فلسطين
سَيَظَلُّ يَنْهَشُ فِيْ عُرُوْقِيْ ثَارُهَا = حَتَّىْ تُكَبِّرَ لِلصَّبَاحِ دِيَارُهَا
حتى يعود الليل فوق ترابها = أشلاء ليلٍ شبَّ فيه نهارُهَا
حتى تذوب مع الظلام خيامها = وتعود تكتسح الدجى أسوارُها
حتى يداهمها الضحى بيمينهِ = وبها يفكُّ من القود إسارُها
حتى يراق دمي على جنباتها = وبه منَ التاريخ يُغسلُ عارُها
حتى يهلل فرحةً شهداؤها = للبعثِ يحمل فجرهُ أحرارُها
حتى يبيد الغاصبون بأرضها = وتبيد طيَّ رفاتهم أوزارُها
حتى تُزمجر بالفيالقِ حومةٌ = عربيةٌ لا يستريح أُوارُهَا
حتى تعود إلى الديار غريبةٌ = لكتائب الأبطال تظمأُ نارُهَا
ويكبر الجبل الحزين لموكبٍ = تهفو إليه سهولها وقفارُها
ويدُ العروبةِ في السماءِ كأنها = بشرى من الرحمنِ عاد مزارُها
فيها مع الأقدار موعد أمةٍ = غضبت وأضرم نارَها ثوَّارُها
فيها مصير عصابة يفنى المدى = والتيه كان وما يزال شعارُها
فيها فناء الغاصبين وإنَّهُ = لنهايةٌ للظلمِ حان قرارُها
فيها فلسطين الجريحة أجهشتْ = بقضيَّةٍ في البغي طال حِوارُها
فيها ليوم الزحف غضبة ماردٍ = يبلي الطغاة المعتدين شرارها
قل يا جمالُ ونحن شلاّل اللظى = نحن المنايا جددت أعمارها
الوحدة الكبرى طريق نضالنا = للنصر مهما كابدت أسفارها
سنسير نقتحم العواصف والدجى = مهما تكاثف حولنا أستارُها
سنسير نخترق السدود وننبري = حتى كهوف الكيد نحن دمارُها
نهوي عليها باتحاد صفوفنا = فيعودها قبل اللقاء خَسارها
شقت كلوباترا التآمر مثلما = شق المحيط المدلهمَّ فنارُها
صمدت لحيات المكائد آيةً = للبأس كلَّلَ كل حرٍّ غارُها
وقفت لها كل العروبة وقفةً = جبَّارَةً غذت النضال ثمارُها
فسقى لها النصر الأبيُّ وذاب في = فشل الدسائس ما أراد حِصارُها
وغدًا لإسرائيل غضبةُ زاحفٍ = بالهول يفهق بالجحيم سعارُها
غصبت تراب الأنبياء برجسها = وهي التي أغرى بهم أشرارها
ما زال في خشب الصليب وقدسهِ = عار الجريمة دقَّةُ مسمارُها
أرض السرى والقدس كيف يدوسها = رجسٌ ويخفق في ثراه منارُها
أرض النبوات التي لولا الضحى = من كفها طمس العقول غبارُها
كانتمصابيح الوجود وظلمةٌ = في الغرب يصخبُ كالخضمِّ مدارها
كانت نهارًا عالمًا من حولهِ = ليلاتُ جهلٍ ما يُزاح ستارُها
غذت الحياةَ ونوَّرت أرجاءَها = وعلى الضياء تفتَّحتْ أبصارُها
دارَ الزمانُ بغدرهِ وببطشهِ = وطغى الدجى وتألبَّ استعمارُها
وأتى الصباح وتلك أيةُ فجرهِ = للعرب يسطع في الظلام نهارها
في كل يوم للقيود مقابرٌ = ومغاورٌ يهوي بها فُجَّارُها
وقيامةٌ تشد الدجى عربيةٌ = في الوحدة الشماء هبَّ مسارُها
يحدو مقالدها وتحدو خطوةُ = عينُ السَّما وتُعينه أَقْدارُهَا
15 مايو 1960
شعر: محمود حسن اسماعيل