فقراء

(مع نظرة الفقير وهي تعتز بالسكينة وترفض الذل)

فقراءُ

لا والله

بل نحن الذين شذا الالهِ يضوع فوق ترابهمْ

يسقيهمُ لهب الحياةِ جداولاً

خضرا تغرد كأسها لربابهم =

ويزورهم رزق السما بيمينهِ

عرق الطريق يدقُّ حسرة بابهمْ =

يشوي الهجيرُ دوربه لكنّه

عند الوصول يسح فوق سرابهمْ

تخضلُّ نظرتهُ وتُورقُ نارُهُ =

وتميل كرمتُهُ على أكوابهمْ

تُفضي بسرِّ رحيقها وحديثهِ =

للريح حين تمرُّ في أعتابِهمْ

من هؤلاءِ

هم الذين تبرجت أعراسُ كل منعم بعذابهمْ

من هؤلاءِ

هم الذين تكلمت

للظلم شاهقةٌ بذل رقابهم

من هؤلاءِ

هم الذين ترنمت

أوتار سطوته بدمعِ ربابهمْ

من هؤلاءِ

همُ الذين تسلّلتْ

نظراتُهُ الشّماءُ من أهدابهمْ

من هؤلاءِ

همُ الذين تسلَّقتْ

شطحاتُ عزته على أصلابهمْ

ومشتْ على أضلاعهم تئد الصبا

وترشُّ تيهَ النوحِ فوق شعابهمْ   =

وتلملمُ القمرَ الحزينَ تدسُّه

في صُرَّةِ الحرمانِ تحت ثيابهمْ  =

وتسومُ سائمةَ الفراغ وراءهم

سوطَ العذابِ ونَهْشَهُ لغيابهمْ   =

وتصبُّ نجمَ الليلِ فوق عيونهمْ

أقداح نارٍ ولْوَلتْ بسحابهمْ   =

تَرمي السكونَ بمثلهِ وتعيدُهُ

رقًّا برقٍّ صادحٍ يشجى بِهِمْ =

أحبابَ جُوع الطيرِ جاعَ زمانُهُمْ

وتساقطوا ثمرًا على أحبابِهِمْ =

كلبٌ وراهبةٌ تُلوك زمانَها

تجتَّرُهُ ضجرًا على أسلابِهِمْ =

جاعتْ فردَّتْ ذاتَها قوتًا لها

وهمُ يُرَدُّ لهم هشيمُ سرابِهِمْ =

هلكى إلى هلكى ينوح لهم صدًى

في الكوخِ ينعق بومُه لخرابِهِمْ =

صهروا الحياةَ لغيرهم وتوكَّوا

والله يصهر دمعهم بثوابِهِمْ

والحمد لله استمرَّتْ نغمةً =

تشدو الرضا لطعامهمْ وشرابهمْ

لم يقطِفوا إلا خريفَ عُرُوقهمْ =

وتهدُّلَ الثمراتِ من أعصابِهِمْ

فُقَراءُ

لا والله

نحن ربابةٌ للسائرينَ

نواحُها غنَّى بِهِمْ

شعر:  محمود حسن اسماعيل