صائد الحيّات رجل شارف الخمسين يخلّص الشعاب والصّحراء من الحيّات رغم أنها كثيرا ما ساعدت الناس ...يصطادها يعبث معها ساعات وأيّاما ثم ثمّ ينفيها إلى مدينة العبيد وكثيرا ما كان يقدّمها هدايا ويعود...جلس الصائد وقد أهلكه التّعب دون أن يعثر على حيّة واحدة لم يكن حزينا متألّما بل كان سعيدا لأنّه هتك أخطر حصون الحياة في الشّعاب والصّحراء هذه الكائنات ذات السّبعة رؤوس لا تموت بسرعة يبدو انّه نفى آخر واحدة منها إلى المستعمرة البشريّة قبل شهر واليوم لم يعثر على أي أثر لهذه الكائنات ...جلس الصّائد تحت أخر نخلة في واحته بها بقيّة حياة تلمّس جذعها وباركها ولثم أليافها وهنّأها بضعة أيّام وتتحرّرين كأخواتك الباسقات هنا أبي بكاهنّ بحرقة وأمّي ذرفت دمعا لفراقهن ّ وظلاّ هكذا سنة حتى أقبلت الحريّة ونقلتهما إلى العدم أخواتك لم تعدن في حاجة إلى الإثمار ثمنا للثّناء ولا لجرعة الماء ثمنا لرقصة أجسادهنّ الواهنة تحرّرت أرواحهنّ وسبحن في أفق الصّحراء لاأحد يراهنّ ولاأحد يلومهنّ ولاشيء يمكنه أن يثقل كواهلهنّ تحت أشعّة الشّمس وتحت ضياء القمر ترقصن حول الجذوع تتوقّفن متى شئن وتغنّين وتهزجن وتتنعّمن بالفناء فالحياة كابوس وألم ووجع يسربل كلّ ليفة وكلّ جذع هرم ...أبشري اليوم اليوم ستكون الشّمس شديدة عليّ ولكنّها ستخلّص ما علق من روحك في تلافيف الجذور سيتركك أثر الماء لأنّه سيحقّق حرّيته ويعود الى السّماء والفضاء العبق بالانعتاق رغم حزني لأنّ روحي تبقى أسيرة لا تلحق العدم فإنّها لن تسجن بعدك إلاّ بعض زمن فقد ملّت الآلهة من اختباري وعلمت أنني فاشل ولن أنجح بالعبوديّة مهما مدّدت لي ومهما درّبتني لن أروّض ما بداخلي كما تريد هي بل كما أريد أنا وأعلم أنّي سأدفع الثّمن غاليا ...قريبا ستجدين الطّريق الذي تريدين في اللّحظة الّتي تريدين قريبا ستتكسّر كلّ قيود الحياة وتدخلين الحرّيّة وتصير قيودك مجرّد ذكريات لك أن تتحرّري منها أو تتركيها ...طالما شعرت أنّك تشتكين من نظرات أمّي وأبي المعاتبة لك لشحّك في إطعامها بحفنات تمر وتألّمت لحزنك وأحسست بعذابك كنت لاتقد رين على شيء كنت تكبلين روحك من أجل حياة بائسة ....هبّت الرّيح قويّة في تلك الأثناء ولفّ الرّمل جذع النّخلة يرمّم ما تهتّك من جذعها ويضمّد جروح روحها ارتمت حبّات الرّمل كيفما شاءت وتسابقت لتملأ عباءته وخصلات شعره المغبرّ واندسّت في جيوب جلبابه الأصفر وفي تجاويفه صار أنفه مسرحا للحبّات النّاعمة وعبثها وأغمض عينيه يصدّها عنهما تلفّع ونهض صائحا: يا حبّات الرّمل والحرّيّة دغدتك تؤلمني مازالت أمامي أيّام لأتحرّر...... لا تحاولا .....لكما هذه النّخلة الباقية البلهاء .... تتألّم من سنوات.... ما زال يأسرها بعض الماء المدفون تحت كثيب الرّمل ساعداها.... أمّا أنا فلا سأجد طريقي بمفردي .....سأجد سبيلي كما فعل القدماء ..... اتركاني وانتشرا مع الرّيح ..... مع ذرّات الهواء.... واعزفا لي لحنا ....لا تستسيغه أذن في الكون غير أذني أنا ..... هيّا اتركاني ....هذا القادم من هناك..... طيف الضّياء..... وهذا الواقف عند قدميّ..... والدكما ينتظركما للرّحيل من ثغور الواحة الجوفاء....استدار ورسم على الرّمال علامة هدم بها ما بنته الحبّات الصّفراء اللاّمعة ولمّا حاولت أخواتهن سدّ الفراغ أعاد الرّسم ((الصّحراء فردوس من عدم )) ثمّ نهض ومشى .... ربّما كان الكائن الوحيد بعد النّخلة تقيّده الحياة .....لكنّه سار تداعبه الرّمال تدحرجه الكثبان ....لاشوك هنا ولا حصى ....لاشيء غير الرّمل والضّياء.... نعومة الكون متعة اللّقاء الأوّل تجلّت له ......وقرّر النّوم على الكثيب لحظة... موتة صغرى منبع حريّة ونقاء واستسلم للنّوم دثّرته الرّمال وزحفت عليه حرّرت روحه المغلول في الأشلاء....... ورحل في الجنّة الأبديّة للصّحراء وعبقت روحه بين الكثبان و حول الجذوع النّخرة وفاض سعادة عندما قابلته روح أمّه عابثة مستهزئة بالموت والفناءالبشير عجالة 22/06/2011 Par : Bechir Ajala

  • Currently 50/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 160 مشاهدة
نشرت فى 3 يوليو 2011 بواسطة savou

ساحة النقاش

البشير عجالة

savou
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

31,003