هذا الكتاب .. !!

عزيزي القارئ ..

الكتاب الذي تتصفحه الآن عام 2017 - في "ملتقى فؤاد الشطي المسرحي الدولي الأول" – كان من المُفترض أن تتصفحه عام 2000 في حياة فؤاد الشطي وليس بعد وفاته ..... لا تتعجب فالكتاب له قصة !!

 

كان يوم السادس من إبريل 2016، يوماً حزيناً على المسرح الكويتي والخليجي والعربي!! ففيه مات أحد رموز المسرح العربي .. مات الفنان الكويتي والمخرج المسرحي العبقري فؤاد الشطي!! وكم حزنت لفراقه؛ لأنه كان بمثابة الأخ الأكبر لي. وحزني الشديد على الفقيد سببه إنني أكثر الناس معرفة به وبأسراره وبقيمته الفنية، وهذا راجع إلى أنني صاحب أول كتاب يُكتب عنه، وكان سينشر عام 2000، ولكنه لم يُنشر في حياة الفقيد، وهذا راجع إلى سر احتفظت أنا به، واحتفظ هو به حتى وفاته!! وهذا السر لا بد من كشفه الآن!!

عندما أنهيت الكتاب في صيف 2000، وأصبح جاهزاً للنشر تحت عنوان " فؤاد الشطي وخطوات في الفن والحياة "، سلمت نسخته إلى فؤاد الشطي، وفي ختام مقدمته قلت: " عزيزي: فؤاد الشطى ..... هذا الكتاب، إما أن يكون تأبيناً بمناسبة وفاة إخراجك المسرحي! وإما أن يكون حافزاً ودافعاً كي يخرج المارد النائم فيك، وأن يثور البركان الخامد داخلك، لتخرج بعمل مسرحي جديد، يُعيد أسطورة العنقاء مرة أخرى، ويُعيد إليك مجدك الإخراجي، الذي أصبح الآن مجرد ذكرى!! هذه الذكرى .. كادت أن تتلاشى في عقول من عاصروها .. فما بالك بالأجيال القادمة؟! لذلك أردت من هذا الكتاب أن يكون تكريماً لك في حياتك، لا أن يكون رثاءً لك في مماتك"!!

بهذه الكلمات اختتمت مقدمة كتابي عن فؤاد الشطي، وكأنني أرثيه!! بل وكأنني استشرفت المستقبل، وشعرت بأن الكتاب لن يصدر في حياته!! هذا الكتاب كتبته - دون أي مقابل من أي نوع!! - وقدّمته إلى فؤاد الشطي محبة لشخصه، وتقديراً لمكانته الفنية المتميزة! وأتذكر قولي له وأنا أعطيه النسخة النهائية: "هذا الكتاب هدية مني إليك .. ولك مطلق الحرية في نشره أو عدم نشره".

أظنك يا عزيزي القارئ ستتعجب من قولي للشطي: " ولك مطلق الحرية في نشره أو عدم نشره"!! وهنا يكمن السر الخفي في عدم نشر الكتاب، طوال سبعة عشر عاماً!! فعندما أعطيت الشطي مسودة الكتاب لمراجعة الأسماء والتواريخ، وجدته يستأذنني بكل لباقة وذوق، بأنه سيعطي المسودة إلى شخص آخر من أجل كتابة مقدمة تُنشر في الكتاب باسمه دون المساس باسمي؛ بوصفي مؤلف الكتاب!! هذا الطلب رفضته رفضاً قاطعاً، وأتذكر بأن المرحوم شعر بالحرج وقتها، وأنا بدوري شعرت بالحرج أكثر منه!! لذلك سلمت له نسخة الكتاب كاملة ومنسقة، لا ينقصها سوى الغلاف فقط، حتى أقطع عليه الطريق بألا يضيف شيئاً، وكأنني أقول له: هذه هي نسخة الطباعة، فإما أن تنشرها كما هي، أو أن تتجاهلها؛ لذلك قلت له عبارتي السابقة: "ولك مطلق الحرية في نشره أو عدم نشره"!

وبعد عامين - من تسليم نسخة الكتاب - تقابلت مع المرحوم في القاهرة، وبصورة غير مباشرة – أثناء حواري معه - سألته عن مصير الكتاب! فشعرت بأنه لا يريد الإجابة بصورة صريحة، وكأنه مازال يأمل في موافقتي بأن آخراً سيكتب مقدمة للكتاب، وتُنشر باسمه، وعندما يأس من ذلك، قال: إنه سلّم الكتاب إلى مجلس إدارة فرقة المسرح العربي؛ لأن الفرقة ترغب في تبني الكتاب ونشره .... إلخ.

ومرّت الأيام والشهور والأعوام، وتقابلت مع المرحوم مرات عديدة في القاهرة والإمارات والكويت، ولم أسأله عن الكتاب، ولم يخبرني هو بأي شيء عن مصير الكتاب! وكان الزمن كفيلاً بأن ينسى كل من الكاتب والمكتوب عنه أمر هذا الكتاب الذي كُتب عليه النسيان – ويستحق صفة "الكتاب المنسي" - إلا من بعض المقالات أو الشهادات، التي نشرتها عن المرحوم في حياته أثناء تكريمه عام 2013 و2016، وفيها نشرت عرضاً لمحتويات الكتاب.

وبعد وفاة المرحوم، تواصل معي ابنه الفنان والمخرج أحمد الشطي - رئيس مجلس إدارة فرقة المسرح العربي، ورئيس الملتقى - مبدياً رغبته في نشر الكتاب في الذكرى الأولى لوفاة والده، فرحبت بالفكرة مشدداً عليه بأن الكتاب كان هديتي للمرحوم في حياته، وسيظل هديتي له بعد مماته، شريطة أن يُنشر الكتاب كما قرأه المرحوم منذ سبعة عشر عاماً، وتم الاتفاق على ذلك، وخرج الكتاب إلى النور !!

فالكتاب الذي بين أيدينا الآن، هو النسخة المكتوبة عام 2000، ولم أضف عليها إلا موضوعين: الأول، فرعي بعنوان "مسرحية الطلاق"، وهو عن أقدم نص مسرحي مكتوب بخط يد فؤاد الشطي عام 1968، اكتشفته أثناء تحضيري لكتاب " قراءة في تاريخ المسرح الكويتي من خلال وثائق غير منشورة"، الذي أصدره مركز البحوث والدراسات الكويتية منذ عامين. والموضوع الآخر، هو ملحق الكتاب، الذي نشرت فيه ما كتبته من شهادات ومقالات عن تكريم المرحوم وعن وفاته، حيث فضلت إضافتها في نهاية الكتاب؛ ليكون هذا الكتاب جامعاً لكل ما كتبته عن فؤاد الشطي .. حياً وميتاً !!

والله ولي التوفيق

القاهرة في : 3/3/2017

 

sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

783,612