الفنان
هو نايٌ حرم الشدوَ فماتت أغنياتهْ
هو قلبٌ منع الحبَّ فجُنّت خفقاتُه
هو كأسٌ عافه الشرب فجفّت قطراته
هو جفنٌ شاقه النومُ فطالت رعشاتهْ
***
وهو نايٌ نفخت فيه الأعاصير فناح
وهو قلبٌ خالد الأشواق محموم الجراح
وهو كأسٌ فيه للصهباءِ مغذًى ومراح
وهو جفنٌ ناعس الأحلام لا يدري الصباح
***
هو من لاتنظر الأعينُ منه غيرُ جسمِ
وهو فجرٌ لفّهُ جنحُ الظلام المدلمِّ
قدَّ اللهُ عليه الفكرَ من حرب وسلمِ
الألُوهيةُ فيه ترتدي أثواب إثمِ
***
ذلك الظاميءُ يسقي النّاسَ خمرَ العبراتِ
معجزُ الباكين وهو العبقريّ الضحكاتِ
خالقُ الكون الذي يخفقُ فوق الكائناتِ
للرُّؤَى فيه حياةٌ وفناءٌ كالحياةِ
***
لم يمثّله سواهُ وهو فانٍ في سواه
شائعُ الرّوحِ وإن حُدَّ بما تقضي الحياه
إن تَكُ الأيام ديرا فهو في الدير صلاه
أو يكُ الحزن نشيداً فهو في الأرض صداه
***
زادُه حوّاءُ والفنُّ وعلويّ الرغاب
خالد الأشواق ما بين حنين واغتراب
فهو للنّاس نعيمٌ وهو بالنّاس عذاب
إن سما فهو سحابٌ أودنا فهو تراب
***
هو مَنْ سمّوهُ فنّاناً وفي الأسماء فنُّ
وهو نايٌ وهو كأسٌ وهو قلبٌ وهو جفنُ
كلما طار بنجواهُ إلى المجهولِ لحنُ
هزّهُ من جانتبِ المجهول هتّافٌ مُرِنُّ
لا يعرّنْك الذي يبدو ففيه المُستكنُّ
أنا يا خالق خلاّقٌ من البدءِ مِفَنُّ
قبستَ رُوحك من روحي فعيني لكَ عينُ
وبأحنائك منّي ثورةٌ لا تطمئنُّ
***
أيُّها الفنّانُ ما أجملَ دُنياكَ وأكرمْ
أنتَ يا مُبدعُ ما في الكون من حُسنٍ مُلثّمْ
قدّس الحسنَ وخلّدهُ فما في الحسن مأثمْ
أيُّها الملهم والدهر بما يشقيك مُلهمْ
عشْ كما شاءت خيالاتك وافرح وتألّمْ
لا تقُلْ إنّي محرومٌ وغيري يتنعّمْ
أنت يا محروم تدري أنّ راووقك مُفعمْ
ومن الحرمان خُلدٌ هو من دُنياكَ أعظمْ
5 أبريل سنة 1945
شعر: صالح الشرنوبي