الحاج بركهارت أول حاج أوربي يصف مكة سنة 1815

د. سيد علي إسماعيل

كلية الآداب جامعة حلوان

ـــــــــ

في كل عصر من العصور، وفي كل أمة من الأمم، يظهر رجال يقومون بتفسير غوامض الأمور واكتشاف الآثار وفك الرموز والطلاسم، ولا يهدأ لهم بال إلا بعد تحقيق مآربهم. وفي سبيل ذلك يتجشمون المشاق العسيرة ويقتحمون الأهوال والمخاطر، ويجتازون الصحراء والأودية والأنهار والبحار، حتى ولو راح أحدهم ضحية ما يرجوه وما يأمل في تحقيقه واكتشافه. وعندما ظهر الإسلام، أصبح الحرمان الشريفان في مكة المكرمة والمدينة المنورة، مُحرمين على غير المسلمين. وبسبب هذا التحريم، ولأسباب أخرى سياسية واستعمارية وعلمية واستكشافية، تحمس بعض الأوروبيين لدخول الحرمين الشريفين لاستجلاء غوامضهما واكتشاف غرائبهما، وتعريف الأوروبيين بأحوالهما وأحوال سكانهما، وما يُؤدى فيهما من شعائر دينية، متخذين في سبيل ذلك كل حيل التنكر والخداع.

ففي القرن السادس عشر الميلادي، وتحديداً في عام 1503، استطاع الرحالة الإيطالي "فرتيما" من دخول مكة في عهد السلطان الغوري، وقد دخلها كجندي حرس للحجيج باسم يونس المصري، ولم يهتم في كتاباته بوصف الأماكن المقدسة، بقدر ما كان يسخر من شعائر الحج!! كما دخل مكة أيضاً في هذا القرن الفرنسي "فنسان لبلان" عام 1568، ولكنه لم يكتب عنها شيئاً.

وفي القرن السابع عشر، دخل مكة الألماني "يوهان وايلد" عام 1607، كما دخلها أيضاً الإنجليزي "بيتس" عام 1680 كعبد مسلم أجبره سيده على الإسلام، والذهاب معه لأداء فريضة الحج، فقام بيتس بأداء الشعائر مكرهاً غير مؤمن بما يفعل، ووصف الحرمين الشريفين وصفاً سطحياً. ولما أعتقه سيده عاد إلى بلاده ليسجد في أحد كنائسها شاكراً الله على عودته إلى وطنه وإلى دينه. وفي القرن الثامن عشر دخل مكة جراح فرنسي عام 1760، لمعالجة أمير الحج، بعد أن أعطاه القوم الأمان على نفسه وعلى دينه.

وفي القرن التاسع عشر، دخل الحرمين الشريفين مجموعة كبيرة من الأوروبيين، أولهما الأسباني "باديا لبيشط عام 1807، الذي دخل باسم "علي بك العباسي"، بعد أن حصل على وثيقة مزورة تثبت أنه من الأشراف ومن سلالة العباسيين، ولم يهتم في كتاباته بوصف الأماكن المقدسة. وفي عام 1809 دخل مكة الألماني "أولريخ جاسبر سيتزن" باسم الطبيب موسى في رحلة استكشافية بتمويل خاص من قيصر روسيا. وفي عام 1815 دخلها الإيطالي "جوفاني فيناتي" باسم الحاج محمد. وفي العام نفسه دخلها "توماس كيث" الجندي الإسكتلندي، بعد أن أسره المصريون أثناء حرب الإنجليز لمحمد علي باشا بالإسكندرية، وقد أسلم توماس وتدرج في المناصب حتى أصبح والياً على المدينة المنورة، ثم قُتل أثناء محاربة الوهابيين.

وفي عام 1842 دخل مكة الفرنسي "ليون روش" باسم الحاج عمر، بعد أن تظاهر باعتناق الإسلام، من أجل الاستفسار عن فتوى بأن رضوخ المسلمين لحاكم مسيحي ليس بخطيئة. وفي العام نفسه دخلها الفرنسي "دي كوريه" باسم الحاج عبد الحميد بك. وفي عام 1845 دخلها الفنلندي "جورج أغسطس والين" باسم ولي الدين. وفي عام 1853 دخلها "ريتشارد فرنسيس بيرتون" متنكراً في زي عربي باسم الحاج عبد الله، وقام بأداء شعائر الحج فوصف الحرمين الشريفين وصفاً مقتضباً. وفي عام 1860 دخلها البارون الألماني "هنريك فون مالتزان" متنكراً في شخصية شاب جزائري اسمه سيدي عبد الرحمن، وقام بمناسك الحج متبرماً. وفي عام 1862 دخلها الدكتور "هرمان بيكنل" الإنجليزي باسم الحاج عبد الواحد، متظاهراً باعتناق الإسلام، وقام بمناسك الحج ولم يزر المدينة المنورة لشدة حرها. وفي عام 1863 دخل مكة "تنث" الإنجليزي باسم الحاج عبد الواحد.

وفي عام 1877 دخل مكة "جون فرير كين" الإنجليزي، باسم الحاج محمد أمين متظاهراً بالإسلام، من أجل أن يضع اسمه ضمن الرحالة المهرة، ليحصل على الدعم المالي لرحلات استكشافية أخرى. وفي عام 1882 دخلها الدكتور "مورسلي" الفرنسي، وأدى فريضة الحج بعد أن أسلم إسلاماً خالصاً لا شك فيه، ولكنه لم يصف الحرمين ولم يكتب عنهما شيئاً. وفي عام 1885 أقام في مكة "كريستيان سنوك هرجونجي" الهولندي باسم عبد الغفار، بعد أن تزوج بفتاة من أهل مكة لمدة ستة أشهر، وكان يعمل مدرساً للغات السامية وحصل على الدكتوراه برسالة عن نشأة فريضة الحج، ثم أصبح محاضراً في المؤسسات الإسلامية بالجامعة الهولندية. وفي كتاباته اهتم بوصف مراسم زفاف أهل مكة وطبها الشعبي، وطقوسها الشعبية مثل حفلات الزار. وفي عام 1894 دخل مكة "جيرفي كورتلمون" الفرنسي باسم عبد الله، ولم يصف في كتاباته الأماكن المقدسة بها، بل وصف إبلها وبعض أساطيرها وطُرق بيع وصناعة المشغولات الذهبية والفضية فيها.

ونلاحظ مما سبق أن كل من دخل الحرمين الشريفين من الأوروبيين حتى نهاية القرن التاسع عشر، دخلهما دون أن يصفهما وصفاً دقيقاً. وقد شذ عن كل هؤلاء الرحالة السويسري "جان لُدفيج بركهارت"، الذي يُعدّ أول رحالة أسلم إسلاماً خالصاً، ووصف الحرمين الشريفين وصفاً دقيقاً صادقاً، ذلك الوصف الذي أصبح الأساس المعرفي والعلمي لمعظم الرحالة ممن جاءوا بعده واهتموا في كتاباتهم بوصف الحرمين الشريفين .. فمن هو بركهارت؟؟

وُلد بركهارت في لوزانا بسويسرا عام 1784، من أب يُدعى رودلف وكان قبطاناً عسكرياً، ومن أم تُدعى سارة رونر، ويعود نسب الأب والأم إلى إحدى العائلات العريقة الرومانية القديمة. وكان بركهارت منذ الصغر ميالاً إلى الرحلة والأسفار، وبعد تلقيه علومه الأولى التحق بكلية نوشاتل وخرج منها عام 1800 إلى جامعة لايبسك عام 1804. وبعد إتمام تعليمه العالي أظهر نبوغاً في عدة أنشطة متنوعة، فعُرض عليه أحد المناصب السياسية تحت سيطرة فرنسا، ولكنه رفض وسافر إلى لندن عام 1806، حاملاً خطاب توصية إلى السير جوزيف بانكس أمين الجمعية الأفريقية، التي تأسست عام 1788 بغرض ارتياد واكتشاف مجاهل أفريقيا، وكانت الجمعية فشلت مع مجموعة من الرحالة في مهمة اكتشاف منابع نهر من أنهار أفريقيا في النيجر، حيث لاقى الرحالة حتفهم قبل إتمام مهمتهم. وتصادف هذا الفشل مع وصول بركهارت إلي الجمعية، الذي طلب منها الإذن في قيامه بإتمام ما فشل فيه الرحالة السابقون.

ولم تجد الجمعية بُداً من الموافقة، فأذنت لبركهارت في إتمام المهمة رغم أخطارها، وخصصت له جنيهاً كأجر يومي طوال مدة رحلته الاستكشافية. فقام بركهارت أولاً بتعلم اللغة العربية في قسم الدراسات العربية بجامعة كمبريدج، هذا بالإضافة إلى تعلم الفلك والكيمياء وعلم المعادن والطب. بعد ذلك أطلق لحيته وارتدى الزيّ الشرقي: العمامة والقفطان والجبة والعباءة، وتدرب على السير والعدو في الشمس الحارقة مكشوف الرأس، والنوم على الأرض لساعات طويلة، والأكل من نباتات الأرض وأعشابها، وأطلق على نفسه الشيخ إبراهيم عبد الله التاجر الهندي.

سافر بركهارت من إنجلترا في الثاني من مارس 1809 إلى مالطة ومنها إلى الشام الذي قضى فيها ثلاث سنوات متنقلاُ بين حلب ودمشق ولبنان، فاتقن العربية وآدابها وعادات أهلها، كما تمكن من قواعد وعلوم الدين، فأشهر إسلامه هناك. وقد دوّن ذلك في كتاباته واصفاً حياته مع البدو وحفلات السمر والزواج، وطقوس الاستقبال والضيافة .. إلخ هذه المشاهدات. كما قام باكتشاف آثار عديدة ذات نقوش يونانية وحيثية في هذه المناطق. وفي عام 1812 اكتشف آثار تدمر وآثار مدينة جرش، كما كان أول مكتشف لآثار البتراء الشهيرة عاصمة دولة النبطيين.

وفي ديسمبر 1812 وصل بركهارت إلى القاهرة كي يلتحق بقافلة كانت ستذهب به إلى النيجر؛ ولكنه وجد أن القافلة ستتحرك في منتصف عام 1813، فاستغل هذه الفترة في التعرّف على والي مصر محمد علي باشا الكبير، الذي أكرمه وأحسن إليه، فقرر بركهارت المكوث في مصر والتعرف عليها أكثر لحين موعد تحرك القافلة. فذهب أول ما ذهب إلى أسوان والنوبة حاملاً خطابات توصية من الوالي محمد علي، وأظهر للناس أنه تاجر سوري، واستطاع أن يكتشف معبد "أبو سنبل" الفرعوني الذي كان مدفوناً في الرمال. وبسبب تدوينه لمشاهداته العديدة، شك في أمره البعض وظنوه جاسوساً عليهم، فمنعوه من التقدم في أسفاره إلى أبعد من النوبة، فعاد إلى القاهرة مرة أخرى. ولما سأل عن قافلة النيجر وجدها غيرت موعدها وستتأخر سنة أخرى، فقرر القيام بمحاولة جديدة لاجتياز النوبة، حيث تنكر في هيئة تاجر مسلم والتحق بقافلة اجتازت به بادية النوبة، ولكن بعض الرفاق شكوا في أمره، فترك القافلة والتحق بأخرى أوصلته إلى سواكن، ومنها انضم إلى قافلة الحجاج.

ويصف بركهارت في كتاباته كيفية استعداده لرحلة الحج هذه، حيث ارتدى قميصاً وسروالاً وعمامة وصندلاً بسيطاً، كما أخذ معه دفترين لتدوين مشاهداته وقلماً وسكيناً وبوصلة وتبغاً وبعض المال. وأخذ من الزاد عدة أرطال من الدقيق والسكر والتمر والعدس والبصل والشعير، وبعض أدوات الطبخ. كما تسلح ببندقية ومسدس وعصا برأس حديدية. وأخيراً وصل بركهارت إلى جدة في منتصف عام 1814، ولكنه أُصيب بالملاريا وأوشك على الموت، لولا وجود حلاق استطاع أن يشفيه بالحجامة. وفي هذا الوقت اندلعت الحرب بين الجنود المصريين بقيادة طوسون باشا وبين الوهابيين في الطائف، وتصادف وجود بركهارت في جدة مع وصول الوالي محمد علي باشا لتسوية الأمور الخاصة بهذه الحرب، فكتب بركهارت رسالة إليه، فرد عليه الوالي يستقدمه إلى الطائف.

غادر بركهارت جدة إلى الطائف لملاقاة محمد علي باشا، بعد أن مكث بها شهراً كاملاً، فوصف في كتاباته أهل جدة وعاداتهم وتجارتهم وأنواع سلعهم وبالأخص أصناف التبغ المتعددة في سوقها. وبسبب تدوين بركهارت لهذه الأمور وكثرة تنقلاته وتأملاته شك في أمره وأمر إسلامه بعض الناس، فرفعوا ذلك الشك إلى محمد علي باشا. وعندما وصل بركهارت إلى الطائف، أمر محمد علي بامتحانه في أمور الإسلام، حتى يتأكد من سلامة عقيدته وحُسن نواياه تجاه الإسلام، فعقد كبار الفقهاء والمشايخ مجلساً علنياً لبركهارت، وامتحنوه في الفقه والدين الإسلامي، فرد على استفساراتهم بإجاباته صحيحة صائبة؛ لأنه تمكن من الإسلام واتخذه عقيدة راسخة له منذ فترة طويلة، فاقتنع الجميع بصدق إسلامه وتركوه، وبذلك تقرب أكثر من محمد علي باشا الذي قربه منه وأحسن إليه كثيراً، وكان يجالسه ويمازحه في بعض الأمور. وفي إحدى جلساته سأله محمد علي: "أليس من الحُمق أن تقضي أيامك في الأسفار والأخطار" فأجابه بركهارت: "إن الأعمار محددة بقضاء الله وقدره، ونحن لا نخطو خطوة إلا بقضائه سبحانه وتعالى، والأسفار تلذ لي بما يقع عليه نظري من المشاهد الجديدة، وبما أستفيده من أحوال الناس على اختلاف أجناسهم، ولا أبالي بما ألاقيه من التعب في هذا السبيل".

ترك بركهارت جدة ورحل إلى مكة عام 1815، ومكث بها أربعة أشهر، وأطلع على أحوالها وأحوال أهلها ودوّن ذلك كله في كتاباته. وعن فترة وجوده في مكة قال: "في كل رحلاتي ببلاد الشرق، لم أعش مطلقاً أيام يسر ورخاء وهناء ونعيم بقدر ما عشت في مكة. ولسوف أظل أحتفظ بأجمل الذكريات عن الفترة التي قضيتها فيها". وفي كتاباته أيضاً نشعر بقدر كبير من الحب إلى أهل مكة، وإعجابه بهم وبسلوكياتهم وبشجاعتهم وحُسن استقبالهم وضيافتهم للشخص الغريب. ولكنه رغم ذلك وجه انتقادات شديدة إلى جماعة المطوفين، قائلاً عنهم: "هم يعيشون في كسل طوال العام منتظرين الحجاج، الذين يمسكون بهم بأسنانهم ولا يتركونهم إلا بعد أن يدفعوا لهم كل ما لديهم من المال. كما أنهم يتزوجون مؤقتاً من المرأة الأرملة الثرية التي تريد أداء فريضة الحج، وبعد انتهاء الموسم يرفضون تطليقها إلا بعد أن تدفع لهم مبلغاً كبيراً من المال".

وبغض النظر عن هذا الانتقاد، فإن أفضل كتابات بركهارت لمكة كانت في وصفه الدقيق للحرم المكي أو كما أسماه "المسجد الأعظم"، أثناء قيامه بأداء فريضة الحج، حيث انبهر بجلال الحرم وحُسنه وروعته من خلال تلألأ آلاف المصابيح بين أعمدته، بفعل النسمات الباردة الآتية من رفرفة أجنحة الملائكة المكلفة بحراسته، تبعاً لأقوال بعض الدراويش في الحرم، هذا بالإضافة إلى وصفه لحلقات الدرس والطلاب والمدرسين فيه. كما وصف أيضاً وقفة عرفات من خلال دموع الخطيب أثناء الخطبة، وانتحاب الحجيج وتأثرهم ابتهالاً وخشوعاً لله عز وجل.

وبعد أداء فريضة الحج، رحل بركهارت إلى المدينة المنورة فأصيب بالحُمى التي لازمته ثلاثة أشهر، ولكنه استطاع أن يتجول في أرجائها ويدوّن بعض مشاهداته عنها وعن أهلها رغم مرضه. ومن أهم ما دونه شعوره بالصدمة للحالة السيئة التي كان عليها قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقارن بينه وبين قبر أصغر قديس في أي كنيسة من حيث الاهتمام!! كما دوّن رأيه في أهل المدينة فوصفهم بأنهم أقل نشاطاً من أهل مكة، ويندر أن تجد بينهم صانعاً ماهراً، أو حرفياً يتقن عمله، لدرجة أن أي ترميم أو إصلاح يُطلب في المسجد النبوي، كان لابد من إنجازه من خلال استقدام عمال البناء من مصر. وبالرغم من ذلك فقد كانت الزراعة في المدينة المنورة مزدهرة بشكل لافت للنظر.

ولما شُفي بركهارت من مرضه، رحل إلى سيناء ومنها إلى القاهرة أملاً في اللحاق بقافلة النيجر، ولكن مرض الطاعون كان قد تفشى في القاهرة وبالتالي تأجل موعد القافلة، فترك بركهارت القاهرة وعاد إلى سيناء مرة أخرى، وأقام فيها بين البدو حتى انتهى الطاعون من القاهرة فعاد إليها استعداداً لرحلته إلى النيجر التي تأخرت كثيراً، فدرس الرياضيات والتاريخ الطبيعي، وعمل على ترتيب أوراقه وأدواته. ولكن القدر لم يمهله ذلك، فأُصيب بالدوسنتاريا التي لازمته أياماً قليلة، فمات متأثراً بها يوم الخامس عشر من أكتوبر سنة 1817 عن عمر يناهز الثالثة والثلاثين، ودُفن في مقابر المسلمين.

ومن الثابت أن بركهارت ترك إنتاجاً أدبياً وعلمياً، أصبح بعد وفاته من أهم المراجع المعتمدة عالمياً في أدب الرحلات، لما امتازت به من الدقة العلمية والتحليل الصادق، حيث كان يكتب مشاهداته ويرسلها إلى الجمعية الجغرافية في لندن، تلك الجمعية التي اهتمت بهذه الكتابات بعد وفاته، فعملت على نشرها برعاية الكولونيل ليك سكرتير الجمعية الأفريقية والسير وليام أونسلي. ومن هذه المؤلفات "سياحة في سوريا والبلاد المقدسة" وطُبعت لأول مرة في لندن عام 1822، و"سياحة في النوبة" 1823، و"سياحة في بلاد العرب" 1829، و"ملاحظات على البدو وبحث في تاريخ الوهابيين" 1830، و"أمثال العرب" 1831. كما ترك بركهارت مكتبة ضخمة تحتوي على مئات المجلدات والمخطوطات في آداب وعلوم الشرق، أوصى بها إلى جامعة كمبريدج التي تعلم فيها اللغة العربية وآدابها.

وعندما انتشرت كتابات بركهارت المطبوعة في العالم، اطلع عليها "هنري جلياردو بك"، رئيس مدرسة الطب المصرية، وصاحب مجلة مصر الفرنسية، حيث كان على دراية كبيرة ببركهارت من خلال حديث "هنري سالت" قنصل إنجلترا في القاهرة عنه، حيث كان صديقاً لبركهارت أثناء حياته في مصر، وقام برسم صورة له قبل وفاته. فأراد جلياردو بعد 77 سنة من وفاة بركهارت، أن يزور قبره ليذرف عليه الدموع تقديراً لمجهوداته، ولكنه فشل في الوصول أو التعرف على هذا القبر!! وسأل كل من له علاقة بهذه الموضوع، فلم يجد الإجابة الشافية، حيث إن قبر بركهارت مجهولاً، ولا يعلم مكانه أحد!! فوجد جلياردو أن أفضل تكريم لبركهارت، هو اكتشاف قبره!!

وبالفعل سخر جلياردو طاقته ومجهوده في البحث عن هذا القبر، حتى اكتشفه أخيراً عام 1894، وقام بتصويره والكتابة عنه بصورة تفصيلية في مجلته مصر الفرنسية. وخلاصة ما كتبه، أن القبر موجود في الشمال الشرقي من القاهرة على مسافة 500 متر من باب النصر، وهو عبارة عن غرفة مربعة ارتفاعها أقل قليلاً من ثلاثة أمتار، مدخلها متجه نحو الجنوب، وفي وسطها الضريح وفوقه بلاطة من الرخام طولها متر ونصف وعرضها ثلاثة أرباع المتر، مع وجود نصب من الحجارة طوله أكثر من المتر في أعلاه حجر منحوت على شكل عمامة، وعلى هذا النصب كتابة عربية منقوشة، نصها يقول: "هو الباقي، هذا قبر المرحوم إلى رحمة الله تعالى الشيخ الحاج إبراهيم المهدي بن عبد الله بركهارت اللوزاني، تاريخ ولادته في 10 محرم سنة 1199 من الهجرة، وتاريخ وفاته إلى رحمة الله بمصر المحروسة في 16 ذي الحجة سنة 1232".

المصدر: جريدة القاهرة - عدد 983 - بتاريخ 21 مايو 2019
sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 319 مشاهدة

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

752,628