، واستمر في اجتهاده الدراسي حتى حصل على البكالوريوس في قسم النقد بتقدير (جيد مرتفع 72%) عام 79/1980، ليكون ضمن الدفعة الرابعة للمعهد، المكونة من: إسماعيل فهد إسماعيل، ويوسف أحمد حمدان، وشاكر مطر العنزي، وغافل فاضل الشكري، ومريم عبد الرحمن القبندي، ونجاة حسين علي، ووفاء سيد صالح، وسليمان محمد الخليفي.

ويُلاحظ – من شهادة البكالوريوس – تفوق نادر العلمي، حيث حصل على تقدير (جيد جداً) في مواد معينة، منها: النقد التطبيقي، وفن الكتابة الدرامية، ونظريات الإخراج. وهذا التفوق يُفسر لنا: لماذا كتب نادر مقالات نقدية تحليلية كثيرة في العروض المسرحية؟ ولماذا ألف وأبدع عدة مسرحيات؟ ولماذا اقتحم مجال الإخراج المسرحي؟ أما بحث التخرج فكان بعنوان (أسطورة شهرزاد بين الحكيم وباكثير) بإشراف د.إبراهيم سكر، وتمت مناقشته يوم 4/6/1980. وهذا البحث يعتمد في تناوله النقدي على دراسة الأدب الشعبي وعلاقته بالدراما من خلال التطبيق على أسطورة شهرزاد.

ما سبق يُعد مقدمة توثيقية لنادر القنة – حقه علينا إثباتها يوم تكريمه – خصوصاً وأن ما قام به حتى الآن هو ما قام به كل طالب أراد أن يحصل على شهادة. أما ما تفرد به نادر وهو مازال طالباً فكان (الكتابة النقدية في الصحافة)! وأول مقالة وجدناها له منشورة كانت في جريدة (الرأي العام) بتاريخ 24/2/1980 – قبل تخرجه بأربعة أشهر - بعنوان (أضواء هامشية من يوم المسرح العربي .. غياب الناقد المسرحي في يوم التكريم)، وهذه المقالة التي تُمثل بدايته النقدية، فيها من الجرأة الكثير!! فقد خصص المقالة بأكملها للإجابة عن سؤال يقول : "لماذا غاب الفنان الناقد المسرحي عن يوم المسرح العربي؟" وفيها ناقش - هذا الطالب – بصورة علمية الاحتمالات الأربعة الممكنة للإجابة عن هذا السؤال .. الأغرب من ذلك أن المقالة غير موقعة باسم نادر القنة، بل موقعة باسم (أمير القنة)، وهو الاسم المستعار لنادر في بداية كتاباته! وربما يظن البعض أن أميراً هذا شقيق نادر أو قريبه، ولكن صورة نادر المنشورة في المقالة حسمت الأمر. وهذه المقالة لم تكن الأولى لأمير القنة، بل نشرت له جريدة (الوطن) سلسلة مقالات عام 1983 تحت عنوان (الاتجاهات السياسية في المسرح الكويتي)، وفيها اعتبر القنة أحمد عبد الحليم، وسعد أردش، وصقر الرشود .. المخرجين المتربعين على عرش الصدارة في المسرح السياسي في الكويت.

وابتداء من أغسطس 1983 بدأ نادر النشر باسمه الصريح في جريدة (الرأي العام)، حيث نشر مقالة (جمود الحركة المسرحية في الكويت بين الواقع والإدعاء). أما جريدة (القبس) فكانت ميدانه الفسيح الذي صال وجال فيه بقلمه السيال طوال أكثر من أربع سنوات حتى ديسمبر 1987. وقد اطلعت طوال هذه السنوات على نماذج من مقالاته، منها: (دعوة لإنقاذ المسرح الطليعي) ذلك المسرح الذي يُعد نقطة مضيئة في تاريخ المسرح الكويتي، و(الاتجاهات الفلسفية الجمالية في المسرح الكويتي) وفيها تناول نادر الفنان الكويتي من منطلق كونه صانعاً ومبدعاً في مجال التعامل مع النشاط المسرحي من مختلف زواياه وعناصره. ومقالة (تأملات في الذكرى الأولى لرحيل عميد المسرح العربي زكي طليمات)، و(جاسم الزايد والمسرح البحريني من خلال رؤية نقدية لمسرحية جنة ونار)، و(واقع الحركة المسرحية في الكويت في عام 1985)، و(رجل من عامة الناس في سلسلة المسرح البحريني)، و(الديكور المسرحي بين الهندسة والفن)، والمقالة الأخيرة المنشورة في جريدة القبس بتاريخ 14/12/1987 – تبعاً لما بين يدي من نماذج - كانت عن كتاب (نشأة المسرح السعودي) لعبد الرحمن فهد الخريجي. هذه النماذج اليسيرة تشهد بأن نادر القنة منذ كان طالباً، كان ناقداً ومحللاً ومتابعاً للحركة المسرحية الكويتية حتى عام 1987م.

هذه الشهادة الصحفية ربما تتطور لتصل إلى درجة الاعتراف الصريح بجهود نادر القنة في مجال الكتابة النقدية المسرحية، وهذا الاعتراف يأتي من مجلة (عالم الفن)! فكفى بنادر أن شارك وأدار ونشر النص الكامل لعدة ندوات منشورة في المجلة، تُعد مرجعاً مهماً للباحثين في مجال المسرح الكويتي ونقده، منها على سبيل المثال: ندوة (أسئلة مثارة حول مستقبل الحركة المسرحية في الكويت)، التي أقامتها المجلة بالتعاون مع فرقة المسرح العربي، ونُشرت إبتداء من 3/2/1985 إلى 31/3/1985. كذلك كانت ندوة (النقد الفني في الصحافة الكويتية وأثره على الحركة الفنية)، التي عقدتها المجلة بالتعاون مع إدارة المعاهد والفنون بوزارة الإعلام، وقد تابعتها منذ الحلقة الأولى في 2/6/1985 إلى الحلقة 23 في 17/11/1985، وتوقفت عن المتابعة، ومازالت الحلقات مستمرة في النشر. وأخيراً نجد مجلة عالم الفن تنشر وقائع ندوة (مسرح الطفل في الكويت بين الواقع والطموحات)، التي عقدتها المجلة بالتعاون مع فرقة المسرح الشعبي، وتابعتها من الحلقة 15 بتاريخ 20/4/1986 وحتى الحلقة 33 بتاريخ 23/11/1986، وتوقفت أيضاً عن المتابعة رغم استمرار نشر الحلقات.

وعلى الرغم من هذا الجهد الذي قام به نادر القنة في مجلة (عالم الفن) فإنه لم يكتفِ به، ووجدناه يطلق قلمه السيال فيكتب في كافة النواحي المسرحية، ويثري صفحات المجلة بآراء نقدية علمية مفيدة. والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: سلسلة مقالاته عن (ملامح التجريب المسرحي في الوطن العربي) في عامي 1987 و1988، ومقالة (رؤية نقدية لمسرحية الحورية)، ومقالته النقدية حول عرض (حال الدنيا) تأليف ممدوح عدوان وإخراج حاتم السيد – المنشورة بتاريخ 21/4/1985 - وقد استخدم في نقدها منهج التحليل النفسي كمقياس نقدي لتفسير مفردات العرض، وهذا الأسلوب في النقد لم يكن مألوفاً في ذلك الوقت. أما مقالته عن المسرح الكويتي في مشاريع قسم النقد بالمعهد لعام 1985 – المنشورة بتاريخ 26/5/1985 – فكانت مقالة غير مسبوقة وفق منهج كاتبها، حيث لم يكتف نادر بالعرض أو التعليق كما هو متبع من قبل الآخرين؛ بل جاء بنقد للبحوث أشبه ما يكون بالمناقشة المتخصصة لرسائل الماجستير والدكتوراه.

وإذا تتبعنا كتابات نادر في مجلة عالم الفن، فسنجد له مقالة (رؤية نقدية لمسرحية نحن والسنافر)، و(صلاح عبد الصبور مرة ثانية في مشاريع بكالوريوس قسم التمثيل)، وحواراً بعنوان (منصور المنصور والجديد في المسرح والإذاعة)، ومقالة بعنوان (بعد بغداد والقاهرة والدوحة نديمكم هذا المساء في الكويت). وآخر ما تتبعناه في المجلة مقالته (المسرح البحريني : التأريخ .. الواقع .. المستقبل) بمناسبة مهرجان الخليج المسرحي الأول عام 1988.

ونادر القنة له قدرة عجيبة على الكتابة الغزيرة باتقان علمي، ومثال على ذلك عدد مجلة (عالم الفن) الصادر بتاريخ 31/8/1986، فمن يطلع عليه يكتشف أن نادر القنة هو محرره الأول بلا منازع؛ حيث كتب فيه ثلاثة موضوعات شغلت أغلب صفحات العدد، هي: متابعة شاملة لعروض المسرح في عيد الأضحى في الكويت، ثم مقالة عن مسرحية (رجل مع وقف التنفيذ) لمسرح الجزيرة، وأخيراً الحلقة رقم 27 من ندوة مسرح الطفل. وهذا الأمر تكرر مرة أخرى في العدد الصادر بتاريخ 5/6/1988، وفيه نجد لنادر مقالة (رؤية نقدية لمسرحية هذا سيفوه) تأليف سعد الفرج، ومقالة عن عرض مسرحية (ليلى والذئب)، وأخيراً مقالته عن (ملامح التجريب في الوطن العربي).

ومن الملاحظ أن الكتابة المسرحية - النقدية التحليلية - هي مجال نادر المحبب، وميدان تفوقه النقدي، وهذا الأمر غير مستغرب بالنسبة له منذ كان طالباً .. ألم يحصل على تقدير (جيد جداً) في مادة (النقد التطبيقي)؟! وربما يتساءل القارئ ويقول: نادر القنة حصل أيضاً على التقدير نفسه (جيد جداً) في مواد أخرى، مثل: (فن الكتابة الدرامية)، و(نظريات الإخراج) .. فهل نجح في تطبيق هذه المواد عملياً؟! سأمتنع عن الإجابة، وسأترك مسرحية (فناتك) تقول من هو مؤلفها؟ وكذلك سأترك المجال للمخرج خليل زينل ليقول من ساعده في إخراج مسرحية (عزوز) عام 1981؟ ومن ساعد المخرج عبد الأمير مطر في مسرحية (تصفيق للعم) عام 1984، و(إحنا شباب الديسكو) عام 1985، ومسرحية (الخاتم العجيب)؟ أما أنا فسأكتفي بخبر نشرته جريدة (السياسة) يوم 16/10/1985 تحت عنوان (نادر القنة المخرج الفلسطيني يعود من القاهرة)، قالت فيه: "عاد المخرج الفلسطيني نادر القنة من القاهرة بعد أن اجتاز اختبارات التمهيدي (الماجستير) بنجاح. وقد برز المخرج نادر القنة بجهوده في بناء المسرح الفلسطيني في خطواته الأولى".

وهكذا يتضح لنا أن نادر القنة – الناقد القدير – هو أيضاً مؤلف مسرحي، ومخرج مسرحي .. فهل من مزيد؟؟ نعم .. هو أيضاً ممثل .. ويشهد بذلك العسكري في مسرحية (المتنبي يجد وظيفة) للمسرح الشعبي عام 1979 .. وهو مقرر اللجنة الثقافية عام 1985 .. وتشهد بذلك فرقة المسرح الكويتي!

وفي الختام .. أُعيد طرح سؤالي مرة أخرى وأقول: هل ما فعله وقام به نادر القنة يستحق التكريم في هذا المهرجان؟! الإجابة ... عفواً ... لا أستطيع أن أجيب الآن .. لأن أنشطة نادر السابقة، هي أنشطته طوال ثماني سنوات فقط حتى عام 1988م، ويجب عليّ – حتى أكون أميناً - أن أوثق أنشطته بعد ذلك لمدة (واحد وعشرين سنة) .. فانتظروني!!

 

 

 

 

 

sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 686 مشاهدة
نشرت فى 29 نوفمبر 2019 بواسطة sayed-esmail

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

752,189