<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <mce:style><! /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} -->

 

<!--[endif] -->

مضت أشهر عديدة على اندلاع الثّورة قبل أن يهجر   بشير منتديات السّياسة فقد تراجع عدد الاعتصامات أمام المقرّات الإداريّة والحكوميّة واختفت الملصقات والمطبوعات والكتابات الرّديئة  من سطوح  الجدران  الكتابات والملصقات التي طالت كلّ مكان: المستشفيات والمدارس والمساجد ومحطّات النّقل وحتّى سياج المقبرة لم يسلم من النّصوص الهزيلة المليئة بالأخطاء اللّغوية ونالت الدّكاكين نصيبها الأوفر من المعلّقات وكذلك الورش أين تلتصق بقايا الأوراق على آثار الزّيت والشّحم والسّخام وعلى الأبواب الصّدئة وقد ألصق أحدهم بيانا على واجهة مجزرة العهد الجديد تحت وتد ثبّته الجزّار يعلّق عليه الجلود والسّليخات ورؤوس الماعز والبقر وهي المجزرة الوحيدة في القرية يمتلكها موال للعهد البائد طالما تفخّر واعتزّ بانتمائه وصلته الوثيقة بالسّلطة وقد أطلق اسم العهد الجديد على مجزرته بعد أن كان يسمّيها مجزرة المجاهد اقتداء برفاقه المناضلين الشّرفاء الذين أطلقوا العهد الجديد على كلّ قديم وجديد وعلى المقاهي والبقالات والمدارس والمستشفيات  والمطاحن  والمعاصر و الذي لم  يتقادم رغم مرور السّنوات

 بدأ البيان بالترحّم على الشهداء وانتهى بالفتنة أشدّ من القتل

ملأ خزّان درّاجته وقودا واشترى بعض الكعك والماء وشحن هاتفه  برصيد كاف واقتنى سيجارتين لقد هجر التّدخين ما يزيد عن سبعة عشر سنة لكنّه يشعر اليوم  برغبة شديدة وملحّة إلى منبّهات قويّة وقد أزمع المرور على الحانة الوحيدة المنتصبة عند مدخل القرية الجبليّة السّاكنة والتي طالما نظر إليها الجميع شزرا وفي تأفّف ولعن البعض منهم صاحبها لعنا وأظهروا امتعاضا و في نفوسهم أضمروا تدميرها على رأس صاحبها ولكن الذين ارتادوها كانوا يشعرون نحوها بحنين غريب كلما جلسوا في خمّارات أخرى حتى الراقية والموجودة في مناطق سياحيّة ونزل فاخرة إذ وفّرت لهم مع الخمرة مجالا لاحدّ له من الخيال وانطلاق الرّوح دون قيد بين الشّعاب المتشابكة حول الجبل الأجرد الشّاهق في المنطقة والممتدّة على مرأى العين  حيث تسبح أرواحهم فوق التّلال وبين مشتقّات الألوان الرّماديّة والبنيّة والزّرقاء الباهتة لسماء تلهب الأرض بشمس الصّيف الحارق ولكن في  ظلّ  الحانة يكون  الهواء المتهاطل على الروّاد  رطبا  في ساعات الأصيل وحبّات اللّوز البعليّ الجافّ تتقرمش تحت الأضراس المترنّحة تحلّي مرارة الأقداح المتداولة بين الشّفاه الظّامئة للخيال والإبحار وترطّب  حلوقا كلحت بالضّجيج والصّياح والنّباح أشهرا  محذّرة  متوعّدة آملة يائسة من مصير قاتم والتفاف اللّصوص وتحالفهم مع الشّيطان على الثّورة التي بدأ الكثيرون يشكّون بأنّها حدثت أصلا

هدر المحرّك وزحفت الدرّاجة المتعبة في التفافات الطّريق الجبليّة المتعرّجة  بمنعطفاتها المفاجئة والتي قد تخبّئ أيّ  شيء  شاحنة ,حافلة ,درّاجة ,حصانا أو جرّافة  فشحذ كلّ فكره وبصره وسمعه لتلقّف الخطر المحدق به الدّاهم من المجهول  كما يفعل السّائقون  جميعا وهم يصعدون إلى القمّة أو ينحدرون منها مما خفّض من عدد الحوادث  تلقائيّا على المنحدرات  وعندما بلغ القمّة ومستراح الجبل  كان المكان خاليا على غير عادته منذ أشهر وهو أرض سُوِّيتْ بسلخ الصّخور العملاقة من حافتي الطّريق وفُرِشت الأرض بالحصى والرّمال لتجد حافلات السّياح موقفا ليتمكّن السّائحون من التقاط الصّور والمشاهد التّذكاريّة ويستمتعون بالمشاهد المجرّدة للجبال والخطوط المتعرّجة كموج البحر على مساحات شاسعة ومن علياء الأرض تبدو المدن المتناثرة في السّهول قزميّه صفحات بيضاء يحيطها السّواد والخضرة ويلفّها السّراب والعجاج أحيانا أو غيمات التلوّث الكيميائي ّالمنبعثة من المداخن التي تطاولت وتطاولت حتّى أبلغت غازاتها النّتنة الفاسدة إلى عمق أرض الأحرار الطّاهرة فتلوّثت وتشوّهت أعقمت زياتينها وتسمّمت وانتشرت سرطانات الشّجر بها فماتت ولم يأسف عليها إلاّ الفلاّحون الفقراء والذين تحت وطأة المصيبة التي لحقت بهم من صنائع العهد البائد فرّوا من الجهة بعد أن دفنوا أخشاب زياتينهم في مواقد سكان المدن فحْما يَشْوِى عليه الحضر لحما أو سمكا مصابا وسلطة              أو وقودا للشّيشة  بينما استقرّت قباب أحاديّة متناثرة كبيض الدّجاج على قمم الجبال المرتفعة مزارات لسلف رُوِيَ عنه الصّلاح وجد السكّان فيها منتزها ومهرجانات سنويّة يتكرّمون فيها بالذّبائح ويلمّون شتات بعضهم البعض ويصلون أرحامهم ويستقصدونها حبّا وخشية وطمعا وتقليدا لما وجدوا عليه آباءهم

  اليوم خلا المكان  من العربات ومن الأطفال الذين يصطادون الابتسامات  وقطع الحلوى والأقلام وبعض القطع النقدية ومن السيّاح

مرقوم وجلد مبيّض  يتدلّيان على صخرة وقد اختفى صاحبهما في مكان  ما ينتظر بفخه سائحا قد لايقبل وربّما ملّ الانتظار فتركهما في أمانة الجبل ولن يمسّها أحد فالكلّ هنا يحترم أملاك الآخرين  وعلى نفس الصّخرة وقف ضبّ  رماديّ صغير يتطاول برأسه وقد أثوثِقَ بخيط إلى بقايا شجيرة زعترهدّها العطش وأنهكها الانتظار لرحمة السّماء صارع الضبّ وصارع في محاولات يائسة للانفلات من الوثاق الذي وقع فيه والمصير المجهول الذي ينتظره كما ينتظر كلّ شيء هنا ربّما حلم بالعودة  إلى جحره تحت صخرة من الصّخور الجبليّة كما تحلم الصّبايا اللّواتي غادرن الجهة واستقررن في مدن غريبة وتربة غريبة عنهنّ على سواحل لايوحي لهم فيها البحر بشيء  وقد تصلّبت حياتهن بصلابة صخور الجبال فلم تقدرن على التّواصل مع الزّيف والمراوغات والبهتان وهنّ اللواتي نشأن بين صخور الجبال والشّعاب يرضعن من أثداء الأغنام عصارة الشّيح والزّعتر والإكليل والعرعرويصارعن الثّعالب والذّئاب ويدلّلن الحملان والخراف بأمومة تزيد عن حدّ الحدّ الأقصى للأمومة الطبيعيّة ويبكين وينفعلن ويحزنّ لفقد شاة أو فرخ دجاج أو بيضة لاجزعا عن قيمتها الماديّة بل إشفاقا من الطّبيعة التي تحرمهنّ من الأعزّاء على قلوبهنّ البريئة الطّاهرة   

بالكاد بلغت تلك الدرّاجة العجوز القمّة وقد علا صراخها ودخانها وجّهَها نحو الحانة  أوقفها زفرت زفرة موت  كان الوهج المتصاعد من المحرّك يصلي الهواء ويلهب الأرض  حولها وتوجّه البشير إلى كرسيّ تهالك عليه  لم يعره النّادل اهتماما  رغم انعدام الزّبائن في أعقاب تلك الظّهيرة الحارقة ورغم فقد الحانة لروّادها إلاّ من بعض الشّباب المعطّلين كلّما توفّرت لهم فرصة للارتياد وعادة ما يؤمّونها ليلا تحت جنح الظّلام استحياء من كبار السن ّوالنّساء

 مضى بعض الوقت ثم توجّه إليه النّادل محيّيا وتجاذب معه أطراف الحديث عن الحرارة والطّقس الجافّ ولم يطلب منه إن كان يريد شرابا بل أبدى استغرابه بوصوله إلى المكان باستعمال الدرّاجة المنهكة فردّ البشير لو توقّفت بي في نصف المنعرجات لدحرجتها في شِعْبٍ من الشّعاب غير آسف عليها لكنّها ترفض أن تطلّقني وأحنّ إليها وتربّت في داخلي عاطفة نحو حديدها الصدئ  أهجرها أيّاما ثمّ أعود إليها  أرمّمها لي معها ذكريات  أسقطتني مرّة في سدرة كثيرة الأشواك  بجانب الطّريق  قرب سيدي أبي قفّة كنت منتشيا وعند الاقتراب من السّدرة تهيّأ لي أنّها جنّة مثمرة فاقتحمتها وكان اقتحاما فظيعا أدماني وكاد يقضي عليّ  ثمّ شمّر قميصه ليُرِيَ النّادل آثار الكدمات والجراح بقيت ضفائر كالوشم في ساعديه وصدره ثم قال اذكر ا ن أمّي رحمها الله قالت لي "لابد انك عصيت وأظهرت ضعف إيمان وأنت تعبر من أمام سيدنا نلنا رضاه "وقهقه الاثنان وهمّ النّادل بالذّهاب لكن ّالبشير قال أتعرف ذلك السّمسار رشودة فردّ النّادل هازّا رأسه تعبيرا عن معرفته به مضمرا تأفّفا لم يقدر على إخفائه على ملامح وجهه الأسمر الكالح وأردف قائلا ذلك النّذل مرّ ووجدني ملقى في السّدرة فنظر إليّ وانطلق مسرعا بشاحنته ولولا مرور سائحين ألمانيّين يبدوأنهما زوجان حديثان فأسرعا إليّ ونقلاني إلى المستشفى ربّما متّ هناك من شدّة النّزيف .........هات لي أربعا باردة وبعض اللّوز أريد أن أرطب جوفي  أحضر له النّادل ماطلب وراح لأمر يقضيه 

تجرّع الشّراب الأصفر  في نهم ولهفة خلال دقائق قليلة  كان كالأرض العطشى يمتصّ العصارة الذهبيّة امتصاصا وطلب أربعة ثانية ونقد النّادل ثمن المجموعتين ثم امتطى الدّرّاجة مترنّحا واخترق بضجيجها القرية السّاكنة يتردّد صدى زمجرة المحرّك وقد انكسر العادم وضجّ بصياح مفزع مرعب يتكسّر على الجبال الحارسة للقرية ومداخلها ومخارجها , عبرها تلاحقه اللّعنات من الصّبايا والشّيوخ وضحكات الأطفال وهم يتصايحون" زمردة زمردة" عبر أمام المزار وتوجّه غربا كأنّه يطارد قرص الشّمس  الذي بدأت أشعّته تفتر وتتورّد خدوده حياء وهو يغازل قمّة أحد الجبال المتراصّة حيث أخذت الشّمس تنحدر كأنّها ستغطس في تنّور ملتهب وكلّما اقتربت من القمّة ازداد تورّدها حتى غدت كالجمر

رنّ جرس هاتفه عندما غادر البلدة  بأنشودة من أناشيد الثّورة  فأسرع يكتم الصّوت  كأنّه يخشى أن يسمع الخلاء الممتدّ ويعلم بمقدمه الفاشل المحبط ويذاع سرّه بين الشّعاب وقطع المكالمة ومحا كلّ النّغمات التي تذكّره بالثّورة ومحا مجموعة صور الاعتصامات والمسيرات التي التقطها وخزّنها في بطاقة الذّاكرة المختلطة بخليط عجيب من النّوادر والصّور المختلفة للأعراس والمسيرات والاعتصام والقوافل التضامنيّة ومعها صور  لحسناوات  في أزياء طبيعة حوّاء ومقاطع فيديو للمخلوع وحلاّقته الشّهيرة وكاريكاتير لعقيد جارتنا الغالية وموقعة البلطجيّة على الجمال في مصر الكنانة والشبّيحة البشاريّة والأعور المحترق الكذّاب ومقطع قصير لوالده ذات شتاء قبل وفاته بعامين تقريبا

بدا بمحو  الأناشيد الثّوريّة وصور الاعتصام والبوليس والعسكر والمسيرات والمؤسّسات الإداريّة والاقتصاديّة المحترقة ثم شغّل قارئ الموسيقى يتحشرج برائعة محمد عبد الوهاب الهوى والشّباب وياوابوروختمها بأيّها الرّاقدون تحت التّراب 

ظلّ القارئ يتحشرج ويضعف والبشير يثبّت بصره على الجبل حيث مرقد الشّمس وقد احمرّت وازداد خجلها وهي تزفّ إلى عريسها الذي يحضنها في كل ليلة يمنعها عن وجه البشير وصحبته وكانت أصابعه تعبث بالملامس على الجهاز الذي نصلت ألوانه وأصباغه وظلّ صامتا على غير عادته  وكأنّ الجرعة التي استهلكها لم تطيّر عقله ولم تحرّر عقدة لسانه التي عقدها منذ أن تأكّد أنّ الذين يدّعون الثّورة استكانوا وتسارعوا إلى الكراسي تسارع الحمر الوحشيّة إلى منابع الماء في المستنقعات الإفريقيّة حيث التّماسيح والمجهول

لم يدندن مع الكلمات ولم يشعر بالقشعريرة الطربيّة التي كان يشعربها في كلّ مرّة يستمع فيها لتلك الإبداعات الفنيّة الخالدة  ولمّا زفر القارئ آخر حشرجة وأظلمت شاشته رفع البشير غطاء الخليّة وسحب الشّريحة وبطاقة الذاّكرة وتحسّسهما تحسّس مودّع ولثمهما قبلة وداع وفراق ووضعهما على الصّخرة التي يجلس عليه وامتدّت يده إلى حجر أملس رفعه ولوّح به في يده كأنّه سيرميه كما كان يفعل مع البوليس اقتداء بأبناء الانتفاضة الفلسطينية الرّائعة ثم ارتدّ إلى الصّخرة وسحق الشّريحة والبطاقة حتى غدت فتاتا  ثم انهال على الجهاز  يحطمه ويلعنه واستجمع قواه المستنفرة ورفع البقايا ونثرها بعيدا صائحا منفجرا ارحل لعنة الله عليك لولاك لما تعذّبت أشهرا ولما حلمت ولما رأيت نفسي ملكا ورئيسا ووزيرا ومحاربا خارقا للعادة كمحاربي أفلام هوليوود وبطلا ينحتون له التّماثيل في كلّ ساحات الخضراء والوطن العربي بالقرب من محمد البوعزيزي وفي مواجهة الكنائس والمساجد والمتاحف  يتوشّح بصوري المراهقون ويتسمّون باسمي ويفتخر بي كلّ من له صلة بي ولو من بعيد ومن له صداقة ربطتني إليه عبر النّات والنقّال ارحل لقد ورّطتني في حلم تبيّن لي أنّه ولد كسيحا لا أمل من شفائه ولايعدو أن يكون كابوسا انفرج على حطام روحي وأنفاسي التي فقدتها وعندما ظننت أنّي وجدتها سرقها اللّصوص منّي وخذلني الشّعب المتكوّر على ذاته وقد تقلّص حجمه إلى حجم تفّاحة نيوتن السّاقطة ولكنّ تفّاحة نيوتن نضجت فسقطت وشعبي سقط قبل أن ينضج

أوصلتني بأصقاع الأرض وتناهت عبرك أخبار الإعجاب  من أقصاها  إلى أدناها  فانتشيت واكتشفت في النّهاية أنّي ثرت في شركة وقطع من اللدائن والتّرانزيستور تتحكّم بها منظومات الاستخبار ومصّاصو دماء الشّعوب وأنّك كنت جاسوسا عليّ تنقل عنّي الأخباروالأسرار ومخطّطاتي لعدوّ لاأستبينه ارحل أنا اليوم اكتشفت أنّ ذلك الشّعب كان حطاما لاغير وشلّ كل قدراته وقواه و الرّعب تملّكه دهرا ويوم وعدهم الهارب بأنّه "لاكرتوش" و"أنه فهمهم" خرجوا يفرّجون عن مواقف انسدّت في حلوقهم عقودا  آلَمتْهم ولم يقدروا على البوْح بها وعندما طمأنهم خرجوا فهدروا وهاجوا وماجوا ونفّسوا كربهم فارتعب الرّجل وسقط في شرّ أعماله وافترسه حلفاؤه أعداؤه وشرّدوه ليذوق من الكأس التي روّى منها الكثيرين أقداح المرارة والحصار والمصادرة والعذاب وذُهِلُوا كيف هرب وسقط الوهم الذي كبّلهم دهرا واستعبدهم في سويعات ؟ كيف هرب الرّجل الذي أعطاهم الأمان؟ ألأنه فقد هو الأمان واكتوى بالرّعب الأقسى أم هي رحمة ربّ العالمين ؟ أم هي مؤامرة حاكها الحابكون ؟

   تناثرت دموع البشير على الصّخرة الصماّء قد عاود الجلوس عليها على تلك الرّبوة  سأقضي هذا اللّيل الطّويل هنا والجلوس على الرّبى أفضل من تتبّع مسار في ليل مظلم طويل انسدّ أفقه مالم يتزحزح الرّعاع الهامدون عند سفوح الجبال

لم يشعر البشير بالجوع رغم السّاعات الطّويلة التي قضاها فجوعه كان لعالم آخر حرّبعد أن يتخلّص من الأيّام البغيضة والخادعة ولكنّه سحب السّيجارة من جيبه وحشا فيها شعلة  النّار وسحب نفسا عميقا كاد صدره ينشقّ لحرارته شهق سعل وأصابه الدّوار نفث الدّخان  ذراه الرّيح شرقا وغربا  ارتعشت أنامله وهو  يوغل عقب السّيجارة بين شفتيه الكالحتين  عندما أزّ في باطن الجبل انفجار وتوالت زخّات الرّصاص تمزّق الصّمت المخيّم على الشّعاب  انبطح تحت الصّخرة كاليربوع المذعور  ماذا يجري ؟ أهو الأمن يطارد الأشرار ؟ولكنّ أيّ أمن هؤلاء اختفوا وما عادوا يظهرون في كل ّوقت كما كانوا سابقا  تزاحمت الفرضيّات في مخيّلته التي صحت من نشوتها وحنقها  وتزايد الرّصاص وعلا ثم همد قليلا  زحف البشير نحو الدرّاجة قادها مبتعدا عن الطّريق دون أن يشغّل المحرّك  وحرص أن لاتصدر طقطقة العجلات على الحصى اصطدمت بالحجارة والحفر الصّغيرة والشّجيرات العجفاء  حاول الابتعاد عن ميدان المعركة قدر المستطاع لم يكن يميّز ما أمامه  كانت مجرّد هالات سوداء وفجأة هوى في قاع عميق بدا له سحيقا كأنّه يهبط من السّماء إلى الأرض وعندما استقرّ في قاع الحوش  كان على مقود درّاجته احتضنته وارتطم رأسه الكبير على التّراب الصّلد أحسّ انفجارا قويّا وتصدّعا في جمجمته وشعر بشيء دافق دافئ يسيل على عينيه يغشّيهما ويطلي شفتيه ويتغلغل في أذنيه فلم يعد يسمع شيئا إلاّ أزيزا فضيعا في داخل رأسه حاول أن يحرّك أنامله ليرى ماهية الدّفء الذي غمره فلم يقدر فابتسم وجحظت عيناه

                              البشير عجالة      10/7/2011

 

 

 

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 465 مشاهدة
نشرت فى 11 يوليو 2011 بواسطة savou

ساحة النقاش

البشير عجالة

savou
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

31,324