المتنبي
فرسي مطلوقٌ
والغايةُ آخرُ هذى الأرضِ،
أعلمِّ مندوبَ المغتربين القلقَ على القلقِ ،
كأن الريحَ تحفُّ بساقيَّ ،
ورصفائي انتشروا في الطرقات :
فهذا كورنىُّ وهذا راسينُ وهذا ذو القرنينِ.
أمامي نيتشه لصٌّ في الصّفِ،
سيسرق قولي عن ضعفٍ يتقاوى وقصيرٍ يتطاول،
ليكوِّن فلسفةَ القوة.
أرحلُ في الخمسينَ :
قرامطةُ الصحراء العربية بعضُ رجالي ،
ومجوسيّون بجلبابي .
جاء الفتيانُ الرّثون الشُّقْر ،
اقترضوا منى المتمردَ والثوّارَ المجذوذينَ وفكرَ العدل،
فدّبجتُ خلاصةَ كدحي: أصل الدنيا الظُّلمةُ لا الظلمُ.
سأركض بحصاني في جادّةِ بومبيدو وأصيح :
الليلُ سيعرفني والخيلُ، وتعرفني البيداءُ
سيعرفني الرمحُ ويعرفني القرطاسُ ويعرفني القلمُ،
وأتجلّدُ،
لن تؤلمني قهقهةُ المارةِ
حين يرون سروجي وخيولي،
لن يجرحني أن تخرجَ ساعةُ دالي من لوحتها،
تتشعلق في ذيلِ الفرس تتكتكُ بعصورٍ عاصرةٍ ومعاصرةٍ ،
آخرٍُ هذى الأرض،
دخلت جنينَ فلم أتبين مقتولاً يتضّرج بدمٍ،
من ثكلى تتضرّج بدموعٍ،
أصطكُّ بمصريّين طهاةٍ ونوادلَ وسُعاةٍ
فأرى بصمةَ كافورَ على الصّدغِ،
وأدرك أن الأممَ ستضحك من جهل الأممِ،
هنا يوجدُ عميانٌ
ينظر واحدُهم ليَرَاعى وفنوني،
وهنا يوجدُ صُمٌّ
يسمع واحدهم كلماتي إذ تخترق الطبلةَ.
أقطع بالفرس المطلوقِ قروناً حتى أصل إلى قوس النصر ،
فأعرف أن جمالَ حضارات الغرب هو المجلوبُ بتطريةٍ،
لكن بهاءَ بداوتنا رباني الصُّنْع ،
فهل كنتُ أجمِّلُ نفسي أم كنتُ أداهن سلطاني ؟
أفرطتُ فقلتُ : الرشفة أحلى من توحيد الربِّ ،
وقتّرتُ فقلتُ: أولئك نفرٌ يحتفلون بعيدِ الثورةِ،
وأولئكَ نفرٌ يحتفلون بعيد الأضحى،
فبأيّة حالٍ عاد العيدانِ ؟
الخانةُ ملأى بمسّراتٍ ،
وظباءٍ مغلولاتٍ وظباءٍ حُرّاتٍ،
مالي ليس يحركني ميسُ الغيدِ ؟
وهل كان الخطأ تراجيديّا إذ قلتُ لمصرَ:
نواطيُرك نامت والثعلبُ صار طليقاً ؟
وهنا بدنُ البشرية :
دانٍ وبعيدٌ ومحبٌّ وبغيضٌ،
لكنى سأظل الرجلَ العربي،
غريبَ محيّا وغريبَ يدٍ وغريبَ لسانٍ.
تلك مفارقتي:
أسخرُ من عبدٍ منكودٍ مصحوبٍ بعصاه،
ومستوري أنى أسخرُ من نفسي :
عبداً كنتُ لأحلامي،
عبداً كنتُ لشهوةِ مُلْكٍ،
عبداً كنتُ لترمسةٍ سوداءَ بصدري .
نحن سواءٌ في الموتِ :
هنالك رجلٌ قُتل بجملة أن الأرضَ مُكَوَّرَةٌ،
وأنا رجلٌ قُتلَ بجملةِ أن الليلَ
وأن الخيلَ
وأن البيداءَ
وأن الرُّمحَ.