ويعيش أحرار العقول بظلها غرباء
"في تأبين المرحوم أمين لطفي بمسرح حديقة الأزبكية يوم 14 من فبراير عام 1936"
وترٌ على شطّ المنيّةِ غافي = شُلّتْ عليه أناملُ العزافِ
ماتت أغاني الروح فوق مهادهِ = وذوت رُؤَى الأشباح والأطيافِ
يا مَنْ عشقتَ نشيدَهُ متسلسلاً = من هائجٍ صخبٍ ومن هفّافِ
إن كنتَ ذا حدبٍ عليه ورحمةٍ = مزّق بقلبك سترَ كلّ شغافِ
قد كان مُلهمهُ الحبيبُ منعّماً = في زورقٍ حولَ الضُّحى طوّافِ
ملاّحُهُ ملكٌ يقودُ زِمامهُ = في هالةٍ من نورهِ الرفّافِ
يسري به والطّهر مدّ شراعهُ = لجلال مرفأةٍ وقُدس ضفافِ
في جوقة النّوتيّ أيقظ روحه = شجنُ المساء بهمسة الزّفزاف
فشدا ورنّم والطيور حياله = خرس الحناجر هجّع الأطراف
تصغي له نشوى كأنّ هتافهُ = زفّ الصدى لقوادمٍ وخوافي
وهبت له مزمارها فأعارهُ = لحن الضحى وقصيدةَ المجداف
واليمّ صديان الحشا متلّهفٌ = ظَمِئاً لشدو السابح الهتّاف
والكون أشيبُ خدّرَتهُ نُفاثَةٌ = هاجت بها ذكرٌ لديهِ خوافي
يا من رأى الدنيا تحار سفينةً = تجري على نور الصباح الضافي
وأتى المساء لحظّها متجهماً = يطوي السنا بحوالك الأسداف
دجوان مصطخب الرياح تنوح في = قلب الدجى بالزعزع القصّافِ
فتهافت الملاّح يطلب نجوةً = من يمّه المتوثب الرجّاف
سبق الردى لكَ يا مُؤمّل خُلده = وطحا به الريح العتيُّ السافي
سل عنه في يوم استفانو موقفاً = خلت الوقوف به على الأعرافِ
كفٌّ مطهرةٌ تصافح أختها = فيقال آثمةٌ منَ الأجحاف
وتروح كفّ الظلم تبسط خمسها = نِقماً وتُسرفُ أيّما إسرافِ
والله يشهد أنها ما استأثمت = يوما ويشهد ساحل المصطاف
مُذْريَّةٌ مَدّتْ أناملها هوى = ومحبّةً تهفو لخلٍّ وافِ
فيحُوطُها الشكّ وينبري = لعقابها اللاحي بلا إنصاف
وهيَ التي لو لامست قلب الصفا = لأذاع عطر الروح للمُستافِ
وعقيدةً كادت تُضيءُ قداسةً = إن غال صبح القوم ليلُ خلافِ
إن عاش فيها المُستضامُ فَراهةً = فهوَ الذي يَرضى بعيش كفافِ
شرفُ الجهادِ عقيدةٌ لم يُغوها = بهجُ الحليِّ وبهرجُ الأفوافِ
يا أمةً يُسقى المداهن بينها = شهد المنى والحر كأس زعافِ
ويعيش أحرار العقول بظلها = غرباء من عنت الزمان الجافي
أفمنْ يظل على المبادئِ ثابتاً = قذّفتِهِ في البؤس شرّ قذاف
ودفنت في وضر الجحود ضياءهُ = دفنَ الثرى للجوهر الشفّاف
ماذا عليك إذا سقيت غراسهُ = حيًّا وقد أولاكِ عذب قطافِ
كرّمتهِ بعد الممات ومنْ سوى = كفّيكِ زفّ الموت أيّ زفاف
قد كان في الصمت المجاهد آيةً = أعيت سرائرها حجا الوصّاف
نارٌ تئزّ بجدولٍ مترقرقٍ = ولظًى يشبّ بزنبقٍ رفراف
وذبالةٌ تذكي الفناء لعُمرها = وخيوطها بالنور جدّ ضوافي
هو ذا الجهاد فلا تقل بُوقَ اللُّهى = يَهذي بطنطنةٍ ورجفِ هتافِ
كم حكمةٍ صرخت بمنطق شاعرٍ = ونصيبهُ منها خيال خُرافي
شعر: محمود حسن إسماعيل