100 كلمة گرة القدم والشعر
الأهالي : 24 - 06 - 2010
كان حبي للأدب - ومازال- ينحاز دائما إلي الأدب الذي ينجز رسالته الإنسانية أو الفكرية أو الاجتماعية ، عبر مستوي فني جمالي رفيع، من دون أن يعتمد في وجوده علي «مضمونه» «الإنساني أو الفكري أو الاجتماعي وحده.
قد انتقل هذا المنظور إلي نظرتي لكرة القدم، فكنت أنحاز للفرق التي يوجد بها لاعبون ذوو فنيات جمالية عالية. لذلك شجعت، في الفرق المصرية «الأهلي» من أجل صالح سليم في السيتينيات، والخطيب في السبعينيات، ووليد صلاح الدين في الثمانينيات، وأبو تريكة في السنوات الأخيرة. وشجعت من فرق العالم : البرازيل من أجل زيكو ورونالدو، والأرجنتين من أجل مارادونا وميسي، وهولندا من أجل كرويف، وفرنسا من أجل بلاتيني وزيدان. ومازلت أذكر من فرق البلاد العربية لاعبين فنانين مثل : الأخضر بللومي ورابح مادجر في الجزائر، وعزيز بو دربالة في المغرب، كان هؤلاء الفنانون يمثلون عندي «الحداثة» في كرة القدم.
وكنت دائما، في النظر إلي كرة القدم، أضع أمام عيني تقسيم الناقد د. عبد المنعم تليمة لنوعين من الأدب، الأول هو : الذي «جماله في نفعه»، والثاني هو الذي «نفعه في جماله». كان ناقدنا الأدبي يفرق، بذلك ، بين أدبين: الأدب الذي يذهب إلي «هدفه» مباشرة، مركزا علي مضمونه الفكري أو السياسي أو الاجتماعي، من دون كبير عناية بالتقنيات الفنية الجمالية التي تحمل هذا المضمون النبيل، حيث «المنفعة» هي القيمة الجمالية العليا. والأدب الذي لا يري أن المضمون النبيل وحده يضمن عملا فنيلا جميلا، بل لابد لهذا المضمون النبيل من تشكيلات فنية جمالية جديدة ومتجددة متميزة. حيث «الجمال» هو نفع، بذاته. ولذا كنت أري أن الفنان الكبير هو ذلك الذي يمزج العنصرين معا (الجمال والنفع) في سبيكة موفقة واحدة. فلا يغرق في المنفعة (أو المضمون، أو الهدف، أو الرسالة) فقط، متجاهلا المستوي الفني، ولا يغرق في الجماليات فقط متجاهلا المعني أو المضمون أو الرسالة.
لذا، رأيت دائما أن هناك لاعبين في كرة القدم: اللاعب الذي يجسد الوصول إلي «الهدف» مباشرة (المضمون أو الرسالة أو الغاية) التي هي إحراز «هدف» في مرمي الخصم. بصرف النظر عن الطريقة الجافة العادية المباشرة لإحراز هذا الهدف. مثل : عبده نصحي أو حسن الشاذلي أو رفعت الفناجيلي أو مجدي عبد الغني. وهؤلاء يوازوون عندي في الشعر الشعراء السياسيين المباشرين الذي يعطون الأولوية للمعني السياسي المضموني المباشر دون العناية بالجماليات، مثل أحمد فؤاد نجم أو مظفر النواب أو حسن فتح الباب ، أو عبد الرحمن الشرقاوي أو توفيق زياد أو أحمد مطر وغيرهم. وهناك اللاعب الذي يصل إلي «الهدف» (المضمون أو الرسالة) عبر أداء فني جميل ولمسات حرفنة متمكنة وأسلوب تجديدي ممتع. مثل صالح سليم وعلي أبو جريشة والخطيب وأبو تريكة وحازم إمام ومحمد زيدان. وهؤلاء يوازوون عندي في الشعر: أدونيس وعفيفي مطر ومحمود درويش وسعدي يوسف وفؤاد حداد وسيد حجاب وغيرهم.
الغريب، في هذا السياق، أن لاعبي «الشكل الجمالي» في كرة القدم، كانوا هم الأكثر شهرة من لاعبي «المضمون المباشر» وأكثر حضورا في ذاكرة ومحبة جماهير كرة القدم. علي العكس من الحال في الأدب حيث حظي أدباء «المضمون المباشر» بالشهرة الجماهيرية الواسعة وبمحبة جماهير قراء الأدب، وكأن «الذائقة الجمالية» لدي جماهير كرة القدم أكثر رقيا وارتفاعا من الذائقة الجمالية لدي جمهور الأدب والشعر.
من هذا المنظور - كذلك- فإن في كرة القدم لاعبين يلتزمون بخطط المدرب، ويصنعون ما يطلبه بالحرف، من دون خلق أو ابتكار أو إبداع أو بصمة شخصية. وهؤلاء يماثلهم - في الأدب- الأدباء الذين ينتجون أدبهم بتطبيق القواعد الأدبية، كما جاءت في الكتب المقررة، ويمشون حذو الأصول والشروط الأولية من دون أضافة ذاتية إبداعية تتعدي القواعد أو تتجاوزها إلي الخلق المبدع. النوع الأول لاعبون متوسطون مدرسيون، والنوع الثاني أدباء متوسطون مدرسيون0 أما الذين يكسرون قفص القواعد بعد الإلمام بها، ويقدمون الإبداع الخلاق- في المجالين- فهم الموهوبون المفطورون الشارخون (وهم نسبة قليلة في كل من المجالين : الكرة والشعر).