في مأتم الصعيد
(أبيات من قصيدة ضاع مطلعها ، ألهمتنيها نكبة الصعيد بوباء الملاريا في عام 1944) ، وكان قد سمع عن هذا الوباء من صديقه الشاعر محمد العديسي.
لَهْفَ نفسي والمنايا تلتظي = ما لجمْراتِ المنايا من خمودِ
صهرتها وهي كالغيم ندًى! = في لظى الحسرة أبناء الصعيدِ
معشر كانوا كأزهار الرُّبَا = رضعوا في المهد من أثداء جُودِ
دهم الموت عليهم دورهم = وأراهم بطش جبّار عنيدِ
شَرَعَ المِنْجَلَ في راحاتِهِ = وانبرى يعصف بالنّبْتِ الحصيدِ
كم فتاة هَدْهًدَتْ آمالها = وفتى عاش على حلم سعيدِ
وعَرُوسٍ كُفِّنت في ثوبها ! = وعريس أدرجوه في البرودِ
نصب الموت لهم أشراكه = ودهاهم من قريب أو بعيدِ
لم يفرّق بين شيخ هرم = ورضيع في حِمى المهدِ وليدِ
فهمُ بين مريض جائع = يطلب الموت ..وعريان شريدِ
فههنا أمٌّ تناغي طفلها = وتمنّيه بخلاّب الوعودِ
كلما راود جفنيه الكرى = أشفقت من سفر فيه مديدِ
وإذا تاق إلى الثدي انحنت = فوقه تضرع لله المجيدِ
تُرعشُ الحُمّى حناياه فلا = تجد المهد..وأنّي بالمهودِ
تُشهد الليل على آلامها = وتروّي الأرض بالدمع النضيدِ
فإذا ما أقبل الصبح وفي = نوره أمنية العاني الطريدِ
أقبل الموت وفي إقباله = تدبر الآمال من عيش الفقيدِ
فتُرى من هولها مصروعة = تحمل الطفل إلى القبر الجديدِ
وعليها من تهاويل الأسى = مِسْحةٌ ترقص أحشاءَ الجليدِ
خبّلت أقدامها في خطوها = فهي تمشي كأسير في قيودِ
في سفوح يعزف الموت بها = لحنه المخمور من عصفِ الرعودِ
ويحه ما حطمت أسهمه = دعوات الثكل من قبل ثمودِ
* * *
إخوتي في الله والدين وفى = وطن عانٍ من الخطب جهيدِ
لكم الله ...وفي الله غِنٍ = عن بياني ولساني وجهودي
أنا إن لم أبذل الروح لكم = وأُفَدّي بطريفي وتليدي
لا رَعَتْ مصر لقلبي أملاً = ورماني الدهر بالرُّزْءِ الشديدِ
شعر: صالح الشرنوبي