خلف كواليس الصداقه
مقدمه :
" بينما تتفتح آزهار طفولتهما " أمير , شمس "
تساقطت فوقها ذات صباح هادئ قطرات من ندى الحب
وكادت اشعة الشمس ان تزدها من الرونق رونقآ آخر
لكن ولسوء الحظ , حجبت تلك الزهور غيمه سوداء متلبسه تحت مسمى الحرب والاغتيال , لم يكن من نصيب هذه الزهور ان تستلم للموت
بل كانت تكابر وافقات من غفوة الطفولة الى النضج والكبر والصحوه للحب المتخفي خلف كواليس الصداقه , كبرت هذه الزهور وازداد شذاها لتكون قصه استثنائيه تتداول بين السنة العشاق كأسطورة شقت طريق لم يسلكه احد
آخر من قبل .. ولكن في كل طريق مغريات ولكل استقامه تموج
فهل سينجوا منه كل من امير و شمس .. !! "
كواليس (1)
لازلت بذلك الاعتقاد الملازم لمخيلتي منذ الطفوله , سأنسى ما حدث , سأجد ما يعيد الي بهجة السعاده
ولكني بعد عمرآ , أدركت أن السعاده هي ان يكون لك ماض مؤلم تفتخر بنجائك منه , ان تمض بسيبل مثقلآ بالعناء , أن تحارب
ضعفك الذي هو العدو الاقرب اليك ..
لن أنسى ما حدث آبدآ , بل قررت ان اكمل لكم حكايتي مع تشعب السكاكين حول أعناق حياتي ..
كمن يمسك عنق زهره ويروم بحدة السكين قطعها
كنت تلك الزهرة التي تتفتح في جنائن احدى الازئقه
البسيطة في مدينة تدعى " بغداد الحبيبه "
شارعنا كان ضيق جداً لدرجه انه لا يسع لمرور السيارات منه ، يسمونه زقاق بسيط ، يتهاونون بضيقه وبمظهر جدرانه المائله للشيخوخه والتعب من الوقوف لسنين عده ،يصفه الغرباء ب مرر الاكتئاب ، يتخاوفون المرور خلاله لمعتقدات تستوطن عقولهم دون ادله واثباتات ، لا يعلموا ان خلف كل سور من بيوتنا حديقه محمله بزهور عطرة وخلف الابواب تسكن ارواح نادره تفوح بعبير الطيبه والعفويه والنقاوه
كان يجاورنا آحد اقاربنا آنذاك , لايفصلنا عنهم سوى سور لايعلو كثيرآ
تنبت تحت سقف دارهم آزهار آخريات
( آمير وشقيقته التوأم سلوى )
لطالما تشاطرنا كل تفاصيل الانس والعب حيث كنا نقتضي اغلب اوقاتنا معآ ,
يأتون للعب في دارنا , او انا من كنت اذهب اليهم
كانا كالزهرتين التي تنبت من غصن واحد , لايفترقا ابدآ
كنا ندمن العاب الطيبعه
كألتراب مبلول .. وخواتم صغيره بمعدن بسيط جذابة المظهر ، تليق بأصابع الطفوله والبراءه دفناها خلف بيت عتيق ، نظرات شمسيه زاهيه بألوان الربيع وتمثيليله لطيفه مضحكه افتعلناها كثيراً
ركضنا خلف حديقة المنزل بأصوات حره
متقطعه يلتمسها التعب من الركض والنداء كثيراً
"سأمسك بك ! "
كانا الشيء الوحيد الذي يقتل وحدتي
حيث كنت الطفله الوحيده لوالدي والمدللـه كثيرآ
غير اني لم اكن اخرج في زقاقنا كثيرآ , بسبب اوضاع بلدي السيئه
وخوف والدآي من ان يصيبني مكروه يرغمني للمكوث بغرفتي والعب مع امير وسلوى
فمضى ما مضى من سنوات وايام حتى صحوت ذات صباح على صوت انفجار عال جدا ينتشلني به والدي من ذراعي بقوه
ويصرخ بأعلى صوته بينما تفيض الغرفه بالنيران
الكثيفة كنت خائفة جدا .. وجه والدي كان ينزف وهو يضغط على يدي بقوة من شدة أنفعاله ..
وقال أذهبي الى منزل سلوى وامير أنهم ينتظراك..
سأحظر والدتك وأتبعك في الحال
فذهبت بجسدي الصغير المرتعش من شدة الخوف وعيناي الطافحه بالدموع السخينه كسخونة سقوف منزلنا المحترق
وبينما كنت راكضه في طريقي اليهم تعثرت ووقعت ارضا باللحظه ذاتها الذي سقط صاروخ وحطم منزل امير وسلوى بينما كانا متوجهين الي وانا اسعى للوصول اليهم
زلزلت حارتنا البسيطه بصوت صراخي وانا انادي
" آميير , سلوى ... "
ركضت بسرعتي القصوى واذا بي اجد امير غارقآ بدمائه
فاقدآ للوعي يهذي بصوت متألم لم افهم ما كان ينطق به , اي انني لم اكن افهم شي من كل ما يحدث
وصل الى مسامعي كأنه ينطق بأسم " سلوى " فركضت انذاك
متوجهه اليها
" سلوى .. سلوى "
ملامحها تشبه دميتي كثيرآ , عينيها الجامدتان
وجهها الملائكي , يداها , كل شيء فيها وكأنه توقف عن الحياة
وهي تستلقي ارضآ عند عتبة دارهم غارقة بدمائها تنظر ألي كالدمة دون فعل شي كنت أكلمها دون جدوى . دون ان تحرك لها رمش , سوى دموعها المنزلقه على خديها
ارتجيتها ان تنطق ولو بحرف واحد , متوسله يداها الباردتين كالثلج
خابت توسلاتي
فركضت بسرعه قاصده منزلنا لارتمي بين احضان والدي
ولاخبرهم عنما حدث مع امير وسلوى
وصلت عتبة البيت , أرعبني دخان متطاير من بابه العريض
وكأن بيتنا تحول لغابة سوداء موحشه
وقفت متحفيه على عتبته الساخنه فوق رؤوس اصابعي
وانا انادي بنبره مرتجفه تكاد لاتصدر اي صوت
" آبــي .. آبــي .. "
ثم أخذ شقهة بكاء وأعاود الصراخ
" آمي .. آمي .. "
انتابني هاجس قتل بي رغبه الحياة , أضاف لعمري عمرآ يفوقه بثلاثين عام , بيتنا الصغير , ارجوحتي , العابي , أمي , أبي , ذكرياتي
كنت اريدها برغبة طفل يفقد العابه ..
بجنون لا يملكوه المجانين ذاتهم
اقعندي بكائي على اتربة الشوارع المعطره برائحه الدخاخين والبارود
وسمفونية الانفجارات تتعالى وكأنها تضفي للرعب رعبآ وللموت موتآ آخر
أجلستني رعشتي البدنيه متوحده وسط زقاقنا الذي كان يزهو حياةً و ورودآ
متلحفه ذراعي من شدة البرد وتطرب لي اسناني لحنآ من نوع اخر
يمتزج بين الخوف والبرد
وعيناي تسافر من جزء لجزء
حتى وقعت انظاري على دمية سلوى وهي تتوسد الارض
تعلوها الاتربه ويشوه ملامحها بقع سوداء اهداها اياه التفحم
حملتها بسرعه ورعشه بالوقت ذاته
فتقوقعت بين ذراعي واحتضنتها بشدة كما لو كنت احتضن امي
***
بعد وقت لم يتجاوز الربع ساعه , وبينما تتهاوى رمشاي قاصدة عتبة الغفوه
اجد نفسي بين احضان جدة امير فأفيق بصدمه بينما تهطل دموعها كصيب السماء النازل فوقنا
وانفاسها المكثفه , وكأني التمس من قلبها الالم العصيب
نقلتني حينها الى المستشفى
وكنت اسألها ببراءة تامه :
" جدتي .. أين هو آمير ؟ "
قالت لي :
" سيأتي بعد قليل يا صغيرتي "
" واين هي سلوى ؟ "
" هي ايضا ستأتي بعد قليل "
لم تكن ترغب ان ترعبني بقولها الحقيقة المره
وهي ان امير وسلوى كانا في غرفة العمليات
ينازعان الموت , كان يبدو لي اني تفهمت شيء من اكاذيبها تلك
فهي لم تكن تبكي قبل هذه المره ابدآ
" جدتي , أين هما والدي "
ترد بقلب جرده الحزن من النطق
" سافرا .. "
" لكن الى اين !! لا يمكن ان يسافروا من دوني "
"يا صغيرتي , سافرا الى مكان بعيد جدآ , لكن حتما ستلتقين بهما بيوم ما "
كان من الصعب جدآ عليها ان تطلعني على خبر موتهما
فهي تعلم بأني لايمكن ان اتفهم حقائقه الفاجعه
غير انها انفجرت بكاءا وصراخ حين اخبرتها احدى الطبيبات بأن سلوى قد ماتت
" جدتي ماذا يعني ماتت لماذا تبكين ألايمكنني أن ألعب معها مرة ثانيه .. فأنا أحظرت دميتها أريد أن أعطيها أياها ياجدتي
أرجوك قولي لها بأني أحبها وسأعطيها هذه الدمية وأني لم أتشاجر معها ابدآ , أرجوك ياجدتي "
لم تكن تصغي الي وقتها , ارعبني صراخها المجهول
غير ان احداهن اجابتني
" حبيبتي شمس لايمكن فعل ذلك أنها مريضة ولا يمكن أن تفعل شي سوى أن تنام "
أما عن آمير , سمعت انه فاقدآ للذاكره ولا اعلم ماكانوا يعنوه بذلك المسمى !
#بقلم #ساره_الدوري