دمعة في قلب الليل
فزعت للظلام روحي كما يقْـ = ـزعُ أعشى لومضةٍ من ضياءِ
فحبست الخيال حتى إذا ما = ضجّ في خاطري من البُرحاءِ
هربت أدمعي إلى ساحة الليْـ = ـلِ تهاوى في الدُّجيْة الظلماءِ
ما لها في السنا ملاذٌ ولا في = فجّة النور خفقةٌ من رجاءِ
ساقها في الظّلام حادٍ من الهمّ = بلا ريثةٍ ولا إبطاءِ
مستحثّ الخطى حدوبٌ على القَـ = ـلْب يُزجّيه في رحاب الفضاءِ
في عُباب الدُّجى يهيمُ بمسرا = هُ فتُضويهِ غيبةُ الميناءِ
ليت ملاحي الضلولَ هدتهُ = بارقاتُ الهدى لشطّ الفناءِ
طال في الليل سبحهُ وهو حيرا = نُ شجته مضاضةُ الإعياءِ
وطحت بالشّراعِ هبّاتُ ريحٍ = عاصفاتٌ من زعزعٍ نكباءِ
إيهِ ياليلُ ! قدّ لي من حواشيـ = ـكَ حجابا وناجي في خفاءِ
لا تُذع شجويَ الكئيبَ ولا تكـ = ـشِفْ دموعي لأعينِ الرقباءِ
ودعِ النسمة العليلةَ تَحسو = من فم الزهر بَلسما للشفاءِ
ودع الكون هاجعاً ودع النا = سَ نشاوى في غمرة النعماءِ
خلِّني للدموع وحدي أناجيـ = ـها وحيدا في العزلة السوداءِ
أنا من كأسها شربتُ صبيّا = خمرةً سلسلت من البأساءِ
عصرت من مطارف الألم الذّا = وِي بقلبي وعُتّقت في دمائي
تخذت جامها المحاجر والسا = قي همًّا يؤجّ في أحشائي
هيَ أشهى إلى عيوني من النّو=ر، وأبهى من لمحة الأنداءِ
هات يا ليل قطرها فهي حيرى = كتمتْ برحها من الكبرياءِ
سبقت مطلع الندى لكَ..دعها = تتهادى للسّحرة الفيحاءِ
ربما أطلعت بظلكِ فجرا = شعشعت منه هالةٌ في السماءِ
ربما روّت الأزاهرَ في المرْ = ج فماست في الربوة الغناءِ
ربما فجّرت لقلبك نبعاً = وردهُ مُنيةُ القلوب الظّماءِ
همسها في الجفون أصداءُ نايٍ = بلعت شدوهُ رياحُ المساءِ
مزهرٌ للعيون أوتارهُ الهدْ = بُ وأنغامه رنين البكاءِ
صامتٌ في الظلام ألهمَ قلبي = من معانيه عبقريّ الغناء
لامني في هواه خالٍ من الهمّ = بليد الفؤاد جمّ الغباء
ردّ عني يا ليل دعواه إنّي = كدتُ من لومه احطّم نائي
لغةُ الدمع في سماءٍ من العصْـ = ـمةِ عزّت مشاعر الأغبياء
حبست وحيها عن العقل إلا = حين تسمو ملاحنُ الشعراء
***
هات يا ليل من أغانيك واملأْ = نغمي بالخواطر الهوجاء
أنا في غارك المغلف بالظلْـ = ـمة أسيان مثقلٌ بالشقاء
حكمةٌ في دجاكَ أنكرها العقْـ = ـل فلاذت بالصمت والإنزواءِ
سمعت أرغن الليالي فهامت = من صداه بنغمة خرساء
هوّمت في الفؤاد تُزجيه للحيْـ = ـرة والسحر والأسى والعناء
واسِ يا ليل جرحه فلقد طا = ل أساه بريقة الأدواء
أنت بحر الحياة ياليل كم فيْـ = ـكَ أهاويل من صروف القضاء
كم غريقٍ بيمّك الأسود الصا = خب آدتهُ صرعة الأنواء
صفعتهُ عنيفةٌ من كفوف الدّم = فانحطّ في مهاوي البلاء
وسبوحٍ على متونكَ مجدو = دٍ تخطّته هيجة الدّاماء
قد ضممتَ الأكوان تحت جناحَـ = ـيكَ سواءً في جنح هذا العماء
هو ذا الكوخ رازحٌ تحت أثقا = لكَ وهنان كالضرير المُساء
حاكَ من سدلك الكحيل غطاءً = وارتمى جاثيا ببطن العراء
عابرٌ في حماك شفّت مطايا = هُ شجون السرى وبرح الحفاءِ
لم يجد راحما يواسيه في البلْـ = ـوى وينسيه مضّةَ الإنضاءِ
فتغافى من الضنى ينشد الرحـ = ـمة والصفو في الخيال النائي
رجفت شمعةٌ بجنبيه تهفو = في دجاه كالمقلة العمشاء
خنق الليل نورها خنقة البؤ = س لأرواح أهلها التعساء
فرنت للقصور غيرى شجاها = أخيل من لواحظ الكهرباء
سادرٌ في البروج كاد من الفتْـ = ـنة يرقى إلى بروج السماء
لقي الليل حتفه حين وافا = هُ طريدا معرسا في الخلاء
فثوى في التخوم كالهمّ ألقى = رحله صوب هالةٍ من صفاء
ودنا الفجرُ في غلائله البيْـ = ـض شفيف الإهاب نضرَ الرواء
يسكب النور في العيون ولكن = أين للروح ومضةٌ من سناء؟
أين فجر الجنان؟ يا فجر هدهد = نغماتي ، ولا تضيّع ندائي
شعر: محمود حسن إسماعيل