استيقظ أهالي المنطقة على صوت ارتطام مروع، لم يكن صوت قنبلة، ولكنه صوت مفزع. صدقت توقعات البعض؛ إنه شيء سقط في ماء النهر. إنه يطفو على سطح الماء... يبدو من بعيد كطفل غريق، ولكن كيف لطفل صغير الجسم كهذا الذي يظهر طافياً وأن يحدث ذلك الصوت الذي تسبب في كسر زجاج بعض النوافذ؟!...
تدافع الشباب إلى الماء؛ بحماس كبير... تسابقوا في الوصول إلى ما اعتقدوه جثة طفل غريق.... لم يكن طفلاً؛ ليس إنساناً أصلا!!
ما هذا؟! سؤال خرج من فم جميع من لمس "الجسم الطافي" بينما ارتسمت على وجههم الدهشة.... إنه حجر صلب، شديد الصلابة، أملس له طول أكبر من العرض والارتفاع، بحيث يراه الجميع من البعد طفلاً.... كيف لحجر صلب وثقيل جداً كهذا أن يطفو على صفحة النهر؟!! إنه ثقيل جدا لدرجة لا تتناسب مع حجمه...
خرج البعض من النهر؛ وأخبروا الواقفين على ضفافه: إنه مجرد حجر؛ لا شيء أكثر ولا داعي للانزعاج... نعم هو حجر ثقيل، وهذا هو السبب في قوة الصوت الذي أحدثه عند ارتطامه بالمياه...
غير أن بعض الشباب وجدوا الأمر غير منطقي بالمرة؛ وظل السؤال يترد: كيف لحجر أن يطفو على سطح الماء؟!... عزم هؤلاء أمرهم على إخراج هذا الجسم الغريب من الماء. لكن محاولاتهم باءت بالفشل!! إنه ثقيل جدا لدرجة لا يمكن لهم - وهم كثر - أن يحركوه من مكانه!... محاولات كثيرة، واستدعاء لمزيد من الشباب لمحاولة إخراجه من النهر دون جدوى...
عندما خرج الجميع من النهر أخبرهم أحد الواقفين على الضفة أن حجم الجسم أصبح أكبر مما كان عليه منذ ساعتين. رد عليه الجميع: هذه خيالات... أنت لم تنزل النهر... هو ليس كائناً حياً... إنه جسم صلب جدا وأملس لا حياة فيه، كيف يزيد حجمه؟!.... قال الرجل: هذه أحدث كاميرا وأنا قمت بتصوير هذا الحجر منذ ساعتين؛ وكررت الصورة بنفس الأبعاد الآن... هناك زيادة مؤكدة في حجم الجسم، أنا متأكد... لم تقنع حجته أي أحد، ومضى الجميع إلى مقاصدهم...
الغريب أن الرجل كان صادقاً، فبعد مضي ساعات من النهار كان الجسم الغريب الصلب الأملس الثقيل الطافي على الماء قد قارب أن يسد النهر، لقد تمدد الجسم بالفعل... ما العمل؟!
تداعى الناس من جديد وتم الاتصال بالإدارة المحلية... اتصالات كثيرة ومكثفة.... لكن الإدارة لم ترسل ونشاً لانتشال الجسم من النهر إلا بعد مرور ساعات أخرى كان الجسم قد قارب أن يصنع جسر فوق ماء النهر!!... خمسة أوناش عملاقة كانت قادرة بالكاد على رفع الحجر عن سطح الماء.... الغريب أنه ما أن انفصل عن الماء حتى خف وزنه بشكل كبير!!
تم إحاطة الجسم بكردون؛ وقام رئيس الحي بكتابة تقرير للحكومة المركزية... كان الرجل متشككاً في روايات الأهالي، ولكنه ذكرها في التقرير لأن الشهادات كانت متطابقة... ولأن رئيس الحي كان متحيرا جدا في أمر هذا الجسم، كتب أنه مازال متشككاً فيما ذكره شهود العيان.
في عهدة بعض جنود الشرطة قضى الجسم ليلة على ضفة النهر، ومع بدء يوم عمل جديد كان رئيس الحي حاضراً ومعه رجال بأزاميل ومعدات تكسير وحفر.... حاول هؤلاء – يدوياً وباستخدام الآلات المتعددة – تكسير الحجر... لم يتمكنوا حتى من إحداث أي خدش فيه.
تقرير آخر من رئيس الحي للحكومة المركزية: "الأمر غريب فعلاً هذا ليس مجرد حجر عادي.... ربما يستحق الأمر تدخلاً من أي نوع من جانبكم لم نستطع الحصول على العينة المطلوبة منه".
القابعون خلف المكاتب في دواوين الحكومة بالعاصمة يثقل عليهم التحرك... لكن إلحاح رئيس الحي بسبب الأقاويل المنتشرة بين الأهالي دفع مسئول كبير للاتصال به: ضع الحجر تحت المراقبة لفترة.... البلد مشغولة بما هو أهم وأخطر من ذلك، استمر في وضع الكردون والحراسة ووافينا بأي تغيرات....
مع مرور الوقت أهمل أمر الجسم الغريب من الجميع؛ حتى أحاديث الأهالي توارت وانشغل الناس بأمور أخرى كالعادة....
طفل صغير؛ هو من ظل مشغولاً بأمر الحجر.... كان يتساءل.... الجسم يتأثر بالماء رغم أنه مُصمتٌ وأملس وشديد الصلابة!! هذا غريب، لماذا لا أجرب تأثره بالماء بنفسي؟!...
ظل الطفل – ذو الأعوام التسع – يتسلل إلى الحجر كل ليلة ويبول فوقه.... لم يكن الطفل يتبول في مكان واحد... كان الطفل من الذكاء حتى أنه استطاع أن يحدث تمددات ونتوءات في الحجر ...
ذات صباح؛ لاحظ أحد المارة أن الحجر تحول إلى ما يشبه تمثال ضخم لأحد الفراعنة!!
تجدد الاهتمام من الجميع وجاء مندوبو الحكومة المركزية هذه المرة، فالأمر لم يعد محتملاً ولا مقبولاً تجاهله... وما يحدث ليس له تفسير منطقي.
بعض الأهالي يعتقدون أن هذا الجسم جاء من الفضاء الخارجي، وأنه يتشكل ويتحور استعداداً للقيام على قدمين والسعي لتحطيم كل ما حوله.... كان الخوف حقيقياً ومبرراً؛ لدرجة أن بعض الأهالي عرض مسكنه للبيع وقرر الانتقال للعيش بعيداً عن هذا المجهول!!
بعض خطباء المساجد ادعوا أن هذه واحدة من علامات الساعة الكبرى، وقال آخرون بل من العلامات الصغرى.
إعلاميون أكدوا أن هذه مؤامرة جديدة من المؤامرات التي تحاك ضد البلد، ونسبوا تصريحات، وأذاعوا فيديوهات تؤكد ما يزعمون...
فجأة سمع الأهالي صوت انفجار.... الانفجار قادم من اتجاه الحجر الكبير الراقد على ضفة النهر... تدافعت الأهالي يسابقون رجال الشرطة والعسكريين إلى مكان الانفجار... إنها قنبلة يدوية الصنع وضعت بجوار الحجر لتحطيمه...لكن المحاولة لم تنجح، لم يخدش الحجر حتى عبر التفجير!!.... بعدها بساعات صدر بيان من تنظيم "داعش" يتبنى محاولة التفجير، وقال البيان أنه يجب التخلص من هذا لأنه مثير للفتنة....
تلاحظ توافد البسطاء من أماكن بعيدة للتبرك بالحجر أو الدعاء عنده؛ قال لهم أحد مشايخ طريقة صوفية أنه رأي في المنام أحد أجداده من الأولياء المؤسسين للطريقة وأنه أخبره أن تمثالاً له سوف يظهر على ضفة النهر في اليوم التاسع والعشرين من شهر فبراير، لم يتحقق أحد من صدق الشيخ بشأن الليلة، لكن البسطاء يتوافدون... منهم من يطلب جلب الرزق، ومنهم من يطلب الزواج بمن يحب... لم يقتصر الأمر على البساط فقد توافد أيضا أصحاب سيارات فارهة من سياسيين وحكوميين وفنانين لهم رجاء في كرامات الشيخ المزعوم!!...
امرأة مشردة تلبس أسمالاً تكشف من جسدها - الذي تنبعث منه روائح منتنة - أكثر مما تغطي؛ كانت تتخذ من مكان قريب على ضفة النهر مكاناً لها، لم يرها أحد تبتسم من قبل، تبدلت أحوالها بعد ظهور الجسم الغريب ورقاده قريباً منها... سمعها بعض المارة تضحك وتغني أغنية رومانسية حالمة وهي تمشط شعرها... كانت تغني لرجل غاب عنها فجأة منذ زمن ولكنه عاد الآن... عاد وسوف تكتمل عودته قريبا.... سوف يقوم من رقاده القديم.... وأخبرت بعض المتطفلين أن هذا الجسم الغريب هو حبيبها القديم الذي فقدته في حادث سيارة مؤلم وفقدت معه عقلها!!
اللجنة المشكلة من الحكومة المركزية حائرة تماما، حتى اللجنة الأخرى التي تحمل صفة "العلم" (مجموعة من العلماء المتخصصين في مجالات متعددة يتولون التعامل مع الحجر الذي تحول إلى تمثال) لم تتمكن من معرفة طبيعة الحجر ولا مكوناته، ولم تحسم أمرها في كونه حجر من الأساس... "لا يتوفر لدينا أي آلات أو وسائل علمية للتعرف على طبيعة هذا الجسم". كان هذا نص تقرير اللجنة.
قرر وزير السياحة اعتبار الحجر من المزارات السياحية؛ بعد أن انتشر خبره حول العالم وأصبح بالفعل قبلة للسائحين من دول عديدة...
هيئات عملية دولية اهتمت بالموضوع وطلبت معاينة الحجر ربما تستطيع بما تملك من وسائل حديثة أن تتعرف على مكوناته ومن أين أتى، رحبت الحكومة... ولكن أحدث وسائل العلم فشلت في التعرف على هذا الكائن!!
ذكر أحد المنجمين – في برنامج تلفزيوني - أن لديه كتباً قديمة ورد بها تفاصيل كثيرة عن هذا الجسم وموعد ظهوره، وادعى أنه كوكب من كواكب السماء كان يدور في فلك الأرض وأن علاقة حب قديمة تجمعه مع كوكب الأرض وقد أضناه الدوران طويلاً حولها فاستراح في حضن محبوبته.... وقريباً سوف يعود للدوران في فلكها!! ولكن عودته سوف تحدث تغيرات جذرية في كل العالم تغيرات سياسية واقتصادية وسوف يفنى نصف البشرية مرة واحدة أثناء صعوده للسماء!!
تم القبض على المنجم، وقيل أنه دجال وأنه اعترف بأنه لا يملك أية وثائق على كلامه وأنه قال ذلك ليحقق شهرة ومكسباً.
قال بعض الناس، اذهبوا إلى فلان إنه رجل طيب يصلي لله بإخلاص ولا يؤذي أحد، إن الحجب مكشوفة عنه وأحياناً ما يذكر بعض الوقائع قبل حدوثها لصفاء قلبه وقربه من الله.... اسألوه عن الحجر أو استدعوه لمعاينته ربما يكون لديه خبر يقين بشأنه؛ عندما وصل الرجل الطيب إلى مكان الحجر فارق الحياة.
- تمت -