غريب في الربيع
"إلى يوم عيد شربت فيه آخر قطرة من حميم الوحدة في نادي الخليين"
أنا الغريب هنا لا خمرُ أُسقاها = ولا نديم يُعاطيني حُميّاها
أنا الغريب هنا لا الروض يبسم لي = ولا أزاهره تندى ثناياها
هنا الخميلاتُ أشواقٌ مُرنّحةٌ = العاشقون طيوبٌ في حناياها
هنا الخليّون لم يُقدرْ لراحتهم = موتٌ ولم يعدموا للنفس سلواها
****
هنا الخليُّون أحسابٌ وأنسابُ = حبائبٌ عبقريّات وأحبابُ
وخمرةٌ تُسكرُ الأحلامَ ريقتها = وشاربون لهم في السكر آدابُ
طارت بهم نشوة اللقيا وغلّلني = قيدٌ من الوحدة الخرساء غلاّبُ
يا حسرتا أنا محرومٌ وملءُ فمي = نجوى وملءُ دمي شوقٌ وتحنابُ
****
أنا الذي ملّت الشكوى أناشيدي = ماتت بقلبي حتّى فرحةُ العيد
عيدٌ مضى قبل أن تبدو بشائره = وأزهقت روحه أشباح تسهيدي
كم مرةٍ هزّني من نايه نغمٌ = فرحتُ أسقي المُنى خمرَ الأغاريد
مالي أراهُ كأنّ الحزن أذهله = فلحنهُ ذوبُ آهاتي وتنهيدي
أنا الخليّ الذي دنياهُ تشبيبُ = وحبّهُ لهبٌ في الروح مشبوبُ
أنا الخليُّ وفي جنبيّ ملحمةٌ = خفّاقةٌ شعرها بالنّارِ مكتوبُ
حبّي أغانٍ شريداتٌ وأخيلةٌ = وهنانةٌ وأسىً دامٍ وتعذيبُ
حبّي جنونٌ وأحلامٌ مُحَيّرةٌ = وفكرةٌ سرّها بالغيب محجوبُ
****
خلقتُ بالشعر حوّاني وجنّاني = وقلت حسبي من الدنيا خيالاتي
حتّى أفقتُ على حوّاء تهتف بي = وفي دمي آدمٌ عاتي الصباباتِ
فصحتُ يا ريحَ من أنستهُ فكرته = أنّ الحياةَ هوًى سامي الصباباتِ
يا ويحَ لي ولفنٍّ كنتُ خالقةٌ = واليوم خالقه فنُّ السماواتِ
****
أسلوةٌ أنا مالي لا تناديني = حوّاءُ فكري إلى حبّ المجانين
حبُّ الأُلوهيّة النشوى بعفّتها = وعزّةٍ عرفت ذُلَّ المساكين
هناك تحلو انطلاقاتي وتعرفني = ويُغرقني موجُ الأفانين
هناك حيث اتّحدنا روح شاعرةٍ = وشاعرٍ بالهوى والمجد مفتونِ
****
هناك حيث شربنا خمرة الأزلِ = وكان قلبك يحكي نشوةَ الأملِ
وكُنتِ منّي مكان السحر للمُقلِ = وكنتُ منكِ مكانَ الشاعرِ الغزلِ
وقلتِ لي أنا قُلتُ الكونُ بعضُ أنا = وقُلتِ أنتَ فقلتُ الموت أهنأُ لي
يا طيبُ ما مرَّ من أيامِ فطرتنا = يا بؤس ما أبقت الأيامُ من أجلي
****
حوّاءُ ما طابت النّجوى لِمنتحبِ = عُودي إلى آدمٍ في التيه مغتربِ
لم يُنسه الفنُّ أن الحبّ خالقه = وأن أمواجه في الحبِّ كالحببِ
وكيف ينسى وفي عينيه جائعةٌ = أرادها اللهُ أن تقتات بالنوبِ
روحٌ من الملإِ الأعلى تقاسمها = سجنٌ وحريّةٌ مجهولة السببِ
****
يا فنُّ إنك من حواء مجبولُ = يا شعرُ معناك ضماتٌ وتقبيلُ
لا تبكياني فلِلحِرمان آخرةٌ = ولا تظُنّا فبعضُ الظنِّ تخبيلُ
إنّي أُريد الهوى أفكار مُلهمةٍ = فنّانةٍ ملءُ دنياها التهاويلُ
أريدها قبساً يُهدي إلأى قبسٍ = مُغَيّب نورُه يأسُ وتأميلُ
****
أريد حواء من صنع المقاديرِ = أُسطورةً شربت خمر الأساطيرِ
مخلوقةً من سبيئات القوارير = والذكريات وأنفاس المزاميرِ
أريدها فكرةً لله خالدةً = خلود روحي وأشجاني وتفكيري
أسمو بها ثم تسمو بي إلى فلكٍ = يفنى على نورهِ قلب السماديرِ
****
أريدها كالأماني صدقُها كذِبٌ = أريدها فرحةً طافت بها النُّوبُ
أريدها بنت أيامٍ مُعذَّبَةٍ = وأنفسٍ في جنان الشّوكِ تضطربُ
أريدها ولها من نبلها نسبُ = ومن جلالتها في ضعفها حسبُ
وآهٍ منها ومن وهمٍ يُمَثِّلُها = حتى إذا شمتها تنأى وتحتجبُ
شعر: صالح الشرنوبي