طه حسين
يدعكُ عينيه لينزلَ من قاعهما الزيتُ الوسِخُ،
هنا فكرَّ أن التعليمَ هواءُ الصدر وماءُ الأفئدةِ ،
وحين تراءتْ مونبلييه على مرمى الشعراء ارتعشَ القلبُ ،
فرنّتْ ضحكتُه وتعثّرت الخطوةُ فوق رصيف الحَرَمِ،
هنا مرَّ صبىُّ مغاغةَ :
يتأبط شرّاً ،
يتأبط ديكارتَ ومخطوطاتِ معرّةِ نعمانٍ ،
وبلاغات علىٍّ.
سيعاين حوضَ المتوسط فيشير :
الحوضُ هو المستقبلُ.
لم يكُ يعرفُ وهو يضمُّ السيدةَ الباريسيةَ
أنّ الطلبةَ سيعودون به فوق الأكتافِ،
وأنّ الفنانين سينتحلون طريقته في وضع الكَفِّ على الكَفِّ .
مُعَدٌّ كي يتلو الآياتِ على الأمواتِ،
ولكن صبىَّ مغاغةَ
درسَ على دوركايم فنَّ المعرفةِ بتمريرِ الأصبعِ.
فتأبَّطَ شّراً
وتأبّطَ بن خلدونَ وديدرو ،
ليجَسَّ نحاسَ اللافتةِ الباردةِ : السوربون ،
يجيب سؤالَ محققِة:
الشكُّ هو الخالقُ والبارئُ.
يستدعى في التحقيق شهوداً من رهط مريديه:
فيشهدُ مندورُ ودكروبُ وعصفورُ
ويشهدُ سعدي يوسفُ والأهوانىُّ وتيزينى والعالِمُ ،
تلخيصُ شهادتِهم:
إن المكفوفَ هو المبصِرُ.
ولذلك أرجحه الليبراليونَ وأرجحه الضباطُ،
ليفهمَ أن الكروانَ يساوى الكارثةَ ،
وأن الحبَّ الضائعَ مسعى المكسورينَ.
فيا طه :
يا نصفَ السَّلفيين ونصفَ التنويريين،
ادعكْ عينيكَ بعنفٍ كي ينزلَ من قاعهما الزيتُ الوسخُ ،
وأقرضنا العاهةَ كي نركنَها فوق الرّفِ ،
ونسخَر من جمعية تأهيل معاقي أسيوط َ،
ألم تسمعْ صيحةَ أستاذكَ من جوف معرّته :
مرّ هنا النسّاجون الشرقيونَ ،
ومرّت مجموعةُ بهجت وأباطرةُ الفيديو.
مر الكنتاكيّون وصناعُ غرامِ الأسياد .
الراحلُ في يوم الهول ،
يرفُّ على شرفة ديكارتَ كطَيْرٍ،
أما صبيانُ مغاغةَ فاصطّفوا خلفَ النعش يصيحون :
" اعتكرَ هواءُ الصدرِ ،
تلوّثَ ماءُ الأفئدة ".
أطلَّ أكاديميّونَ وسابلةٌ وصحافيونَ،
أطلّ حقوقيونَ وعُمّالُ تراحيلَ وسرِّيحةُ أمشاطٍ ،
وأطلَّ المحتجزونَ بأقسامِ الشرطة وأطباءُ الأسنانِ ،
رموا فوق الجثمانِ النظرةَ قُدَّامَ الحَرَمِ،
وقائلُهم يهمسُ : سلِّمْ يانورَ العيْن.