قليلة ونادرة هي الكتب القديمة المجهولة، التي تغير حقيقة ثابتة في مجال الأدب المسرحي، وتضيف - في الوقت نفسه - تاريخاً مجهولاً لم يكُ معروفاً من قبل في تاريخ المسرح المصري. وهذا الكتاب، هو أحد الكتب القليلة النادرة، الذي سيغير حقيقة ثابتة في مجال الأدب المسرحي! تلك الحقيقة التي تغنى بها الكُتاب والباحثون، والتي تقول إن بيتر فايس الألماني هو رائد المسرح التسجيلي في العالم منذ عام 1964. ولكن بعد قراءة هذا الكتاب؛ سينتابك الشك في هذه المقولة شيئاً فشيئاً، لتصل في النهاية إلى الاطمئنان بأن حسن مرعي هو رائد المسرح التسجيلي منذ عام 1906. فهذا الكتاب يحمل بداخله نصاً مسرحياً تراثياً – عنوانه (الأزهر وقضية حمادة باشا) - تمّ طبعه لأول مرة عام 1909، ويُسجل أحداث أول اعتصاب قام به طلاب الأزهر الشريف، طوال تاريخ الأزهر الديني والتعليمي. وهذا الاعتصاب أخذ شكل ثورة ومظاهرات قام بها الطلاب، من أجل إلغاء قانون الأزهر عام 1908، الذي كان يهدف إلى تغيير بعض المناهج الدراسية، وإضافة مناهج جديدة ومواد علمية معاصرة، بهدف تطوير الأزهر علمياً في الظاهر، وتقليل أهميته الدينية والتعليمية وإضعاف أثره الاجتماعي في الباطن. لذلك رفض طلاب الأزهر هذا المخطط، وقاموا بالاعتصاب وامتنعوا عن تلقي الدروس، وأصبح الأزهر خاوياً من طلابه وعلمائه، طوال شهر كامل. فقام الخديوي عباس حلمي الثاني وحكومته بتهديد المعتصبين بقطع جراياتهم، فلم ينجحوا في إبعاد الطلاب عما عزموا عليه!! فقاموا بقطع رواتبهم فصمد الطلاب أكثر فأكثر، فقاموا بمخالفة القوانين بتجنيدهم في الخدمة العسكرية، فتقبل المعتصبون الأمر بشجاعة فائقة!! فقاموا بإحاطة الأزهر بالعساكر والسلاح، فلم يكترث المعتصبون بالأمر!! فقاموا بإدخال القوة العسكرية إلى صحن الأزهر، فكظم المعتصبون غيظهم!! فقام حمادة باشا وأعوانه بجلد الأزهريين داخل جامع الأزهر، وحوّل الرواق العباسي إلى سجن، زج فيه المعتصبين .. وهنا هاج الشعب المصري، ووقف بجانب الأزهريين، وأصبحت القضية .. قضية رأي عام، لم يستطع الخديوي وأعوانه الصمود أمامها، فرضخ أخيراً لمطالب الأزهريين وألغى قانون الأزهر الجديد، وأعاد العمل بالقانون القديم!!
هذه الحادثة التاريخية التي حدثت منذ قرن تقريباً، لا يستطيع المرء حيالها إلا أن يتساءل: أكان الأزهريون مصيبين حقاً في ثورتهم ضد تغيير المناهج الدينية، وإدخال بعض العلوم العصرية في النظام التعليمي للأزهر الشريف .. أم كانوا مخطئين؟! أليسوا بثورتهم هذه قد أخروا تطوير التعليم في الأزهر عدة أعوام؟! ماذا كان سيحدث لو قبل الأزهريون تغيير المناهج، وإدخال العلوم العصرية في مناهج الأزهر الشريف الدينية منذ عام 1908؟! وهل هذا الأمر له علاقة بما حدث منذ وقت قريب – ومازال يحدث حتى الآن – من الدعوة إلى إعادة النظر في مناهج التربية الإسلامية ومناهج اللغة العربية في البلدان الإسلامية والعربية، بحجة التطوير والإصلاح؟! أم أن هذه الدعوة تهدف إلى عزل العربي والمسلم عن هويته وعقيدته؟! .. مجرد سؤال!!
أ.د سيد علي إسماعيل
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
ساحة النقاش