الأعمى
أيشكو الورى مثلي عميّ يسترقهم = أم الناس منهم مبصرٌ وضريرُ
وهل يُشترى ذاك الضياءُ فأشتري = ضياء يريني الكون وهو منيرُ
لرُمت اجتلاء الشمس وهي مضيئةٌ = فأرجع والطرف الحسير حسيرُ
ومالي و ان طال التعللُ والمنى = من الشمس الا لفحةٌ وهجيرُ
نصيبي من الورد النديِّ اشتمامُهُ = وحظى من حسن الطيور هديرُ
وهيهات لا يجديك شم ومسمع = اذا ما خبا بين المحاجر نورُ
وحدثتموني عن بدور وأنجم = تَأَلَّقُ في جيد الدجى وتنيرُ
تزيّن أرجاء السماء هنية = وتسبح في أجوائها وتسيرُ
ويغمرها الفجر المضئ بنوره = فتفْرَقُ منه رهبة وتغورُ
لخلت بلأني ما عميت فانني = أكاد أرى وجه الحياة ينيرُ
أرى كل حسن فاتن يستخفني = فتهفو بقلبي أنة وزفيرُ
كأن ظلام العين يشتد كلما = نقضت شهورٌ اثرهن شهورُ
كأن الذي أبصرت ذكرى يبيدها = مرورٌ لأيام النوى وكرورُ
فمن لي بنجم أهتدي بضيائه = فنجماي غاضا والشباب طريرُ
أديرهما والدمع قد جف فيهما = و أبكيهما والنور ليس يحورُ
واني لأقتلي كل طرف يرى الدنا = وينعم بالمرئيِّ وهو قريرُ
أليس عزيزا أن تحَجَّبَ عنهما = محاسنُ هذا الكون وهي كثيرُ
وكم مبصر في الناس قد عاش عمره = ضريرا ، وان قال الأنام بصيرُ!
شعر: عبد الحميد السنوسي