الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

أشعار الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

زوج ابليس

من وحي الضحايا

" صدى ليلة ثلجية الأشواق ، بدئت بحنين الجسد وانتهت بأنين الروح "

 

هذه دارُها وتلك رُباها = نمّ عنها شميمها وسناها

هذه دارها تنادي غريبًا = عن حماها ما شامها أو رآها

هذه دارها وقد أمر الليْـ = ـل أخاهُ الشيطان أن يرعاها

فأتى دون ناظري فطواه = وأتى دون ظلّها فطواها

***

هذه دارُها وقد كان عهدي = بسواها ألاّ نُضاعفَ جَهدي

ما لرجليّ تشردان عن النهْـ = ـجِ كاني مشردٌ يتجدي

ما لكفّيّ أُسقطا ويح جدّي = أيّ دار أذمّها اليوم وحدي

شاهَ وجهُ الشيطانِ مالي أراه = يتلقّى عزيمتي بالتّحدّي

***

عجبًا هذه مهاةٌ تذوبُ = في أكُفٍّ تسليمها تشبيبُ

كلما دق ساقها رقص النهْـ = ـدُ وفاحت من جانبيها الطيوبُ

وإذا شاقها المنام دهاها = من وراء الحجاب صوتٌ غضوبُ

أذكرينا أنضاءَ جوعٍ وسُهد = وتناسى أن الطعام ذنوبُ

***

شغلتني بروحها الغلابِ = عن حريقٍ يشب في أصلابي

ورمتني بنظرة ثم قالت = ما رأينا سواك من هيّابِ

هذه الدار لم تهيّأ لغيري = من ضحايا الندمان والأحبابِ

لا تخيّب رجاء شاةٍ رماها = عاصفُ اليأس في محيط الذئابِ

***

وإذا بي أجيب كفا بكفِّ = وألبّي بضمّها صوتَ حتفي

أحسبُ الدار تستحيل عُبابا = ثائر الموج من ظلامٍ وخوفِ

أو يَباباً تزمزم الجنُّ فيه = وتُرى العين رقصةَ المتشفّي

وأرى الحائط المُغيّب في الظلْـ = ـمة شطًّا يُبدي الظلامَ ويُخفي

***

قلت يا هذه أنيري طريقي = جفّ حلقي فما يندّيه ريقي

وإذا همسةٌ ممزّقة الج = س صداها كهمهمات الغريقِ

أيّها الطارق الغريب تمهّلْ = إنّ عهدَ الأيّام غيرُ وثيقِ

ها هنا قصةٌ يُمثّلها البؤ = س على مسرح الهوى والرحيقِ

***

ما ترى ذلك الخيالَ الملثّم = غاب في خاطري الدُّجى وتكتّمْ

تلك أُمّي ولست أعرف أُمًّا = ولدتني والدهرُ بالسرّ أعلمْ

عثرت مثل عثرَتي بصُخُور = فوقها زورقُ الحياة تحطّمْ

ثمّ أمست ذكرى شباب وحسنٍ = تُلهم الدمع أن يذل فيسجُمْ

***

أنا في دارها أعيش غريبه = وتراني فيها كأني نسيبه

عقدتني بها من الحظّ قُربى = فكلانا من أختها محبوبه

غير أنّي أعولها وأرجّي = لشبابي من الحياة نصيبه

قبلَ أن يذهب الشباب وأبقى = وأنا من سحر الشباب سليبه

***

حيّها حيّها فقلت سلاما = يا بنةَ الليل والطلا والندامى

وتضاحكت مُطرق الرأس فكرًا = في جمالٍ عافَ الحياةَ فناما

يا بنةَ الليل حدّثي لا تُراعي = ربّما فسّر المنامُ المناما

نحن ألغاز ساحرٍ عبقريٍّ = جعل الموتَ للحياة لزاما

***

ثورةٌ في جوانحي ليس تهدا = وخيال يُفني الكوارث عدّا

أيُّ غيبٍ ضمّته تلك التهاويلُ = وأيُّ اليومين أطيب وردا

أهو يوم الميلاد ينضح بشرا = أم هو اليوم يُطعمُ الأرض ولدا

ذاك سرٌّ علمته حين راحت = تتعزّى وخلتها تتحدّى

***

قال لي صمتها وقلت لصمتي = كيف مالت بك الليالي وملتِ

أي شيءٍ من لياليك سوى = ضجعةٍ وحلمٍ مشتّ

أين ولّى عنك الصبا وهو سوقٌ = للغواني كسبنهُ وخسرتِ

وأتاكِ المشيبُ وهو جدوبٌ = نفخت فيك روحُه فذَبُلتِ

***

وتمثّلتُ وجهها محرابا = لعيونٍ تحسو الفناء شرابا

من بقايا أُذنينِ ملاّ الدعابا = وبقايا خدّين عافا الخضابا

وهنا معبد الشفاه أحالَتْهُ سمو = م الدّخان قفراً يبابا

والبلى ناشرٌ جناحَ غرابٍ = ظنّه الناسُ شعرَها المُنْسابا

***

أيّ كون محجّبُ الأسرار = خلف عينيك يا بنةَ الأقدار

كم رعيتِ السمار أشباح جنٍّ = تتخفّى عن واعظِ الأبصارِ

قُيرَ السحر في الجفون وماتت = نظرات الإغراء للسمارِ

قبر السحرُ في الجفون ونامت = فوقهنّ الأهدابُ كالصّبّارِ

***

زوج إبليس وهو كالنّفس عبدٌ = وإلهٌ لأنفس لا تُعدُّ

حدّثيني عنه فقد كان عقلي = يصطفيه إذا جفاني زهدُ

مثّلته أَجسادكنّ جمالاً = فهو فيكنّ شائعٌ لا يُحدُّ

كلما جاع ملهمٌ أشبعتهُ = قبلات الهوى وروّاه شهدُ

***

أيّ روحٍ ألقت عليّ هداها = حينما خلتُها ستفغرُ فاها

قلتُ هذا حديثها سوفَ تحكيْـ = ـهِ وكم في شبابها قد حكاها

يوم كانت ألفاظها تتثنّى = رقّةً لم يبلغْ رحيقٌ مداها

وإذا باليقين يعصفُ بالشّكِّ فتهْـ = ـوي على يدي راحتاها

***

خفق النور خفقة المرتاع = فعرفتُ الوداعَ قبل الوداعِ

ملءُ كفّي ورأسُها يتداعى = وعناءٌ عليّ هذا التداعي

إيه يا ربُّ ما عصيتُك جهلا = بلْ صغارًا من شقوتي واندفاعي

فاجلُ عنّي الظلام كيما أرى الموْ = تَ نجاءً من قبضةِ الأطماعِ

***

وعطت نحو مسمعي بعظام = رُكّبت بين صدرها والهام

وأسرّت إليّ أنْ حصحص الحقُّ = وخابت شماتةُ اللّوّامِ

لا حلالٌ ولا حرامٌ ولكنْ = راحةٌ من متاعب الأيّامِ

فإذا الجسم في طريق التّدنّي = وإذا الروح في طريق التّسامي

***

أشفقت بنتُ دارِها من ذُهُولي = ورأتني كحظّها المخبولِ

فنضتْ ثوبَها وقالتْ عجيبٌ = أمرُ هذا المتيّم المجهولِ

ما لِكفيّيْه لا تحسّان كفّي = وهي بعضٌ من حُسنى المبذولِ

ويْحها لا تَدري الفجيعةَ إلاّ = يوم فُقدانها حفيف الذيولِ

***

قلت يا من سقطت في الناس قدرا = سخِرَ الموتُ من نواياك طُرَّا

هذه أُمُّكِ الحبيبةُ قد ما = تَتْ فَشُقِّي لها بصدركِ قبرا

فأفاقت من غشية الإثمِ هونا = وعوتْ صرخةً تساقِط جمرا

فصحبت الظلام طائف ليل = لم تشاهد عيناه من قبلُ فجرا

***

وتخطّيتُ ساحةَ الأجسادِ = جامدَ العين مُستكين الفؤادِ

أيُّ ذنب جَنَيتِهِ أيّ ذنب = حين خلفتها بلا إسعادِ

ما تراها تقول إذ فقدتني =  خدنَ همٍّ وُرُودُه من قتادِ

حسبُها قاسم الحظوظ وحسبي = بعد حينٍ ندامة الزُّهادِ

***

وعرتني سكينةُ الأمواتِ ورثتني مدامع الحسراتِ

وسمعت الشيطان يلقي بسمعي = طرفا من آياته الخالداتِ

لا تلم من تعيش في كنف العر = ض فقد آدها صراع الحياةِ

ربما ضمّ شامخٌ مومسُ النّفْـ = ـسِ وفي وجهها حياءُ فتاةِ

 

 

1945

شعر: صالح الشرنوبي

saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 46 مشاهدة
نشرت فى 21 أكتوبر 2013 بواسطة saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

saydsalem
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

129,109