فأسُ أبي خالد 
-----------
عندما أشعلَ أبو خالد سيجارتهُ , كانت علبةُ الدُخان مازالتْ تعجُّ بنصفها وأكثر قليلاًَ , رَكَنَ الفأسَ على كتفهِ الأيمنِ بهدوءٍ , وبالأخرى معولٌ مازالَ طفلاً , وسيجارةُ تُداعِبُ نسماتِ المساء , خيوطٌ حمراءَ بدأتْ تنسجُ ثوباً ماسياً , الدربُ القصيرةُ تتمددُ بلحظةِ اِسترخاء , النهرُ المُحاذي كانَ يُتمتمُ بلحنٍ رقيق , عابرُ سبيلٍ يرمي بالتحيةِ ويتابعُ خطواته الخجولة , ربما أضناه التعبُ , الشمسُ تُحرِقُ نفسها مُنذُ لحظات , حباتُ التُراب السمراء تُواعِدُ أبا خالدٍ بخجلِ أُنثى , خريرُ مياهِ النهرِ تئنُّ منْ تحتها عُشيباتٌ قشيبة , لحظةُ ازدراءٍ تزورُ المكان دونما موعد , السيجارةُ تتأرجحُ بينَ أصابعَ مُخشوشنة , رُبما كانتْ تأبى لفْظَ أنفاسها , فِداءُ يُتابعُ منْ خلفِ الموكب , غيومٌ خريفيةٌ تقتحمُ خِلسةً , تزيدُ اِسودادَ المساء , يتشبثُ أبو خالد بِصدره المعجون بشعرٍ أسود , سقطَ الفأسُ , فجأةً صرخَ المعولُ مُستغيثاً , أم خالد تقارع الزمن لتحضير طعام، أبريق الشاي يكاد يرتعش تحت نار حطب معتق ، صبية خمسة يغادرون ملعباً يغازل غبار يوم ، تأهب في أجنحة الأنثى لاستقبال الزائر اليومي ، البيتُ باتَ تحتَ مرمى نيرانِ الأعينِ المرتعشة , هرعَ فداء صوبَ البابِ الخشبي , طرقهُ برأسهِ مئاتِ المرات , حباتُ مطرٍ حمقى تزور صدر أبي خالد , دموعُ مياهٍ وأشلاءُ موالٍ بعيد , وصلَ الجميعُ إلى ثغرِ النهرِ الذي اِكتسى لتوّه ثوباً حالكاً , السيجارةُ تنزوي بينَ حشائشَ غضّة , كانت تبكي , رحلّ أبو خالد والعطشُ يملأُ جوفه , عندما لاحتْ خيوط الفجرِ كانّ فِداءُ يُطلِقُ نُباحهُ الأخير , صرخَ راعٍ صغيرٍ كانَ يُراقبُ انبعاثَ الشمس ( رحلَ فِداء ) ...
--------------

--------------

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 65 مشاهدة
نشرت فى 18 مايو 2016 بواسطة samrasamra

مجلة سيريانا للأقلام المبدعة الإلكترونية

samrasamra
»

سمرا

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

26,705