اللاجئون
(بين الخيام والظلام وهدير السيول في أرض المعراج وفي شتاء مقرور الرياح مسعور العواصف جرفت أمطاره خيام اللاجئين...)
بكى عليَّ الصَّدى واللَّحْنُ والوَتَرُ = وَلَمْ أَزلْ لِعَذّابِ الشِّعْرِ أَنْتَظِرُ
أومت إليَّ سواقيه فقلت لها = مات الربيع ومات العطر والزهرُ
دُوري على نوحك المهجور في أُفُقٍ = ناح التراب عليه واشتكى الحجرُ
لا ترقبي عائدا بالناي أو دَنِفًا = تُعطيك بعض الهوى من شجوه الذِّكَرُ
ولا تظني صلاة الوحي آتيةً = إنَّ المصلِّين بالإلهام قد عبروا
إنَّا غريبان ساقَ الظلمُ أدمعنا = إلى فجاجٍ بها يستوحشُ القدرُ
في رحلةٍ لا تعي الأيَّامُ وجهتها = ولا يتاح لها حلٌّ ولا سفرُ
ولا ديارٌ ولا أهلٌ ولا سكنٌ = ولا حياةٌ ولا عيشٌ ولا عُمُرُ
كأنَّنا في خضمِّ الريح عاصيةٌ = من الغصون رَمَى آجالها الشَّجَرُ
تلفَّتي هاهُمُ في الأرض إخوتنا = تعاورتهم خطوب الدهر والغيرُ
كانوا بأوطانهم كالناس وانتبهوا = فما همُ من وجود الناس إن ذُكِرُوا
مُشَرَّدُونَ بلا تيهٍ فلو طلبوا = تجدُّدَ التّيهِ في الآفاق ما قَدَرُوا
يلقى الشريدُ فجاج الأرض واسعةً = لكنهم بمدى أنفاسهم حُشروا
في خيمةٍ من نسيج الوهم لفَّقَهَا = ضميرُ باغٍ بمجدِ العُربِ يأتمرُ
أوهى وأوهن حبلا من سياسته = لو مسَّها الضوء لاتقدت بها السترُ
تعدو الرياح بها نشوى مقهقهةً = كأنها بشقوق النمل تنحدرُ
أو أنها حين تذروها سنابكها = أضغاث شيءٍ تلاشى ماله أثرُ
تهتزُّ إن ذاقت الأحلام صفحتها = بنسمةٍ لظلال الخلد تأتزرُ
وتنشب الذعر في الأوتاد هاربةً = في صدر ساكنها إن زارها المطرُ
فكيف لافت زئير السيل كيف غدت = ووَيلهُ كنبالِ الموتِ ينهمرُ
وغيمهُ لم يدعُ في الدهر ثاكلةً = في جفنها دمعةٌ للثُّكلِ تُدَّخَرُ
جفت دموعهمُ من طول ما ذرفوا = فجاء يذرف عنهم كُلَّ ما ستروا
وينفُخ الصّور من بوقٍ يصب به = هول العذاب فلا يُبقى ولا يذرُ
لعلَّهُ يقظةُ الأحرار أرسلها = أذانُ بعثٍ به قد واعدَ القدرُ
لعلَّهُ الصيحة الكبرى تدقُّ على = باب الجهاد ليومِ أمره عَسِرُ
تلقى به عصبة الشذاذ آخرةً = على مُداها ذئاب الغرب تنتحرُ
وتمَّحِي قصَّةٌ صهيونُ لفَّقَها = وكم لبهتانها من زيفهِ صُورُ
لعلَّهُ الهولُ والرحمنُ أرسلهُ = لتستردَّ بهِ أمجادها مُضرَ
لعلهُ عِزَّةٌ جاءت مجلجلةً = لكي يُصيخ إليها النائم الخدرُ
يا منْ لِقومٍ على الأوحال ينهشهمْ = غول الشتاء بريح فجرها عكرُ
ملعونةُ اللمس من مستهُ راحتها = عضَّتهُ أفعى سرى من نابها الخطرُ
إن لمْ تُذقهُ الردى هونًا فرحمتها = أن تبذرَ السلَّ فيهِ ثمَّ تنحسرُ
كانوا عُراةً فغطى البرد أعظمهم = والجوُّ خفَّ لهم بالموت يعتذرُ
وكُبكِبوا في مخاضاتٍ يُشل بها = خطو الرياح وتنعي نارها سقرُ
ما بين طفل تمد الراحَ نظرتهُ = وأمه في مطاوي النزع تنفطرُ
وغادةٍ تُمهلُ الأقدارُ فتنتها = في بغتة الأفق لم يُدرك لها خبرُ
طارت وعادت وصارت في مفازعها = حمامةً في مدارِ الصيدِ تنسحرُ
وطيفِ عُرجون شيخٍ في تهاربهِ = مع العصا كان شيخًا ثم يندثرُ
أسطورةٌ تُخجل النيا حكايتها = بل نقمةٌ في حشا الأحرار تستعرُ
عمَّا قريب يدُ القهار تُطلقها = نارًا بها عصبة الأشرار تندثرُ
وتسترد فلسطين بيارقها = مرفرفات بمجد النصر تزدهرُ
ويملك العرب الأحرار أرضهمُ = والله أعظم إنَّ الحقَّ منتصرُ
1951
شعر: محمود حسن اسماعيل